المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الحبل الوثيق في نصرة الصديق] - الحاوي للفتاوي - جـ ١

[الجلال السيوطي]

فهرس الكتاب

- ‌[الفتاوى الفقهية] [

- ‌مقدمة المؤلف]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْآنِيَةِ]

- ‌[بَابُ أَسْبَابِ الْحَدَثِ]

- ‌[بَابُ الْوُضُوءِ]

- ‌[بَابُ مَسْحِ الْخُفِّ]

- ‌[بَابُ الْغُسْلِ]

- ‌[بَابُ النَّجَاسَةِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[تُحْفَةُ الْأَنْجَابِ بِمَسْأَلَةِ السِّنْجَابِ]

- ‌[بَابُ التَّيَمُّمِ]

- ‌[بَابُ الْحَيْضِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْحَظُّ الْوَافِرُ مِنَ الْمَغْنَمِ فِي اسْتِدْرَاكِ الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ]

- ‌[بَابُ الْمَوَاقِيتِ]

- ‌[بَابُ الْأَذَانِ]

- ‌[بَابُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ]

- ‌[بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[ذِكْرُ التَّشْنِيعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّسْمِيعِ]

- ‌[بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ]

- ‌[بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ النَّفْلِ]

- ‌[قَوْلُهُ فِي دُعَاءِ الْقُنُوتِ وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ هَلْ هُوَ بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ أَوْ بِالْمُعْجَمَةِ]

- ‌[جُزْءٌ فِي صَلَاةِ الضُّحَى]

- ‌[ذِكْرُ اسْتِنْبَاطِهَا مِنَ الْقُرْآنِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا]

- ‌[الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْأَمْرِ بِهَا وَالتَّرْغِيبِ فِيهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[بَسْطُ الْكَفِّ فِي إِتْمَامِ الصَّفِّ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[اللُّمْعَةُ فِي تَحْرِيرِ الرَّكْعَةِ لِإِدْرَاكِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[ضَوْءُ الشَّمْعَةِ فِي عَدَدِ الْجُمُعَةِ]

- ‌[بَابُ اللِّبَاسِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْجَوَابُ الْحَاتِمُ عَنْ سُؤَالِ الْخَاتَمِ]

- ‌[ثَلْجُ الْفُؤَادِ فِي أَحَادِيثِ لُبْسِ السَّوَادِ]

- ‌[بَابُ الْعِيدِ]

- ‌[وُصُولُ الْأَمَانِي بِأُصُولِ التَّهَانِي]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْفَضَائِلِ الْعَلِيَّةِ وَالْمَنَاقِبِ الدِّينِيَّةِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالتَّوْبَةِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْعَافِيَةِ مِنَ الْمَرَضِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِتَمَامِ الْحَجِّ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ الْحَجِّ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْقُدُومِ مِنَ الْغَزْوِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالنِّكَاحِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْمَوْلُودِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِشَهْرِ رَمَضَانَ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالْعِيدِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالثَّوْبِ الْجَدِيدِ]

- ‌[التَّهْنِئَةُ بِالصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ]

- ‌[كِتَابُ الْجَنَائِزِ] [

- ‌مَسْأَلَةٌ سَقْطٌ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَلَمْ يَخْتَلِجْ وَقَدْ بَلَغَ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا هَلْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ]

- ‌[الْفَوَائِدُ الْمُمْتَازَةُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[بَذْلُ الْعَسْجَدِ لِسُؤَالِ الْمَسْجِدِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[كِتَابُ الْبَيْعِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[بَابُ الرِّبَا]

- ‌[بَابُ الْخِيَارِ]

- ‌[بَابُ الْإِقَالَةِ]

- ‌[بَابُ السَّلَمِ]

- ‌[أَسْلَمَ فِي سَبْعَةَ عَشَرَ إِرْدَبًّا أُرْزًا إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ وَأَقْبَضَ]

- ‌[قَدْحُ الزَّنْدِ فِي السَّلَمِ فِي الْقَنْدِ]

- ‌[بَابُ الْقَرْضِ] [

- ‌اقْتَرَضَ جَارِيَةً مَجُوسِيَّةً]

- ‌[قَطْعُ الْمُجَادَلَةِ عِنْدَ تَغْيِيرِ الْمُعَامَلَةِ]

- ‌[بَابُ الرَّهْنِ]

- ‌[بَابُ الصُّلْحِ]

- ‌[بَابُ الْحَوَالَةِ]

- ‌[بَابُ الضَّمَانِ]

- ‌[بَابُ الْإِبْرَاءِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[بَذْلُ الْهِمَّةِ فِي طَلَبِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ]

- ‌[بَابُ الشَّرِكَةِ]

- ‌[بَابُ الْوَكَالَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِقْرَارِ]

- ‌[بَابُ الْغَصْبِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[هَدْمُ الْجَانِي عَلَى الْبَانِي]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْمَرْفُوعَةِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَرَدَ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ]

- ‌[ذِكْرُ نَقُولِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ فِي ذَلِكَ]

- ‌[بَابُ الْقِرَاضِ]

- ‌[بَابُ الْمُزَارَعَةِ]

- ‌[بَابُ الْإِجَارَةِ]

- ‌[بَابُ الْجَعَالَةِ]

- ‌[بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْبَارِعُ فِي إِقْطَاعِ الشَّارِعِ]

- ‌[الْجَهْرُ بِمَنْعِ الْبُرُوزِ عَلَى شَاطِئِ النَّهْرِ]

- ‌[ذِكْرُ نُقُولِ مَذْهَبِنَا]

- ‌[ذِكْرُ نُقُولِ الْمَالِكِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ نُقُولِ الْحَنَفِيَّةِ]

- ‌[ذِكْرُ نُقُولِ الْحَنَابِلَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي إِثْمِ مَنْ ظَلَمَ شَيْئًا مِنَ الْأَرْضِ وَطَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ]

- ‌[بَابُ الْوَقْفِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[الْإِنْصَافُ فِي تَمْيِيزِ الْأَوْقَافِ]

- ‌[كَشْفُ الضَّبَابَةِ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنَابَةِ]

- ‌[الْمَبَاحِثُ الزَّكِيَّةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الدِّوْرِكِيَّةِ]

- ‌[الْقَوْلُ الْمُشَيَّدُ فِي وَقْفِ الْمُؤَيَّدِ]

- ‌[بَابُ الْفَرَائِضِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[الْبَدْرُ الَّذِي انْجَلَى فِي مَسْأَلَةِ الْوَلَا]

- ‌[بَابُ الْوَصَايَا]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّدَاقِ]

- ‌[بَابُ الْوَلِيمَةِ]

- ‌[تَقْبِيلُ الْخُبْزِ هَلْ هُوَ بِدْعَةٌ أَمْ لَا]

- ‌[حُسْنُ الْمَقْصِدِ فِي عَمَلِ الْمَوْلِدِ]

- ‌[بَابُ الْخُلْعِ]

- ‌[بَابُ الطَّلَاقِ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[الْقَوْلُ الْمُضِيُّ فِي الْحِنْثِ فِي الْمُضِيِّ]

- ‌[فَتْحُ الْمَغَالِقِ مِنْ أَنْتِ تَالِقٌ]

- ‌[الْمُنْجَلِي فِي تَطَوُّرِ الْوَلِيِّ]

- ‌[بَابُ اللِّعَّانِ]

- ‌[كِتَابُ النَّفَقَاتِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[النُّقُولُ الْمُشْرِقَةُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ]

- ‌[تَنْزِيهُ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ تَسْفِيهِ الْأَغْبِيَاءِ]

- ‌[بَابُ الْجِهَادِ]

- ‌[كِتَابُ الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ] [

- ‌الرَّمْيِ بِالْبُنْدُقِ فِي الْفَلَوَاتِ عَلَى الطُّيُورِ]

- ‌[بَابُ الْأَطْعِمَةِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌[كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ]

- ‌[بَابُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ]

- ‌[وَضَعُوا أَيْدِيَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ عَلَى دَارٍ فَادَّعَى أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَمْلِكُ جَمِيعَهَا]

- ‌[حُسْنُ التَّصْرِيفِ فِي عَدَمِ التَّحْلِيفِ]

- ‌[بَابُ الشَّهَادَاتِ]

- ‌[بَابٌ جَامِعٌ]

- ‌[مسائل متفرقة]

- ‌[الْقَوْلُ الْمَشْرِقُ فِي تَحْرِيمِ الِاشْتِغَالِ بِالْمَنْطِقِ]

- ‌[رَفْعُ الْبَاسِ وَكَشْفُ الِالْتِبَاسِ فِي ضَرْبِ الْمَثَلِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالِاقْتِبَاسِ]

- ‌[ذِكْرُ مَنِ اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ غَيْرِ مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ]

- ‌[وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ مَا نَحْنُ فِيهِ وَكَفَى بِهِ حُجَّةً]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ رضي الله عنه مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مِنْ ذَلِكَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا وَقَعَ لِحُجَّةِ الْإِسْلَامِ الْغَزَالِيِّ مِنَ اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ]

- ‌[ذِكْرُ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ فِي خُطْبَةِ كِتَابِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ تَضْمِينِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا اسْتَعْمَلَهُ الشَّيْخُ بَهَاءُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ مِنْ ذَلِكَ فِي خُطْبَةِ كِتَابِ عَرُوسِ الْأَفْرَاحِ فِي شَرْحِ تَلْخِيصِ الْمِفْتَاحِ]

- ‌[ذِكْرُ مَا اسْتَعْمَلَهُ الْعَلَّامَةُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ الْوَرْدِيِّ فِي مَقَامَتِهِ الْحُرْقَةِ لِلْخِرْقَةِ]

- ‌[أَسْئِلَةٌ وَارِدَةٌ مَنِ التَّكْرُورِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ]

- ‌[الْفَتَاوَى الْأُصُولِيَّةُ]

- ‌[الْفَتَاوَى الْقُرْآنِيَّةُ] [

- ‌سُورَةُ الْفَاتِحَةِ] [

- ‌سبب افتتاح القرآن الكريم بها]

- ‌[الْقُذَاذَةُ فِي تَحْقِيقِ مَحَلِّ الِاسْتِعَاذَةِ]

- ‌[سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ]

- ‌[سُورَةُ النِّسَاءِ]

- ‌[سُورَةُ الْأَعْرَافِ]

- ‌[سُورَةُ بَرَاءَةَ]

- ‌[سُورَةُ يُونُسَ]

- ‌[سُورَةُ هُودٍ]

- ‌[سُورَةُ يُوسُفَ] [

- ‌أسئلة عن سورة يوسف]

- ‌[دَفْعُ التَّعَسُّفِ عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ]

- ‌[سُورَةُ الْحِجْرِ]

- ‌[سُورَةُ النَّحْلِ]

- ‌[سُورَةُ الْإِسْرَاءِ]

- ‌[سُورَةُ الْكَهْفِ]

- ‌[سُورَةُ طه]

- ‌[سُورَةُ الْفُرْقَانِ]

- ‌[سُورَةُ الشُّعَرَاءِ]

- ‌[سُورَةُ الْأَحْزَابِ]

- ‌[سُورَةُ سَبَأٍ]

- ‌[سُورَةُ يس]

- ‌[سُورَةُ الصَّافَّاتِ]

- ‌[سُورَةُ الْفَتْحِ]

- ‌[سُورَةُ الْوَاقِعَةِ]

- ‌[سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ]

- ‌[سُورَةُ الْمُلْكِ]

- ‌[سُورَةُ الْمُدَّثِّرِ]

- ‌[سُورَةُ وَالْمُرْسَلَاتِ]

- ‌[سُورَةُ اللَّيْلِ] [

- ‌سبب نزول لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى

- ‌[الْحَبْلُ الْوَثِيقُ فِي نُصْرَةِ الصِّدِّيقِ]

- ‌[سُورَةُ الْقَدْرِ]

- ‌[الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةُ] [

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْأَخْبَارُ الْمَأْثُورَةُ فِي الِاطِّلَاءِ بِالنُّورَةِ]

- ‌[حكم الِاطِّلَاءِ بِالنُّورَةِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَنَوَّرَ]

- ‌[ذِكْرُ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ]

- ‌[ذِكْرُ الْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَنَوَّرْ]

- ‌[كِتَابُ الصَّلَاةِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْجَوَابُ الْحَزْمُ عَنْ حَدِيثِ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ]

- ‌[الْمَصَابِيحُ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ]

- ‌[كِتَابُ الصِّيَامِ]

- ‌[كِتَابُ الْحَجِّ]

- ‌[كِتَابُ النِّكَاحِ]

- ‌[كِتَابُ الْجِنَايَاتِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَدَبِ وَالرَّقَائِقِ] [

- ‌مسائل متفرقة]

- ‌[الْقَوْلُ الْجَلِيُّ فِي حَدِيثِ الْوَلِيِّ]

- ‌[قَطْفُ الثَّمَرِ فِي مُوَافَقَاتِ عُمَرَ]

- ‌[إِعْمَالُ الْفِكْرِ فِي فَضْلِ الذِّكْرِ]

- ‌[نَتِيجَةُ الْفِكْرِ فِي الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ]

- ‌[ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْجَهْرِ بِالذِّكْرِ تَصْرِيحًا أَوِ الْتِزَامًا]

- ‌[الدُّرُّ الْمُنَظَّمُ فِي الِاسْمِ الْأَعْظَمِ]

الفصل: ‌[الحبل الوثيق في نصرة الصديق]

[سُورَةُ اللَّيْلِ] [

‌سبب نزول لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى

..]

مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى - وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 15 - 17] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، هَلْ نَزَلَتْ فِي رَجُلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ؟ وَمَا سَبَبُ نُزُولِهَا؟ وَهَلِ الْمُرَادُ بِالْأَتْقَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ؟

الْجَوَابُ: أَخْرَجَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ جَرِيرٍ وابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِمَا عَنْ عبد الله بن الزبير، وَابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، حَيْثُ اشْتَرَى سَبْعَةً كُلُّهُمْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ وَأَعْتَقَهُمْ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: إِنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي قَالَهُ أَهْلُ التَّأْوِيلِ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي أبي بكر رضي الله عنه، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أبي بكر، وَأَنَّ مَا قَبْلَهَا نَزَلَ فِي أمية بن خلف، وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أبي بكر الواحدي فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ، والسهيلي فِي التَّعْرِيفِ وَالْأَعْلَامِ، وَقَالَ القرطبي فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَشْقَى: أمية بن خلف، وَالْأَتْقَى: أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: أَرَادَ بِالْأَشْقَى وَالْأَتْقَى الشَّقِيَّ وَالتَّقِيَّ، وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ وَضَعَّفَهُ، وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ تَوَارَدَتْ خَلَائِقُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُحْصَوْنَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي أبي بكر، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[الْحَبْلُ الْوَثِيقُ فِي نُصْرَةِ الصِّدِّيقِ]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى، وَبَعْدُ، فَقَدْ رُفِعَ إِلَيَّ سُؤَالٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى - الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى - وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 15 - 18] ) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، هَلْ نَزَلَ ذَلِكَ فِي رَجُلَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ؟ وَمَا سَبَبُ نُزُولِهِ؟ وَهَلِ الْمُرَادُ بِالْأَتْقَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَوِ الْآيَةُ عَامَّةٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ؟ وَذَكَرَ السَّائِلُ أَنَّ السَّبَبَ فِي هَذَا السُّؤَالِ أَنَّ الْأَمِيرَ ازدمر حَاجِبَ الْحُجَّابِ وَالْأَمِيرَ خاير بك مِنْ حَدِيدٍ وَقَعَ بَيْنَهُمَا تَنَازُعٌ فِي أبي بكر رضي الله عنه: هَلْ هُوَ أَفْضَلُ الصَّحَابَةِ؟ وَأَنَّ خاير بك قَائِلٌ بِذَلِكَ، وَأَنَّ ازدمر

ص: 387

يُنْكِرُ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ طَالَبَ خاير بك بِدَلِيلٍ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ أبا بكر أَفْضَلُ، وَأَنَّ خاير بك اسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] ؛ فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أبي بكر، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] وَأَنَّ ازدمر قَالَ: الْأَتْقَى عَامٌّ فِي أبي بكر وَغَيْرِهِ، وَطَالَبَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ بِشَهَادَةِ الْعُلَمَاءِ لَهُ بِنَصْرِهِ قَوْلَهُ، وَأَنَّ الشَّيْخَ شمس الدين الجوجري كَتَبَ عَلَى سُؤَالٍ نَظِيرِ هَذَا السُّؤَالِ. فَقُلْتُ: أَرِنِي مَا كَتَبَ. فَأَرَانِيهِ، فَإِذَا فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ نَزَلَتْ فِي أبي بكر فَإِنَّهَا عَامَّةُ الْمَعْنَى؛ إِذِ الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ، لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَقُلْتُ: هَذَا شَأْنُ مَنْ يُلْقِي نَفْسَهُ فِي كُلِّ وَادٍ، وَالرَّجُلُ فَقِيهٌ، فَمَا لَهُ يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ فَنِّهِ؟ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَفْسِيرِيَّةٌ حَدِيثِيَّةٌ أُصُولِيَّةٌ كَلَامِيَّةٌ نَحْوِيَّةٌ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَبَحِّرًا فِي هَذِهِ الْعُلُومِ الْخَمْسَةِ لَمْ يُحْسِنِ التَّكَلُّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَأَنَا أُوَضِّحُ الْكَلَامَ عَلَيْهَا فِي فَصْلَيْنِ:

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ: فِي تَقْرِيرِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أبي بكر رضي الله عنه، قَالَ الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بِشْرِ بْنِ السَّرِيِّ، ثَنَا مُصْعَبُ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 17 - 19] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنِي محمد بن إبراهيم الأنماطي، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ ابن المنذر فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا موسى بن هارون، ثَنَا هَارُونُ بْنُ مَعْرُوفٍ، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الشَّرِيعَةِ: ثَنَا أبو بكر بن أبي داود، ثَنَا محمود بن آدم المروزي، ثَنَا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ بِهِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي تَفْسِيرِهِ: ثَنَا أَبِي، ثَنَا محمد بن أبي عمر العدني، ثَنَا سفيان، ثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ أَعْتَقَ سَبْعَةً كُلُّهُمْ يُعَذَّبُ فِي اللَّهِ، مِنْهُمْ بلال وعامر بن فهيرة، وَفِيهِ نَزَلَتْ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابن عبد الأعلى، ثَنَا ابن ثور، عَنْ معمر قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ سعيد فِي قَوْلِهِ: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] قَالَ: نَزَلَتْ فِي أبي بكر، أَعْتَقَ نَاسًا لَمْ يَلْتَمِسْ مِنْهُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا، سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً، مِنْهُمْ بلال وعامر بن فهيرة، وَقَالَ ابن إسحاق: حَدَّثَنِي محمد بن أبي عتيق، عَنْ عامر بن عبد الله، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ أبو قحافة لأبي بكر: أَرَاكَ تُعْتِقُ رِقَابًا ضِعَافًا، فَلَوْ أَنَّكَ إِذْ فَعَلْتَ مَا فَعَلْتَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَمْنَعُونَكَ وَيَقُومُونَ

ص: 388

دُونَكَ. فَقَالَ: يَا أَبَتِ، إِنِّي إِنَّمَا أُرِيدُ مَا أُرِيدُ. ثُمَّ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ فِيهِ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى - وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 17 - 21] أَخْرَجَهُ الحاكم فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقِ زِيَادٍ الْبَكَّائِيِّ عَنِ ابن إسحاق، وَقَالَ: صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ. وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي هارون بن إدريس الأصم، ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، ثَنَا محمد بن إسحاق، عَنْ محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعْتِقُ عَلَى الْإِسْلَامِ بِمَكَّةَ، فَكَانَ يُعْتِقُ عَجَائِزَ وَنِسَاءً إِذَا أَسْلَمْنَ، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ: أَيْ بُنَيَّ أَرَاكَ تُعْتِقُ أُنَاسًا ضُعَفَاءَ، فَلَوْ أَنَّكَ أَعْتَقْتَ رِجَالًا جُلْدًا يَقُومُونَ مَعَكَ وَيَمْنَعُونَكَ وَيَدْفَعُونَ عَنْكَ. فَقَالَ: أَيْ أَبَتِ، إِنَّمَا أُرِيدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ: فَحَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ بَيْتِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أُنْزِلَتْ فِيهِ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى - وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} [الليل: 5 - 6] إِلَى قَوْلِهِ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى - إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} [الليل: 19 - 20] وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: ثَنَا أَبِي، ثَنَا منصور بن أبي مزاحم، ثَنَا ابن أبي الوضاح، عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه اشْتَرَى بلالا مِنْ أمية بن خلف وأبي بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعَشْرِ أَوَاقٍ، فَأَعْتَقَهُ لِلَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] إِلَى آخِرِهَا فِي أبي بكر وأمية بن خلف. وَقَالَ الْآجُرِّيُّ فِي الشَّرِيعَةِ: ثَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَبُو الْعَبَّاسِ الْبَلْخِيُّ، ثَنَا منصور بن أبي مزاحم، ثَنَا أبو سعيد المؤدب عَنْ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أبي إسحاق، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِنَّ أبا بكر اشْتَرَى بلالا مِنْ أمية بن خلف وأبي بن خلف بِبُرْدَةٍ وَعَشْرِ أَوَاقٍ فَأَعْتَقَهُ لِلَّهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] ، إِلَى قَوْلِهِ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى - الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى} [الليل: 17 - 18] يَعْنِي أبا بكر، {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] قَالَ: لَمْ يَصْنَعْ ذَلِكَ أبو بكر لِيَدٍ كَانَتْ مِنْهُ إِلَيْهِ فَيُكَافِئَهُ بِهَا، {إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى - وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 20 - 21] ، وَفِي تَفْسِيرِ الْبَغَوِيِّ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ أمية بن خلف قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي بِلَالٍ حِينَ قَالَ: أَتَبِيعُنِيهِ؟ قَالَ: نَعَمْ أَبِيعُهُ بِقِسْطَاسٍ؛ عَبْدٍ لأبي بكر صَاحِبِ عَشَرَةِ آلَافِ دِينَارٍ وَغِلْمَانٍ وَجَوَارٍ وَمَوَاشٍ، وَكَانَ مُشْرِكًا يَأْبَى الْإِسْلَامَ، فَاشْتَرَاهُ أبو بكر بِهِ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا فَعَلَ ذَلِكَ أبو بكر ببلال إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لبلال عِنْدَهُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] وَفِي تَفْسِيرِ القرطبي رَوَى عطاء والضحاك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: عَذَّبَ الْمُشْرِكُونَ بلالا فَاشْتَرَاهُ أبو بكر بِرَطْلٍ مِنْ

ص: 389

ذَهَبٍ مِنْ أمية بن خلف وَأَعْتَقَهُ، فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: مَا أَعْتَقَهُ أبو بكر إِلَّا لِيَدٍ كَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ. فَنَزَلَتْ {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] . قَالَ الْآجُرِّيُّ: هَذَا وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ خَصَّ أبا بكر بِأَشْيَاءَ فَضَّلَهُ بِهَا عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ.

فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنُزُولِ الْآيَةِ، وَهُوَ مِنْ عِلْمِ الْحَدِيثِ، وَيَأْتِي فِي الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنَ الْعُلُومِ الْأَرْبَعَةِ: التَّفْسِيرِ وَالْكَلَامِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ وَالنَّحْوِ، وَقَدْ تَوَارَدَتْ خَلَائِقُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ لَا يُحْصَوْنَ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ أبي بكر رضي الله عنه، وَكَذَا أَصْحَابُ الْكُتُبِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي الْمُبْهَمَاتِ.

الْفَصْلُ الثَّانِي: فِي تَضْعِيفِ مَا أَفْتَى بِهِ الجوجري، وَذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ وُجُوهٍ: ثَلَاثَةٌ جَدَلِيَّةٌ وَوَاحِدٌ مِنْ طَرِيقِ التَّحْقِيقِ، فَأَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُولَى فَأَحَدُهَا أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّهُ لَوْ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي مَسْأَلَةٍ بِمُجَرَّدِ نَظَرِهِ لَهَا فِي كِتَابٍ أَوْ كِتَابَيْنِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُتْقِنًا لِذَلِكَ الْفَنِّ بِجَمِيعِ أَطْرَافِهِ مَاهِرًا فِيهِ مُتَبَحِّرًا فِيهِ، لَجَازَ لِآحَادِ الطَّلَبَةِ أَنْ يُفْتُوا، بَلِ الْعَوَامُّ وَالسُّوقَةُ لَا يَعْدَمُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِعِدَّةٍ مِنَ الْمَسَائِلِ تَعَلَّمَهَا مِنْ عَالِمٍ أَوْ رَآهَا فِي كِتَابٍ، وَلَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ أَنْ يُفْتِيَ، وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْعَامِّيَّ لَوْ تَعَلَّمَ مَسَائِلَ وَعَرَفَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُفْتِيَ بِهَا، إِنَّمَا يُفْتِي الْمُتَبَحِّرُ فِي الْعِلْمِ الْعَارِفُ بِتَنْزِيلِ الْوَقَائِعِ الْجُزْئِيَّةِ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْكُتُبِ، وَمَا شَرَطُوا فِي الْمُفْتِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا إِلَّا لِهَذَا الْمَعْنَى وَأَمْثَالِهِ، وَالْمَدَارُ الْآنَ عَلَى التَّبَحُّرِ، فَمَنْ تَبَحَّرَ فِي فَنٍّ أَفْتَى بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَعَدَّى إِلَى فَنٍّ لَمْ يَتَبَحَّرْ فِيهِ، وَيُطْلِقَ قَلَمَهُ فِيهِ وَهُوَ لَمْ يَقِفْ عَلَى مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ أَرْبَابِ ذَلِكَ الْفَنِّ، فَلَعَلَّهُ يَعْتَمِدُ عَلَى مَقَالَةٍ مَرْجُوحَةٍ وَهُوَ يَظُنُّهَا عِنْدَهُمْ صَحِيحَةً، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَقُصَارَى أَمْرِهِ النَّظَرُ فِي الْمُصَنَّفِ، وَالتَّوْضِيحِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، بَلْ حَتَّى يُحِيطَ بِالْفَنِّ خِبْرَةً وَيَقِفَ عَلَى غَرَائِبِهِ وَغَوَامِضِهِ وَنَوَادِرِهِ، فَضْلًا عَنْ ظَوَاهِرِهِ وَمَشَاهِيرِهِ، وَمَا مَثَلُ مَنْ يُفْتِي فِي النَّحْوِ وَقُصَارَى أَمْرِهِ مَا ذُكِرَ إِلَّا مَثَلُ مَنْ قَرَأَ الْمِنْهَاجَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَأَرَادَ أَنْ يُفْتِيَ فِي الْفِقْهِ، فَلَوْ جَاءَتْهُ مَسْأَلَةٌ مِنَ الرَّوْضَةِ مَثَلًا فَإِنْ كَانَ دَيِّنًا قَالَ: هَذِهِ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ أَنْكَرَهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ، بَلْ وَلَا وَاللَّهِ لَا يُكْتَفَى فِي إِبَاحَةِ الْفَتْوَى بِحِفْظِ الرَّوْضَةِ وَحْدَهَا، فَمَاذَا يَصْنَعُ فِي الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا التَّرْجِيحُ، مَاذَا يَصْنَعُ فِي الْمَسَائِلِ ذَاتِ الصُّوَرِ وَالْأَقْسَامِ، وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الرَّوْضَةِ بَقِيَّةُ صُوَرِهَا وَأَقْسَامِهَا، مَاذَا يَصْنَعُ فِي مَسَائِلَ لَهَا قُيُودٌ وَمَحَالُّ تُرِكَتْ مِنَ الرَّوْضَةِ وَهِيَ مُفَرَّقَةٌ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مِنَ

ص: 390

الْكُتُبِ؟ مَاذَا يَصْنَعُ فِي مَسَائِلَ خَلَتْ عَنْهَا الرَّوْضَةُ بِالْكُلِّيَّةِ؟ بَلْ لَا بُدَّ فِي الْمُفْتِي مِنْ أَنْ يَضُمَّ إِلَى الرَّوْضَةِ حِمْلَ كُتُبٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْهَضْ إِلَى ذَلِكَ وَعَسُرَ عَلَيْهِ النَّظَرُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَأَصْحَابِهِ الْمُتَقَدِّمِينَ، فَلَا أَقَلَّ مِنِ اسْتِيعَابِ كُتُبِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَقَدْ قَالَ ابن بلبان الحنفي فِي كِتَابِهِ زَلَّةِ الْقَارِئِ: قَالَ الشَّيْخُ أبو عبد الله الجرجاني فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ فِي هَذَا الْبَابِ - يَعْنِي بَابَ اللَّحْنِ فِي الْقِرَاءَةِ - إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: حَقِيقَةِ النَّحْوِ، وَالْقِرَاءَاتِ الشَّوَاذِّ، وَأَقَاوِيلِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي هَذَا الْبَابِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ حَاوٍ لِجَمِيعِ الْعُلُومِ، وَأَئِمَّةُ الْمُفَسِّرِينَ أَصْنَافٌ شَتَّى، كُلُّ صِنْفٍ مِنْهُمْ غَلَبَ عَلَيْهِ فَنٌّ مِنَ الْعُلُومِ، فَكَانَ تَفْسِيرُهُ فِي غَايَةِ الْإِتْقَانِ مِنْ حَيْثُ ذَلِكَ الْفَنُّ الْغَالِبُ عَلَيْهِ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثِيَّةٍ أَنْ يَنْظُرَ تَفْسِيرَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْفَنُّ الَّذِي تِلْكَ الْحَيْثِيَّةُ مِنْهُ، فَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّفْسِيرُ الَّذِي هُوَ نَقْلٌ مَحْضٌ وَمَعْرِفَةُ الْأَرْجَحِ فِيهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفَاسِيرَ أَئِمَّةِ النَّقْلِ وَالْأَثَرِ، وَأَجَلُّهَا تَفْسِيرُ ابْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ؛ فَقَدْ قَالَ النووي فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: كِتَابُ ابْنِ جَرِيرٍ فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يُصَنِّفْ أَحَدٌ مِثْلَهُ. وَقَرِيبٌ مِنْهُ مِنْ تَفَاسِيرِ الْمُتَأَخِّرِينَ تَفْسِيرُ الْحَافِظِ عماد الدين ابن كثير. وَكَذَلِكَ مَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ أَوِ الْآتِيَةِ كَأَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَأَحْوَالِ الْبَرْزَخِ وَالْبَعْثِ وَالْمَلَكُوتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، فَالْأَوْلَى أَخْذُهَا مِنَ التَّفْسِيرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَسَائِرِ تَفَاسِيرِ الْمُحَدِّثِينَ الْمُسْنَدَةِ؛ كَسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ والفريابي وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَأَبِي الشَّيْخِ وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَى آيَةٍ مِنْ حَيْثُ عِلْمُ الْكَلَامِ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفْسِيرَ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ وَاشْتَهَرَ بِالْبَرَاعَةِ فِيهِ، كَابْنِ فُورَكَ والباقلاني وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ والإمام فخر الدين والأصبهاني وَنَحْوِهِمْ، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْإِعْرَابُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا تَفْسِيرَ أَئِمَّةِ النَّحْوِ الْمُتَبَحِّرِينَ فِيهِ؛ كأبي حيان، وَمَنْ أَرَادَ التَّكَلُّمَ عَلَيْهَا مِنْ حَيْثُ الْبَلَاغَةُ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا الْكَشَّافَ وَتَفْسِيرَ الطيبي وَنَحْوَ ذَلِكَ.

وَمَسْأَلَةُ تَفْضِيلِ أبي بكر مِنْ عِلْمِ الْكَلَامِ، وَكَوْنِهِ هُوَ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ مِنْ عِلْمِ التَّفْسِيرِ، فَكَانَ الْأَوْلَى للجوجري قَبْلَ الْكِتَابَةِ أَنْ يَنْظُرَ عَلَيْهَا كِتَابَ ابْنِ جَرِيرٍ وَنَحْوَهُ؛ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ الْأَرْجَحِ فِي التَّفْسِيرِ، وَكِتَابَ الإمام فخر الدين وَنَحْوَهُ؛ لِأَجْلِ مَعْرِفَةِ التَّقْرِيرِ الْكَلَامِيِّ، ثُمَّ يَنْهَضَ إِلَى مُرَاجَعَةِ كُتُبِ أَئِمَّةِ الْكَلَامِ لِيَنْظُرَ كَيْفَ قَرَّرُوا الِاسْتِدْلَالَ بِهَا عَلَى

ص: 391

أَفْضَلِيَّةِ الصديق، كَكُتُبِ الشَّيْخِ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ وابن فورك والباقلاني وَالشَّهْرَسْتَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ، وَيَتْعَبَ كُلَّ التَّعَبِ وَيَجِدَّ كُلَّ الْجِدِّ، وَيَعْتَزِلَ الرَّاحَةَ وَالشُّغْلَ، وَلَا يَسْأَمَ وَلَا يَضْجَرَ، وَيَدَعَ الْفُتْيَا تَمْكُثُ عِنْدَهُ الشَّهْرَ وَالشَّهْرَيْنِ وَالْعَامَ وَالْعَامَيْنِ، فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مُتَفَرِّقَاتِ كَلَامِ النَّاسِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَنَظَرَ وَحَقَّقَ وَأَوْرَدَ عَلَى نَفْسِهِ كُلَّ إِشْكَالٍ وَأَعَدَّ لَهُ الْجَوَابَ الْمَقْبُولَ، حَطَمَ حِينَئِذٍ عَلَى الْكِتَابَةِ وَحَكَمَ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَفَصَلَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا الِاسْتِعْجَالُ فِي الْجَوَابِ وَالْكِتَابَةِ بِمُجَرَّدِ مَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ وَيَظْهَرُ فِي بَادِئِ الرَّأْيِ، مَعَ الرَّاحَةِ وَالِاتِّكَالِ عَلَى الشُّهْرَةِ، وَعَدَمِ التَّضَلُّعِ بِذَلِكَ الْفَنِّ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيهِ، فَإِنَّهُ لَا يَلِيقُ، وَلِهَذَا تَجِدُ الْوَاحِدَ مِمَّنْ كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ يَكْتُبُ وَيَرْجِعُ وَيَتَزَلْزَلُ بِأَدْنَى زَلْزَلَةٍ، وَيَضْطَرِبُ قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْوَاحِدَةِ مَرَّاتٍ، وَيَبْحَثُ مَعَهُ أَدْنَى الطَّلَبَةِ فَيُشَكِّكُهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا صَمَّمَ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ: الظَّاهِرُ كَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ لِي، مِنْ غَيْرِ اعْتِمَادٍ عَلَى مُسْتَنَدٍ بِيَدِهِ أَوْ حُجَّةٍ يُظْهِرُهَا، كَأَنَّهُ الشَّيْخُ أبو الحسن الشاذلي إِمَامُ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ فِي زَمَانِهِ الَّذِي كَانَ يُسْأَلُ مُعْتَمِدًا عَلَى الْإِلْهَامِ الْوَاقِعِ فِي قَلْبِهِ، ذَاكَ إِلْهَامُهُ صَوَابٌ لَا يُخْطِئُ، وَبَعْدَ مَوْتَاتٍ مَاتَهَا فِي اللَّهِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ نَقُولَ: لَا شَكَّ أَنَّ الْمُفْتِيَ حُكْمُهُ حُكْمُ الطَّبِيبِ، يَنْظُرُ فِي الْوَاقِعَةِ وَيَذْكُرُ فِيهَا مَا يَلِيقُ بِهَا بِحَسَبِ مُقْتَضَى الْحَالِ وَالشَّخْصِ وَالزَّمَانِ، فَالْمُفْتِي طَبِيبُ الْأَدْيَانِ، وَذَلِكَ طَبِيبُ الْأَبْدَانِ، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: يَحْدُثُ لِلنَّاسِ أَحْكَامٌ بِحَسَبِ مَا أَحْدَثُوا مِنَ الْفُجُورِ. قَالَ السبكي: لَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ، بَلْ بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ الْحَادِثَةِ، فَإِنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِ أُمُورٍ حُكْمٌ لَا يَحْصُلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، فَإِذَا حَدَثَتْ صُورَةٌ عَلَى صِفَةٍ خَاصَّةٍ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ فِيهَا، فَقَدْ يَكُونُ مَجْمُوعُهَا يَقْتَضِي الشَّرْعُ لَهُ حُكْمًا خَاصًّا. هَذَا كَلَامُ السبكي، قَرَّرَهُ فِي كِتَابٍ أَلَّفَهُ فِي شَأْنِ رَافِضِيٍّ حَكَمَ بِقَتْلِهِ، وَسَمَّاهُ غَيْرَةَ الْإِيمَانِ الْجَلِيِّ لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وَقَالَ السبكي أَيْضًا فِي فَتَاوِيهِ مَا مَعْنَاهُ: يُوجَدُ فِي فَتَاوِي الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَشْيَاءُ لَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا الْمَذْهَبُ فِي كُلِّ صُورَةٍ؛ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ عَلَى وَقَائِعَ، فَلَعَلَّهُمْ رَأَوْا أَنَّ تِلْكَ الْوَقَائِعَ يُسْتَحَقُّ أَنْ يُفْتَى بِهَا بِذَلِكَ، وَلَا يَلْزَمُ اطِّرَادُ ذَلِكَ وَاسْتِمْرَارُهُ، وَهَذِهِ الْوَاقِعَةُ الْمَسْئُولُ عَنْهَا تَتَعَلَّقُ بِرَافِضِيٍّ، وَلَيْتَهُ رَافِضِيٌّ فَقَطْ، بَلْ زِنْدِيقٌ جَاهِلٌ مِنْ كِبَارِ الْجَهَلَةِ، وَلَقَدِ اجْتَمَعْتُ بِهِ مَرَّةً فَرَأَيْتُ مِنْهُ الْعَجَبَ مِنْ إِنْكَارِهِ الِاحْتِجَاجَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَدِّ أَقْوَالِهِ الشَّرِيفَةِ، وَيَقُولُ لَعَنَهُ اللَّهُ وَفَضَّ فَاهُ: النَّبِيُّ وَاسِطِيٌّ، مَا قَالَهُ وَهُوَ فِي الْقُرْآنِ فَصَحِيحٌ، وَمَا قَالَهُ وَلَيْسَ

ص: 392

فِي الْقُرْآنِ. وَذَكَرَ كَلِمَةً لَا أَسْتَطِيعُ ذِكْرَهَا، فَرَجَعْتُ مِنْ عِنْدِهِ وَلَمْ أَجْتَمِعْ بِهِ إِلَى الْآنَ، وَأَلَّفْتُ مُؤَلَّفًا سَمَّيْتُهُ: مِفْتَاحَ الْجَنَّةِ فِي الِاعْتِصَامِ بِالسُّنَّةِ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ أَقْوَالِهِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: علي عِنْدَهُ الْعِلْمُ وَالشَّجَاعَةُ، وأبو بكر لَيْسَ عِنْدَهُ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا زَوَّجَهُ بِابْنَتِهِ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مَالَهُ فَكَافَأَهُ بِالْخِلَافَةِ بَعْدَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ أبا بكر أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ وَأَشْجَعُهُمْ، فَقَالَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كَذِبٌ، ثُمَّ أَعَادَ الْآنَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ مَعَ خاير بك وَطَلَبَ مِنْهُ الِاسْتِدْلَالَ عَلَى أَفْضَلِيَّةِ أبي بكر بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَدِيثَ حُجَّةً، فَذَكَرَ لَهُ خاير بك هَذِهِ الْآيَةَ، وَلَمْ يَقُلْهَا مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، بَلْ رَآهَا فِي بَعْضِ كُتُبِ الْكَلَامِ فَذَكَرَهَا، فَكَانَ لَا يَلِيقُ بالجوجري فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنْ يُفْتِيَ بِأَنَّ الْآيَةَ لَيْسَتْ خَاصَّةً بأبي بكر وَلَا دَالَّةً عَلَى أَفْضَلِيَّتِهِ، فَيُؤَيِّدَ مَقَالَةَ الرَّافِضِيِّ وَيُثَبِّتَهُ عَلَى مُعْتَقَدِهِ الْخَبِيثِ وَيَدْحَضَ حُجَّةً قَرَّرَهَا أَئِمَّةٌ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ أَعْلَمُ بِالتَّفْسِيرِ وَالْكَلَامِ وَأُصُولِ الْفِقْهِ مِنْ مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ مِثْلِ الجوجري، وَاللَّهِ لَوْ كَانَ هَذَا الْقَوْلُ فِي الْآيَةِ هُوَ الْمَرْجُوحَ لَكَانَ اللَّائِقُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ أَنْ يُفْتِيَ بِهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ الرَّاجِحُ وَالَّذِي أَفْتَى بِهِ الجوجري قَوْلٌ مَرْجُوحٌ؟ هَذِهِ الْوُجُوهُ الثَّلَاثَةُ الْجَدَلِيَّةُ.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي يُرَدُّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ التَّحْقِيقِ، فَأَقُولُ: قَالَ الْبَغَوِيُّ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ: يُرِيدُ بِالْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى، يَطْلُبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ اللَّهِ زَكِيًّا لَا رِيَاءَ وَلَا سُمْعَةَ، يَعْنِي أَبَا بَكْرٍالصِّدِّيقَ فِي قَوْلِ الْجَمِيعِ، وَقَالَ ابن الخازن فِي تَفْسِيرِهِ: الْأَتْقَى هُنَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَقَالَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرازي فِي تَفْسِيرِهِ: أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ هُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَتْقَى أبو بكر، وَذَهَبَتِ الشِّيعَةُ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ علي، فَانْظُرْ إِلَى نَقْلِ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ إِجْمَاعَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَتْقَى أبو بكر لَا كُلُّ تَقِيٍّ، وَقَالَ الأصبهاني فِي تَفْسِيرِهِ: خُصَّ الصِّلِيُّ بِالْأَشْقَى وَالتَّجَنُّبُ بِالْأَتْقَى، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ شَقِيٍّ يَصْلَاهَا، وَكُلَّ تَقِيٍّ يُجَنَّبُهَا، لَا يَخْتَصُّ بِالصِّلِيِّ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ، وَلَا بِالنَّجَاةِ أَتْقَى الْأَتْقِيَاءِ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ وَارِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ حَالَتَيْ عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَظِيمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُرِيدَ أَنْ يُبَالَغَ فِي صِفَتَيْهِمَا الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ فَقِيلَ: الْأَشْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصِّلِيِّ، كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ. وَقِيلَ: الْأَتْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالنَّجَاةِ، كَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ. انْتَهَى.

وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَتْقَى أَتْقَى الْأَتْقِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، لَا مُطْلَقُ التَّقِيِّ،

ص: 393

وَأَتْقَى الْأَتْقِيَاءِ عَلَى الْإِطْلَاقِ بَعْدَ النَّبِيِّينَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَالَ النسفي فِي تَفْسِيرِهِ: الْأَتْقَى: الْأَكْمَلُ تَقْوَى، وَهُوَ صِفَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ. وَقَالَ: وَدَلَّ عَلَى فَضْلِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ، قَالَ تَعَالَى:{إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13] انْتَهَى. وَقَالَ القرطبي فِي تَفْسِيرِهِ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْأَتْقَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعَانِي: أَرَادَ بِالْأَشْقَى وَالْأَتْقَى الشَّقِيَّ وَالتَّقِيَّ، كَقَوْلِ طرفة:

تَمَنَّى رِجَالٌ أَنْ أَمُوتَ وَإِنْ أَمُتْ

فَتِلْكَ سَبِيلٌ لَسْتُ فِيهَا بِأَوْحَدِ

أَيْ وَاحِدٍ وَوَحِيدٍ، فَوَضَعَ أَفْعَلَ مَوْضِعَ فَعِيلٍ. انْتَهَى.

وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْمَعَانِي هُوَ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الجوجري عَادِلًا عَنْ قَوْلِ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى قَوْلِ بَعْضِ أَهْلِ النَّحْوِ، قَالَ ابن الصلاح: حَيْثُ رَأَيْتُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ: قَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي، فَالْمُرَادُ بِهِ مُصَنِّفُو الْكُتُبِ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ كالزجاج والفراء والأخفش وَابْنِ الْأَنْبَارِيِّ. انْتَهَى.

وَكَذَا نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ عَنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهَا فِي أبي بكر بِعِتْقِهِ مَنْ أَعْتَقَ مِنَ الْمَمَالِيكِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ.

فَأَنْتَ تَرَى هَذِهِ النُّقُولَ تُنَادِي عَلَى أَنَّ الَّذِي أَفْتَى بِهِ الجوجري مَقَالَةٌ فِي الْآيَةِ لِبَعْضِ النَّحْوِيِّينَ مَشَى عَلَيْهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي التَّفْسِيرِ، وَأَنَّ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْآثَارُ وَقَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنَ السَّلَفِ وَصَحَّحَهُ الْخَلَفُ اخْتِصَاصُهَا بأبي بكر إِبْقَاءً لِلصِّيغَةِ عَلَى بَابِهَا. هَذَا بَيَانُ رُجْحَانِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّفْسِيرُ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ أُصُولُ الْفِقْهِ وَالْعَرَبِيَّةُ فَأَقُولُ: قَوْلُ الجوجري: إِنَّ الْعِبْرَةَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، فَرْعٌ أَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ عُمُومٌ حَتَّى يَكُونَ الْعِبْرَةُ بِهِ، وَالْآيَةُ لَا عُمُومَ فِيهَا أَصْلًا وَرَأْسًا، بَلْ هِيَ نَصٌّ فِي الْخُصُوصِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعُمُومَ إِنَّمَا يُسْتَفَادُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنْ (أَلِ) الْمَوْصُولَةِ وَالتَّعْرِيفِيَّةِ، وَلَيْسَتْ (أَلْ) هَذِهِ مَوْصُولَةً قَطْعًا ; لِأَنَّ الْأَتْقَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَ (أَلِ) الْمَوْصُولَةُ لَا تُوصَلُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ بِإِجْمَاعِ النُّحَاةِ، وَإِنَّمَا تُوصَلُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ، وَفِي الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ خِلَافٌ، وَأَمَّا أَفْعَلُ التَّفْضِيلِ فَلَا تُوصَلُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ، وَأَمَّا التَّعْرِيفِيَّةُ فَإِنَّمَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا دَخَلَتْ عَلَى الْجَمْعِ، فَإِنْ دَخَلَتْ عَلَى مُفْرَدٍ لَمْ تُفِدْهُ، كَمَا اخْتَارَ الإمام فخر

ص: 394

الدين، وَمَنْ قَالَ: إِنَّهَا تُفِيدُهُ فِيهِ، قَيَّدَهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ عَهْدٌ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تُفِدْهُ قَطْعًا، هَذَا هُوَ الْمُقَرَّرُ فِي عِلْمِ الْأُصُولِ. وَالْأَتْقَى مُفْرَدٌ لَا جَمْعٌ، وَالْعَهْدُ فِيهِ مَوْجُودٌ فَلَا عُمُومَ فِيهِ قَطْعًا، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي الْأَتْقَى. فَتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ فَتَحَ اللَّهُ بِهِ عَلَيَّ تَأْيِيدًا لِلْجَنَابِ الصِّدِّيقِيِّ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ الْأَتْقَى أَفْعَلُ تَفْضِيلٍ، وَأَفْعَلُ التَّفْضِيلِ لَا عُمُومَ فِيهِ، بَلْ وَضْعُهُ لِلْخُصُوصِ ; فَإِنَّهُ لِتَفَرُّدِ الْمَوْصُوفِ بِالصِّفَةِ، وَأَنَّهُ لَا مُسَاوِيَ لَهُ فِيهَا، كَمَا تَقُولُ: زَيْدٌ أَفْضَلُ النَّاسِ، أَوِ الْأَفْضَلُ، فَإِنَّهَا صِيغَةُ خُصُوصٍ قَطْعًا عَقْلًا وَنَقْلًا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَنَاوَلَ غَيْرَهُ أَبَدًا، فَبَانَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا عُمُومَ فِي الْأَتْقَى، وَإِلَى ذَلِكَ يُشِيرُ تَقْرِيرُ الأصبهاني حَيْثُ قَالَ: فَإِنْ قُلْتَ: كَيْفَ قَالَ: {لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى} [الليل: 15]{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] . وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كُلَّ شَقِيٍّ يَصْلَاهَا، وَكُلَّ تَقِيٍّ يُجَنَّبُهَا؟ لَا يَخْتَصُّ بِالصِّلِيِّ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ وَلَا بِالنَّجَاةِ أَتْقَى الْأَتْقِيَاءِ، وَإِنْ زَعَمْتَ أَنَّهُ نَكَّرَ النَّارَ فَأَرَادَ نَارًا بِعَيْنِهَا مَخْصُوصَةً بِالْأَشْقَى، فَمَا تَصْنَعُ بِقَوْلِهِ:{وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل: 17] ، فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ أَفْسَقَ الْمُسْلِمِينَ يُجَنَّبُ تِلْكَ النَّارَ الْمَخْصُوصَةَ لَا الْأَتْقَى مِنْهُمْ خَاصَّةً.

قُلْتُ: الْآيَةُ وَارِدَةٌ فِي الْمُوَازَنَةِ بَيْنَ حَالَتَيْ عَظِيمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَظِيمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَأُرِيدَ أَنْ يُبَالَغَ فِي صِفَتِهِمَا الْمُتَنَاقِضَتَيْنِ فَقِيلَ: الْأَشْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالصِّلِيِّ، كَأَنَّ النَّارَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ، وَقِيلَ: الْأَتْقَى، وَجُعِلَ مُخْتَصًّا بِالنَّجَاةِ، كَأَنَّ الْجَنَّةَ لَمْ تُخْلَقْ إِلَّا لَهُ. هَذِهِ عِبَارَتُهُ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي إِرَادَةِ الْخُصُوصِ؛ أَخْذًا مِنْ صِيغَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ، وَمَنْ جَنَحَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا لِلْعُمُومِ احْتَاجَ إِلَى تَأْوِيلِ الْأَتْقَى بِالتُّقَى لِيَخْرُجَ عَنِ التَّفْضِيلِ، وَهَذَا مَجَازٌ قَطْعًا، وَالْمَجَازُ خِلَافُ الْأَصْلِ، وَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، وَلَا دَلِيلَ يُسَاعِدُهُ، بَلِ الدَّلِيلُ يُعَارِضُهُ، وَهُوَ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سَبَبِ النُّزُولِ، وَإِجْمَاعُ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا نَقَلَهُ مَنْ تَقَدَّمَ، فَثَبَتَ بِهَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْكَلَامَ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِلتَّفْضِيلِ، وَأَنَّ اللَّامَ لِلْعَهْدِ، وَأَنَّهُ لَا عُمُومَ فِيهِ أَصْلًا.

فَإِنْ قُلْتَ: لَمْ يُؤْخَذِ الْعُمُومُ مِنْ لَفْظِ (الْأَتْقَى) بَلْ مِنْ لَفْظِ (الَّذِي يُؤْتِي) ، فَإِنَّ (الَّذِي) مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ.

قُلْتُ: هَذِهِ غَفْلَةٌ مِنْكَ وَجَهْلٌ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ فَإِنَّ (الَّذِي) وَصْفٌ لِلْأَتْقَى، وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَتْقَى خَاصٌّ، فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ صِفَتُهُ كَذَلِكَ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكُونُ أَعَمَّ مِنَ الْمَوْصُوفِ، بَلْ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَخَصَّ مِنْهُ، فَاشْدُدْ بِهَذَا الْكَلَامِ يَدَيْكَ وَعَضَّ عَلَيْهِ بِنَاجِذَيْكَ، عَلَى أَنَّ فِي قَوْلِهِ:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} [الليل: 19] وَقَوْلِهِ: {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل: 21] مَا يُشِيرُ إِلَى التَّنْصِيصِ عَلَى التَّخْصِيصِ، وَقَدْ قَرَّرَ الإمام فخر الدين اخْتِصَاصَ الْآيَةِ بأبي

ص: 395