الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ذِكْرُ التَّشْنِيعِ فِي مَسْأَلَةِ التَّسْمِيعِ]
بسم الله الرحمن الرحيم
مَسْأَلَةٌ: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ يَقُولُ فِي حَالِ ارْتِفَاعِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا يَقُولُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ، وَبِهَذَا قَالَ عطاء، وأبو بردة، وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، وإسحاق، وداود، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَقُولُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقَطْ وَالْمَأْمُومُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. فَقَطْ، وَحَكَاهُ ابن المنذر عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، وَمَالِكٍ، وأحمد قَالَ وَبِهِ أَقُولُ، وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وأبو يوسف، ومحمد، وأحمد: يَجْمَعُ الْإِمَامُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُومُ عَلَى: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " «إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» " وَبِحَدِيثِ عائشة قَالَتْ: " «صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِهِ، وَهُوَ شَاكٍ فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا: فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» " رَوَاهُمَا الشَّيْخَانِ. وَلِأَصْحَابِنَا الشَّافِعِيَّةِ فِي الِاحْتِجَاجِ مَسَالِكُ:
(الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ) أَنْ لَا حُجَّةَ لِلْخُصُومِ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ إِذْ لَيْسَ فِيهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ، بَلْ فِيهِمَا أَنَّ قَوْلَ الْمَأْمُومِ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ. يَكُونُ عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَالْوَاقِعُ فِي التَّصْوِيرِ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ التَّسْمِيعَ فِي حَالِ انْتِقَالِهِ، وَالْمَأْمُومَ يَقُولُ التَّحْمِيدَ فِي حَالِ اعْتِدَالِهِ، فَقَوْلُهُ يَقَعُ عَقِبَ قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ، وَنَظِيرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم:( «إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» )، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يُؤَمِّنُ بَعْدَ قَوْلِهِ:(وَلَا الضَّالِّينَ) ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِمَامَ يُؤَمِّنُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَقُولُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لَكِنَّهُمَا مُسْتَفَادَانِ مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى صَرِيحَةٍ، مِنْهَا هُنَا مَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ
إِذَا قَالَ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) قَالَ: (اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) » ، وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ عَنْ حذيفة «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ: (سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) .»
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ، وَمُسْلِمٌ مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ عَلَى خِلَافِ ظَاهِرِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ، فَلَمْ يَصْلُحِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا لَمْ يَصْلُحِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ، لَمْ يَصْلُحِ الِاسْتِدْلَالُ بِهِمَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ أَيْضًا، كَمَا لَا يَخْفَى.
(الْمَسْلَكُ الثَّانِي) : إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ، وَلَا [عَلَى] أَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَثَبَتَ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا مِنْ أَدِلَّةٍ أُخْرَى دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ أَيْضًا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِوَاءُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِيمَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْأَذْكَارِ فِي الصَّلَاةِ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَتَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
(الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ) : ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مالك بن الحويرث أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ( «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» ) ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ ; لِأَنَّهُ أَمَرَ الْأَئِمَّةَ بِأَنْ يُصَلُّوا، كَمَا صَلَّى، وَقَدْ ثَبَتَ بِتِلْكَ الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ «لَمَّا صَلَّى قَالَ:(سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ) » فَلَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَقُولُ ذَلِكَ فَتَتَحَقَّقُ الْمِثْلِيَّةُ.
(الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ) : نَقَلَ الطَّحَاوِيُّ، وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَهُ الطَّحَاوِيُّ حُجَّةً لَكَوْنِ الْإِمَامِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَيَصْلُحُ جَعْلُهُ حُجَّةً لِكَوْنِ الْمَأْمُومِ أَيْضًا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا ; لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِوَاءُ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَشْرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إِلَّا مَا صَرَّحَ الشَّرْعُ بِاسْتِثْنَائِهِ.
(الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ) : الِاسْتِئْنَاسُ بِمَا أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ بريدة قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ( «يَا بريدة، إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ مِنَ الرُّكُوعِ فَقُلْ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» )، وَبِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:«كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ مَنْ وَرَاءَهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ» ، وَبِمَا أَخْرَجَهُ عَنِ ابن عون قَالَ: قَالَ محمد: إِذَا قَالَ الْإِمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. قَالَ مَنْ خَلْفَهُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.