الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يا مالِكُ ابنَ طَريفٍ إنَّ بَيْعَكُمُ
…
رِفْدَ القِرَى مُفْسِدٌ لِلدِّينِ وَالحَسَبِ
قالوا نَبيعُكَهُ بَيْعاً فقلتُ لهُم
…
بيعُوا المَوالِيَ واسْتَحْيُوا مِنَ العَرَبِ
لولا كِرامُ طَريفٍ ما غَفَرْتُ لَكمْ
…
بَيْعي قِرَايَ ولا أنسأْتُكُمْ غَضبي
هلْ أنتمُ غَيرُ أَوْشابٍِ زَعانِفةٍ
…
رِيشِ الذُّنابَى وليس الرأْسُ كالذَّنَبِ
قوله: بيعوا الموالي واستحيوا من العرب، قال المبرّد: تزعم الرواة: أنَّ جِلّةَ الموالي - عظماءَهم - أنِفوا من هذا البيت، لأنّه حطَّهم ووَضَعهم ورأى أنّ الإساءة إليهم غيرُ محسوبةٍ عيباً. . . وقوله: ولا أنسأتكم غَضبي، يقول: لم أؤخِّره عنكم، وقوله: هل أنتم غير أوشاب زعانفة، فالأشابةُ الجماعةُ تدخل في قومٍ وليست منهم وقد تطلق الأوشاب على أخلاطِ الناس تجتمع من كل أوْبٍ، مأخوذٌ من أشَبَ الشيءُ كضَرب. خلَطه، وأما الزّعانف فأصلها أجنحة السمك، سُمّي بذلك الأدعياءُ لأنّهم التصقوا بالصّميم كما التصقت تلك الأجنحةُ بعِظام السمك.
عبقرياتهم في قرى الأضياف
قال الله جلّ شأنه في مدح قوم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} . . . وقال سيدنا رسول الله: (أيُّما رجلٍ ضافَ قوماً فأصبح الضيفُ مَحْروماً، فإنَّ نصرَه حقٌّ على كل مسلم حتّى يأخذَ بقِرى ليلته من زَرْعِه ومالِه). . .
وفي الحديث أيضاً: (الخيرُ أسرعُ إلى مُطعِم الطّعامِ مِنَ الشَّفْرةِ في سَنامِ البعير) الشفرة: السكين العظيمة العريضة وقال صلوات الله عليه: (ليس منّا من باتَ شبعانَ وضيفُه بطنُه طاوٍ). وقال تعالى في مدح القائم بخدمة ضيفه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} ؟ قيل وصفهم بذلك لأنه قام بخدمتهم بنفسه. . . ونزل ضيفٌ على جعفر بن أبي طالب، فتَخفَّفَ هو وغِلمانه عند نزولِه وعاوَنوه في حلوله، فلما أراد الارتحالَ عنهم لم يُعِنْه غِلمانُه، فشكاهم فقال: إن غِلمانَنا لا يعينون على الارتحال. . . وقالوا: أمدحُ بيتٍ قالته العرب قولُ حسان بن ثابت:
يُغْشَوْنَ حتى ما تَهِرُّ كلابُهُمْ
…
لا يَسألونَ عن السَّوَادِ المُقْبلِ
يقول: قد أنِسَتْ كلابُهم بالزّوار فهي لا تَنْبَحُهم، وهم من شجاعتهم لا يسألون عن جيش يقبل نحوهم لقلّة اكتراثهم ولثقتهم ببسالةِ أنفسِهم وشدَّتهم على أعدائهم، ومثل هذا قول أبي تمام:
إذا اسْتُنْجِدُوا لم يسألوا مَنْ دَعاهُمُ
…
لأيّةِ حربٍ أوْ لأيِّ مكانِ
أو تقول: لا يسألون عن السوادِ المقبل، أي أنّهم في سَعةٍ لا يَهولهم الجَمْعُ الكثير، لسَعَتِهم وسخائهم.
وقال إبراهيم بن هَرْمة من أبياتٍ في ابتهاجِ الكلبِ بالضّيف:
يَكادُ إذا ما أبْصَرَ الضّيفَ مُقْبِلاً
…
يُكلِّمهُ مِنْ حُبِّه وهو أعجمُ
وقال حاتم الطائي وهو سيّد الأجواد بالطعام:
أُضاحِكُ ضَيْفي قبلَ إنْزالِ رَحْلِه
…
ويُخْصِبُ عندي والمَحَلُّ جَديبُ
وما الخِصْبُ لِلأضيافِ أنْ يَكْثُرَ القِرَى
…
ولكنّما وَجْهُ الكريمِ خَصِيبُ
ومن قولهم في الحثِّ على ترك التكلّف وتعجيل الحاضر: سُئل أقْرى أهلِ اليمامة للضيف: كيف ضبطتم القِرى؟ قال: بأن لا نتكلّفَ ما ليس عندنا. . . وقال بعضهم: الضيفُ إلى القليل العاجل أحوجُ منه إلى الكثير الآجل، أما سمعت قول الله تعالى:{فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} . وقال تعالى: {إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ} . . . أي غير منتظرين نُضْجَه وإدراكَه وبلوغه، يقال: أني يأنى: إذا نضج.
ومن قولهم فيمن آثر على نفسه: قولُ صوفيٍّ لآخرَ: كيف يعمل فقراؤكم؟ قال: إذا وجدوا أكلوا، وإذا عَدِموا صبروا، فقال: هذا فِعْلُ الكلاب، إنّ الفقير منّا إذا عَدِمَ صبر، وإذا وجَد طعاماً آثر به غيره. . .
وقالوا في وصف الرجل الكريم يَسوء خلقه مع أهله خوف التقصير: والقائل زينب بنت الطّثَرِيَّة ترثي أخاها يزيد:
إذا نزَلَ الأضيافُ كان عَذَوَّراً
…
على الأهلِ حتّى تسْتَقِلَّ مراجلُهْ
يُعِينُكَ مَظْلوماً ويُنجِيكَ ظالِماً
…
وكُلُّ الذي حُمِّلْتَهُ فهو حامِلُهْ
العذوَّر: السيّئ الخُلق القليل الصبر فيما يريده ويهمُّ به، وإنما جعلته عذوَّراً لشدّة تهمُّمه بأمرِ الأضياف وحِرْصِه على تعجيل قِراهم حتى تستقل المراجل على الأثافيّ، والمراجل:
القدور واحدها مِرْجل، وقوله: وينجيك ظالماً، أي إنْ ظَلَمْت فطُولبت بظُلْمك حَماك ومَنع منك.