الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمَا رَأيْتَ بَنِي بَدْرٍ وَقدْ خُلِقُوا
…
كَأنَّهُم خُبْزُ بَقَّالٍ وَكُتَّابِ
قطيعة الإخوة
ومما جاء في قطيعة الإخوة وتبريرها - والقطيعةُ الهجران، ضِد الصِّلة -: ما روي أنه
قيل لأعرابي: لِمَ تقطع أخاك شقيقَك؟ فقال: أنا أقطع الفاسِدَ من جسدي الذي هو أقرب إليّ منه، فكيف لا أقطعه إذا فسد! وكتب الفضلُ بن سهلٍ الوزير إلى المأمون - الخليفة العباسي -: أما بعد، فإن المخلوع - يريد الأمين أخا المأمون - وإن كان قسيمَ أمير المؤمنين في النسب واللُّحمة، فقد فرَقَ كتابُ الله بينهما فيما اقتصَّ علينا من نبأ نوحٍ، فقال:{يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ} ، فلا صِلةَ لأحد في معصية الله، ولا قطيعة ما كانت القطيعة في ذات الله، والسلام. . . وقيل لبُزُرْجُمهر: أخوك أحبُّ إليك أم صديقك؟ فقال: إنما أحِبُّ أخي إذا كان صديقاً. ويقال: القرابة محتاجة إلى المودَّة، والمودَّة أقرب الأنساب، والبيت المشهور في هذا:
فإذَا القَرابةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعاً
…
وإذا المَودَّةُ أَقرَبُ الأنْسابِ
الناس تجاه البنات
وقد كان الأوائلُ تُجاه البنات - وكذلك الناس إلى يومنا هذا - فريقين -: فأمَّا فريقٌ فقد كانوا يُفضِّلونهنَّ ويحنون عليهن، ومن قولهم في ذلك ما يُروى أن مَعْنَ بنَ أوْسٍ المُزَني - شاعر إسلاميٌّ من الفحول -
كان مِئناثاً - وكان له ثمانُ بناتٍ، وكان يحسن صحبتَهنَّ وتربيتَهنَّ، فوُلِدَ لبعض عشيرته بنتٌ، فكرهَها وأظهرَ جَزعاً من ذلك، فقال معن:
رَأَيْتُ رِجَالاً يَكْرَهُونَ بَناتِهِمْ
…
وفِيهِنَّ - لا تُكْذَبْ - نِسَاءٌ صَوَالِحُ
وفِيهِنَّ - والأيَّامُ يَعْثُرْنَ بالفتَى -
…
عَوائِدُ لا يَمْلَلْنَهُ ونَوَائِحُ
ودخل عمرو بن العاص على معاويةَ وعنده ابنتُه عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفاحةُ القلب، فقال: انبُذْها عنك، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّهنَّ يِلِدْنَ الأعداء، ويقرِّبنَ البُعداء، ويؤرِّثن الضغائِنَ، فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مَرَّض المرضى ولا نَدب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلُهن، وإنك لواجدٌ خالاً قد نفعَه بنو أخته؛ فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حبَّبتهنَّ إليَّ. . .
وقال بعضهم: البنات حسناتٌ. والبنون نعمٌ، والحسناتُ مُثابٌ عليها، والنعم مسؤول عنها. . .
وأما الفريق الآخر فيكره البنات: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} - كما قال سبحانه وتعالى وقديماً قالوا: نِعْم الخَتَنُ القبرُ. . . ودفنُ البنات من المَكْرُمات. .
وما خَتَنٌ فينا أعَفُّ مِنَ القَبْرِ
ونظر أعرابيٌّ إلى بنتٍ تدفن، فقال: نِعم الصهرُ صاهرتم. . . وقال
الحسين بن علي رضي الله عنه: والد البنت مُتعب، ووالد بنتين مُثقلٌ، ووالد ثلاث فعلى الناس أن يعينوه. . . وقال الزُّهريُّ: كانوا لا يرون على صاحب ثلاث بنات صدقة ولا جهاداً. . . وكانت العرب لا تأكل طعام صاحب البنات وقد قال قائلهم:
إذا ما المَرْءُ شبَّ له بَنَاتٌ
…
عَصَبْنَ برأسِه عَنَتاً وَعَارا
وأد البنات: وناهيك في هذا الباب شُنعةً وسوءَ صنيعةٍ بما كان العرب يفعلون في الجاهلية من وأد البنات. . وما فتئوا إلى أن أرسِل سيِّدُ البشر صلوات الله عليه، فنهى عن ذلك، وأنزل الله عز وتقدس:{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ} ؟ وكثيراً من الآيات في هذا المعنى المفظِع. . . ودخل قيس بن عاصم المِنْقَريُّ - وهو سيِّد أهل الوبر - على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً، فما أصنع؟ فقال رسول الله: أعتق عن كل موءودة نسمةً، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: فما الذي حملك على ذلك وأنت أكثر العرب مالاً؟ فقال: مخافة أن يَنْكِحَهنَّ مثلك، فتبسم رسول الله وقال: هذا سيّد أهل الوبر. . . قال قيس: ما وُلدت لي ابنةٌ إلا وأدتها سوى بنيّةٍ ولدتها أمُّها وأنا في سفر، فلما عدت ذكرت أنّها ولدت ابنة ميّتة. . فأودعتها أخوالها حتى كبرت، فأدخلتها منزلي متزيِّنة،