الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عبد الله بن المعتز في اجتماع الأيدي على الطعام:
كأنَّ أَكُفَّ القوْمِ في جَفَناتِه
…
قَطاً لمْ يُنَفِّرْهُ عن الماءِ صارِخُ
وكانت العرب تعدُّ التفرَّدَ بالأكل احتقابَ وِزْرٍ حتى أنزل الله عز وتقدّس: (ليس عليكم جناحٌ أن تأكلوا جميعاً أو أشتاتاً). . .
السؤال وعبقريّاتهم فيه
من جميع نواحيه
ذمُّ السؤال: لما احْتُضِر قيس بن عاصم المِنْقري سيّد أهلِ الوبر، قال
لبنيه: يا بَنيَّ، احفظوا
عني ثلاثاً، فلا أحد أنصحُ لكم مني، إذا أنا مِتُّ فسوِّدوا كبارَكم ولا تسوِّدوا صغارَكم، فيحقِّرَ الناسُ كبارَكم وتهونوا عليهم، وعليكم بحِفظ المال، فإنّه مَنْبهةٌ للكريم ويُستغنى به عن اللئيم، وإيّاكم والمسألةَ فإنها أخرُ كَسْبِ الرّجل. . . سوِّدوا كباركم: فالسيّد هنا الرئيس أي أسندوا رياستكم إلى كباركم، ومنبهة الكريم: أي مُشْعرٌ بقدره ومُعْلٍ له، وقوله: فإنها أخر كسبِ الرجل فأخر بقصر الهمزة: أي أدنى وأرذل، وإذا مُدّ فمعناه: أن السؤال آخر ما يكتسب به المرء عند العجز عن الكسب، وقد جاء في الحديث (إيّاكم والمسألة فإنها أخر كسب الرجل)، فلعل قيساً أخذها من سيّدنا رسول الله، لأن قيساً ممن أسلم ونزل البصرة وفي الحديث أيضاً:(من سأل وهو غنيٌّ جاءت مسألته يومَ القيامة خُدوشاً أو خُموشاً أو كُدوحاً في وجهه) الكدوح: الخُدوش، وكل أثرٍ من خدش أو عَضٍّ فهو كدح وقال صلوات الله عليه:(إن أحدكم يخرج بمسألته من عندي متأبِّطاً، وما هي إلا النار)، فقال عمر رضي الله عنه: ولِمَ تعطيه وهي نارٌ؟ فقال: (يأبون إلا أن يسألوا ويأبى اللهُ لي البخلَ). . وقالوا: إيّاك وطلبَ ما في أيدي الناس فإنّه فقرٌ حاضر، وقال ابن المقفّع: السّخاء سخاءان: سخاؤك بما في يدك، وسخاؤك بما في أيدي الناس، وهو أمْحضُ في
الكرم، وأبعدُ من الدّنس، ومن جمعهما فقد استكمل الفضل. . . وقال شاعر:
لا تَحْسَبَنَّ المَوْتَ مَوْتَ البِلَى
…
وإنّما الموتُ سُؤالُ الرِّجالِ
كِلاهُما موتٌ ولكنَّ ذا
…
أشدُّ من ذاكَ على كلِّ حالِ
وقد كانوا يتحمّلون المكارِهَ تفادِياً من السؤال: روى الأصمعي قال: مررت بكنّاس بالبصرة يكنس كَنيفاً ويغنّي:
أضاعوني وأيَّ فتًى أضاعوا
…
لِيَومِ كَريهةٍ وسِدادِ ثَغْرِ
فقلت له: أمّا سِدادُ الكنيف فأنت مليءٌ به، فلا علمَ لي بك كيف أنت فيه! وكنتُ حديثَ السنِّ فأردت العبثَ به - فأعرض عنّي مليّاً ثم أقبل عليَّ وأنشد متمثِّلاً:
وأُكْرِمُ نفْسي إنّني إن أهَنْتُها
…
وحَقِّكَ لم تَكْرُمْ على أحدٍ بعْدِي
قال الأصمعي: فقلت له: والله، ما يكون من الهوان شيءٌ أكثر مما بذلْتَها له، فبأي شيء أكرمتها؟ فقال: بلى، والله، إن من الهوان لشَرّاً مما أنا فيه، فقلت: وما هو؟ فقال: الحاجة إليك وإلى أمثالك من الناس، فانصرفت عنه أخزى الناس. . . ومثله ما رُوي أن أبا عمرو
بن العلاء قال: اجتزت بكنّاس ينشد:
إذا أنْتَ لم تَعْرِفْ لنفسِك قَدْرَها
…
هَواناً لها كانَتْ على الناسِ أهونا
فقلت: سبحانَ الله، أتنشد مثلَ هذا وتتعاطى مثلَ هذا الفعل؟ فقال: إنَّ إنشادي لمثله أصارني إلى هذا، فَراراً من ذلِّ السؤال. . .