الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، والدَّهر: الزمانُ الطويل ومُدَّةُ الحياةِ الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تسبّوا الدهرَ، على تأويل: لا تسبّوا الذي يفعل بكم هذه الأشياء فإنكم إذا سببتم فاعلَها فإنّما يقع السبُّ على الله تعالى لأنّه الفاعلُ لها لا الدهر. . . وقد تقدم ذلك.
وقال أبو بكر الخوارزمي قريباً من هذا المعنى الذي نُعالجه:
وكم نَكْنِي وكَمْ نَهْجُو اللَّيالي
…
وليسَ بِخَصْمِنا إلا القَضاءُ
وقال رجلٌ للأصمعيّ: فَسَدَ الزمانُ، فقال:
إنّ الجَديدَينِ في طُولِ اخْتِلافِهِما
…
لا يَفْسُدَانِ ولَكِنْ يَفْسُدُ الناسُ
والبيت المشهور في هذا هو قول بعضهم:
نَعيبُ زَمانَنا والعيبُ فينا
…
ولو نَطَقَ الزَّمانُ بِنا هَجانا
وقال المتنبّي:
ألا لا أُرِي الأحْداثَ حَمْداً ولا ذَمّا
…
فما بَطْشُها جَهْلاً ولا كفُّها حِلْما
وقال بعض الصالحين لأبي العتاهية: أيُّ خلقِ اللهِ أصغرُ عندَه؟ قال: الدُّنيا، لا تساوي عندَ اللهِ جناحَ بعوضة، قال: أصغر منها مُحِبُّها. . .
المسرّة من حيث تُخشى المضرّة
قال أبو عمرو بن العلاء: طلب الحجّاجُ بن يوسف الثقفيّ أبي، فخرج
منه هارِباً إلى اليمن، فإنّا لَنسيرُ بصحراءِ اليمن إذْ لَحِقَنا لاحقٌ ينشد:
رُبَّما تَكْرَهُ النُّفوسُ مِنَ الأمْ
…
رِ له فَرْجةٌ كحَلِّ العِقالِ
فقال أبي: ما الخبرُ؟ قال: ماتَ الحجّاج، قال أبو عمرو: فأنا بقوله: له فَرْجةٌ أشدُّ سُروراً مني بموتِ الحجّاج، قال: فقال أبي: اصرِفْ رِكابَنا إلى البصرة، قال: وكنت يومئذٍ قد خَنَّقْتُ بِضْعاً وعشرين سنة. . . ربّما تَكره النفوسُ. . . البيت هو لأميّةَ بنِ أبي الصَّلت وقبله:
لا تَضِيقَنَّ في الأمورِ فَقَدْ تُكْ
…
شَفُ غَمَّاؤُها بغيرِ احْتيالِ
ومن بديعِ هذه اللُّغةِ العربية الكريمة أنّها تفرِّق بين فَرْجة بفتح الفاء وبينها بالضّم، فالأولى: التفصّي من الهَمِّ، والأخرى، أي الفُرْجة بالضّم: كلّ منفرجٍ بين جبلين ونحوِهما. والغمّاء:
الكرب وقالوا: خَفِ المَضارَّ مِنْ خَلَلِ المَسار، وارْجُ النَّفعَ مِن مَوضعِ المَنْع، فأكثرُ ما يأتي الأمنُ مِنْ مَحَلِّ الفَزَع، وقالوا: أعناقُ الأمورِ تتشابه، فرُبَّ مَحبوبٍ في مكروهٍ ومكروهٍ في محبوبٍ ومغبوط بنعمةٍ هي داؤُه ومرحومٍ مِنْ داءٍ فيه شفاؤُه. . . وقالوا: ربَّ سلامةٍ تكونُ للتَّلفِ سبباً، ومكروهٍ يكون للنجاةِ مُفْتاحاً:
وقد يَأسَفُ المَرْءُ مِن فَوتِ ما
…
لَعلَّ السَّلامةَ في فَوْتِهِ
وقال حكيم: لله مصالحُ في مكارِه عبادِه، وقالوا: العاقلُ لا يجزعُ لأوَّلِ نكبةٍ ولا يفرحُ بأوَّلِ نعمةٍ فربّما أقلعَ المحبوبُ عمّا يَضُرُّ وأسفرَ المكروهُ عمّا يَسُرُّ. . . وقال سيّدُنا رسولُ الله (اشْتدّي أزمةُ تَنْفَرجي) الأزمة: الشِّدّةُ والقَحْط ويُقال في ذلك: إنَّ الشدَّةَ إذا تتابَعَتْ انفرجَتْ وإذا توالَتْ تولّت. . والأصلُ في هذا المعنى قولُ اللهِ جلَّ شأنُه {فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} .