الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكوفةِ فقال: السّلامُ عليكم أهلَ الدِّيارِ المُوْحِشة، والمَحالِّ المُقْفرة، أنتم لنا سلفٌ ونحن لكم تَبَعٌ، أمّا الأزواجُ فقد نُكِحَتْ، وأمّا الدِّيارُ فقد سُكِنَتْ، وأمّا الأموالُ فقد قُسِمَت، هذا خبرُ ما عِندنا، فما خبرُ ما عِندَكم؟ ثُمَّ التفت إلى أصحابِه فقال: أما إنّهم لَو تكلَّموا لقالوا: إنّا وجَدْنا خيرَ الزاد التقوى.
استدلال الإنسان على موتِه بمن مات من أهله
قال أبو نواس من أبياتٍ قد أورَدْناها عليك في باب التقوى:
ألا يا ابْنَ الذين فَنُوا وماتوا
…
أمَا واللهِ ما ماتوا لتَبْقَى
وقال بعضُ الصّالحين: إنّ امْرأً ما بينه وبين آدمَ أبٌ إلا مَيِّتٌ لَمُعْرِقٌ في الموت. . . وقال لبيد:
فإنْ أنتَ لم تَصْدُقْكَ نفْسُكَ فانْتَسِبْ
…
لعلّكَ تَهْديكَ القُرونُ الأوائِلُ
فإنْ لم تَجِدْ مِن دونِ عَدْنانَ باقِياً
…
ودُون مَعَدٍّ فلْتَزَعْكَ العَواذِلُ
وهذانِ البيتان من قصيدةٍ يَرْثي بها النُّعمانَ بن المنذر ملكَ الحيرة وأولُها:
ألا تَسْألانِ المَرَْء ماذا يُحاوِلُ
…
أنَحْبٌ فيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وباطِلُ
وفيها يقول:
ألا كلُّ شَيْءٍ ما خَلا اللهَ باطِلُ
…
وكلُّ نعيمٍ لا مَحالةَ زائِلُ
وكُلُّ أُناسٍ سوف تَدْخُلُ بينَهم
…
دُوَيْهِيَةٌ تَصْفَرُّ مِنها الأنامِلُ
وقوله: فإن أنت لم تصدقك. . البيت يقول: إنْ لََمْ تَصْدُقك نفسُك عن هذه الأخبار، بل كذَبَتْك، فانْتَسِبْ: أي قُلْ: أين فلانُ بن فلان، فإنّك لا ترى أحداً بقِي، ولعلك تهديك القرونُ وترشدُك، وقوله: فإن لم تجد. . . البيت
فزَعْك: تكفُّك، والعواذل هناك: حوادثُ الدَّهرِ
وزواجرُه، وقال بعضُ الشرّاح: العواذلُ: النساء، يقول: لم يبق لك أبٌ حيٌّ إلى عدنان فكفَّ عن الطمع في الحياة، ومعنى البيتين: إنَّ غاية كل حيٍّ الموتُ، فينبغي للإنسانِ أن يتَّعظ: بأن ينسبَ نفسَه إلى عدنان، فإن لم يجد مَنْ بينه وبينه من الآباءِ باقِياً فليعلَمْ أنّه يَصير إلى مصيرهم، فينبغي له أن ينزعَ عمّا هو عليه ومثله قول امرئ القيس:
فبَعْضَ اللَّوْمِ عاذِلَتي فإنِّي
…
سيَكْفيني التَّجارِبُ وانْتِسابي
إلى عِرْقِ الثَّرى وشَجَتْ عُروقي
…
وهذا المَوْتُ يَسْلُبُني شَبابي
وشَجَت: اشتبكت وقال أبو تمام في قصيدةٍ له يمدح مالكَ بنَ طوقٍ ويعزِّيه عن أخيه القاسم:
تأَمَّلْ رُوَيْداً هَلْ تَعُدَّنَّ سالماً
…
إلى آدَمٍ أمْ هلْ تَعُدُّ ابنَ سالِمِ
متى تُرْعِ هذا الموتَ عيْناً بَصيرَةً
…
تجِدْ عادِلاً منه شَبيهاً بِظالِمِ
قوله: متى ترعِ البيت يقول: متى أنعمتَ النظرَ وأفكرتَ في أمْرِ الموت وجدتَ منه عادلاً أشبهَ بظالم، وذلك أنه قد يَخترمُ من يكون اخترامُه أصلحَ له لدى العزيز الحكيم الذي يعلمُ مصالحَ خلقِه وقد يَخفى عليك وجهُ الحكمة فتظنُّ العدلَ جَوْراً.
وقال البحتري:
وما أهْلُ المَنازلِ غَيْرُ رَكْبٍ
…
مَناياهُمْ رَوَاحٌ وابْتِكارُ
لَنا في الدَّهْرِ آمالٌ طِوالٌ
…
نُرَجِّيها وأعْمارٌ قِصارُ
والبيت الثاني مثله قولُ ابنِ هانئٍ الأندلسي من أبياتٍ يرثي بها والدةَ يحيى وجعفر ابنَيْ علي صاحب المَسيلة بالمغرب، وهذه هي الأبيات: