الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَفْسُقُ، وَإِذَا أَتَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِوَلَدٍ لَحِقَ الْمُطَلِّقَ مِنْ غَيْرِ دَعْوَى، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوِلَادَةِ وَالطَّلَاقِ أَرْبَعُ سِنِينَ فَأَقَلُّ، وَبِشَرْطِ أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَيْهَا فِرَاشٌ لِغَيْرِهِ.
مَسْأَلَةٌ: رَجُلٌ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ وَدَخَلَ بِهَا، ثُمَّ غَابَ عَنْهَا أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُ مَكَانٌ، فَأَثْبَتَتْ غَيْبَتَهُ عَلَى حَاكِمٍ شَافِعِيٍّ، وَعَدَمَ النَّفَقَةِ وَعَدَمَ مَالٍ لَهُ تُصْرَفُ لَهَا مِنْهُ نَفَقَتُهَا، فَخَيَّرَهَا الْحَاكِمُ بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفَسْخِ، فَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ، فَأَجَابَهَا الْحَاكِمُ وَفَسَخَ فَهَلْ يَجُوزُ هَذَا الْفَسْخُ أَمْ لَا؟ لِكَوْنِ الشُّهُودِ لَا يَعْلَمُونَ مَقَرَّ الزَّوْجِ فَكَيْفَ يَعْلَمُونَ بِإِعْسَارِهِ؟ .
الْجَوَابُ: قَالَ ابن العماد فِي كِتَابِهِ تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ: فَرْعٌ: إِذَا تَحَقَّقَ الشُّهُودُ إِعْسَارَ الزَّوْجِ، ثُمَّ غَابَ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَادَّعَتِ امْرَأَتُهُ إِعْسَارَهُ جَازَ لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى احْتِمَالِ طُرُوءِ الْيَسَارِ - قَالَهُ ابن الصلاح فِي فَتَاوِيهِ، قَالَ: وَلَا يَكْفِي الشُّهُودَ أَنْ يَقُولُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ غَابَ وَهُوَ مُعْسِرٌ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ الْآنَ مُعْسِرٌ، وَنَظِيرُهُ الشَّهَادَةُ بِالْمَوْتِ عَلَى الِاسْتِفَاضَةِ، لَا يَكْفِي أَنْ يَقُولُوا: سَمِعْنَا أَنَّهُ مَاتَ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُ مَاتَ، وَيَجُوزُ لَهُمُ الْجَزْمُ اعْتِمَادًا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ، قَالَ: وَنَظِيرُ ذَلِكَ مَا لَوْ رَأَى الشَّاهِدُ إِنْسَانًا أَقْرَضَ غَيْرَهُ مَالًا، ثُمَّ غَابَ عَنْهُ مُدَّةً طَوِيلَةً، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ وَفَّاهُ فِيهَا، أَوْ أَبْرَأَهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُقْرِضِ بِبَقَاءِ الْحَقِّ فِي ذِمَّةِ الْمُقْتَرِضِ، وَلَا نَظَرَ إِلَى احْتِمَالِ الْوَفَاةِ، انْتَهَى كَلَامُ ابن العماد، وَحِينَئِذٍ إِذَا كَانَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ عَرَفُوا إِعْسَارَهُ قَبْلَ غَيْبَتِهِ، ثُمَّ غَابَ وَلَمْ يَعْرِفُوا مَقَرَّهُ فَشَهِدُوا بِأَنَّهُ مُعْسِرٌ الْآنَ فَشَهَادَتُهُمْ مَقْبُولَةٌ، وَفَسْخُ الْحَاكِمِ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهَا صَحِيحٌ.
[النُّقُولُ الْمُشْرِقَةُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى. وَقَعَ السُّؤَالُ عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ بِامْرَأَةٍ حُرَّةٍ، وَأَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهَا فِي مَنْزِلِهِ فَامْتَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَالَتْ: أَنَا لَا أَخْرُجُ مِنْ مَنْزِلِي، فَسَكَنَ مَعَهَا فِي مَنْزِلِهَا، فَهَلْ يَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ أَمْ لَا؟ وَأَقُولُ: عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمُهَا إِلَى الزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا لَكِنْ يَسْتَخْدِمُهَا نَهَارًا وَيُسَلِّمُهَا لَيْلًا، وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: لَا أُخْرِجُهَا مِنْ دَارِي، وَلَكِنْ أُخَلِّي لَكَ بَيْتًا لِتَدْخُلَهُ، وَتَخْلُوَ بِهَا فَقَوْلَانِ، أَظْهَرُهُمَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ دُخُولَ دَارِ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ، كَمَا لَوْ قَالَتِ الْحُرَّةُ: أَدْخُلُ بَيْتِي وَلَا
أَخْرُجُ إِلَى بَيْتِكَ، وَالثَّانِي لِلسَّيِّدِ ذَلِكَ؛ لِتَدُومَ يَدُهُ عَلَى مِلْكِهِ، مَعَ تَمَكُّنِ الزَّوْجِ مِنْ حَقِّهِ، فَعَلَى هَذَا تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ - هَذِهِ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ، أَوْ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا جَاءَ الزَّوْجُ، وَاسْتَمْتَعَ بِهَا فِي مَنْزِلِهَا، بِدَلِيلِ قِيَاسِ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ عَلَيْهَا، فَإِنَّ مَحَلَّ مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ فِيمَا إِذَا فَعَلَ الزَّوْجُ ذَلِكَ بِلَا شَكٍّ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَةُ الْحُرَّةِ الْمَقِيسُ عَلَيْهَا، وَلَوْ كَانَتْ مَسْأَلَةُ الْحُرَّةِ فِيمَا إِذَا لَمْ يَفْعَلُ، وَمَسْأَلَةُ الْأَمَةِ فِيمَا إِذَا فَعَلَ لَمْ يَصِحَّ الْقِيَاسُ، كَمَا لَا يَخْفَى؛ إِذِ الْفَارِقُ حِينَئِذٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمَقِيسِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ بِوُجُودِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي هَذَا دُونَ هَذَا، فَإِنْ زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّ مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ أَيْضًا مَحَلُّهَا فِيمَا إِذَا لَمْ يَفْعَلْ.
قُلْنَا: قَدْ صَرَّحَ الشَّيْخُ جلال الدين المحلي فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ، بِخِلَافِ ذَلِكَ فَقَالَ مَا نَصُّهُ: وَلَوْ أَخْلَى السَّيِّدُ فِي دَارِهِ بَيْتًا، وَقَالَ لِلزَّوْجِ: تَخْلُو بِهَا فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ وَالْمُرُوءَةَ يَمْنَعَانِهِ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ - هَذَا لَفْظُهُ، وَيُقَوِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَمْرَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِيمَا إِذَا لَمْ يَدْخُلْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَوْلٌ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ، فَإِنَّ الزَّوْجَ إِذَا لَمْ يَدْخُلْ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، وَالْخِلَافُ فِي هَذِهِ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ، وَالشَّرْحُ كَمَا تَرَى، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا دَخَلَ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ كَمَسْأَلَةِ مَا إِذَا اسْتَخْدَمَهَا السَّيِّدُ نَهَارًا، وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا، وَالْمُرَجَّحُ فِي تِلْكَ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ مَعَ دُخُولِهِ وَاسْتِمْتَاعِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، فَكَذَا هَذِهِ، بَلْ هَذِهِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهَا أَضْيَقُ مِنْ تِلْكَ، فَإِنَّهُ هُنَاكَ تَسَلَّمَهَا نِصْفَ تَسْلِيمٍ؛ وَهُوَ اللَّيْلُ كُلُّهُ الَّذِي هُوَ مَحَلُّ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُنَا لَمْ يَتَسَلَّمْهَا أَصْلًا، وَيُؤَكِّدُ مَا قُلْنَاهُ مِنَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَمْرٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ السَّيِّدِ لَا أُسَلِّمُهَا إِلَيْكَ نَهَارًا بَلْ لَيْلًا فَقَطْ مَقْبُولٌ مِنْهُ وَمُجَابٌ إِلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:" لَا أُخْرِجُهَا مِنْ دَارِي، وَلَكِنْ أُخَلِّي لَكَ بَيْتًا فِيهَا " غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ وَلَا مُجَابٍ إِلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَ نَفَقَةٌ فِي حَالَةٍ مُجَابٌ إِلَيْهَا السَّيِّدُ شَرْعًا، فَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ أَنَّ تَلْزَمَهُ النَّفَقَةُ فِي حَالَةٍ لَا يُجَابُ السَّيِّدُ إِلَيْهَا شَرْعًا - هَذَا مَا أَفْهَمَتْهُ عِبَارَةُ الرَّوْضَةِ.
وَقَالَ فِي الرَّوْضَةِ أَيْضًا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ مَا نَصُّهُ: فَرْعٌ: لَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَا أُمَكِّنُ إِلَّا فِي بَيْتِي، أَوْ فِي مَوْضِعِ كَذَا، أَوْ بَلَدِ كَذَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ، وَعَبَّرَ الرافعي فِي الشَّرْحِ بِأَوْضَحَ مِنْ عِبَارَةِ الرَّوْضَةِ، فَقَالَ: وَلَوْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ: لَا أُمَكِّنُ إِلَّا فِي بَيْتِي، أَوْ فِي بَيْتِ كَذَا، أَوْ بَلَدِ كَذَا فَهِيَ نَاشِزَةٌ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ التَّامَّ لَمْ يُوجَدْ، وَهَذَا كَمَا لَوْ سَلَّمَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ، وَشَرَطَ أَنْ لَا يَنْقُلَهُ إِلَى مَوْضِعِ كَذَا هَذِهِ عِبَارَةُ الرافعي فَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَهُ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ التَّمْكِينَ التَّامَّ لَمْ يُوجَدْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ وُجِدَ تَمْكِينٌ نَاقِصٌ، وَالتَّمْكِينُ النَّاقِصُ لَا تَجِبُ مَعَهُ نَفَقَةٌ وَإِنِ اسْتَمْتَعَ الزَّوْجُ، كَمَا عَلَّلُوا بِهِ مَسْأَلَةَ الْأَمَةِ إِذَا اسْتَخْدَمَهَا السَّيِّدُ نَهَارًا وَأَسْلَمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا فَإِنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ مَعَ رِضَاهُ بِهِ، وَإِجْبَارِهِ عَلَيْهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَمْكِينٍ تَامٍّ، وَانْظُرْ أَيْضًا كَيْفَ شَبَّهَهُ الرافعي بِمَسْأَلَةِ تَسْلِيمِ
الْبَائِعِ الْمَبِيعَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُلَهُ فَإِنَّ هَذَا لَا يَكُونُ تَسْلِيمًا تَامًّا وَإِنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ رَاجَعْنَا كِتَابَ التَّتِمَّةِ للمتولي، فَوَجَدْنَا عِبَارَتَهُ أَوْضَحَ مِنْ عِبَارَةِ الرافعي، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْكُتُبَ الْأُصُولَ تُبْسَطُ فِيهَا الْعِبَارَةُ بَسْطًا لَا يَبْقَى مَعَهُ إِشْكَالٌ عَلَى قَاصِرِي الْفَهْمِ، وَالْكُتُبُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهَا تَكُفُّ فِيهَا الْعِبَارَةُ اتِّكَالًا عَلَى فَهْمِ الْفَطِنِ، أَوْ تَوْقِيفِ الْمُوقِفِ، وَلَمَّا كَانَتِ الرَّوْضَةُ مَأْخُوذَةً مِنَ الشَّرْحِ كَانَتْ عِبَارَةُ الشَّرْحِ أَوْضَحَ مِنْ عِبَارَتِهَا، وَلَمَّا كَانَ الشَّرْحُ مَأْخُوذًا مِنْ مِثْلِ التَّتِمَّةِ وَنَحْوِهَا كَانَتْ عِبَارَتُهُمْ أَوْضَحَ، وَعِبَارَةُ التَّتِمَّةِ نَصُّهَا: التَّسْلِيمُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِحْقَاقُ النَّفَقَةِ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنَا فِي طَاعَتِكَ فَخُذْنِي إِلَى أَيِّ مَكَانٍ شِئْتَ، فَإِذَا أَظْهَرَتِ الطَّاعَةَ مِنْ نَفْسِهَا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَقَدْ جُعِلَتْ مُمَكِّنَةً، سَوَاءٌ تَسَلَّمَهَا الزَّوْجُ أَوْ لَمْ يَتَسَلَّمْهَا، فَأَمَّا إِذَا قَالَتْ: أُسَلِّمُ نَفْسِي إِلَيْكَ فِي مَنْزِلِي أَوْ فِي مَوْضِعِ كَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَوَاضِعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا تَسْلِيمًا تَامًّا، كَالْبَائِعِ إِذَا قَالَ لِلْمُشْتَرِي: أُسَلِّمُ الْمَبِيعَ إِلَيْكَ عَلَى شَرْطِ أَنْ لَا تَنْقُلَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ، أَوْ عَلَى شَرْطِ أَنْ تَتْرُكَهُ فِي مَوْضِعِ كَذَا لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى يَجِبَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَلَى قَوْلِنَا: تَجِبُ الْبِدَايَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ - هَذَا نَصُّ التَّتِمَّةِ بِحُرُوفِهِ، وَمِنْهُ أَخَذَ الرافعي.
وَقَالَ فِي التَّتِمَّةِ أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ: لَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِلزَّوْجِ: أَذِنْتُ لَكَ أَنْ تَدْخُلَ مَنْزِلِي مَتَى شِئْتَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، وَلَكِنِّي لَا أُمَكِّنُ الْجَارِيَةَ مِنَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِي، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَهَا النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ لِلسَّيِّدِ فِيهَا حَقًّا فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُكَلَّفَ إِزَالَةَ يَدِهِ، وَالزَّوْجُ قَدْ يُمَكَّنُ مِنْهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَحْتَشِمُ مِنْ دُخُولِ دَارِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، فَلَا يُكْمِلُ التَّسْلِيمَ - هَذِهِ عِبَارَتُهُ، فَانْظُرْ كَيْفَ عَلَّلَ الْوَجْهَ الْقَائِلَ بِعَدَمِ النَّفَقَةِ، الَّذِي هُوَ الْمُصَحَّحُ فِي الرَّوْضَةِ بِعَدَمِ كَمَالِ التَّسْلِيمِ، فَانْدَفَعَ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّسْلِيمَ فِي مَسْأَلَةِ لَوْ أَخْلَى فِي دَارِهِ بَيْتًا كَامِلًا، إِذْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ تَسْلِيمِهَا لَيْلًا لَا نَهَارًا؛ فَإِنَّهُ نَاقِصٌ فِيهَا، فَهَا أَنْتَ قَدْ رَأَيْتَ تَصْرِيحَ المتولي بِخِلَافِهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ المتولي أَيْضًا فِي مَسْأَلَةِ الْحُرَّةِ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ مَا إِذَا قَالَتْ: أُسَلِّمُ نَفْسِي لَيْلًا، وَبَيْنَ مَا إِذَا قَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي إِلَّا فِي بَيْتِي، فَقَالَ مَا نَصُّهُ: الثَّالِثَ عَشَرَ: السَّيِّدُ إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ، فَإِنْ سَلَّمَهَا إِلَى الزَّوْجِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، وَأَمَّا إِنْ سَلَّمَهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ نَاقِصٌ فَلَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ، كَالْحُرَّةِ إِذَا قَالَتْ: أُسَلِّمُ نَفْسِي لَيْلًا، أَوْ قَالَتْ: أُسَلِّمُ نَفْسِي فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ، وَالثَّانِي: تَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ، وَالْفَرْقُ أَنَّ لِلزَّوْجِ أَنَّ يُسَافِرَ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْأَمَةِ، فَانْظُرْ بِحَمْدِ اللَّهِ إِلَى هَذَا التَّصْرِيحِ الْمُطَابِقِ لِمَا فَهِمْنَاهُ، وَكَيْفَ قَطَعَ بِعَدَمِ وُجُوبِ
النَّفَقَةِ فِي الْحُرَّةِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: التَّسْلِيمُ لَيْلًا، وَالتَّسْلِيمُ فِي مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ، وَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَمَةِ، حَيْثُ [جَرَى] الْخِلَافُ فِيهَا بِأَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ الْمُسَافَرَةَ بِالْحُرَّةِ، فَكَانَ امْتِنَاعُهَا مِنَ النُّقْلَةِ نُشُوزًا كَامْتِنَاعِهَا مِنَ الْمُسَافَرَةِ مَعَهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسَافَرَةَ بِالْأَمَةِ، فَجَرَى وَجْهُ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ نَقْلَهَا فَلَمْ يَكُنْ نُشُوزًا، وَلَا مُسْقِطًا لِلنَّفَقَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَدْ صَرَّحَ النووي أَيْضًا فِي الرَّوْضَةِ بِالتَّفْرِقَةِ الْمَذْكُورَةِ، فَقَالَ: لَوْ سَامَحَ السَّيِّدُ فَسَلَّمَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَعَلَى الزَّوْجِ تَسْلِيمُ الْمَهْرِ، وَتَمَامُ النَّفَقَةِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمْهَا إِلَّا لَيْلًا فَهَلْ تَجِبُ جَمِيعُ النَّفَقَةِ، أَوْ نِصْفُهَا أَمْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ؟ فِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ، وَالْبَغَوِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ فِيمَا إِذَا سَلَّمَتِ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا لَيْلًا، وَاشْتَغَلَتْ عَنِ الزَّوْجِ نَهَارًا. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْجَزْمُ فِي الْحُرَّةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ فِي هَذَا الْحَالِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ، فَانْظُرْ كَيْفَ صَحَّحَ طَرِيقَةَ الْجَزْمِ فِي الْحُرَّةِ مَعَ إِجْرَاءِ الْخِلَافِ فِي الْأَمَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: كَيْفَ يَدْخُلُ وَيَسْتَمْتِعُ فِي غَيْرِ مُقَابِلٍ؟ فَجَوَابُهُ: أَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ، وَقَدْ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ هُنَا مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْمَهْرُ فَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد: لَا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ كَالنَّفَقَةِ، وَقَالَ الْقَاضِي أبو الطيب: يَجِبُ، قَالَ ابن الصباغ: لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الَّذِي يَتَمَكَّنُ مَعَهُ مِنَ الْوَطْءِ قَدْ حَصَلَ وَلَيْسَ كَالنَّفَقَةِ فَإِنَّهَا لَا تَجِبُ بِتَسْلِيمٍ وَاحِدٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَيَسْتَمْتِعُ بِهَا وَلَا تَلْزَمُهُ نَفَقَةٌ؟ قُلْنَا: الِاسْتِمْتَاعُ فِي مُقَابَلَةِ الْمَهْرِ كَمَا هُوَ مُصَرَّحٌ بِهِ فِي كَلَامِهِمْ، وَكَيْفَ يَتَخَيَّلُ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ بِمُطْلَقِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّنْبِيهِ: وَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ إِلَّا بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ؟ قَالَ ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ: احْتَرَزَ الشَّيْخُ بِلَفْظِ التَّامِّ عَمَّا إِذَا قَالَتْ: أَنَا أُسَلِّمُ نَفْسِي إِلَيْكَ لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ، وَفِي نَهَارٍ دُونَ اللَّيْلِ، أَوْ فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ دُونَ غَيْرِهِ، أَوْ فِي الْمَنْزِلِ الْفُلَانِيِّ، فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بِذَلِكَ؛ إِذْ لَمْ يَحْصُلِ التَّمْكِينُ الْمُقَابِلُ بِالنَّفَقَةِ، وَقَالَ: وَصُورَةُ التَّمْكِينِ التَّامِّ أَنْ تَقُولَ: سَلَّمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، فَإِنِ اخْتَرْتَ أَنْ تَصِيرَ إِلَيَّ وَتَأْخُذَنِي وَتَسْتَمْتِعَ بِي فَذَاكَ إِلَيْكَ، وَإِنِ اخْتَرْتَ جِئْتُ إِلَيْكَ فِي أَيِّ مَكَانٍ شِئْتَ أَوْ مَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى.
وَعِبَارَةُ الشَّيْخِ فِي الْمُهَذَّبِ: إِذَا سُلِّمَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا وَمُكِّنَّ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَنَقَلَهَا إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، فَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، أَوْ مَكَّنَتْ مِنَ اسْتِمْتَاعٍ دُونَ اسْتِمْتَاعٍ، أَوْ فِي مَنْزِلٍ دُونَ مَنْزِلٍ، أَوْ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ لَمْ تَجِبِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدِ التَّمْكِينُ التَّامُّ فَلَمْ تَجِبِ النَّفَقَةُ، كَمَا لَا يَجِبُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ إِذَا امْتَنَعَ الْبَائِعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، أَوْ سَلَّمَ فِي مَوْضِعٍ دُونَ مَوْضِعٍ.
وَعِبَارَةُ ابن الصباغ فِي الشَّامِلِ: فَإِذَا مَكَّنَتِ الزَّوْجَةُ مِنْ نَفْسِهَا بِأَنْ تَقُولَ: سَلَّمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ فِي أَيِّ مَكَانٍ شِئْتَ فَقَدْ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ، فَأَمَّا إِذَا قَالَتْ: أُسَلِّمُ نَفْسِي إِلَيْكَ فِي مَنْزِلِي، أَوْ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ دُونَ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ هَذَا تَسْلِيمًا تَامًّا، وَلَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ، كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: أُسَلَّمُ إِلَيْكَ السِّلْعَةَ عَلَى أَنْ تَتْرُكَهَا فِي مَوْضِعِهَا، أَوْ فِي مَكَانٍ بِعَيْنِهِ لَمْ يَكُنْ تَسْلِيمًا يَسْتَحِقُّ بِهِ تَسْلِيمَ الْعِوَضِ إِلَيْهِ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا: إِنَّ السَّيِّدَ إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَسَلَّمَهَا لَيْلًا دُونَ النَّهَارِ لَمْ تُسْتَحَقَّ النَّفَقَةُ عَلَى الزَّوْجِ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلِ التَّسْلِيمُ التَّامُّ.
وَعِبَارَةُ المحاملي فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنَّمَا يَجِبُ بِالتَّمْكِينِ التَّامِّ الْمُسْتَنِدِ إِلَى عَقْدٍ صَحِيحٍ، فَإِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: مَكَّنْتُكَ مِنْ نَفْسِي، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَتْرُكَنِي فِي مَنْزِلِي فَافْعَلْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْقُلَنِي إِلَى حَيْثُ شِئْتَ فَافْعَلْ، فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَمْكِينًا تَامًّا، بِأَنْ قَالَتْ: أُمَكِّنُكَ مِنْ نَفْسِي فِي مَنْزِلِي، وَلَا أَنْتَقِلُ مَعَكَ إِلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِحَالٍ، كَالسَّيِّدِ إِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، بَلْ قَالَ: أُسَلِّمُهَا بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ فَإِنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ بِذَلِكَ.
وَعِبَارَةُ ابْنِ أَبِي عَصْرُونَ فِي الْمُرْشِدِ: إِذَا سُلِّمَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا وَمُكِّنَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَنَقَلَهَا إِلَى حَيْثُ يُرِيدُ، وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الِاسْتِمْتَاعِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ وَجَبَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، أَوْ مَكَّنَتْ مِنِ اسْتِمْتَاعٍ دُونَ اسْتِمْتَاعٍ، أَوْ فِي مَنْزِلٍ دُونَ مَنْزِلٍ، أَوْ فِي بَلَدٍ دُونَ بَلَدٍ لَمْ تَجِبِ النَّفَقَةُ.
وَعِبَارَةُ سليم الرازي فِي الْكِفَايَةِ: وَإِذَا لَمْ تُسَلِّمْ نَفْسَهَا إِلَى الزَّوْجِ لَمْ تَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ نَفَقَةً، وَسَوَاءٌ امْتَنَعَتْ مِنْهُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ قَالَتْ: أَنْتَقِلُ مَعَكَ إِلَى مَحَلَّةٍ دُونَ مَحَلَّةٍ، وَهَكَذَا إِنْ تَزَوَّجَ بِهَا وَسَكَتَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَمْ يَطْلُبِ الزَّوْجُ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا، وَلَمْ تَطْلُبْ هِيَ أَنْ يَتَسَلَّمَهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ النَّفَقَةَ، وَإِذَا أَرَادَتْ أَنْ تُسَلِّمَ نَفْسَهَا فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ حَاضِرًا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إِلَيْهِ، بِأَنْ تَقُولَ: بَذَلْتُ نَفْسِي لَكَ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَرَدَّدَ إِلَيَّ فَافْعَلْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْقُلَنِي إِلَى أَيِّ مَوْضِعٍ أَرَدْتَ فَافْعَلْ، وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ اسْتَحَقَّتِ النَّفَقَةَ.
وَعِبَارَةُ صَاحِبِ الْبَيَانِ: إِذَا زَوَّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهَا مَعَ زَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهَا مَعَهُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، فَإِنِ اخْتَارَ السَّيِّدُ إِرْسَالَهَا لِزَوْجِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ جَمِيعُ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الِاسْتِمْتَاعُ التَّامُّ، وَإِنْ سَلَّمَهَا السَّيِّدُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ فَفِيهِ وَجْهَانِ: مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: يَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ نَفَقَتِهَا،
وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ نَفَقَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْهَا تَسْلِيمًا تَامًّا، فَهُوَ كَمَا لَوْ سَلَّمَتِ الْحُرَّةُ نَفْسَهَا بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، أَوْ فِي بَيْتٍ دُونَ بَيْتٍ.
وَعِبَارَةُ الشَّاشِيِّ فِي الْعُمْدَةِ: إِذَا سُلِّمَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا وَهِيَ مِنْ أَهْلِ الِاسْتِمْتَاعِ وَمُكِّنَ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَنَقَلَهَا حَيْثُ يُرِيدُ وَجَبَ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَكَذَا عِبَارَتُهُ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّرْغِيبِ، ثُمَّ رَأَيْتُ الْمَاوَرْدِيَّ قَالَ فِي الْحَاوِي مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا التَّمْكِينُ فَيَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرَيْنِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهِمَا، أَحَدُهُمَا: تَمْكِينُهُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا، وَالثَّانِي: تَمْكِينُهُ مِنَ النُّقْلَةِ مَعَهُ حَيْثُ شَاءَ فِي الْبَلَدِ الَّذِي تَزَوَّجَهَا فِيهِ، وَإِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْبِلَادِ إِذَا كَانَتِ السُّبُلُ مَأْمُونَةً، فَلَوْ مَكَّنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنَ النُّقْلَةِ مَعَهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ لَمْ يَكْمُلْ إِلَّا أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا فِي زَمَانِ الِامْتِنَاعِ مِنَ النُّقْلَةِ، فَتَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ، وَيَصِيرُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا عَفْوًا عَنِ النُّقْلَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ هَذِهِ عِبَارَتُهُ.
وَقَدْ يَتَمَسَّكُ بِهَا مَنْ أَفْتَى بِخِلَافِ مَا أَفْتَيْنَا بِهِ، بَلْ أَنَا لَمَّا رَأَيْتُهَا تَوَقَّفَتْ كُلَّ التَّوَقُّفِ، ثُمَّ بَانَ لِي أَنَّهَا لَا تُعَارِضُ مَا تَقَدَّمَ وَذَلِكَ أَنِّي رَأَيْتُ الْمَاوَرْدِيَّ اخْتَارَ فِي النَّفَقَةِ طَرِيقَةً ضَعِيفَةً خِلَافَ الطَّرِيقَةِ الَّتِي صَحَّحَهَا الشَّيْخَانِ، وَاعْتَرَفَ هُوَ أَنَّ مَا اخْتَارَهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ، وَلِظَاهِرِ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ اخْتَارَ أَنَّهُ لَا يَخْلُو اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ عَنْ نَفَقَةٍ وَفَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَارَ فِي الْأَمَةِ إِذَا سُلِّمَتْ لَيْلًا لَا نَهَارًا أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا الْقِسْطُ مِنَ النَّفَقَةِ، وَقَالَ فِي الْحُرَّةِ الْمُمْتَنِعَةِ مِنَ النُّقْلَةِ: إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا يَجِبُ لَهَا نَفَقَةُ زَمَنِ الِاسْتِمْتَاعِ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِهِ فِي الْأَمَةِ: بِالتَّقْسِيطِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ فِي الْأُمَّةِ ضَعِيفَةٌ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لَهَا أَصْلًا.
وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْمَاوَرْدِيِّ: قَالَ: الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يُمَكِّنَهَا مِنْهَا لَيْلًا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَيَمْنَعُهُ مِنْهَا نَهَارًا فِي زَمَانِ الِاسْتِخْدَامِ، فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِرِقِّهَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ فِي نِكَاحِ الْأُمَّةِ، وَفِي نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا - أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِقُصُورِ اسْتِمْتَاعِهِ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهَا بِقِسْطِهِ مِنْ زَمَانِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الزَّوْجِ عَشَاؤُهَا، وَعَلَى السَّيِّدِ غَدَاؤُهَا؛ لِأَنَّ الْعَشَاءَ يُرَادُ لِزَمَانِ اللَّيْلِ، وَالْغَدَاءَ يُرَادُ لِزَمَانِ النَّهَارِ، وَعَلَيْهِ مِنَ الْكُسْوَةِ مَا تَتَدَثَّرُ بِهِ لَيْلًا، وَعَلَى السَّيِّدِ مِنْهُ مَا تَلْبَسُهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا تَقَسَّطَتِ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ وُجُودِ الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِئَلَّا يَخْلُوَ اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ مِنِ اسْتِحْقَاقِ نَفَقَةٍ - هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ، فَانْظُرْ كَيْفَ رَجَّحَ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ خِلَافَ مَا رَجَّحَهُ الشَّيْخَانِ، وَكَيْفَ قَالَ فِي الْأَوَّلِ: أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ، وَفِيمَا رَجَّحَهُ الْأَظْهَرُ
عِنْدِي إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ اخْتِيَارٌ لَهُ خَارِجٌ عَمَّا رَجَّحَهُ الْجُمْهُورُ، وَانْظُرْ كَيْفَ بَنَى أَصْلَهُ عَلَى أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ لَا يَخْلُو مِنْ نَفَقَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَمِنْهُمُ الشَّيْخَانِ، فَعَرَفَ أَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ فِي الْحُرَّةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ هُوَ لَا عَلَى طَرِيقَةِ الْجُمْهُورِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا بَعْدَ هَذَا الْكَلَامِ بِوَرَقَتَيْنِ: فَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ السَّيِّدُ مَنْزِلًا لَيْلًا وَنَهَارًا وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَكَانَ السَّيِّدُ مُتَعَدِّيًا بِمَنْعِهَا مِنْهُ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَإِنْ بَوَّأَهَا مَعَهُ لَيْلًا، وَاسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا لَمْ يَتَعَدَّ، وَفِي نَفَقَتِهَا مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - وَهُوَ قَوْلُ المروزي - وَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُهَا، وَالثَّانِي - وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي - أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ بِقِسْطِهَا مِنْ زَمَانِ اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَهُوَ مَا قَابَلَ الْعَشَاءَ دُونَ الْغَدَاءِ انْتَهَى.
وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ: إِنَّهُ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا تَقَدَّمَتْ عِبَارَتُهُ، ثُمَّ تَأَمَّلْ عِبَارَةَ الْمَاوَرْدِيِّ السَّابِقَةَ فِي الْحُرَّةِ، تَجِدْهُ لَمْ يُوجِبْ لَهَا النَّفَقَةَ فِي كُلِّ الْأَيَّامِ، إِنَّمَا أَوْجَبَ لَهَا نَفَقَةً زَمَنَ الِاسْتِمْتَاعِ خَاصَّةً، لِقَوْلِهِ: وَيَصِيرُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا عَفْوًا عَنِ النُّقْلَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، فَقَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ لَهَا إِذَا اسْتَمْتَعَ فِي يَوْمٍ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلِّهِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي مَنْزِلِهَا أَيَّامًا وَتَرَكَ ذَلِكَ أَيَّامًا، أَوْ غَابَ عَنْهَا فِي الْبَلَدِ، أَوْ فِي سَفَرٍ لَمْ تَسْتَحِقَّ نَفَقَةَ أَيَّامِ الْغَيْبَةِ وَلَا أَيَّامَ تَرْكِ الِاسْتِمْتَاعِ، وَلَوْ كَانَتْ فِي مَنْزِلِهِ لَاسْتَحَقَّتْ نَفَقَةَ هَذِهِ الْأَيَّامِ كُلِّهَا، وَهَذَا أَغْلَظُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ عِبَارَةِ الْمَاوَرْدِيِّ وَهِيَ كَالصَّرِيحَةِ فِيهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا اسْتَمْتَعَ بِهَا فِي يَوْمٍ لَمْ تَجِبْ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ كُلِّهِ بَلْ بِالْقِسْطِ، فَإِنِ اسْتَمْتَعَ فِي النَّهَارِ لَزِمَهُ غَدَاؤُهَا دُونَ الْعَشَاءِ، أَوْ فِي اللَّيْلِ لَزِمَهُ عَشَاؤُهَا دُونَ الْغَدَاءِ، كَمَا هُوَ قِيَاسُ قَوْلِهِ فِي الْأَمَةِ، وَهَذَا يُرْشِدُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ اسْتِمْتَاعُهُ بِهَا عَفْوًا عَنِ النُّقْلَةِ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ، أَيْ: فِي زَمَنِ الِاسْتِمْتَاعِ خَاصَّةً، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَتُهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ مَقْصُورٌ عَلَيْهِ، وَالنَّفَقَةَ عِنْدَهُ تَقْسِيطٌ، فَيَجِبُ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الزَّمَنَ فَقَطْ إِمَّا الْغَدَاءُ أَوِ الْعَشَاءُ، وَتَبْقَى سَائِرُ الْأَوْقَاتِ الَّتِي لَمْ يَسْتَمْتِعْ بِهَا وَهِيَ مُمْتَنِعَةٌ غَيْرُ عَفْوٍ فَلَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ تَحْتَمِلُهُ عِبَارَتُهُ.
وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَصْلُ الْعِبَارَةِ مَعْنًى ثَالِثًا: وَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِذَلِكَ الَّتِي قَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ إِلَّا فِي بَيْتِي، وَإِنَّمَا أَرَادَ مَنْ سَلَّمَتْ فِي مَنْزِلِهِ، وَبَذَلَتْ لَهُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَنْقُلَهَا إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، أَوْ يُسَافِرَ بِهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ فَامْتَنَعَتْ، فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا فِي مَنْزِلِهِ الْأَوَّلِ يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ اسْتِصْحَابًا لِلطَّاعَةِ السَّابِقَةِ، وَالتَّسْلِيمِ السَّابِقِ مَعَ تَقْوِيَتِهِ بِالِاسْتِمْتَاعِ، بِخِلَافِ مَنْ قَالَتْ: لَا أُسَلِّمُ إِلَّا فِي بَيْتِي فَإِنَّهَا لَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ قَهْرِهِ وَطَاعَتِهِ أَصْلًا، فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا نَفَقَةً، بَلْ هُوَ فِي
هَذِهِ الصُّورَةِ كَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِهَا خِلَافَ مَوْضُوعِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِأَنَّ لِلسَّاكِنِ بِزَوْجَتِهِ فِي بَيْتِ نَفْسِهِ مِنَ الرَّاحَةِ وَالْعِزِّ وَالسُّلْطَةِ وَقُوَّةِ النَّفْسِ مَا لَيْسَ لِلسَّاكِنِ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَالْإِنْسَانُ لَا يَكُونُ أَمِيرًا فِي بَيْتِ غَيْرِهِ وَالزَّوْجُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُبَاسَطَةِ مَعَ زَوْجَتِهِ، وَرَفْعِ الْحِشْمَةِ مَعَهَا فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ، وَذَلِكَ لَا يَتَأَتَّى لَهُ وَهِيَ فِي مَنْزِلِ أَهْلِهَا، خُصُوصًا إِذَا كَانَتِ الدَّارُ وَاحِدَةً تَجْمَعُ الْجَمِيعَ، وَهِيَ فِي حُجْرَةٍ مِنْ حُجَرِهَا وَإِنِ اسْتَقَلَّتْ بِمَرَافِقِهَا، هَذَا أَمْرٌ يَعْرِفُهُ كُلُّ أَحَدٍ.
وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ مُخَرَّجٌ فِي بَعْضِ الْأَجْزَاءِ الْحَدِيثِيَّةِ أَنَّ إِبْلِيسَ قَالَ: إِنَّمَا أَحْزَنُ عَلَى السَّاكِنِ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ، وَلَا يَحْضُرُنِي الْآنَ سَنَدُهُ، وَسَأَتْبَعُهُ وَأَلْحَقُهُ، ثُمَّ تَذَكَّرْتُ عَنْ شَيْخِنَا شَيْخِ الْإِسْلَامِ شرف الدين المناوي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِيمَا إِذَا امْتَنَعَتِ الزَّوْجَةُ مِنَ النُّقْلَةِ، وَسَكَنَ الزَّوْجُ فِي بَيْتِهَا: يَنْبَغِي أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهَا النُّقْلَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ؛ لِيَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُهَا، فَإِذَا امْتَنَعَتْ سَقَطَتْ نَفَقَةُ ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ لِأَنَّ نُشُوزَ لَحْظَةٍ فِي الْيَوْمِ يُسْقِطُ نَفَقَةَ كُلِّ الْيَوْمِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَيْخُنَا تَحْقِيقًا مِنْ عِنْدِهِ، قَصَدَ بِهِ أَنْ يَتَحَقَّقَ امْتِنَاعُهَا مِنَ النُّقْلَةِ فِي كُلِّ يَوْمٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ رَجَعَتْ عَنِ الِامْتِنَاعِ، وَيَكُونَ سَكَنُ الزَّوْجِ فِي مَنْزِلِهَا بِاخْتِيَارِ نَفْسِهِ، وَهِيَ بِحَيْثُ لَوْ طَلَبْتَ مِنْهَا لَأَجَابَتْ، فَإِنَّهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ بِلَا شَكٍّ، وَالَّذِي أَقُولُهُ: أَنَّ مَا قَالَهُ شَيْخُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاسْتِظْهَارِ، لِبَرَاءَةِ الذِّمَّةِ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهَا عَلَى الِامْتِنَاعِ إِلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ مِنْهَا الطَّاعَةَ صَرِيحًا.
تَذْنِيبٌ: ذَكَرَ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْأَمَةَ الْمَوْقُوفَةَ يُزَوِّجُهَا الْحَاكِمُ، قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَقْفِ نَاظِرٌ خَاصٌّ، فَإِنْ كَانَ لَهُ نَاظِرٌ خَاصٌّ فَهُوَ الَّذِي يُزَوِّجُ، قَالَ ابن العماد فِي " تَوْقِيفِ الْحُكَّامِ عَلَى غَوَامِضِ الْأَحْكَامِ ": وَقَدِ اغْتَرَّ صَاحِبُ الْمُهِمَّاتِ بِمَقَالَةِ الْمَاوَرْدِيِّ، فَجَعَلَهَا تَقْيِيدًا لِإِطْلَاقِهِمْ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمَاوَرْدِيَّ بَنَى جَوَابَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ وِلَايَةَ التَّزْوِيجِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ الْمَالِ - وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ - وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى خِلَافِهِ، والرافعي نَقَلَ هُنَا عَنِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْحَاكِمَ يُزَوِّجُ انْتَهَى، وَهَذَا نَظِيرُ مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ أَنَّ الْمَاوَرْدِيَّ بَنَى جَوَابَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى اخْتِيَارِهِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ مِنِ اسْتِحْقَاقِ نَفَقَةٍ حَتَّى إِنَّهُ أَوْجَبَ لِلْأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ لَيْلًا لَا نَهَارًا شَطْرَ النَّفَقَةِ - وَهُوَ خِلَافُ الْمُصَحَّحِ فِي الْمَذْهَبِ - وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ، فَلَا يَغْتَرَّنَّ أَحَدٌ بِذَلِكَ، وَيَجْعَلْهُ تَقْيِيدًا لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ فَتَأْنَسْ بِذَلِكَ.
تَأْكِيدٌ: وَقَدِ اخْتَارَ الْمَاوَرْدِيُّ أَيْضًا وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي مَسَائِلَ، عَلَى خِلَافِ مَا رَجَّحَهُ
الْأَكْثَرُونَ، وَالشَّيْخَانِ، قَالَ ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ: لَوْ سَافَرَتْ بِإِذْنِهِ فِي حَاجَتِهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهَا فَقَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ؛ لِأَنَّهَا سَافَرَتْ بِالْإِذْنِ وَهَذَا أَظْهَرُ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيِّ، وَأَظْهَرُهُمَا عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَسْقُطُ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُمَكِّنَةٍ، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ، وَقَالَ ابن الرفعة أَيْضًا: لَوْ صَامَتْ تَطَوُّعًا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَفِي وَجْهٍ لَا تَسْقُطُ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِنْ لَمْ يَدْعُهَا إِلَى الْخُرُوجِ بِالِاسْتِمْتَاعِ فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا، وَإِنْ دَعَاهَا فَأَبَتْ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا، وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِهِ فَلَا؛ لِقُرْبِ الزَّمَانِ.
قَالَ ابن الرفعة: وَيُفْهَمُ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ دَعَاهَا إِلَى الْخُرُوجِ بِغَيْرِ الِاسْتِمْتَاعِ فَلَمْ تَفْعَلْ كَانَتْ عَلَى حَقِّهَا، وَهَذَا وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ فِي الْعِدَّةِ، قَالَ الرافعي: وَقَدِ اسْتَحْسَنَ الروياني هَذَا التَّفْصِيلَ، وَالْأَكْثَرُونَ سَكَتُوا عَنْهُ انْتَهَى.
فَانْظُرْ: إِلَى هَذَيْنِ الْفَرْعَيْنِ كَيْفَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِمَا بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى خِلَافِ مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ؛ مَشْيًا عَلَى أَصْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا تَخْلُو زَوْجَةٌ عَنْ نَفَقَةٍ، وَانْظُرْ إِلَى الرافعي كَيْفَ لَمْ يَعْتَبِرْ تَفْصِيلَهُ فِي الْفَرْعِ الثَّانِي، وَلَا قَيَّدَ بِهِ إِطْلَاقَ الْأَصْحَابِ، بَلْ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ الْأَكْثَرِينَ سَكَتُوا عَنْهُ.
وَهَكَذَا الْمَسْأَلَةُ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ فِيهَا عَدَمَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ، وَلَمْ يُقَيِّدُوهُ بِمَا إِذَا اسْتَمْتَعَ، وَلَمْ أَرَ هَذَا الْقَيْدَ إِلَّا فِي كَلَامِ الْمَاوَرْدِيِّ وَحْدَهُ؛ جَرْيًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ فَتَفَطَّنْ إِنْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الْفِطْنَةِ، وَإِلَّا فَخَلِّ الْهَوَى لِرِجَالِهِ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ أَنَّ هَذَا التَّخْصِيصَ الَّذِي قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ لَيْسَ بِمُعْتَمِدٍ أَنَّ الرافعي لَمْ يُعَوِّلْ عَلَى ذِكْرِهِ، بَلْ أَطْلَقَ الْمَسْأَلَةَ كَمَا أَطْلَقَهَا سَائِرُ الْأَصْحَابِ، وَكَذَا ابن الرفعة فِي الْكِفَايَةِ لَمْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ أَصْلًا، مَعَ حِرْصِهِ عَلَى تَتَبُّعِ مَا أَغْفَلَهُ الرافعي مِنَ الْقُيُودِ وَالتَّخْصِيصَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّهُ رَآهُ مُفَرَّعًا عَلَى طَرِيقَةٍ مَرْجُوحَةٍ، فَأَعْرَضَ عَنِ التَّشَاغُلِ بِهِ.
وَإِذْ قَدِ انْتَهَى الْقَوْلُ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ، فَلْنُلَخِّصِ الْكَلَامَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَنَقُولُ: إِذَا سَكَنَ الزَّوْجُ فِي بَيْتِ زَوْجَتِهِ أَوْ عِنْدَ أَهْلِهَا فَلَهُ أَحْوَالٌ.
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ هُوَ الطَّالِبَ لِذَلِكَ وَالْمَرْأَةُ أَوْ أَهْلُهَا كَارِهُونَ لِذَلِكَ، مُرِيدُونَ مِنْهُ أَنْ يَنْقُلَ زَوْجَتَهُ إِلَى مَكَانٍ يَسْتَأْجِرُهُ، فَهَذَا عَلَيْهِ النَّفَقَةُ وَأُجْرَةُ الْمَنْزِلِ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ، وَفِي الْمُحِيطِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهَا إِذَا مَنَعَتْهُ مِنَ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا، وَقَدْ سَأَلَتْهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً، وَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ وَهُوَ وَاضِحٌ.