الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال عمرو بن قُميئة - شاعرٌ قديمٌ في الجاهلية -:
كأنّي وقدْ جاوَزْتُ تِسعينَ حِجَّةً
…
خَلَعْتُ بِها عنّي عِذارَ لِجامِي
على الرّاحتيْنِ مَرَّةً وعلى العَصا
…
أنُوءُ ثَلاثاً بَعْدَهُنَّ قِيامي
رَمَتْني بناتُ الدَّهْرِ من حيثُ لا أرَى
…
فكيفَ بِمَنْ يُرْمَى وليس برَامِ
فلَوْ أنّها نَبْلٌ إذَنْ لاتَّقيْتُها
…
ولكنّني أُرْمَى بغيْرِ سِهامِ
قوله: خلعت بها عني عِذار لِجامي: فالعرب تقول: خلَع فلانٌ العِذارَ يريد: خَلَعَ الحَياء، مثل للشاب المُنْهمك في غَيِّه كما يخلع الفرسُ العِذارَ فيجمحُ ويطمحُ لأنّ اللِّجامَ يُمسكه، والعِذار: الذي يَضُمُّ حبلَ الخِطام إلى رأسِ البعير والناقةِ وعلى ذلك يكون معنى قوله: أنّه أسام سرح اللهو حيث أسام الغواة في هذا العمر المديد، ولعله يريد بذلك عدم التماسك كما بينه في البيت الثاني، وقوله: أنوءُ ثلاثاً يعني: أنه ينهض ثلاثَ مرات بانحناء ثم يستقيم، وبنات الدهر: نُوَبه.
البقاء في الدنيا سبب الفناء
قال سيّدُنا رسولُ الله: (لو لم يكسبِ ابنُ آدم إلا الصحةَ والسلامةَ لكفى بهما داءً) لأن السَّلامةَ تُسلمه إلى الهَرمِ وما يستتبعُه من الهَمِّ والسَّقم.
وقيل لأعرابي: كيف حالُك؟ فقال: ما حالُ مَنْ يَفْنى ببقائِه، ويَسْقمُ بسلامتِه، ويُؤْتى من مأمنِه! وقال حُمَيْدُ بن ثَوْرٍ الهلالي - وهو شاعرٌ إسلامي ترجم له أبو الفرج في الجزء الرابع من أغانيه -:
أرَى بَصَري قَدْ رابَني بَعدَ صِحَّةٍ
…
وحَسْبُكَ داءً أنْ تَصِحَّ وتَسْلَما
ولا يَلبَثُ العَصْران: يومٌ وليلةٌ
…
إذا طَلبَا أنْ يُدْرِكا ما تيَمَّما
وقال أبو حيّة النّميري - من شعراء الدّولتين -:
ألا حَيِّ مِنْ أجلِ الحبيبِ المغَانِيا
…
لَبِسْنَ البِلَى مِمّا لَبِسْن اللّيالِيا
إذا ما تَقاضَى المَرَْء يومٌ وليلةٌ
…
تَقاضاهُ شَيءٌ لا يَمَلُّ التَّقاضِيا
وقال بعضُ شعراءِ الجاهلية - وقيل: القائل عبد الرحمن بن سُويدٍ المُرِّي -:
كانَتْ قَناتِي لا تَلينُ لِغامِزٍ
…
فأَلانَها الإصْباحُ والإمْساءُ
ودَعَوْتُ رَبِّي في السَّلامَةِ جاهِداً
…
لِيُصِحَّني فإذا السَّلامةُ داءُ
كانت قناتي لا تلينُ لغامزٍ: من الغَمْز، وهو العَصْرُ باليد وهو مثلٌ يريد: أنه كان صُلْبَ العودِ شديدَ القوَّة على من يشتدّ ويجترئ عليه وقال النَّمِرُ بن تَوْلَب - شاعر جاهلي إسلامي، وفد على سيّدنا رسول الله وحَسُنَ إسلامُه، ومن قولِه: صُوْمُ شهرِ الصَّبْرِ، وصومُ ثلاثةِ أيّامٍ يُذهبن كثيراً من وَحَرِ الصَّدر - قال:
تَدارَكُ ما قَبْلَ الشّبابِ وبَعْدَه
…
حَوادِثُ أيّامٍ تَمُرُّ وأغْفُلُ
يَسُرُّ الفتى طُولُ السّلامةِ والبَقَا
…
فكيف يَرى طولَ السّلامةِ يَفْعَلُ
يَرُدُّ الفتى بَعدَ اعْتِدالٍ وصِحَّةٍ
…
ينُوءُ إذا رامَ القيامَ ويُحْمَلُ
والبقاءُ مقصورٌ لضرورةِ الشعر وتروى: والغِنى. . . وقال الصَّلتانُ العَبْديُّ - شاعر إسلامي كان في زمن جرير والفرزدق -:
إذا لَيْلةٌ هَرَّمَتْ يَومَها
…
أتَى بعدَ ذلك يَوْمٌ فَتي
وهذا البيت من أبياتٍ جميلةٍ للصَّلتان اختارها أبو تمام في حماسته يقول فيها:
أشابَ الصَّغيرَ وأفنَى الكَب
…
يرَ كَرُّ الغَداةِ ومَرُّ العَشِي
إذا ليلة. . . البيت