الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التّهافتِ على شهواتها، والاعتبار بعبرها، والتزوّد فيها لما بعدها، ومن ينكر أن ذلك جميلٌ ونافعٌ! ذمَّ رجلٌ الدُّنيا بحضرة علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال عليٌّ: اسكت، فإنّ الدنيا دارُ صدقٍ لمن صدَقَها، ودارُ غِنًى لمن تزوَّد منها، ودارُ عافيةٍ لمن فَهِمَ عنها، ودار موعظةٍ لمن اتّعظ بها، مَهْبِطُ وحي الله، ومَتْجَرُ أوليائه. . . إلى آخر ما قال. ومن كلامه أيضاً رضوان الله عليه: الناسُ أبناءُ الدُّنيا ولا يُلامُ المرءُ على حُبِّ أمّه. . . وسيمرّ عليك كثيرٌ من أمثال هذا. . .
أسماء الدنيا
الدُّنيا: اسْمٌ لهذه الحياة وتُكْنى الدُّنيا: أمُّ دَفْرٍ، أسماها بذلك - كما أسلفنا - سيّدُنا رسول الله، والدَّفْرُ: النَّتَن، وتُكنى كذلك: أمَّ شَمْلَةَ، أنشد ابن الأعرابي:
مِنْ أُمِّ شَمْلَةَ تَرمِينا بذائفِها
…
غَرَّارةً زِينَتْ منها التَّهاويلُ
وكذلك تُكنى الخمر: أمَّ شملة، قال أبو عمرو بن العلاء: إنّما سُمّيت الدُّنيا والخمرُ بذلك لأنّهما يشتملان على عقل الإنسان فيُغيّبانِه. . . أقول: ومن ينكر أنّ أبناءَ الدنيا، من شدّة تعلُّقهم بها وتكالُبهم عليها، وضراوتِهم بشهواتِها، وافتتانهم بزينتِها وخوضِهم غمراتِها، بحيث يُعدُّون كأنّهم مُنْزفون مُسْتلبو العقول حتى إذا رماهم هاذمُ اللذّاتِ بِسهامِه صَحَوا وأفاقوا. . . وصدق سيدُنا رسولُ الله إذ يقول صلواتُ الله عليه:(الناسُ نِيامٌ فإذا ماتوا انْتَبهوا). . . أمّا الدهر - وهو اسمٌ لزمانٍ متصل، والزّمانُ اسمٌ لدهرٍ منفصل - فقد سمَّوه أبا العجب قال:
وما الدَّهْرُ في فِعْلهِ إلا أبو العَجَبِ
والنسبة إلى الدنيا: دنياوي، ويقال: دُنْيويّ ودُنْييٌّ - وجمعُها دُنًى، وإنّما
سُمِّيت دُنيا: لدنوِّها، لأنّها دنت وقرُبت، وتأخَّرت الآخرة، أما الدُّهر فالنسبةُ إليه دُهْرِيٌّ بضمِّ الدّال تقول: رجلٌ دُهْرِيٌّ: أي قديمٌ مسن، أما رجلٌ دَهْريٌّ بفتح الدّال فمعناه: مُلْحِدٌ لا يؤمن بالآخرة يقول ببقاء الدّهر، وقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تسبّوا الدَّهْرَ فإنّ اللهَ هو الدّهر)، فمعناه: أنّ العربَ كان من شأنها أن تذمَّ الدهرَ وتسبَّه عند الحوادث والنوازلِ تنزل بهم من موتٍ أو هَرمٍ فيقولون: أصابتهم قوارِعُ الدَّهر وحوادثُه وأبادهم الدَّهرُ، فيجعلون
الدهرَ الذي يفعل ذلك فيذمّونه، وقد أخبر اللهُ بذلك في كتابه العزيز ثم كذّبهم فقال:{وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} ، ثم قال الله:{وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} ، وجمعُ الدَّهرِ أدْهُرٌ ودُهور، أما الدَّهارير فهي تصاريفُ الدَّهر، وقيل جمعٌ للدهرِ على غير قياس، قال الشاعر القديم:
فاسْتَقْدِرِ اللهَ خيراً وارْضَيَنَّ به
…
فبَيْنما العُسْرُ إذْ دارَتْ مَياسيرُ
وبينما المَرْءُ في الأحْياءِ مُغْتَبِطٌ
…
إذا هو الرَّمْسُ تَعْفوهُ الأعاصيرُ
يَبْكي عليه غَريبٌ ليسَ يَعرفهُ
…
وذو قرابتِه في الحيِّ مَسْرورُ
حتّى كأنْ لم يكنْ إلا تَذَكُّرُهُ
…
والدَّهرُ أيَّتَما حِينٍ دَهاريرُ
قوله: فاستقدر اللهَ خيراً: أي اطلب منه أن يقدِّرَ لك خيراً، وقوله: فبينما العسر؛ فالعسر مبتدأ خبره محذوف تقديره فبينما العسر كائن أو حاضر، إذ دارت مياسير: أي حدثت وحلت، والمياسير جمع ميسور، ومغتبط أي في غبطة: أي مسرّة وحسن حال، والرّمس: القبر، وتعفوه: تدرسه وتمحو أثرَه،