الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمَا عَدَا هَذِهِ مِنَ الْعُلُومِ كَالْوَسِيلَةِ لَهَا، فَلَمَّا جَمَعَتِ الْفَاتِحَةُ هَذِهِ كَانَتْ جَدِيرَةً بِأَنْ تَكُونَ عُنْوَانَ الْقُرْآنِ بِالتَّقْرِيرِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابن أبي الأصبع.
[الْقُذَاذَةُ فِي تَحْقِيقِ مَحَلِّ الِاسْتِعَاذَةِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى.
وَقَعَ السُّؤَالُ عَمَّا يَقَعُ مِنَ النَّاسِ كَثِيرًا إِذَا أَرَادُوا إِيرَادَ آيَةٍ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَيَذْكُرُونَ الْآيَةَ هَلْ (بَعْدَ) هَذِهِ جَائِزَةٌ قَبْلَ الِاسْتِعَاذَةِ أَمْ لَا؟ وَهَلْ أَصَابَ الْقَارِئُ فِي ذَلِكَ أَوْ أَخْطَأَ؟
فَأَقُولُ: الَّذِي ظَهَرَ لِي مِنْ حَيْثُ النَّقْلُ وَالِاسْتِدْلَالُ أَنَّ الصَّوَابَ أَنْ يَقُولَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيَذْكُرُ الْآيَةَ وَلَا يَذْكُرُ الِاسْتِعَاذَةَ فَهَذَا هُوَ الثَّابِتُ فِي الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ - أَخْرَجَ أحمد، وَالْبُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:«قَالَ أبو طلحة: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءُ» " الْحَدِيثَ، وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَالْبَزَّارُ عَنْ حمزة بن عبد الله بن عمر قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: حَضَرَتْنِي هَذِهِ الْآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] فَذَكَرْتُ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ فَلَمْ أَجِدْ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ جَارِيَةٍ لِي رُومِيَّةٍ فَأَعْتَقْتُهَا، وَأَخْرَجَ ابن المنذر عَنْ نافع قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَشْتَرِي السُّكَّرَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، فَنَقُولُ لَهُ: لَوِ اشْتَرَيْتَ لَهُمْ بِثَمَنِهِ طَعَامًا كَانَ أَنْفَعَ لَهُمْ، فَيَقُولُ: إِنِّي أَعْرِفُ الَّذِي تَقُولُونَ لَكِنْ سَمِعْتُ اللَّهَ يَقُولُ {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] وَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ يُحِبُّ السُّكَّرَ.
وَأَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ علي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " «مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً وَلَمْ يَحُجَّ بَيْتَ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّهُ مَاتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 97] » " وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
" «إِنَّ اللَّهَ قَضَى عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ مَنْ آمَنَ بِهِ هَدَاهُ، وَمَنْ وَثِقَ بِهِ نَجَّاهُ» " قَالَ الربيع: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101]، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ: مَا تَقُولُ فِي سُلْطَانٍ عَلَيْنَا يَظْلِمُونَا، وَيَعْتَدُونَ عَلَيْنَا فِي صَدَقَاتِنَا أَفَلَا نَمْنَعُهُمْ؟ قَالَ: لَا، الْجَمَاعَةَ الْجَمَاعَةَ، إِنَّمَا هَلَكَتِ الْأُمَمُ الْخَالِيَةُ بِتَفَرُّقِهَا، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] ؟
وَأَخْرَجَ أبو يعلى، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ( «لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ» ) قَالَ الحسن: وَتَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: 118] ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وابن مردويه عَنِ ابن عمرو «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْجُمُعَةِ:" هِيَ كَفَّارَةٌ إِلَى الْجُمُعَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] " وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ فَالصَّوَابُ الِاقْتِصَارُ عَلَى إِيرَادِ الْآيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعَاذَةٍ اتِّبَاعًا لِلْوَارِدِ فِي ذَلِكَ، فَإِنَّ الْبَابَ بَابُ اتِّبَاعٍ، وَالِاسْتِعَاذَةُ الْمَأْمُورُ بِهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ} [النحل: 98] إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلتِّلَاوَةِ، أَمَّا إِيرَادُ آيَةٍ مِنْهُ لِلِاحْتِجَاجِ وَالِاسْتِدْلَالِ عَلَى حُكْمٍ فَلَا، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُ:" قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ أَعُوذُ بِاللَّهِ " تَرْكِيبٌ لَا مَعْنَى لَهُ وَلَيْسَ [فِيهِ] مُتَعَلِّقٌ لِلظَّرْفِ وَإِنْ قُدِّرَ تَعَلُّقُهُ بِقَالَ فَفِيهِ الْفَسَادُ الْآتِي، وَإِنْ قَالَ: قَالَ اللَّهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَذَكَرَ الْآيَةَ فَفِيهِ مِنَ الْفَسَادِ جَعْلُ الِاسْتِعَاذَةِ مَقُولًا لِلَّهِ وَلَيْسَتْ مِنْ قَوْلِهِ، وَإِنْ قَدَّمَ الِاسْتِعَاذَةَ ثُمَّ عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ: قَالَ اللَّهُ وَذَكَرَ الْآيَةَ فَهُوَ أَنْسَبُ مِنَ الصُّورَتَيْنِ، غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ الْوَارِدِ، وَخِلَافُ الْمَعْهُودِ مِنْ وَصْلِ آخِرِ الِاسْتِعَاذَةِ بِأَوَّلِ الْمَقْرُوءِ مِنْ غَيْرِ تَخَلُّلِ فَاصِلٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلتِّلَاوَةِ، وَبَيْنَ إِيرَادِ آيَةٍ مِنْهُ لِلِاحْتِجَاجِ جَلِيٌّ وَاضِحٌ.
مَسْأَلَةٌ: إِذَا قَرَأَ كَلِمَةً مُلَفَّقَةً مِنْ قِرَاءَتَيْنِ كَالرَّحِيمِ مَالِكِ بِالْإِدْغَامِ مَعَ الْأَلِفِ، وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى بِتَرْكِ الْأَلِفِ وَعَدَمِ الْإِمَالَةِ هَلْ يَجُوزُ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْتُمْ: يَجُوزُ، فَهَلْ ذَلِكَ جَائِزٌ سَوَاءٌ أَخَلَّ بِالْمَعْنَى أَمْ لَا؟ غَيَّرَ نَظْمَ الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ:{لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} [يونس: 11] بِبِنَاءِ الْفِعْلِ لِلْمَفْعُولِ مَعَ نَصْبِ اللَّامِ أَمْ لَا؟ وَمَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ؟
الْجَوَابُ: الَّذِي اخْتَارَهُ ابن الجزري فِي النَّشْرِ أَنَّهُ إِنْ كَانَتْ إِحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ مُتَرَتِّبَةً عَلَى الْأُخْرَى مُنِعَ التَّلْفِيقُ مَنْعَ تَحْرِيمٍ كَمَنْ يَقْرَأُ {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37] بِرَفْعِهِمَا أَوْ بِنَصْبِهِمَا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فُرِّقَ فِيهِ بَيْنَ مَقَامِ الرِّوَايَةِ وَغَيْرِهَا، فَيَحْرُمُ فِي الْأَوَّلِ ; لِأَنَّهُ كَذِبٌ فِي الرِّوَايَةِ وَتَخْلِيطٌ، وَيَجُوزُ فِي التِّلَاوَةِ، هَذَا خُلَاصَةُ مَا قَالَهُ ابن الجزري، وَذَكَرَ ابن الصلاح والنووي أَنَّ التَّالِيَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ مَا دَامَ الْكَلَامُ مُرْتَبِطًا، فَإِذَا انْقَضَى ارْتِبَاطُهُ فَلَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِقِرَاءَةٍ أُخْرَى، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابن الجزري، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَهَذَا أَثَرٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَخْرَجَهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ، وَغَيْرُهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ: أَرَادَ أَنَّ اتِّبَاعَ مَنْ قَبْلَنَا فِي الْحُرُوفِ سُنَّةٌ، وَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَةُ الْمُصْحَفِ الَّذِي هُوَ إِمَامٌ وَلَا هِيَ مَشْهُورَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ سَائِغًا فِي اللُّغَةِ. انْتَهَى.
مَسْأَلَةٌ: الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أبو داود فِي سُنَنِهِ «عَنِ الشريد بن سويد قَالَ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا، وَقَدِ اتَّكَأْتُ عَلَى إِلْيَةِ يَدِي الْيُسْرَى، وَوَضَعْتُهَا خَلْفَ ظَهْرِي، فَقَالَ: " أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ» " مَنْ هُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ؟ هَلْ هُمُ الْمَذْكُورُونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] .
الْجَوَابُ: نَعَمْ، الْمُرَادُ بِالْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَهُمُ الْيَهُودُ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ النووي فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى كَرَاهَةِ هَذِهِ الْقِعْدَةِ لِفِعْلِ الْيَهُودِ لَهَا، وَأَوْرَدَ بَعْدَهُ حَدِيثَ الْبُخَارِيِّ عَنْ عائشة أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ يَدَهُ فِي خَاصِرَتِهِ، وَتَقُولُ: إِنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصُودَ كَرَاهَةُ التَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ فِي كَيْفِيَّةِ قُعُودِهِمْ.
مَسْأَلَةٌ: فِي قَوْلِ الْإِمَامِ الْبَيْضَاوِيِّ فِي إِعْرَابِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةً، وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنَ الْمُسْتَكِنِّ فِي (وَلِيُّ) أَوْ مِنَ الْمَوْصُولِ أَوْ مِنْهُمَا، بَيِّنَ لَنَا كَيْفَ صِيغَةُ الْحَالِ عَلَى كُلٍّ؟
الْجَوَابُ: مِنَ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ فِي الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَالِ وَالْحَالَ يُشْبِهَانِ الْمُبْتَدَأَ وَالْخَبَرَ، فَلِذَلِكَ السَّبَبِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ وَاحِدًا وَيَتَعَدَّدُ حَالُهُ، كَمَا يَكُونُ الْمُبْتَدَأُ وَاحِدًا وَالْخَبَرُ مُتَعَدِّدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْحَالِ مُتَعَدِّدًا وَالْحَالُ مُتَعَدِّدٌ أَوْ مُتَّحِدٌ، وَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الضَّابِطَيْنِ، كَمَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الرَّابِطِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُبْتَدَأَيْنِ، وَمِنَ الْقَوَاعِدِ الْمَشْهُورَةِ حَتَّى فِي الْأَلْفِيَّةِ أَنَّ الْحَالَ يَأْتِي مِنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ كَمَا قَالَ:
وَلَا تُجِزْ حَالًا مِنَ الْمُضَافِ لَهْ
…
إِلَّا إِذَا اقْتَضَى الْمُضَافُ عَمَلَهْ
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ، وَهُوَ أَنَّهُ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَكِنِّ فِي (وَلِيُّ) وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ أبو حيان فِي الْبَحْرِ، فَإِنَّ صِيغَةَ (وَلِيُّ) صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ، وَفِيهِ ضَمِيرُ الْفَاعِلِ هُوَ الْأَوْضَحُ، وَالْحَالُ تَأْتِي مِنَ الْفَاعِلِ كَثِيرًا، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ إِخْرَاجِهِ إِيَّاهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ، أَوْ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ؛ أَيْ: مَوْلَاهُمْ حَيْثُ أَخْرَجَهُمْ، وَالْحَالُ قَيْدٌ فِي الْعَامِلِ، فَجُمْلَةُ الْإِخْرَاجِ حَالٌ مُبَيِّنَةٌ لِهَيْئَةِ التَّوَلِّي، وَضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ فِيهِ هُوَ الرَّابِطُ لِجُمْلَةِ الْحَالِ بِصَاحِبِهَا، وَإِنَّمَا جُعِلَ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) لَا مِنْ نَفْسِ (وَلِيُّ) ; لِأَنَّهُ وَاقِعٌ خَبَرًا عَنِ الْمُبْتَدَأِ، وَالْقَاعِدَةُ أَنَّ الْحَالَ لَا تَأْتِي مِنَ الْخَبَرِ، بَلْ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ أَوْ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا، وَهُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ بِشَرْطِهِ أَوِ الْمُبْتَدَأُ عَلَى رَأْيٍ، وَأَمَّا الْخَبَرُ فَلَا يَأْتِي مِنْهُ الْحَالُ، فَلِذَلِكَ عَدَلَ إِلَى الضَّمِيرِ الَّذِي هُوَ فَاعِلُهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولِ وَاضِحٌ أَيْضًا ; لِأَنَّهُ مَجْرُورٌ بِإِضَافَةِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ إِلَيْهِ، فَهُوَ مِنْ قَاعِدَةِ مَا كَانَ الْمُضَافُ عَامِلًا فِيهِ، وَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ ; وَلِهَذَا لَوْ جِئْتَ بَدَلَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْفِعْلِ ظَهَرَتِ الْمَفْعُولِيَّةُ فَيُقَالُ: اللَّهُ تَوَلَّى الَّذِينَ آمَنُوا، فَيَكُونُ الَّذِينَ مَفْعُولًا وَالْحَالُ يَأْتِي مِنَ الْمَفْعُولِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِهِدَايَتِهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ، فَإِذَا قُدِّرَتِ الْحَالُ مِنْ ضَمِيرِ (وَلِيُّ) كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرِجًا بِالْكَسْرِ اسْمَ فَاعِلٍ، وَإِذَا قَدَّرْتَهَا مِنَ الَّذِينَ الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمَفْعُولِ كَانَتْ فِي تَقْدِيرِ مُخْرَجِينَ بِالْفَتْحِ اسْمَ مَفْعُولٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ وَاضِحٌ أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهَا حَالٌ مِنْهُمَا مَعًا، فَإِنَّ فِيهَا رَابِطَيْنِ: رَابِطٌ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ ضَمِيرُ يُخْرِجُ الْمُسْتَتِرُ الَّذِي هُوَ فَاعِلٌ، وَرَابِطٌ بِالثَّانِي، وَهُوَ ضَمِيرُ الَّذِينَ آمَنُوا، الَّذِي هُوَ مَفْعُولُ يُخْرِجُ، وَهُوَ هُمْ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا: اللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ حَالَ كَوْنِهِ مُخْرِجًا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَحَالَ كَوْنِهِمْ مُخْرَجِينَ بِالِاهْتِدَاءِ، وَفِي ذَلِكَ مُلَاحَظَةٌ أُخْرَى لِقَاعِدَةٍ أُصُولِيَّةٍ وَهِيَ اسْتِعْمَالُ الْمُشْتَرَكِ فِي مَعْنَيَيْهِ.