الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انقضاء ناسٍ بعد ناس
ورجوعهم إلى الموت
قال عليٌّ كرَّم اللهُ وجهَه: إنَّ للهِ في كلِّ يَوْمٍ ثلاثَ عَساكِرَ: عسكرٌ يَنْزِلُ من الأصْلابِ إلى الأرْحام، وعَسْكرٌ ينزل من الأرْحامِ إلى الأرضِ، وعسكرٌ ينتقلون من الدُّنيا إلى الآخرة، وقال الشاعر:
وما نَحْنُ إلا رُفْقةٌ غيرَ أنّنا
…
أقَمْنا قليلاً بَعْدَهم ونَرُوحُ
وقال آخر:
إذا زُرْتُ أرْضاً بعدَ طُولِ اجْتِنابِها
…
فقَدْتُ صديقاً والبِلادُ كَما هِيَا
وقال:
أرَى الأرْضَ تَبْقَى والإخِلاّءُ تَذْهَبُ
وقيل للبَهلول - وقد أقبلَ من الجبّان -: من أين؟ فقال:
مِنْ عَسْكرِ المَوْتى، فقيل ما قلت وما قالوا؟ فقال: سألتُهم: مَتى يَرْحلون؟ فقالوا: ننتظرُ قدومَكم ثُمَّ نَرْتحل. . . ورَوَوْا: أنَّ راهبين دَخلا البصرةَ من ناحيةِ الشَّامِ فنظرا إلى الحسنِ البصري، فقال أحدُهما: مِلْ بِنا إلى هذا الذي كأنَّ سَمْتَه سَمْتُ المسيح، فعَدلا إليه، فألْفَياه مُفْتَرِشاً بذَقْنِه ظاهرَ كفِّه وهو يقول: يا عَجباً لقومٍ قد أمِروا بالزَّاد وأُذِنوا بالرَّحيل، وأقام
أوَّلُهم على آخرِهم، فليتَ شِعْري ماذا يَنْتَظرون! وفي روايةٍ أخرى هذه الزيادةُ بعد قوله: وأقام أولهم على آخرهم: وآخرهم قعودٌ يلعبون قوله: أمِروا بالزّاد يعني زادَ الآخرة، وهو العملُ الصالح، وقوله: وأذنوا بالرحيل: أذِنوا: أُعْلِموا، والرحيل يريد به الموتَ، وقوله: وأقام أوّلُهم على آخرِهم: لعلّه يريد: أنّ أوّلَهم يرضى فعلَ آخرِهم فلَمْ يُنْكِرْ عليه، ولعلّه يريد أن موتَ أوّلهم كان يجب أن يكون عبرةً لآخرِهم ومن المشهور في هذا أبياتُ قُسِّ بنِ ساعدةَ الأيادي:
في الذَّاهِبينَ الأوَّلِي
…
نَ مِنَ القُرونِ لنا بَصائِرْ
لمّا رأيْتُ مَوارِداً
…
للمَوْتِ لَيْسَ لَها مَصادِرْ
ورَأيْتُ قَوْمي نَحْوَها
…
يَمْضي الأصاغِرُ والأكابِرْ
لا يَرْجِعُ الماضي إليَّ
…
ولا مِنَ الباقِينَ غابِرْ
أيْقَنْتُ أنّي لا مَحا
…
لةَ حَيْثُ صارَ القومُ صائِرْ
في الذاهبين: متعلّق ببصائِر في آخر البيت، وبصائر: عِبَر، والقُرونُ جمع قَرْنٍ والقَرْنُ من الناس: أهلُ كلّ زمان، قال:
إذا ذَهَبَ القَرْنُ الذي أنْتَ فيهمُ
…
وخُلِّفْتَ في قَرْنٍ فأنْتَ غَريبُ
ولعلّه مأخوذٌ من الاقترانِ، فكأنّه المِقدارُ الذي يقترن فيه أهلُ ذلك الزمان في أعمارهم وأحوالهم، ومن هنا اختلفوا في تحديدِ القَرن من الزمان فقيل: أربعونَ سنةً، وقيل: ثمانون، وقيل مائة سنة، والموارِد جمع مورد وهو: