الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكر وَالِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ بِطَرِيقٍ آخَرَ، فَقَالَ: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ مِنَّا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَتْقَى أبو بكر، وَذَهَبَ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ علي، وَالدَّلَالَةُ النَّقْلِيَّةُ تَرُدُّ ذَلِكَ وَتُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ هَذَا الْأَتْقَى أَفْضَلُ الْخَلْقِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] ، وَالْأَكْرَمُ هُوَ الْأَفْضَلُ، فَالْأَتْقَى الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ أَفْضَلُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ، وَالْأُمَّةُ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ الْخَلْقِ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِمَّا أبو بكر وَإِمَّا علي، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى علي، فَتَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أبي بكر، وَإِنَّمَا لَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهَا عَلَى عَلِيٍّ لِأَنَّهُ قَالَ عَقِيبَ صِفَةِ هَذَا الْأَتْقَى:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] ، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَصْدُقُ عَلَى علي؛ لِأَنَّهُ كَانَ فِي تَرْبِيَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، لِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ أَبِيهِ، فَكَانَ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ وَيَكْسُوهُ وَيُرَبِّيهِ، فَكَانَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم مُنْعِمًا عَلَيْهِ نِعْمَةً يَجِبُ جَزَاؤُهَا، أَمَّا أبو بكر فَلَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ نِعْمَةٌ دُنْيَوِيَّةٌ، بَلْ أبو بكر كَانَ يُنْفِقُ عَلَى الرَّسُولِ، وَإِنَّمَا كَانَ لِلرَّسُولِ عَلَيْهِ نِعْمَةُ الْهِدَايَةِ وَالْإِرْشَادِ إِلَى الدِّينِ، وَهَذِهِ النِّعْمَةُ لَا تُجْزَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الأنعام: 90] ، وَالْمَذْكُورُ هُنَا لَيْسَ مُطْلَقَ النِّعْمَةِ، بَلْ نِعْمَةٌ تُجْزَى، فَعُلِمَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَا تَصْلُحُ لعلي، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مَنْ كَانَ أَفْضَلَ الْخَلْقِ، وَثَبَتَ أَنَّ ذَلِكَ الْأَفْضَلَ مِنَ الْآيَةِ إِمَّا أبو بكر وَإِمَّا علي، وَثَبَتَ أَنَّ الْآيَةَ غَيْرُ صَالِحَةٍ لعلي، تَعَيَّنَ حَمْلُهَا عَلَى أبي بكر، وَثَبَتَ دَلَالَةُ الْآيَةِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ أبا بكر أَفْضَلُ الْأُمَّةِ. انْتَهَى كَلَامُ الْإِمَامِ.
[سُورَةُ الْقَدْرِ]
مَسْأَلَةٌ.
يَا مُفْرِدًا فَاقَ أَهْلَ الْعَصْرِ بَلْ سَلَفًا
…
وَصَارَ مُشْتَهِرًا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِالْأَفْرَادِ قَدْ شُهِرَتْ
…
وَهَلْ تُظَنُّ بِشَهْرِ الصَّوْمِ فِي الْأَزَلِ
أَوْ بِالْيَقِينِ وَبِالْعَشْرِ الْأَخِيرِ تُرَى
…
مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَا رَيْبٍ وَلَا جَدَلِ
وَإِنْ تَقُولُوا بِهِ مَاذَا أَوَائِلُهَا
…
هَلْ بِالْغُرُوبِ إِلَى فَجْرٍ يَلُوحُ جَلِي
وَهَلْ لِقَائِمِ نِصْفِ اللَّيْلِ مِنْ عَمَلٍ
…
مِنَ الْغُرُوبِ بِفَرْدِ الْعَشْرِ فِي وَجَلِ
يَدْعُو الْإِلَهَ مُظِنًّا أَنَّ دَعْوَتَهُ
…
قَدِ اسْتُجِيبَتْ بِنَيْلِ الْقَصْدِ وَالْأَمَلِ
أَفْتُوا عُبَيْدًا غَدَا مِمَّنْ يَلُوذُ بِكُمْ
…
يَرْجُو لَكُمْ كُلَّ قَدْرٍ تَقْصِدُونَ عَلِي
أَثَابَكُمْ رَبُّكُمْ جَنَّاتِهِ كَرَمًا
…
بِجَاهِ خَيْرِ الْبَرَايَا أَشْرَفِ الرُّسُلِ
الْجَوَابُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْحَمْدِ فِي الْأَزَلِ
…
ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ خَاتَمِ الرُّسُلِ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَقْوَالٌ وَعِدَّتُهَا
…
لِنَحْوِ خَمْسِينَ قَوْلًا يَا أَخِي صَلِّ
فَقِيلَ دَائِرَةٌ فِي الْعَامِ أَجْمَعِهِ
…
وَقِيلَ بَلْ نِصْفُ شَعْبَانٍ بِلَا زَلَلِ
وَرَجَّحُوا كَوْنَهَا شَهْرَ الصِّيَامِ أَتَتْ
…
وَذَاكَ ظَنٌّ قَوِيٌّ بِالدَّلِيلِ جَلِي
وَكَوْنُهَا فِيهِ دَارَتْ قَوْلُ طَائِفَةٍ
…
وَكَوْنُهَا فِي الْأَخِيرِ الْعَشْرِ فَهْوَ جَلِي
وَذَاكَ ظَنٌّ بِلَا قَطْعٍ وَأَوَّلُهَا
…
مِنَ الْغُرُوبِ إِلَى فَجْرِ الصَّبَاحِ جَلِي
وَمَنْ يَقُمْ نِصْفَ لَيْلٍ أَوْ أَقَلَّ حَوَى
…
فَضْلَ الْقِيَامِ بِهَا فَاقْصِدْ بِلَا وَجَلِ
بَلْ مَنْ يُصَلِّي الْعِشَا وَالصُّبْحَ ثُمَّتْ فِي
…
جَمَاعَةٍ حَازَ مِنْهَا الْحَظَّ فِي الْأَمَلِ
كَذَا أَتَى فِي حَدِيثٍ صَحَّ مُسْنَدُهُ
…
فَاقْبَلْهُ طَوْعًا وَكُنْ فِي الدِّينِ ذَا عَمَلِ
هَذَا جَوَابُ ابْنِ الْأَسْيُوطِيِّ مُرْتَجِيًا
…
مِنْ فَضْلِ خَالِقِهِ الْغُفْرَانَ لِلزَّلَلِ
بِرَوْضَةِ الْمُشْتَهِي خَطَّ الْجَوَابِ لَدَى
…
شَوَّالٍ مِنْ عَامِ تِسْعِينَ بِلَا مَلَلِ
مَسْأَلَةٌ: فِي كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ مِنَ اللَّهِ، هَلْ يَتَلَقَّاهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى بِكَلَامٍ يَفْهَمُهُ الْمَلَكُ أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعِبْرَانِيِّ، وَهَلْ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ إِلَى جِبْرِيلَ أَوْ جِبْرِيلُ الْمُتَلَقِّي مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] وَفُسِّرَ بِنُزُولِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ، مَا كَيْفِيَّةُ نُزُولِهِ إِلَيْهِ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى لِلْقَلَمِ: اكْتُبْ مَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، هَلْ يَكُونُ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يُلْهِمُهُ لِلْقَلَمِ أَوْ بِإِمْلَاءٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى؟ وَكَيْفَ أَخَذَ الْمَلَكُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؟ هَلْ يَقُولُ اللَّهُ لَهُ: الْيَوْمُ الْفُلَانِيُّ يَقَعُ فِيهِ كَذَا خُذْهُ مِنَ اللَّوْحِ؟ أَوْ يَوْمَ يَقَعُ فِيهِ يَقُولُ لَهُ: خُذْهَا وَأَلْقِهَا إِلَى النَّبِيِّ؟ وَهَلْ تَنَامُ الْمَلَائِكَةُ؟ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى} [النجم: 10] هَلِ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ الْوَحْيِ مَلَكٌ أَوْ ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأَحَدٍ.
الْجَوَابُ: قَالَ الأصبهاني فِي أَوَائِلِ تَفْسِيرِهِ: اتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُنَزَّلٌ، وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْإِنْزَالِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِظْهَارُ الْقِرَاءَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْهَمَ كَلَامَهُ جِبْرِيلَ وَعَلَّمَهُ قِرَاءَتَهُ، ثُمَّ جِبْرِيلُ أَدَّاهُ فِي الْأَرْضِ. وَقَالَ الطيبي فِي حَاشِيَةِ الْكَشَّافِ: لَعَلَّ نُزُولَ الْقُرْآنِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتَلَقَّفَهُ الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا
رُوحَانِيًّا، أَوْ يَحْفَظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَيَنْزِلَ بِهِ إِلَى الرَّسُولِ وَيُلْقِيَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ الْقُطْبُ الرازي فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ: الْمُرَادُ بِإِنْزَالِ الْكُتُبِ عَلَى الرُّسُلِ أَنْ يَتَلَقَّفَهَا الْمَلَكُ مِنَ اللَّهِ تَلَقُّفًا رُوحَانِيًّا، أَوْ يَحْفَظَهَا مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَيَنْزِلَ بِهَا فَيُلْقِيَهَا عَلَيْهِمْ. انْتَهَى. وَقَدْ سَأَلْتُ شَيْخَنَا الْعَلَّامَةَ محيي الدين الكافيجي عَنْ كَيْفِيَّةِ التَّلَقُّفِ الرُّوحَانِيِّ فَقَالَ لِي: لَا يُكَيَّفُ. وَقَالَ الزركشي: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُنَزَّلِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ اللَّفْظُ وَالْمَعْنَى، وَأَنَّ جِبْرِيلَ حَفِظَ الْقُرْآنَ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَزَلَ بِهِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَحْرُفَ الْقُرْآنِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ كُلُّ حَرْفٍ مِنْهَا بِقَدْرِ جَبَلِ قَافٍ.
وَالثَّانِي أَنَّ جِبْرِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِالْمَعَانِي خَاصَّةً، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ تِلْكَ الْمَعَانِيَ وَعَبَّرَ عَنْهَا بِلُغَةِ الْعَرَبِ. وَتَمَسَّكَ قَائِلُ هَذَا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء: 193 - 194] .
وَالثَّالِثُ أَنَّ جِبْرِيلَ أَلْقَى عَلَيْهِ الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ عَبَّرَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ بِلُغَةِ الْعَرَبِ، وَأَنَّ أَهْلَ السَّمَاءِ يَقْرَءُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِهِ كَذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] يُرِيدُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - إِنَّا أَسْمَعْنَاهُ الْمَلَكَ وَأَفْهَمْنَاهُ إِيَّاهُ، وَأَنْزَلْنَاهُ بِمَا سَمِعَ، فَيَكُونُ الْمَلَكُ هُوَ الْمُنْتَقِلَ بِهِ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى أَسْفَلُ، قَالَ أبو شامة: وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
فَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ كَلَامِ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ فِي كَيْفِيَّةِ تَلَقِّي جِبْرِيلَ الْوَحْيَ، وَحَاصِلُ مَا فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ: أَحَدُهَا أَنَّهُ أُلْهِمَهُ، وَالثَّانِي أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ حَفِظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ. وَقَوْلُ التَّلَقُّفِ الرُّوحَانِيِّ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ الْإِلْهَامُ، فَلَا يَكُونُ قَوْلًا رَابِعًا، وَقَدْ سُئِلَ الْإِمَامُ أبو إسحاق إسماعيل البخاري الصفار عَنْ تَبْلِيغِ الْوَحْيِ مِنْ جِبْرِيلَ إِلَى أَنْبِيَاءِ اللَّهِ، هَلْ سَمِعَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى جُمْلَةً أَمْ جَاءَ بِهِ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ؟ قَالَ: كِلَا الْوَجْهَيْنِ جَائِزٌ، وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْقَدْرِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّعَ جِبْرِيلَ كُلَّهُ جُمْلَةً وَاحِدَةً، ثُمَّ أَمْلَاهُ جِبْرِيلُ عَلَى السَّفَرَةِ - وَهُمْ مَلَائِكَةٌ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا - لِكَيْ لَا يَكُونَ لَهُمُ احْتِيَاجٌ حِينَ أَسْمَعَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى الْقُرْآنَ. وَذَكَرَ الْفَقِيهُ الزَّاهِدُ أبو الليث فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الدُّخَانِ وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب: 8] وَقَالَ فِي سُورَةِ الدُّخَانِ: جَاءَ بِهَا جُمْلَةً وَاحِدَةً مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ نُجُومًا [نُجُومًا] . وَذَكَرَ الدينوري أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ اللَّهِ جُمْلَةً ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُتَفَرِّقًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
جَاءَ جِبْرِيلُ عليه السلام بِهِ سَمَاعًا مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَإِسْرَافِيلُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ جُمْلَةً وَاحِدَةً إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عليه السلام عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم مُتَفَرِّقًا، وَيُقَالُ: جَاءَ بِهِ جِبْرِيلُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ بِمَا يَحْتَاجُ لَهُ مِنْ سَنَةٍ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، ثُمَّ نَزَلَ بِهِ عَلَى مُحَمَّدٍ مُتَفَرِّقًا.
وَقَدْ نَظَرْتُ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ فَوَجَدْتُهَا أَيْضًا مُخْتَلِفَةً، وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ النواس بن سمعان مَرْفُوعًا:" «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ أَخَذَتِ السَّمَاءُ رَجْفَةٌ شَدِيدَةٌ، فَإِذَا سَمِعَ ذَلِكَ أَهْلُ السَّمَاءِ صَعِقُوا وَخَرُّوا سُجَّدًا، فَيَكُونُ أَوَّلُهُمْ يَرْفَعُ رَأْسَهُ جِبْرِيلَ، فَيُكَلِّمُهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ بِمَا أَرَادَ، فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ، كُلَّمَا مَرَّ بِسَمَاءٍ سَأَلَهُ أَهْلُهَا: مَاذَا قَالَ رَبُّنَا؟ قَالَ: الْحَقَّ، فَيَنْتَهِي بِهِ إِلَى حَيْثُ أُمِرَ» " وَأَخْرَجَ ابن مردويه مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ: " «إِذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ صَلْصَلَةً فَيَفْزَعُونَ» " الْحَدِيثَ، هَذَانِ الْحَدِيثَانِ شَاهِدَانِ لِلْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّ جِبْرِيلَ يَسْمَعُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ وَأَبُو الشَّيْخِ ابْنُ حَيَّانَ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنِ ابن سابط قَالَ:" فِي أُمِّ الْكِتَابِ كُلُّ شَيْءٍ هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وُكِّلَ بِهِ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَوُكِّلَ جِبْرِيلُ بِالْكُتُبِ وَالْوَحْيِ إِلَى الْأَنْبِيَاءِ وَالنَّصْرِ عِنْدَ الْحُرُوبِ، وَبِالْهَلَكَاتِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُهْلِكَ قَوْمًا، وَوُكِّلَ مِيكَائِيلُ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَوُكِّلَ مَلَكُ الْمَوْتِ بِقَبْضِ الْأَنْفُسِ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ عَارَضُوا بَيْنَ حِفْظِهِمْ وَبَيْنَ مَا كَانَ فِي أُمِّ الْكِتَابِ فَيَجِدُونَهُ سَوَاءً ". فَهَذَا شَاهِدٌ لِلْقَوْلِ الثَّالِثِ: أَنَّ جِبْرِيلَ حَفِظَ الْوَحْيَ مِنْ أُمِّ الْكِتَابِ وَهُوَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " «بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ جِبْرِيلُ يُنَاجِيهِ إِذِ انْشَقَّ أُفُقُ السَّمَاءِ وَنَزَلَ مَلَكٌ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَيُخَيِّرُكَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ نَبِيًّا مَلِكًا أَوْ نَبِيًّا عَبْدًا، قَالَ: فَقُلْتُ: نَبِيٌّ عَبْدٌ، فَعَرَجَ ذَلِكَ الْمَلَكُ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا إِسْرَافِيلُ، خَلَقَهُ اللَّهُ بَيْنَ يَدَيْهِ صَافًّا قَدَمَيْهِ لَا يَرْفَعُ طَرْفَهُ، بَيْنَ يَدَيْهِ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ، فَإِذَا أَذِنَ اللَّهُ فِي شَيْءٍ مِنَ السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ ارْتَفَعَ ذَلِكَ اللَّوْحُ فَضَرَبَ جَبْهَتَهُ فَيَنْظُرُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِي أَمَرَنِي بِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ عَمَلِ مِيكَائِيلَ أَمَرَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ عَمَلِ مَلَكِ الْمَوْتِ أَمَرَهُ بِهِ» " الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي زَيْدٍ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنْ كعب قَالَ: إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ أَمْرًا جَاءَ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ حَتَّى يُصَفِّقَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ فَيَرْفَعَ رَأْسَهُ فَيَنْظُرَ، فَإِذَا الْأَمْرُ مَكْتُوبٌ، فَيُنَادِي جِبْرِيلَ فَيُلَبِّيهِ، فَيَقُولُ: أُمِرْتَ بِكَذَا أُمِرْتَ بِكَذَا، فَيَهْبِطُ جِبْرِيلُ عَلَى النَّبِيِّ فَيُوحِي إِلَيْهِ. وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الْعَظَمَةِ عَنْ أبي بكر الهذلي قَالَ: إِذَا أَمَرَ اللَّهُ بِالْأَمْرِ
تَدَلَّتِ الْأَلْوَاحُ عَلَى إِسْرَافِيلَ بِمَا فِيهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَيَنْظُرُ فِيهَا إِسْرَافِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلَ فَيُجِيبُهُ. وَذَكَرَ نَحْوَهُ. وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ أبي سنان قَالَ: اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ مُعَلَّقٌ بِالْعَرْشِ، فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُوحِيَ بِشَيْءٍ كَتَبَ فِي اللَّوْحِ، فَيَجِيءُ اللَّوْحُ حَتَّى يَقْرَعَ جَبْهَةَ إِسْرَافِيلَ، فَيَنْظُرَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ السَّمَاءِ دَفَعَهُ إِلَى مِيكَائِيلَ، وَإِنْ كَانَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ دَفَعَهُ إِلَى جِبْرِيلَ. الْحَدِيثَ، وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ اسْتَوْفَيْتُهَا فِي كِتَابِي الَّذِي أَلَّفْتُهُ فِي أَخْبَارِ الْمَلَائِكَةِ، مِنْهَا مَا أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ عَنْ عبد الرحمن بن سابط قَالَ: يُدَبِّرُ أَمْرَ الدُّنْيَا أَرْبَعَةٌ: جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ وَإِسْرَافِيلُ، فَأَمَّا جِبْرِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالرِّيَاحِ وَالْجُنُودِ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَمُوَكَّلٌ بِالْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ فَهُوَ يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ عَلَيْهِمْ. وَمَا أَخْرَجَهُ أَبُو الشَّيْخِ عَنْ عكرمة بن خالد:«أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ الْمَلَائِكَةِ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ؟ فَقَالَ: " جِبْرِيلُ وَمِيكَائِيلُ وَإِسْرَافِيلُ وَمَلَكُ الْمَوْتِ، فَأَمَّا جِبْرِيلُ صَاحِبُ الْحَرْبِ وَصَاحِبُ الْمُرْسَلِينَ، وَأَمَّا مِيكَائِيلُ فَصَاحِبُ الْقَطْرِ وَالنَّبَاتِ، وَأَمَّا مَلَكُ الْمَوْتِ فَمُوَكَّلٌ بِقَبْضِ الْأَرْوَاحِ، وَأَمَّا إِسْرَافِيلُ فَأَمِينُ اللَّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ» ".
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ تَدُلُّ عَلَى أَمْرٍ خِلَافِ الْقَوْلَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَهُوَ أَنَّ جِبْرِيلَ يَأْخُذُ الْوَحْيَ مِنْ إِسْرَافِيلَ، وَإِسْرَافِيلُ يَأْخُذُهُ مِمَّا كُتِبَ تِلْكَ السَّاعَةَ فِي اللَّوْحِ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ لِمَنْ تَأَمَّلَ فَلَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ.
وَقَوْلُ السَّائِلِ: أَوْ بِالْعَرَبِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ لِلنَّبِيِّ الْعِبْرَانِيِّ.
جَوَابُهُ: مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، قَالَ: لَمْ يَنْزِلْ وَحْيٌ إِلَّا بِالْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ تَرْجَمَ كُلُّ نَبِيٍّ لِقَوْمِهِ. وَقَوْلُهُ: هَلْ يُلْقِيهِ الْمَلَكُ إِلَى جِبْرِيلِ أَوْ جِبْرِيلُ الْمُتَلَقِّي مِنَ اللَّهِ؟ تَقَدَّمَ فِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ مُخْتَلِفَةٌ بَعْضُهَا شَاهِدٌ لِلْأَوَّلِ وَبَعْضُهَا شَاهِدٌ لِلثَّانِي.
وَقَوْلُهُ: مَا كَيْفِيَّةُ نُزُولِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ؟ ذَكَرَ علي بن سهل النيسابوري فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ أَنَّ جِبْرِيلَ حَفِظَهُ مِنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، ثُمَّ أَتَى بِهِ إِلَى بَيْتِ الْعِزَّةِ فَأَمْلَاهُ عَلَى السَّفَرَةِ الْكَتَبَةُ، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{بِأَيْدِي سَفَرَةٍ - كِرَامٍ بَرَرَةٍ} [عبس: 15 - 16] وَتَابَعَهُ الْإِمَامُ عَلَمُ الدِّينِ السَّخَاوِيُّ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ جَمَالِ الْقُرَّاءِ: نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، وَأَمَرَهُ سُبْحَانَهُ بِإِمْلَائِهِ عَلَى السَّفَرَةِ الْكِرَامِ وَإِنْسَاخِهِمْ إِيَّاهُ وَتِلَاوَتِهِمْ لَهُ. وَأَمَّا سُؤَالُ الْقَلَمِ فَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ اللَّهَ أَجْرَاهُ بِالْكِتَابَةِ لِمَا هُوَ كَائِنٌ، بِقُدْرَةٍ مِنَ اللَّهِ لَا بِالْإِمْلَاءِ وَلَا بِالْإِلْهَامِ ; لِأَنَّهُمَا إِنَّمَا يَكُونَانِ لِلْحَيَوَانِ، وَالْقَلَمُ مِنْ نَوْعِ الْجَمَادِ، وَخِطَابُهُ وَرَدُّهُ الْجَوَابَ مِنْ
بَابِ خِطَابِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] . وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْعَرْشَ اسْتَوَى عَلَيْهِ، ثُمَّ خَلَقَ الْقَلَمَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَجْرِيَ بِإِذْنِهِ، فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ، فَأَثْبَتَهُ اللَّهُ فِي الْكِتَابِ الْمَكْنُونِ. فَقَوْلُهُ: بِإِذْنِهِ ; أَيْ بِقُدْرَتِهِ، أَيْ أَوْجَدَ الْكِتَابَةَ فِي اللَّوْحِ بِمَرِّ الْقَلَمِ عَلَيْهِ بِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ بِهِ مَا هُوَ خَالِقٌ وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، فَإِدْخَالُ بَاءِ الْآلَةِ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُ كَتَبَ إِلَى اللَّهِ، صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْقَلَمَ آلَةٌ وَالْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَقَوْلُ السَّائِلِ: وَكَيْفَ أَخَذَ الْمَلَكُ الْوَحْيَ مِنَ اللَّوْحِ. . . إِلَى آخِرِهِ؟
جَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي أَثَرِ كعب وَشِبْهِهِ.
وَقَوْلُهُ: وَهَلْ تَنَامُ الْمَلَائِكَةُ؟ لَمْ أَقِفْ عَلَى شَيْءٍ فِي ذَلِكَ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:{يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: 20] أَنَّهُمْ لَا يَنَامُونَ.
وَقَوْلُهُ: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ} [النجم: 10] إِلَى آخِرِهِ، مِنْ جُمْلَةِ مَا أَوْحَاهُ إِلَيْهِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ فَرْضُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي أَشْيَاءَ أُخَرَ بَيَّنَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلنَّاسِ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِبَيَانِهِ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ ادَّعَى أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ كَلِمَةٍ بِقَدْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ، وَالِاشْتِغَالَ بِهَا أَفْضَلُ مِنَ الْقُرْآنِ، يَعْنِي التِّلَاوَةَ وَالذِّكْرَ، مُتَمَسِّكًا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «أَفْضَلُ كَلِمَةٍ قُلْتُهَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» "، فَهَلْ مَا يَقُولُ مُسْتَقِيمٌ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:" «فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ» "؟ وَأَيْضًا فَالْقُرْآنُ تَحْرُمُ تِلَاوَتُهُ عَلَى الْجُنُبِ وَمَسُّهُ عَلَى الْمُحْدِثِ، بِخِلَافِ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِهِ.
الْجَوَابُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مِنْ جُمْلَةِ كَلِمَاتِ الْقُرْآنِ، فَتَفْضِيلُهَا عَلَى بَقِيَّةِ كَلِمَاتِهِ مِنْ بَابِ تَفْضِيلِ بَعْضِ الْقُرْآنِ عَلَى بَعْضٍ، لَا مِنْ بَابِ تَفْضِيلِ غَيْرِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُرْآنِ.
مَسْأَلَةٌ: مَا كَيْفِيَّةُ مَا حُزِّبَ الْقُرْآنُ هَلْ هُوَ بَعَدِّ الْآيَاتِ أَمْ غَيْرِهَا؟
الْجَوَابُ: حُزِّبَ بَعْضُ الْحُرُوفِ لَا الْآيَاتُ وَلَا الْكَلِمَاتُ، وَاللَّهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ.