الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الأنساب
سبق أوائل هذه المقدمة الإلماع إلى مكانة هذا الفن، وشدة الحاجة إلى معرفته، وأنّ كتاب الأنساب للسمعاني هو بحق الكتاب الوحيد فيه، وأذكر الآن سبب تأليفه وبعض الثناء عليه.
قال أبو سعد في خطبته: "كنت في رحلتي أتتبع ذلك، وأسأل الحفاظ عن الأنساب وكيفيتها، وإلى أي شيء نُسِب كل أحد، وأُثبت ما كنت أسمعه، ولما اتفق الاجتماع مع شيخنا وإمامنا أبي شجاع عمر بن الحسن البسطامي ــ ذكره الله بالخير ــ بما وراء النهر، فكان يحثّني على نظم مجموع في الأنساب، وكل نسبة إلى أيّ قبيلة أو بطن أو ولاء أو بلدة أو قرية أو جدّ أو حِرفة أو لقب لبعض أجداده، فإنّ الأنساب لا تخلو عن واحد من هذه الأشياء، فشرعت في جمعه بسمرقند في سنة خمسين وخمسمائة، وكنت أكتب الحكايات والجرح والتعديل بأسانيدها، ثم حذفت الأسانيد لكيلا يطول، وملت إلى الاختصار ليسهل على الفقهاء حفظها، ولا يصعب على الحفاظ ضبطها، وأوردت النسبة على حروف المعجم، وراعيت فيها الحرف الثاني والثالث إلى آخر الحروف، فابتدأت بالألف الممدودة لأنها بمنزلة الألِفين، وذكرت (الآبُرى) في الألفين، وهي قرية من سجستان، و (الإبري) بالألف مع الباء الموحدة، وهذه النسبة إلى عمل الإبرة، وأذكر نسبَ الرجل الذي أذكره في الترجمة وسيرته وما قال الناس فيه وإسناده، وأذكر شيوخه ومن حدّث عنهم، ومن روى عنه، ومولده ووفاته إن كان بلغني ذلك، وقدمت فصولًا فيها أحاديث مسندة في الحثّ على تحصيل
هذا النوع من العلم، ونسب جماعة من أصول العرب وورد في الحديث ذكرهم، وقد أذكر البلاد المعروفة والنسبة إليها لفائدة تكون في ذكرها، والله تعالى ينفع الناظر فيه والمتأمل له بفضله وسعة رحمته".
وقال ابن الأثير في مقدمة "اللباب": "كانت نفسي تنازعني إلى أن أجمع في هذا كتابًا حاويًا لهذه الأنساب، جامعًا لما فيها من المعارف والآداب، فكان العجز عنه يمنعني، والجهل بكثير منه يصدني، ومع هذا فأنا ملازم الرغبة فيه، مُعرِض عما يباينه وينافيه، كثير البحث عنه والاقتباس منه، فبينما أنا أحوم على هذا المطلب ثم أجبن عن ملابسته، وأُقدم عليه ثم أُحجم عن ممارسته؛ إذ ظفرت بكتاب مجموع فيه قد صنفه الإمام الحافظ تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور السمعاني المروزي رضي الله عنه وأرضاه وشكر سعيه وأحسن منقلبه ومثواه، فنظرت فيه فرأيته قد أجاد ما شاء، وأحسن في تصنيفه وترتيبه وما أساء، فما لواصف أن يقول: لولا أنه، ولا لمستثن أن يقول: إلا أنه. فلو قال قائل: إنّ هذا تصنيف لم يُسبق إليه لكان صادقًا، ولو زعم أنّه قد استقصى الأنساب لكان بالحقّ ناطقًا. قد جمع فيه الأنساب إلى القبائل والبطون كالقرشي والهاشمي، وإلى الآباء والأجداد كالسليماني والعاصمي، وإلى المذاهب في الفروع والأصول كالشافعي والحنفي والحنبلي، والأشعري والشيعي والمعتزلي، وإلى الأمكنة كالبغدادي والموصلي، وإلى الصناعات كالخياط والكيال والقصّاب والبقال، وذكر أيضًا الصفات والعيوب كالطويل والقصير والأعمش والضرير، والألقاب كجَزَرة وكَيْلَجة؛ فجاء الكتاب في غاية الملاحة ونهاية الجودة والفصاحة، قد أتى مصنفه بما عَجَز عنه الأوائل ولا يدركه الأواخر،
فإنّه أجاد ترتيبه وتصنيفه، وأحسن جمعه وتأليفه. قد لزم في وضعه ترتيب الحروف في الأبواب والأسماء على ما تراه. فلمّا رأيته فردًا في فنه منقطع القرين في حُسنه، قلتُ: هذا موضع المثل "أَكْرَمتَ فارتبط، وأَمْرعتَ فاخْتبِط"، فحين أمعنت مطالعته، وأردت كتابته رأيته قد أطال واستقصى حتى خرج عن حد الأنساب، وصار بالتواريخ أشبه.
ومع ذلك ففيه أوهام قد نبهت على ما انتهت إليه معرفتي منها، وهي في مواضعها. فشرعت حيئنذ في اختصار الكتاب، والتنبيه على ما فيها من غلط وسهو، فلا يظن ظانّ أنّ ذلك نقص في الكتاب أو في المصنف، كلّا والله، وإنّما السيد من عُدّت سقطاته، وأخذت غلطاته، فهي الدنيا لا يكمل فيها شيء، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"حقٌّ على الله أن لا يرفع شيئًا من الدنيا إلا وضعه"، ليس المعنى بوضعه إعدامه وإتلافه، إنّما هو نقص يوجد فيه، وسياق الحديث يدل عليه، وكيف يكمل تصنيف والله تعالى يقول عن القرآن العزيز:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا}
(1)
".
ثم ذكر ابن الأثير أشياء وُضِعت في بعض المواضع من "الأنساب" على خلاف الأولى، منها أنّه حيث يتعدد المنسوب إليه للنسبة الواحدة قد يضطرب سياق الأنساب، ومنها أنّه قد يذكر الرجل مرتين أو ثلاثًا، فيوهم التعدّد، وذكر ابن الأثير بعض أمثلة ذلك، وهو قليل في "الأنساب".
وممّا يحسن التنبيه عليه أنّ أبا سعد كثيرًا ما يسوق عبارات ابن حبان في الجرح والتعديل، فتارة يعزوها إليه، وتارة يسوقها بدون عزو، وكثيرًا جدًّا ما
(1)
سورة 4 [النساء] آية 82. [المؤلف].