الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18)
تحقيق في لفظة (أبنا) و (أنبأ)
الواقعة في
"السنن الكبرى للبيهقي
"
(1)
(1)
طُبعت في خاتمة طَبْع المجلد الرابع من "السنن الكبرى للبيهقي"، وسبب كتابتها أنه وقع الاشتباه في ضبط هذه الألفاظ في النسخ الخطية، فانتدب الشيخ لتحقيقها إذ كان أحد القائمين على تصحيح الكتاب، ووضع تحقيقه في آخر المجلد الرابع.
أقول: ينظر المجموع 4729 (ص 9 - 19)، ففيه مقارنة بين صِيَغ الأداء في البيهقي وصحيح مسلم. ويُنظر أيضًا "فوائد المجاميع"(ص 233) حول ورود الصيغة نفسِها في "الكفاية" للخطيب.
بسم الله الرحمن الرحيم
وقع كثيرًا في أسانيد "سنن البيهقي" في أكثر النسخ التي وقفنا عليها صيغة (انبا)، وطُبعت تبعًا لبعض النسخ الحديثة الكتابة هكذا (أنبأ) وأرى أن الصواب (أبنا) وهي اختصار (أخبرنا) بحذف الخاء والراء، كذلك اختصرها البيهقي وجماعة، ذكره ابن الصلاح في "مقدمته" ثم النووي في "تقريبه" والعراقي في "ألفيته" وغيرهم.
قد تصفحت النسخ الموجودة عندنا في الدائرة، فلم أر هذه الصيغة مضبوطة هكذا (أنبأ) صريحًا في شيء من النسخ القديمة، بل ضُبِطت في مواضع هكذا (أبنا) وفي الباقي مهملة أو مشتبهة.
لم تقع هذه الصيغة في بعض النسخ القديمة، وإنّما وقع بدلها (أنا) و (أنا) اختصار أخبرنا.
البيهقي يعبر في أول الأسانيد بقوله: (أخبرنا) غالبًا، وكُتِبت صريحة في أكثر النسخ، أمّا في المصرية فكتبت هكذا (انبا).
النسخ التي وقع فيها (انبا) لم يكد يقع فيها (أخبرنا) ولا (أنا) إلا في أوائل الأسانيد في غير المصرية، مع أنّ صيغة (أخبرنا) كثيرة في الاستعمال، كما يُعلم من مراجعة كتب الحديث، ونصّ عليه الخطيب وغيره قال الخطيب في "الكفاية": "حتى إنّ جماعة من أهل العلم لم يكونوا يخبرون عمّا سمعوه إلاّ بهذه العبارة (أخبرنا)، منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله
(1)
بن موسى وعبد الرزاق بن همام
(1)
ط: "عبد الله" خطأ.
ويزيد بن هارون
…
".
بل إنّ البيهقيّ نفسه لا يكاد يعبر في روايته عن شيوخه إلا بـ"أخبرنا".
إنّ أكثر ما في "سنن البيهقي" مروي عن كتبٍ مصنَّفة، وقد قابلتُ بعضَ ما فيها بمآخِذِه من الكتب كـ"الأم" و"سنن أبي داود" و"سنن الدارقطني"، فوجدت محلّ هذه الصيغة (أخبرنا) أو (أنا).
وتتبعت في "سنن البيهقي" مواضع من رواية الأئمة الذين نصّ الخطيب على أنهم لم يكونوا يعبرون عمّا سمعوه إلاّ بلفظ (أخبرنا)، فوجدت عبارتهم تقع في السنن بهذه الصيغة (انبا).
إنّ صيغة (أنبأنا) عزيزة كما يُعلم بتصفُّح كتب الحديث، ونصّ عليه الخطيب وغيره، ونصّ السخاوي والبقاعي وغيرهما من علماء الفن أنّه لم يَجْر للمحدثين اصطلاح في اختصار (أنبأنا)، وحذف الضمير في الصِّيغ مع الاتصال عزيز جدًّا، لا تكاد تجد في الكتب (حدّث فلان) أو (أخبر فلان) على معنى (حدثنا) أو (أخبرنا)؛ لأنّ مثل ذلك محمول على الانقطاع عند الخطيب واختاره الحافظ ابن حجر. ومن خالف فيه فإنّه موافقٌ على أنّه محمول على الانقطاع في عبارات المدلسين. وكثيرًا ما تقع عبارات المدلسين في "سنن البيهقي" بهذه الصيغة (انبا) وهي في الكتب المأخوذ منها (أخبرنا).
إنّ صيغة (أخبرنا) للسماع اتفاقًا، وصيغة (أنبأنا) في اصطلاح شيوخ البيهقي ومشايخهم وأهل عصرهم للإجازة، نصّ عليه الحاكم، فكيف يختار البيهقي لنفسه (أخبرنا) ثم يبدلها باطراد في كلام غيره ممّا ثبت في الكتب المصنفة، حتى من لم يكن يعبر إلاّ بها بـ"أنبأنا" مع كثرة "أخبرنا" وعزة
"أنبأنا"، وتغاير معنييهما اصطلاحًا.
ثمّ لا يكتفي بذلك حتى يشفعه بحذف الضمير الذي هو دليل السماع، فيصير الظاهر الانقطاع.
وبالجملة؛ فالصواب ضبط هذه الصيغة هكذا (ابنا) قطعًا، وهي اختصار (أخبرنا)، ولهذا تقع في محلها فيما رواه عن الكتب المصنفة، ويقع محلها في النسخ (أخبرنا) أو (أنا)؛ لأنّ الأمر في ذلك موكول إلى الكاتب، فإن شاء كتبها صريحة (أخبرنا)، وإن شاء اختصرها على أحد الاختصارات المنصوص عليها؛ لأنّ القارئ يتلفظ بها دائمًا "أخبرنا" فلا حرج في الكتابة، فأمّا إبدال صيغة بأخرى دونها، أو مغايرة لها في المعنى الاصطلاحي، أو فيما ثبت في الكتب المصنفة فغير جائز، فضلاً عن أن يحذف الضمير الدال على السماع.
قد وقعت هذه الصيغة (أنبا) في كتب أخرى غير "سنن البيهقي"، وطُبِعت في بعضها هكذا (أنبأ) والصواب في عامة ذلك (أبنا).
الأدلة على ما ذكرت أكثر مما تقدم، وأرى أنّ فيما لخَّصته ههنا غنى عن البسط والتطويل، وحسبي الله ونعم الوكيل، وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلم.