المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌محاسنهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى - الذخائر والعبقريات - جـ ١

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في البرِّ والتقوى

- ‌البرُّ وألوانه

- ‌برُّ الوالدين وصلة الرحم

- ‌وعبقرياتهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

- ‌قطيعة الإخوة

- ‌الناس تجاه البنات

- ‌الخال والخؤولة

- ‌مُدَّعُو القرابة البعيدة

- ‌محاسنهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

- ‌الرضاعة

- ‌الإحسان

- ‌وعبقرياتهم في الجود واصطناع المعروف

- ‌وقِرى الأضياف وذم البخل والسؤال

- ‌الناس مجبولون على البخل

- ‌عبقرياتهم في مدح الجود وذمّ البخل

- ‌عبقرياتهم في الجود واصطناع المعروف

- ‌ أحمد بن أبي دواد

- ‌رسالة للجاحظ ينضح فيها عن الجود

- ‌كلمة عُلْويّة لسيدنا رسول الله

- ‌هيهات أن أبيت مبطاناً وحولي بطون غَرْثى

- ‌كان الخلفاء الراشدون مُثُلاً عليا

- ‌في الرغبة عن شهوات الحياة الدنيا

- ‌عظمة الفاروق في زهده وتقواه

- ‌قرى الأضياف

- ‌وصيّة بخيلٍ لابنه

- ‌بخيل يبيع القرى

- ‌عبقرياتهم في قرى الأضياف

- ‌محادثة الضيف

- ‌السؤال وعبقريّاتهم فيه

- ‌من جميع نواحيه

- ‌ذم الإلحاح والحث على الإجمال في الطلب

- ‌عبقرياتهم في آداب السؤال واستنجاح الحوائج

- ‌المسؤول تُجاهَ السائل

- ‌الاعتذار عن المسؤول إنْ لَمْ يُعْطَ

- ‌طلب الكثير والرضا بالقليل

- ‌من يسأل حاجة يزعمها صغيرة

- ‌الحث على الصبر والأناة في طلب الحاجات

- ‌العطية لا تجدي في غير وقتها

- ‌المسؤول أهلٌ لأن يُسأل

- ‌التأسف على الحرمان

- ‌تعريضهم بمن خيبهم

- ‌يَرَون الهدايا والرُّشَى مَدْرَجةً للنجاح

- ‌قطع العادة

- ‌شكوى العافين

- ‌بلاغة المكدين

- ‌حسن الخلق

- ‌وعبقرياتهم فيه وفيما يتأشّب إليه

- ‌تحضيضهم على حسن الخلق

- ‌نَهْيُهم عن سوء الخلق

- ‌صعوبة تغيير الطّباع والمتخلّق يرجع إلى شيمته

- ‌مداراة الناس

- ‌من حسن خَلْقه وخُلُقه ومن اختلف خَلقه وخُلقه

- ‌التقوى

- ‌معنى التقوى

- ‌الحكمة

- ‌عبقرياتهم في التقوى

- ‌كُليمة في التوكل

- ‌عودٌ إلى عبقرياتهم في التقوى

- ‌التقوى مع الجهل

- ‌التماوت والإفراط في الخشوع

- ‌قلة اليقين في الناس

- ‌إصلاح الضمير

- ‌احتمال المكاره في العاجل رجاء المسارّ في الآجل

- ‌مراعاة الدّين والدّنيا معاً

- ‌الرجاء والجمع بينه وبين الخوف من الله

- ‌العبادة لا طلباً للثواب ولا خوفاً من العقاب

- ‌الرياء

- ‌التوبة

- ‌المبادرة إلى التوبة

- ‌الاستغفار

- ‌عبقريات شتى في الخوف والتقوى

- ‌الباب الثاني في الشكر والحمد والثناء

- ‌معنى الشكر

- ‌عبقرياتهم في الشكر

- ‌حثهم على الشكر

- ‌العجز عن الشكر

- ‌من لا تخفى أياديه

- ‌الشكر بقدر الاستحقاق

- ‌وعتبهم من شكروه ولمّا يستوجب

- ‌من لم يردعه خوفه عن الشكر

- ‌شكر مَنْ همَّ بإحسان ولم يفعل

- ‌ثِقَلُ الشكر والحمد

- ‌ترغيبهم في الثناء ووصفهم إيّاه بالبقاء

- ‌وتفضيلهم إياه على المال والعطاء

- ‌تسهيلُ القولِ على الشاكرين

- ‌بتوافر ما يُشكر عليهِ وعكسُ ذلك

- ‌حبُّ المنعم أن يُرى أثر إنعامه

- ‌لا يَمدحون إلا إذا أُعطوا

- ‌واعتذارهم عن ذلك

- ‌حثهم على الشكر ولو لِمَنْ ليس على دينهم

- ‌استحياؤهم من المديح

- ‌ولاسيَّما إذا كان مُتكلَّفاً أو مُبالغاً فيه

- ‌من يمدح نفسه

- ‌عذر من يُضطرّ إلى مدح نفسه

- ‌نهيُهم عن المدح قبل الاختبار

- ‌ختام الباب

- ‌عبقريات شتّى في الشكر

- ‌الباب الثالث في الصبر وعبقريّاتهم فيهوفي الدُّنيا وأكْدارِها، وفي هادم اللذات

- ‌ماذا يُرادُ بالصَّبْرِ في هذا الباب

- ‌عبقريّاتهم في الصبر

- ‌عودٌ إلى أسباب الحزن

- ‌حثُّهم على تصوّر المصائب

- ‌والاستعداد لها كي تَخِفَّ وطأتُها

- ‌الغَمُّ يُورِثُ السَّقَمَ والهَرَم

- ‌الحزن يبلى بتقادم العهد

- ‌التأسّي بِمَنْ مصابُه كمُصاب المُصاب أو يُربي عليه

- ‌وقولهم في عكس ذلك

- ‌عروة بن الزبير

- ‌مثل أعلى للصبر والتأسي

- ‌مطرح الهموم

- ‌عبقريّاتهم في الدُّنيا وأنّها دارُ مِحَنٍ وأكدار

- ‌أسماء الدنيا

- ‌قلّة لبث الإنسان في الدنيا

- ‌قلّة متاع الدنيا

- ‌الماضي والحاضر والمستقبل

- ‌تحذيرهم من تضييع الأيام

- ‌الأيام تهدم الحياة

- ‌البقاء في الدنيا سبب الفناء

- ‌فرحُ الدُّنيا مشوبٌ بالتّرح

- ‌مُعَقَّب بالهموم

- ‌الدنيا هموم وغموم

- ‌النقصان بعد التمام

- ‌الدنيا لا يدوم فيها فرح ولا ترح

- ‌الدنيا غرّارة

- ‌حب الدنيا على الرغم من عيوبها

- ‌الدنيا تضرُّ مُحبّيها

- ‌بنو الدُّنيا أغراضٌ لضروب المحن

- ‌الأيّام تمضي في تَراذلها

- ‌حمدُهم ماضي الزمان وذمُّهم حاضره

- ‌إنكار ذمِّ الدَّهر

- ‌المسرّة من حيث تُخشى المضرّة

- ‌الفرج بعد الشدّة

- ‌من زال كربُه فنسيَ صنعَ الله

- ‌لا تُعرف النعمةُ إلا عند فقدِها

- ‌فضل العافية وسلامة الدين

- ‌عبقريّاتٌ شتى في الدنيا

- ‌عبقريّاتُهم في الموتِ

- ‌أسماءُ الموتِ ووَصْفُه

- ‌تعظيم أمر الموت

- ‌حثُّهم على تصوُّر الموت

- ‌استدلال الإنسان على موتِه بمن مات من أهله

- ‌الاعتبار بمن مات من الكبار

- ‌من مات فَقَدْ تناهى في البعد

- ‌غفلة الناس عن الموت

- ‌لا ينجو من الموت أحد

- ‌الموت لا يُتحرّز منه بشيء ولو كان الطِّبَّ

- ‌موتُ الفُجاءةِ والصَّحيحُ يموت

- ‌كل إنسان مُعرّض لموته أو موتِ أحِبّته

- ‌جهل الإنسان بوقت موته

- ‌الموت يسوّي بين الأفاضل والأراذِلِ

- ‌انقضاء ناسٍ بعد ناس

- ‌ورجوعهم إلى الموت

- ‌مَنْ يَخافُ الموت ولا يستعدُّ له

- ‌وحثُّهم على تعاطي ما يهوّن أمرَ الموت

- ‌من أمر ذويه بالبكاء عليه

- ‌من أظهر الندم عند الموت على ما فرط منه

- ‌من امتنع من التوبة عند موته

- ‌من يحبّون الموت

- ‌تمنّي الموت

- ‌الحياة لا تمل

- ‌تسلّي الناس عمّن مات

- ‌سهم المنايا بالذخائر مولع

- ‌إنكارهم الشماتة في الموت

- ‌لا عار بالموت

- ‌الموت نهاية كلِّ حيٍّ

- ‌وصيّة الميّت

- ‌إنكارهم وصيّة الميّت بما ليس له

- ‌من أوصى بشرٍّ وكان قاسِياً

- ‌نهيهم عن الإفراط في البكاء وإظهار الجزع

- ‌في البكاء تخفيف من الحزن

- ‌ضعف بنية الإنسان

- ‌استنكافهم من أن يموتَ المرءُ حَتْفَ أنْفِه

الفصل: ‌محاسنهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

لَعَمْرُكَ إنَّ إِلَّكَ مِنْ قُرَيْشٍ

كإلِّ السَّقْبِ من رَألِ النعامِ

‌محاسنهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

ولنعطف على سائر محاسنهم في الآباء والأبناء والقرابات من بابات شتى: فمن ذلك تفاخرهم بالحسب وكرم المَحْتد، قال عدي بن أرطاة لإياس: دُلّني على قوم من القرّاء أوَلّيهم، فقال: القرّاء ضربان: ضربٌ يعملون للدنيا، فما ظنُّك بهم: وضرب يعملون للآخرة فلا يعملون لك، ولكن عليك بأهل البيوتات الذين يستحيون لأحسابهم. . . وقال زهير بن أبي سلمى:

وما يَكُ مِن خَيْرٍ أَتَوْهُ فإنّما

توارَثَهُ آباءُ آبائِهم قبلُ

وقال:

وهل يُنْبِتُ الخَطِّيَّ إلاّ وَشِيجُهُ

وتُغْرَسُ إلا في مَنابتها النخلُ

الخطِّي: الرمح، قال أبو حنيفة الدينوري العالم النباتي الأشهر: الخطِّي: الرماح، وهو نسبة قد جرى مجرى الاسم العلم ونسبته إلى الخطّ، خط البحرين، وإليها ترفأ السفن إذا جاءت من أرض الهند، وليس الخَطّي - الذي هو الرماح - من نبات أرض العرب. وزاد الجوهري: وإنما نسبت إلى الخط لأنها تحمل من بلاد الهند فتقوّم به. ووشيجه: فالوشيج شجر الرماح. . .

ودخل بعض أولاد عبد الله بن الزبير على سليمان بن محمد، فجلس على نُمْرُقةٍ

ص: 55

الوسادة يتكأ عليها فاغتاظ من ذلك وقال: مَن أجلسك ههنا؟ قال: صَفيَّة بنت عبد المطلب: فسكن غضبه. وقال أبو تمام:

نَسَبٌ كأنَّ عليه من شَمْس الضُّحى

نُوراً وَمِن فلَقِ الصَّباحِ عَمودا

وقالوا فيمن يشبه أباه في علاء ابتناه: شِنْشِنةٌ أعرِفها من أخزم و:

وإنَّ امْرَءاً في الفَضْلِ أشْبَهَ جَدَّهُ

ووالِدَهُ الأدْنى لَغَيْرُ ظلومِ

وقال أبو تمام فيمن مكارمُه تدلُّ على كرمِ أسلافه:

فُروعٌ لا تَرِفُّ عليْكَ إلا

شَهِدتَ بها على طِيبِ الأُرومِ

وفي الشَّرَفِ الحديث دليلُ صِدْقٍ

لِمُخْتَبِرٍ على الشَّرَفِ القديمِ

وقال عامر بن الطفيل في المستغني بنفسه عن حسبه:

إني وإن كنْتُ ابْنَ فارِسِ عامرٍ

وفي السِّرِّ منها والصَّميمِ المهذَّبِ

فما سوَّدَتْني عامِرٌ عن وِرَاثةٍ

أبَى اللهُ أنْ أَسْمُو بأُمٍّ ولا أبِ

ولكِنَّني أحْمِي حِماها وأتَّقي

أذاها وأَرْمِي مَنْ رَماها بمقْنَبِ

ص: 56

وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب:

لَسْنا وإنْ كَرُمَتْ أَوَائِلُنا

يوْماً على الأحْسابِ نتَّكِلُ

نَبْني كما كانت أَوَائِلُنا

تَبْني ونَفْعَل مثْلَ ما فعلوا

وقال المتنبي:

خُذْ ما تراهُ ودَعْ شيْئاً سَمِعْتَ به

في طَلْعَةِ الشَّمْسِ ما يُغنيكَ عن زُحَلِ

وقال:

لا بِقَوْمي شَرُفْتُ بل شَرُفوا بي

وبِنَفسي فَخَرْتُ لا بِجُدودي

وما فُضِّل الولد على الوالد بأحسنَ من قول المتنبي:

وإنْ تكن تَغلِبُ الغَلْباءُ عُنْصُرَها

فإنَّ في الخمرِ مَعْنًى ليس بالعِنَبِ

وقوله أيضاً:

فإنك ماءُ الورْدِ إنْ ذَهَب الوَرْدُ

وقال ابن الرومي فيمن ازداد شرفُ آبائه به:

وَكمْ أَبٍ قدْ عَلَا بابْنٍ ذُرَا شَرَفٍ

كما عَلَتْ بِرَسولِ الله عَدنانُ

يَسْمُو الرجالُ بآباءٍ وَآوِنةً

تَسْمُو الرجالُ بأبناءٍ وتَزْدانُ

وقالوا في أنه لا اعتدادَ بمن شَرُفَ أصله إذا لم يَشْرُفْ بنفسه:

والقائل المعلم الأول أرسطوطاليس -: إذا كان الإنسان خسيس الأبوين شريف النفس، كانت خسة أبويه زائدةً في شرفه، وإذا كان شريف الأبوين خسيس النفس، كان شرف أبويه زائداً في خسته. وقال ابن الرومي:

وما الحَسَبُ الموروثُ لا دَرَّ دَرُّهُ

بمُحْتَسَبٍ إلا بآخَرَ مُكتَسبْ

إذا العُودُ لم يُثْمِرْ وإن كان شُعْبَةً

منَ المُثْمِراتِ اعْتَدَّه الناسُ في الحَطَبْ

ص: 57

لا درّ درّه: لا زكا عمله، دعاء عليه أن لا يجعله الله نافعاً.

وقال سقراط - في الاعتذار عمن شرفت نفسه ولم يشرف أصله - وقد عيّره رجل بحسبه: حَسبي مني ابتدأ، وحسبك إليك انتهى. . . وقال قائل في هذا المعنى: لأن يكون الرجل شريف النفس دنيء الأصل، أفضل من أن يكون دنيء النفس شريف الأصل، ألا ترى أن رأس الكلب خير من ذنب الأسد!

ومما يستظرف من اعتذار المتخلفين الأنذال، عن تخلفهم عن آبائهم الأشراف ما روي: أنه قيل لأعرابي: ما أشبهت أباك! فقال: لو أشبه كلُّ رجلٍ أباه كنا كآدم. . . وخطب رجل قصّر عن أبيه إلى رجل رفيع القدر، ابنته، فقال له العظيم: لو كنت مثل أبيك! فقال: لو كنت مثل أبي لم أخطب إليك. . .

ومن محاسنهم في ذمّ من قصّر عن آبائه: قول بعضهم:

لَئِنْ فَخَرْتَ بآبَاءٍ لهم شرَفٌ

لقد صَدَقْتَ ولكن بِئْسَما وَلَدُوا

وقول أبي تمام:

يا أكرمَ الناسِ آباءً ومُفْتَخَراً

وألأَمَ الناسِ مَبْلُوّاً ومُخْتَبَرَا

ونظر رجل إلى ابنٍ نذلٍ من أب كريم فقال: سبحان الله من قائل: يخرج الخبيث من الطيب.

وقال شاعر في لئيم النفس كريم الأبوين:

فلا يَعجَبَنَّ الناسُ مِنك ومنهما

فما خَبَثٌ مِنْ فِضَّةٍ بِعَجِيبِ

الخبث من الحديد والفضة ونحوهما: ما نفاه الكير ولا خير فيه.

ص: 58

وقالوا فيمن يَخْزى من ذكر آبائه: فمن ذلك أن رجلاً سئل عن نسبه، فقال: أنا ابن أخت فلان، فقال أعرابي: الناس ينتسبون طولاً وأنت تنتسب عرضاً.

ومن محاسنهم فيمن لا يعتدُّ بأبيه: قول الأخطل:

وإذا وَضَعْتَ أباكَ في ميزانِهم

رَجَحوا وشَالَ أبوكَ في الميزانِ

شال الميزان: ارتفعت إحدى كفتيه، ويقال: شال أبوك في الميزان، وهو مثل في المفاخرة يقال: فاخرته فشال ميزانه: أي فخرته بآبائي وغلبته وقال بعض شعراء أصفهان:

تَبَجّحَ بالكتابةِ كُلُّ وَغْدٍ

فقُبْحاً للكتابةِ والعِمَالَهْ

أرَى الآباَء نِسْبَتُهم جميعاً

إلى الأبناءِ من فرطِ النذالَهْ

وقالوا في الابن يجاري أباه: العصا من العُصَيّة و: هل تلد الحيّة إلى حُيَيّة. وقال شاعر:

وإنَّ أحَقَّ الناسِ أنْ لا تلومَهُ

على الشَّرِّ مَنْ لم يفْعَلِ الخيْرَ والِدُهْ

إذا المَرْءُ ألفَى والِدَيهْ كِليْهِما

على اللُّؤْمِ فَاعْذِرْهُ إذا خابَ رَائِدُهْ

وقالت الخنساء - وقيل لها: ما مدحتِ أخاكِ حتّى هجوتِ أباكِ! فقالت:

جارَى أباه فأقبلا وَهُما

يتَعاوَرانِ مُلَاءةَ الحُضْرِ

حتّى إذا نَزَتِ القُلوبُ وقد

لُزَّتْ هُناكَ العُذْرُ بالعُذْرِ

وعَلا هُتافُ النَّاس أيُّهما

قالَ المُجيب هناك: لا أدري

ص: 59

بَرَزَتْ صحيفةُ وجْهِ والده

ومَضى على غُلَوائِه يجري

أولى فأولى أن يساويَه

لولا جَلالُ السِّنِّ والكِبْرِ

وهُما وقد بَرزَا كأنّهما

صَقْرانِ قد حَطَّا إلى وَكْرِ

قولها: مُلاءة الحضر: فالحضر: العَدْو والجري، وإنما تريد بملاءة الحضر: الغبار وكأن

عَديَّ ابن الرِّقاع نظر إلى هذا في قوله يصف حماراً وأتاناً:

يتعاورانِ في الغُبارِ مُلاءةً

بيضاَء مُحدَثَةً هُما نَسَجَاها

ونزت القلوب: يريد طمحت واشرأبت لتعرف من السابق، ولُزَّت: قرنت والعذر: جمع عِذار وهو ما سال من اللجام على خد الفرس، ويروى القَدر بالقَدر، والقدر: المنزلة، والكِبر: أظنها بضم الكاف بمعنى الأكبرِ أي ولولا جلال الأكبر، ولك أن تقرأها الكبر بكسر الكاف أي الكِبرَ ولكنها أسكنت الباء ضرورة.

أما الإسلام فقد عد الشرف والحسب إنما هو بالتقى فقال سبحانه: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} ، قال بعضهم: ما أبقى الله بهذه الآية لأحد شرفَ أبوّة. . . ورأى عمر بن الخطاب رجلاً يقول أنا ابن بطحاءِ مكة، فوقف عليه وقال: إن كان لك دينٌ فلك شرف، وإن كان لك عقلٌ فلك مروءة وإن كان لك علم فلك شرف، وإلا فأنت والحمار سواء، وقالوا: كان الشرف في الجاهلية بالبيان والشجاعة والسماحة، وفي الإسلام بالدين والتقى. . .

وقالوا في الدِّعْوة: أي ادّعاء الولد الدَّعِيِّ غيرَ أبيه، أي انتسابَه إلى غير أبيه، وقد كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية، فنهى الإسلام عنه، وكان سيدنا رسول الله قد تبنّى زيد بن حارثة عتيق الرسول، فكانوا يقولون له: ابن

ص: 60

محمد، فأمر الله عز وجل أن ينسب الناس إلى آبائهم وأن لا ينسبوا إلى من تبنّاهم فقال:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ} أي لا حقيقة له في الواقع والله يقول الحق أي ما له حقيقة عينية وهو يهدي السبيل، ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله هو: أي دعوتهم لآبائهم، وأقسط: أعدل، ومعناه البالغ في الصدق {فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} . . .

والأحاديث في ذلك متوافرة، فمنها قوله صلوات الله عليه:(الولد للفراش وللعاهر الحَجرُ). . . يعني أن الولد لصاحب الفراش، من السيد أو الزوج، وللزاني الخيبة والحرمان، وهذا كما تقول: مالك عندي شيء غير التراب، وما بيدك غير الحَجر، وذهب قوم إلى أنه كنّي بالحَجر عن الرجم، قال ابن الأثير: وليس كذلك لأنه ليس كلُّ زانٍ يُرجم. . . وقالوا في التعريض بالنسب - والقائل أبو نواس:

إذا ذَكَرْتَ عَدِيَّاً في بني ثُعَلٍ

فقدِّم الدَّالَ قبلَ العينِ في النَّسَبِ

ودخل ابن مُكرّم على أبي العيناء - صاحب النوادر والمجون وكان ضريراً - ليهنيه بابنٍ وُلد له، فوضع عنده حَجراً، فلما خرج أُخبر أبو العيناء، فقال: لعن اللهُ هذا، أما تعلمون ماذا عَنَى؟ إنما أراد قول رسول الله:(الولد للفراش وللعاهر الحجر). . .

ولقي رجلٌ رجلاً فقال له: ممن أنت؟ قال: قُرشي والحمد لله، فقال: الحمد لله في هذا الموضع ريبة. . وقال زياد بن أبيه - وهو ابن أبي سفيان لرببة - لرجل: يا دَعيّ، فقال: الدِّعْوة قد تشرّف بها المُدَّعي عليّ، فكيف عيّرَ بها!

ص: 61

وفي قولهم فيمن لا يشبه والديه وذويه خِلْقةً:

ألوانُهُم إليك عن

أنسابِهم مُعْتَذِرَهْ

وكان بأصبهان رجلٌ مجنون يعرف بابن المستهام، فقيل لأحمد بن عبد العزيز: إنه مليح ذو نوادر، فاستحضره، فلما تأمّله قال - أي المجنون -:

في اختلافِ الوجُوه من آلِ عِجْلٍ

لَدَلِيلٌ على فسادِ النساءِ

فأراد أحمد أن يبطش به، ثم كفَّ عنه مخافة أن يتحدّث الناس بذلك. . .

ومن طريف ما قالوا أيضاً في التّعريضِ بالرجل أنّ ابنه من زنية، ما يُروى أنه قيل لرجل: إن امرأة فلان ولدت بعد الزفاف بخمسة أشهر فقال: إنه بنى جدارَه على أُسّ غيره. . .

وخاصم ذو الرمة رجلاً من ولد زياد بن أبيه فقال له الزيادي: يا دعيّ، فأنشد ذو الرمة:

بُثَيْنَةُ قالت يا جميلُ أرَبْتنا

فقلتُ كِلانا يا بثينُ مريبُ

ومما يصحّ أن يذكر في هذا الباب: كما يصح أن يذكر في كتاب النساء قولهم في أن الولد الذي يَنْسُلُ من الأقارب يخرج ضاوِياً ضعيفاً، فمن ذلك قوله صلوات الله عليه:(اغتربوا لا تضووا) أي تزوّجوا الغرائب دون القرائب فإن ولد الغريبة أنجب وأقوى من ولد القريبة، وقد أضوت المرأة إذا ولدت ولداً ضعيفاً، فمعنى لا تضووا: لا تأتوا بأولادٍ ضاوين، أي ضعفاء نحفاء، الواحد: ضاوٍ وكذلك قال صلوات الله عليه: (لا تنكِحوا القرابة القريبة

ص: 62