الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأيّام تمضي في تَراذلها
سمع زيادُ بن أبيه امرأةً تقولك اللَّهمَّ اعزِلْ عنّا زياداً، فقال: زيدي في دعائِك: وأبْدِلنا خيراً منه، فإنَّ الأخيرَ أبداً شرٌّ. . . وقال أبو الدّرداء: معروفُ زمانِنا مُنْكَرُ زمانٍ قد فات، ومنكرُه معروفُ زمانٍ لَمْ يأتِ.
حمدُهم ماضي الزمان وذمُّهم حاضره
كانت السيدة عائشةُ رضي الله عنها كثيراً ما تنشد قولَ لبيد:
ذَهَبَ الذينَ يُعاشُ في أكْنافِهِمْ
…
وبَقِيتُ في خَلْفٍ كَجلْدِ الأجْرَبِ
وتقول: رحم اللهُ لبيدا، كيف لو عاش إلى زمانِنا! وكان عبد الله بن الزبير ينشد هذا البيت ويقول: رحمَ اللهُ عائشة، كيف لو عاشت إلى زمانِنا! ومن كلام الحسن البصري: كان الناس وَرَقاً بلا شوكٍ فصاروا شوكاً بلا وَرَقٍ. . . وقالوا:
رُبَّ يَوْمٍ بَكَيْتُ فيه فَلمَّا
…
صِرْتُ في غيرِه بَكَيْتُ عَلَيْهِ
وهناك من يذهب إلى أنّ ماضي الزمانِ كحاضرِه، لا يَفْضُل قديمُ الزمانِ حديثَه، وإنّما الأيّام كلُّها، أو الناسُ جميعاً، قُداماهم ومُحْدثوهم وأوّلُهم وآخرُهم سواسيةٌ في أنّهم خَلْفٌ كجلد الأجربِ، ومن أحسن ما قيل في ذلك تلك الكلمةُ التي كتبها بديع الزمان الهَمذاني في رسالةٍ له إلى أستاذه أبي الحسين بن فارس صاحب المُجمل في اللغة، جواباً على رسالةٍ كتبها ابن فارس إلى البديع
في ذمِّ الزمان، قال البديع: نَعَمْ أطالَ اللهُ بقاءَ الشيخِ الإمام، إنّه الحَمَأ المَسْنون، وإنْ ظُنَّت الظُّنون، والنَّاسُ لآدَمَ، وإنْ كان العهدُ قد تقادَمَ، وارتبكَتِ الأضدادُ،
واختلط الميلادُ؛ والشيخ يقول: فَسُدَ الزمانُ، أفلا يقول: متى كان صالِحاً؟ أفي الدَّولة العباسية وقد رأيْنا آخِرَها وسمعنا أوَّلَها؛ أم المدَّةِ المَروانيّة وفي أخبارِها لا تَكْسَعِ الشَّوْلَ بأغبارِها. . . أم السِّنين الحربيّة:
والسَّيْفُ يُعْمَلُ في الطُّلَى
…
والرُّمْحُ يُرْكَزُ في الكُلَى
ومَبيتُ حُجْرٍ في الفَلَا
…
والحَرَّتانِ وكَرْبَلَا
أم البَيعة الهاشميّة وعليٌّ يقول: ليتَ العشرةَ منكم بِراس، مِن بني فراس؛ أم الأيّام الأُمويّة والنفيرُ إلى الحِجاز، والعيونُ إلى الأعْجاز؛ أم الإمارةِ العدويّةِ وصاحبُها يقول: وهَلْ بعدَ البُزولِ إلا النزول، أم الخلافةُ التيميّة وهو يقول: طوبى لِمَنْ ماتَ في نأنأةِ الإسلام أم على عهد الرسالة ويومَ الفتح قيل: اسكُتي يا فلانة، فقد ذَهَبتِ الأمانةُ، أم في الجاهليّة ولبيدٌ يقول:
ذهَبَ الذين يُعاشُ في أكْنافِهِمْ
…
وبَقيتُ في خَلْفٍ كَجِلْدِ الأجْرَبِ