المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاعتبار بمن مات من الكبار - الذخائر والعبقريات - جـ ١

[البرقوقي]

فهرس الكتاب

- ‌الباب الأول في البرِّ والتقوى

- ‌البرُّ وألوانه

- ‌برُّ الوالدين وصلة الرحم

- ‌وعبقرياتهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

- ‌قطيعة الإخوة

- ‌الناس تجاه البنات

- ‌الخال والخؤولة

- ‌مُدَّعُو القرابة البعيدة

- ‌محاسنهم في الآباء والأبناء والأقارب من بابات شتى

- ‌الرضاعة

- ‌الإحسان

- ‌وعبقرياتهم في الجود واصطناع المعروف

- ‌وقِرى الأضياف وذم البخل والسؤال

- ‌الناس مجبولون على البخل

- ‌عبقرياتهم في مدح الجود وذمّ البخل

- ‌عبقرياتهم في الجود واصطناع المعروف

- ‌ أحمد بن أبي دواد

- ‌رسالة للجاحظ ينضح فيها عن الجود

- ‌كلمة عُلْويّة لسيدنا رسول الله

- ‌هيهات أن أبيت مبطاناً وحولي بطون غَرْثى

- ‌كان الخلفاء الراشدون مُثُلاً عليا

- ‌في الرغبة عن شهوات الحياة الدنيا

- ‌عظمة الفاروق في زهده وتقواه

- ‌قرى الأضياف

- ‌وصيّة بخيلٍ لابنه

- ‌بخيل يبيع القرى

- ‌عبقرياتهم في قرى الأضياف

- ‌محادثة الضيف

- ‌السؤال وعبقريّاتهم فيه

- ‌من جميع نواحيه

- ‌ذم الإلحاح والحث على الإجمال في الطلب

- ‌عبقرياتهم في آداب السؤال واستنجاح الحوائج

- ‌المسؤول تُجاهَ السائل

- ‌الاعتذار عن المسؤول إنْ لَمْ يُعْطَ

- ‌طلب الكثير والرضا بالقليل

- ‌من يسأل حاجة يزعمها صغيرة

- ‌الحث على الصبر والأناة في طلب الحاجات

- ‌العطية لا تجدي في غير وقتها

- ‌المسؤول أهلٌ لأن يُسأل

- ‌التأسف على الحرمان

- ‌تعريضهم بمن خيبهم

- ‌يَرَون الهدايا والرُّشَى مَدْرَجةً للنجاح

- ‌قطع العادة

- ‌شكوى العافين

- ‌بلاغة المكدين

- ‌حسن الخلق

- ‌وعبقرياتهم فيه وفيما يتأشّب إليه

- ‌تحضيضهم على حسن الخلق

- ‌نَهْيُهم عن سوء الخلق

- ‌صعوبة تغيير الطّباع والمتخلّق يرجع إلى شيمته

- ‌مداراة الناس

- ‌من حسن خَلْقه وخُلُقه ومن اختلف خَلقه وخُلقه

- ‌التقوى

- ‌معنى التقوى

- ‌الحكمة

- ‌عبقرياتهم في التقوى

- ‌كُليمة في التوكل

- ‌عودٌ إلى عبقرياتهم في التقوى

- ‌التقوى مع الجهل

- ‌التماوت والإفراط في الخشوع

- ‌قلة اليقين في الناس

- ‌إصلاح الضمير

- ‌احتمال المكاره في العاجل رجاء المسارّ في الآجل

- ‌مراعاة الدّين والدّنيا معاً

- ‌الرجاء والجمع بينه وبين الخوف من الله

- ‌العبادة لا طلباً للثواب ولا خوفاً من العقاب

- ‌الرياء

- ‌التوبة

- ‌المبادرة إلى التوبة

- ‌الاستغفار

- ‌عبقريات شتى في الخوف والتقوى

- ‌الباب الثاني في الشكر والحمد والثناء

- ‌معنى الشكر

- ‌عبقرياتهم في الشكر

- ‌حثهم على الشكر

- ‌العجز عن الشكر

- ‌من لا تخفى أياديه

- ‌الشكر بقدر الاستحقاق

- ‌وعتبهم من شكروه ولمّا يستوجب

- ‌من لم يردعه خوفه عن الشكر

- ‌شكر مَنْ همَّ بإحسان ولم يفعل

- ‌ثِقَلُ الشكر والحمد

- ‌ترغيبهم في الثناء ووصفهم إيّاه بالبقاء

- ‌وتفضيلهم إياه على المال والعطاء

- ‌تسهيلُ القولِ على الشاكرين

- ‌بتوافر ما يُشكر عليهِ وعكسُ ذلك

- ‌حبُّ المنعم أن يُرى أثر إنعامه

- ‌لا يَمدحون إلا إذا أُعطوا

- ‌واعتذارهم عن ذلك

- ‌حثهم على الشكر ولو لِمَنْ ليس على دينهم

- ‌استحياؤهم من المديح

- ‌ولاسيَّما إذا كان مُتكلَّفاً أو مُبالغاً فيه

- ‌من يمدح نفسه

- ‌عذر من يُضطرّ إلى مدح نفسه

- ‌نهيُهم عن المدح قبل الاختبار

- ‌ختام الباب

- ‌عبقريات شتّى في الشكر

- ‌الباب الثالث في الصبر وعبقريّاتهم فيهوفي الدُّنيا وأكْدارِها، وفي هادم اللذات

- ‌ماذا يُرادُ بالصَّبْرِ في هذا الباب

- ‌عبقريّاتهم في الصبر

- ‌عودٌ إلى أسباب الحزن

- ‌حثُّهم على تصوّر المصائب

- ‌والاستعداد لها كي تَخِفَّ وطأتُها

- ‌الغَمُّ يُورِثُ السَّقَمَ والهَرَم

- ‌الحزن يبلى بتقادم العهد

- ‌التأسّي بِمَنْ مصابُه كمُصاب المُصاب أو يُربي عليه

- ‌وقولهم في عكس ذلك

- ‌عروة بن الزبير

- ‌مثل أعلى للصبر والتأسي

- ‌مطرح الهموم

- ‌عبقريّاتهم في الدُّنيا وأنّها دارُ مِحَنٍ وأكدار

- ‌أسماء الدنيا

- ‌قلّة لبث الإنسان في الدنيا

- ‌قلّة متاع الدنيا

- ‌الماضي والحاضر والمستقبل

- ‌تحذيرهم من تضييع الأيام

- ‌الأيام تهدم الحياة

- ‌البقاء في الدنيا سبب الفناء

- ‌فرحُ الدُّنيا مشوبٌ بالتّرح

- ‌مُعَقَّب بالهموم

- ‌الدنيا هموم وغموم

- ‌النقصان بعد التمام

- ‌الدنيا لا يدوم فيها فرح ولا ترح

- ‌الدنيا غرّارة

- ‌حب الدنيا على الرغم من عيوبها

- ‌الدنيا تضرُّ مُحبّيها

- ‌بنو الدُّنيا أغراضٌ لضروب المحن

- ‌الأيّام تمضي في تَراذلها

- ‌حمدُهم ماضي الزمان وذمُّهم حاضره

- ‌إنكار ذمِّ الدَّهر

- ‌المسرّة من حيث تُخشى المضرّة

- ‌الفرج بعد الشدّة

- ‌من زال كربُه فنسيَ صنعَ الله

- ‌لا تُعرف النعمةُ إلا عند فقدِها

- ‌فضل العافية وسلامة الدين

- ‌عبقريّاتٌ شتى في الدنيا

- ‌عبقريّاتُهم في الموتِ

- ‌أسماءُ الموتِ ووَصْفُه

- ‌تعظيم أمر الموت

- ‌حثُّهم على تصوُّر الموت

- ‌استدلال الإنسان على موتِه بمن مات من أهله

- ‌الاعتبار بمن مات من الكبار

- ‌من مات فَقَدْ تناهى في البعد

- ‌غفلة الناس عن الموت

- ‌لا ينجو من الموت أحد

- ‌الموت لا يُتحرّز منه بشيء ولو كان الطِّبَّ

- ‌موتُ الفُجاءةِ والصَّحيحُ يموت

- ‌كل إنسان مُعرّض لموته أو موتِ أحِبّته

- ‌جهل الإنسان بوقت موته

- ‌الموت يسوّي بين الأفاضل والأراذِلِ

- ‌انقضاء ناسٍ بعد ناس

- ‌ورجوعهم إلى الموت

- ‌مَنْ يَخافُ الموت ولا يستعدُّ له

- ‌وحثُّهم على تعاطي ما يهوّن أمرَ الموت

- ‌من أمر ذويه بالبكاء عليه

- ‌من أظهر الندم عند الموت على ما فرط منه

- ‌من امتنع من التوبة عند موته

- ‌من يحبّون الموت

- ‌تمنّي الموت

- ‌الحياة لا تمل

- ‌تسلّي الناس عمّن مات

- ‌سهم المنايا بالذخائر مولع

- ‌إنكارهم الشماتة في الموت

- ‌لا عار بالموت

- ‌الموت نهاية كلِّ حيٍّ

- ‌وصيّة الميّت

- ‌إنكارهم وصيّة الميّت بما ليس له

- ‌من أوصى بشرٍّ وكان قاسِياً

- ‌نهيهم عن الإفراط في البكاء وإظهار الجزع

- ‌في البكاء تخفيف من الحزن

- ‌ضعف بنية الإنسان

- ‌استنكافهم من أن يموتَ المرءُ حَتْفَ أنْفِه

الفصل: ‌الاعتبار بمن مات من الكبار

صَدَقَ الفَناءُ وكُذِّبَ العُمُرُ

وجَلَا العِظاتِ وبالَغَ النُّذُرُ

إنَّا، وَفي آمالِ أنفُسِنا

طُولٌ وفي أعْمارِنا قِصَرُ

لنَرَى بأعْيُنِنا مَصارِعَنا

لو كانتِ الألبابُ تَعتَبِرُ

ممَّا دَهانا أنَّ حاضِرَنا

أجْفانُنا، والغائِبُ الفكَرُ

وإذا تدَبَّرْنا جوارِحَنا

فأَكَلُّهُنَّ العَيْنُ والنَّظَرُ

لو كانَ للألبابِ مُمْتَحنٌ

ما عُدَّ منها السَّمْعُ والبَصَرُ

أيُّ الحَياةِ أَلَذُّ عِيشَتَها

مِن بَعدِ عِلْمِي أنّني بَشَرُ

خَرِسَت لَعمرُ اللهِ ألْسُنُنا

لمّا تكلّمَ فوقَنا القَدَرُ

‌الاعتبار بمن مات من الكبار

قال عدِيُّ بنُ زيد العِباديُّ:

أيُّها الشَّامِتُ المُعيِّرُ بالدَّهْ

ر أأنتَ المُبَرَّأُ الموْفورُ

أمْ لَدَيْكَ العهدُ الوَثيقُ من الأيَّا

مِ بلْ أنْتَ جاهِلٌ مَغْرُورُ

مَنْ رَأيْتَ المَنُونَ خَلَّدْنَ أمْ مَنْ

ذا عليه مِن أن يُضامَ خَفيرُ

أينَ كِسْرى كِسْرَى الملوكِ أنُوشَرْ

وانَ أمْ أيْنَ قَبْلَهُ سابورُ

وبنُو الأصْفرِ الكرامُ ملوكُ الرُّ

ومِ لَمْ يَبْقَ مِنهمُ مَذكورُ

ص: 280

وأخو الحَضْرِ إذْ بَناهُ وإذْ دِجْ

لَةُ تُجْبى إليه والخابورُ

شادَهُ مَرْمَراً وجَلّله كِلْ

ساً فلِلطَّيْرِ في ذُرَاهُ وُكورُ

لمْ يَهبْهُ رَيْبُ المَنونِ فبادَ الْ

مُلكُ عَنه فبابُه مَهْجورُ

وتَذَكَّرْ رَبَّ الخَوَرْنَقِ إذْ أَصْ

بَحَ يَوْماً ولِلْهُدَى تفْكِيرُ

سَرّهُ حَالُهُ وكَثْرةُ ما يَمْ

لِكُ والبَحْرُ مُعْرِضاً والسَّديرُ

فارْعَوَى قلبُه فقال: وما غِبْ

طَةُ حَيٍّ إلى المماتِ يَصيرُ

ثُمَّ بعدَ الفَلاحِ والمُلكِ وَالنِّعْ

مَةِ وَارَتْهُمُ هُناكَ القُبورُ

ثُمَّ صاروا كأنّهم وَرَقٌ جَفَّ

فَألْوَتْ بهِ الصَّبَا والدَّبورُ

وممّا كان يصحُّ أن يذكرَ في هذا الباب مرثية الوزير الشاعر الأندلسي عبد المجيد بن عبدون التي يرثي بها بني الأفطس - من ملوك الطوائف بالأندلس - وذكر فيها عدّة من مشاهير الملوك والخلفاء والأكابر ممّن أبادهم الدهرُ بحوادثه ونكباته، ووثب عليهم الزمن فما وجدوا جُنَّةً تقيهم من وثباته، ودبَّت عليهم الأيامُ بصروفها، وسقتهم

ص: 281

المنية بكأس حتوفها، ومطلعها:

الدَّهْرُ يَفْجَعُ بَعْدَ العَينِ بالأثَرِ

فما البُكاءُ على الأشباحِ والصُّوَرِ

بيدَ أنّا لطولِها رأينا أن نضربَ عن إيرادِها هنا صَفْحاً، وتراها في المجلد الخامس من نهاية الأرب للنويري الذي قامت بطبعه دارُ الكتب المصرية. . . وقد شرحها ابنُ بدرون، ومن أبياتها:

فلا تَغُرَّنْكَ مِنْ دُنياك نُوْمَتُها

فما صِناعَةُ عَيْنَيْها سِوَى السَّهَرِ

ما لِلَّيالي - أقالَ اللهُ عَثْرَتَنا

مِن اللَّيالي وخانَتْها يدُ الغِيَرِ

في كُلِّ حِينٍ لها في كلِّ جارِحَةٍ

منّا جِراحٌ وإنْ زاغَتْ عَنِ البَصَرِ

تَسُرُّ بالشَّيْءِ لكِنْ كيْ تَغُرَّ به

كالأيْمِ ثارَ إلى الجاني مِن الثَّمَرِ

وقال المتنبّي:

أبَني أبينا نَحْنُ أهْلُ مَنازِلٍ

أبَداً غُرابُ البَيْنِ فيها يَنْعِقُ

نَبْكي على الدُّنيا وما مِنْ مَعْشَرٍ

جَمَعَتْهُمُ الدُّنيا فلَمْ يَتَفَرّقُوا

أيْنَ الأكاسِرَةُ الجَبابِرةُ الأُلَى

كَنَزُوا الكُنوزَ فَما بَقينَ ولا بَقُوا

مِنْ كلِّ مَنْ ضاقَ الفَضاءُ بِجَيْشِه

حتّى ثَوَى فَحَوَاهُ لَحْدٌ ضَيِّقُ

خُرْسٌ إذا نُودُوا كأنْ لمْ يَعْلَموا

أنَّ الكلامَ لَهُمْ حَلالٌ مُطْلَقُ

والمَوْتُ آتٍ وَالنُّفوسُ نَفائِسٌ

والمُسْتَغِرُّ بِما لَدَيْهِ الأحْمقَ

والمَرْءُ يَأمُلُ، والحَياةُ شَهِيّةٌ

والشَّيْبُ أوْقَرُ، والشَّبيبةُ أنْزَقُ

أبني أبينا: يا إخوتَنا، يا بني آدم، وأراد بغُرابِ البين: داعي المَوْت يقول: نحن نازلون في منازل يتفرّق عنها أهلُها بالموت، فقوله: نبكي على

ص: 282

الدنيا. . . البيت مثله قول جرير يرثي امرأته:

لا يَلْبَثُ القُرَناءُ أنْ يَتَفرَّقوا

لَيْلٌ يَكُرُّ عليهِمُ ونَهارُ

وثوى - بالمثلّثة: أقامَ في القبر؛ وبالمثنّاة: هلك، وهذا البيتُ من قول أشْجَع:

وأصْبَحَ في لَحْدٍ مِن الأرْضِ ضَيِّقٍ

وكانَتْ به حَيَّاً تَضِيقُ الصَّحاصِحُ

الصَّحاصِحُ جمع صَحْصَح: وأصله ما استوى من الأرضِ وكان أجردَ والمُسْتِغرُّ: المغرور، يقول في هذا البيت: النفوس يأتي عليها الموت وإن كانت عزيزة نفيسة لا يمنعه ذلك من أخذها، والأحمق هو المغرور بالدنيا وبما يجمعه فيها، أمّا العاقل فإنه لا يغتر بما جمعه لعلمه أنه لا يبقى هو ولا ما جمعه، وقوله: والمرء يأمل. . البيت يقول: المَرْءُ يرجو الحياةَ لطيبِها لديه، والشَّيبُ أكثرُ له وقاراً من الشّباب، يعني: أنَّ المرءَ يكره الشَّيبَ ويحبُّ الشبابَ والشيب خيرٌ له، لأنّه يكسبه الحِلمَ والأناةَ والوقارَ، والشبابُ شرٌّ له، لأنّه يحملُه على الطيشِ والنَّزقِ والحُمْق وقال الشاعر:

رُبَّ قَوْمٍ عَبَرُوا مِنْ عَيْشِهِمْ

في نَعيمٍ وسُرورٍ وغَدَقْ

سَكَتَ الدَّهْرُ زماناً عَنْهُمُ

ثُمَّ أبكاهُمْ دَماً حين نَطَقْ

الغدق المراد به الخصب والسعة وقال مالك بن دينار:

أتيتُ القُبورَ فنادَيْتُهنَّ

أينَ المُعَظَّمُ والمُحْتَقَرْ

وأيْن المُدِلُّ بِسُلْطانِه

وأيْنَ المُزَكَّى إذا ما افْتَخَرْ

قال: فنوديتُ مِن بينِها ولا أرى أحداً:

تَفانَوْا جَميعاً فَما مُخْبِرٌ

وماتوا جَميعاً وماتَ الخَبَرْ

تَرُوحُ وتَغْدُو بَناتُ الثَّرى

وتَمْحُو مَحاسِنَ تلكَ الصُّوَرْ

فيا سائِلي عن أُناسٍ مَضَوْا

أما لَكَ فيما تَرى مُعْتَبَرْ!

ص: 283