الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي، المعروف بابن راهويه، المتوفى سنة 238، وفي اللغة والعربية والأدب وغيرها: أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني المتوفى سنة 248 وقيل بعدها، وأبو إسحاق إبراهيم بن سفيان الزيادي المتوفى سنة 249، وأبو سعيد أحمد بن خالد الضرير، وأبو الفضل العباس بن الفرج الرياشي المتوفى سنة 257، وعبد الرحمن بن عبد الله بن أخي الأصمعي وغيرهم.
*
الرواة عنه:
ممّن روى عنه ابنه أبو جعفر أحمد بن عبد الله بن مسلم
(1)
قاضي مصر المتوفى سنة 322، وأبو سعيد الهيثم بن كُلَيب الشاشي المتوفى سنة 334، وأبو محمد القاسم بن أصبغ القرطبي المتوفى سنة 340، وأبو محمد عبد الله بن جعفر بن درستويه المتوفى سنة 347 وغيرهم.
*
مكانته في معرفة الشعر:
وإذ كان هذا الكتاب كتاب أدب، والعلوم الأدبية مدارها على معرفة النحو والمعرفة بالشعر ونقده، فحقٌّ علينا أن نشير إلى مكانة ابن قتيبة في ذلك.
فأمّا مكانه في معرفة اللغة فيكفي شاهدًا لذلك كتبه في الغريب. وأمّا النحو والصرف فحسبك أنّ ابن قتيبة أوّل من جمع بين مذهبي الكوفيين
(1)
في ترجمته من "رفع الإصر عن قضاة مصر" لابن حجر: " أنه كان يحفظ مصنفات أبيه كلها كما يحفظ السورة من القرآن". ونحوه في "الديباج المذهب"(ص 25) وزاد "ويرد من حفظه النقطة والشكلة وما معه نسخة". [المؤلف].
والبصريين، فإنّه لا يقوم لذلك إلا من أتقن المذهبين وعرف الأصول التي تُبْنى عليها العلل والمقاييس عند الفريقين.
وأمّا الشعر فدونك كتابه "الشعر والشعراء" وكلامه فيه وما ذكره في تراجم الشعراء ممّا يختار للشاعر وما يعاب عليه، وكذلك ما اختاره في كتابه "عيون الأخبار"، فأمّا هذا الكتاب "المعاني الكبير" فحدّث عنه ولا حرج.
كان العلماء كالأصمعي وابن الأعرابي وغيرهما يظهرون التعصب على المُحْدَثين من الشعراء، ويزعمون أنّ الفضل كله للمتقدمين، ذكر إسحاق الموصلي أنّه أنشد الأصمعي هذين البيتين:
هل إلى نظرة إليك سبيلُ
…
يرو منها الصّدي ويُشْفَى الغليلُ
إن ما قلّ منك يكُثر عندي
…
وكثيرٌ ممن تحبّ القليلُ
فقال الأصمعي: "هذا الديباج الخسرواني، هذا الوشي الإسكندراني، لمن هذا؟ " فأخبره إسحاق أنّ البيتين له، فقال الأصمعي:"أفسدته أفسدته، أما إن التوليد فيه لبين"
(1)
، وقال ابن الأعرابي: إنّما أشعار هؤلاء المُحْدَثين مثل أبي نواس وغيره مثل الريحان يشمّ يومًا ويذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلّما حركته ازداد طيبًا"
(2)
فأنكر ابن قتيبة هذه الطريقة.
قال في مقدمة كتابه "عيون الأخبار": "مذهبنا فيما نختاره من كلام المتأخرين وأشعار المُحْدَثين إذا كان مُتخيَّر اللفظ، لطيف المعنى، لم يُزْرِ به
(1)
الأغاني 5/ 71. [المؤلف].
(2)
الموشّح ص 246. [المؤلف].
عندنا تأخُّر قائله، كما أنه إذا كان بخلاف ذلك لم يرفعه تقدمه".
وقال في أوائل كتابه "الشعر والشعراء": "ولم أقصد فيما ذكرته من شعر كل شاعر مختارًا له سبيل من قلد أو استحسن باستحسان غيره، ولا نظرت إلى المتقدم منهم بعين الجلالة لتقدمه، ولا المتأخر منهم بعين الاحتقار لتأخره، بل نظرت بعين العدل على الفريقين، وأعطيت كلاًّ حقه، ووفرت عليه حظه، فإنّي رأيت من علمائنا من يستجيد الشعر السخيف لتقدم قائله، ويضعه موضع متخيره، ويرذل الشعر الرصين، ولا عيب له عنده إلا أنه قيل في زمانه ورأى قائله. ولم يقصر الله الشعر والعلم والبلاغة على زمن دون زمن، ولا خصّ به قومًا دون قوم، بل جعل ذلك مشتركًا مقسومًا بين عباده، وجعل كل قديم منهم حديثًا في عصره، وكل شريف خارجيًّا في أوله، فقد كان جرير والفرزدق والأخطل يعدون مُحْدَثين، وكان أبو عَمرو بن العلاء يقول: "لقد نبغ هذا المُحْدَث وحَسُن حتى لقد هممت بروايته".
"ثم صار هؤلاء قدماء عندنا بِبُعد العهد منهم، وكذلك يكون من بعدهم لمن بعدنا كالخريمي والعتابي والحسن بن هانئ، فكل من أتى بحَسَنٍ من قول أو فعل ذكرناه له، وأثنينا عليه به، ولم يضعه عندنا تأخر قائله، ولا حداثة سنه، كما أنّ الرديء إذا ورد علينا للمتقدم والشريف لم يرفعه عندنا شرف صاحبه ولا تقدمه".
أقول: الظنّ بالعلماء أنهم إنما كانوا يظهرون التعصب للمتقدمين ترغيبًا للناس في حفظ أشعارهم وروايتها؛ لأنّها حجة في اللغة والعربية، فالشعر القديم حتى الرديء منه صالح لأن يحتجّ به في تثبيت اللغة وقواعد العربية وتفسير القرآن وشرح السنة؛ والشعر المولَّد حتى ما كان منه بغاية الجودة لا
يصلح للحجة في ذلك، فكان العلماء يرون أن حفظ أشعار المتقدمين والترغيب في حفظها وروايتها، وإن كان فيها ما هو رديء من الفروض المتعينة لحفظ اللغة والدين، بخلاف أشعار المولَّدين، يدلك على هذا أنّ العلماء قد كانوا يعيبون كثيرًا من أشعار المتقدمين، كما تراه في "الموشّح" للمرزباني وغيره.
وقد كانوا يستجيدون كثيرًا من أشعار المولّدين، فقد أنشد الأصمعي بيتين لإسحاق الموصلي وهما:
إذا كانت الأحرار أصلي ومَنْصبي
…
ودافع ضيمي خازمٌ وابنُ خازم
عطستُ بأنفٍ شامخٍ وتناولت
…
يداي الثريا قاعدًا غير قائم
"فجعل الأصمعي يعجب منهما ويستحسنهما، وكان بعد ذلك يذكرهما ويفضلهما"
(1)
.
وأنشد رجل ابن الأعرابي شعرًا لأبي نواس فسكت ابن الأعرابي، فقال له الرجل: أما هذا من أحسن الشعر؟ قال بلى، ولكن القديم أحب إليّ
(2)
.
وليس مقصود ابن قتيبة من كلامه في مقدمة "عيون الأخبار" و"الشعر والشعراء" المفاضلة بين المتقدمين والمتأخرين، ولا إثبات استواء الفريقين على الإطلاق، وإنّما مقصوده أنه يوجد في أشعار كل من الفريقين ما هو جيد وما هو رديء، فيجب في الحكم على الشعر بالجودة أو الرداءة أن ينظر إليه بحسب ما هو عليه.
(1)
الأغاني: 5/ 53. [المؤلف].
(2)
الموشّح ص 246 [المؤلف].