الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَ) هذا المختصرُ (مَعَ صِغَرِ حَجْمِه حَوَى)، أي: جَمَع (مَا يُغْنِي عَنِ التَطْوِيلِ)؛ لاشتمالِه على جُلِّ المهماتِ التي يكثرُ وقوعُها، ولو بمفهومِه.
(وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ)، أي: لا تحوُّلَ مِنْ حالٍ إلى حالٍ، ولا قدرةَ على ذلك إلا بالله، وقيل: لا حولَ عن معصيةِ الله إلا بمَعونةِ اللهِ، ولا قوةَ على طاعةِ اللهِ إلا بتوفيقِ اللهِ، والمعنى الأوَّلُ أجمعُ وأشملُ، (وَهُوَ حَسْبُنا)، أي: كافينا، (وَنِعْمَ الوَكيلُ) جل جلاله، أي: المُفَوَّضُ إليه تدبيرُ خَلقِه، والقائمُ بمصالحِهِم، أو الحافظُ، و (نِعْمَ الوَكيلُ): إما معطوفٌ على (1)(وَهُوَ حَسْبُنا)، والمخصوصُ محذوفٌ، أو على (حَسْبُنا)، والمخصوصُ هو الضميرُ المتقدِّمُ.
[كتاب الطهارة]
(كِتَابُ) هو مِن المصادرِ السَّيَّالةِ، أي: التي توجدُ شيئاً فشيئاً، يقال: كتبتُ كِتَاباً وكَتْباً وكِتابَةً، وسُمِّي (2) المكتوبُ به مجازاً، ومعناه لغةً: الجَمْعُ، مِنْ تَكَتَّبَ بنو فلانٍ: إذا اجْتَمعوا (3)، ومنه قيل لجماعةِ الخيلِ: كَتيبةٌ، إذا اجْتَمَعت (4)، والكتابةُ بالقلمِ؛ لاجتماعِ الكلماتِ والحروفِ، والمرادُ به هنا: المكتوبُ، أي: هذا مكتوبٌ جامعٌ لمسائلِ (الطَّهَارَةِ)، مما يوجبُها، ويَتطهَّرُ به، ونحوُ ذلك.
(1) في (أ) و (ب): على الأولى.
(2)
في (ق): ويسمى.
(3)
في (ب) و (ق) زيادة: فانضم بعضهم إلى بعض.
(4)
سقطت من (أ) و (ب) و (ق).
بدأ بها؛ لأنها مفتاحُ الصَّلاةِ التي هي آكدُ أركانِ الإسلامِ بعدَ الشهادتين.
ومعناها لغةً: النظافةُ والنزاهةُ عن الأقذارِ، مصدرُ طَهُر يطهُر - بضمِّ الهاءِ فيهما-، وأما طَهَر - بفتحِ الهاءِ - فمصدرُه طُهْراً (1)، كحَكَم حُكْماً.
وفي الاصطلاحِ ما ذكره بقولِه: (وهِيَ ارْتِفَاعُ الحَدَثِ)، أي: زَوالُ الوصفِ القائمِ بالبدنِ، المانعِ مِن الصَّلاةِ ونحوِها، (وَمَا فِي مَعْنَاهُ)، أي: معنى ارتفاعِ الحدثِ؛ كالحاصلِ بغُسْلِ الميتِ، والوُضوءِ والغُسلِ المُستَحَبَّين، وما زاد على المرَّةِ الأُولى في الوُضوءِ ونحوِه، وغَسْلِ يَدي القائمِ مِن نومِ الليلِ ونحوِ ذلك، أو بالتيمُّمِ عن وضوءٍ أو غُسلٍ، (وَزَوَالُ الخَبَثِ)، أي: النَّجاسةِ، أو حُكْمِها بالاستجمارِ، أو بالتيمُّمِ في الجملةِ، على ما يأتي في بابِه.
فالطهارةُ: ما يَنشأُ عن التَّطهيرِ، وربَّما أُطلِقت على الفِعْلِ، كالوُضوءِ والغُسْلِ.
(المِيَاهُ) باعتبارِ ما تَتَنَوَّع إليه في الشَّرعِ (ثَلَاثةٌ):
أحدُها: (طَهُورٌ)، أي: مُطَهِّرُ، قال ثعلبٌ: (طَهورٌ - بفتحِ
(1) في (ب): طهر طهراً.
الطاءِ -: الطاهرُ في ذاتِه المطهِّرُ لغيرِه) (1). انتهى، قال تعالى:(وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ)[الأنفال: 11].
(لَا يَرْفَعُ الحَدَثَ) غيرُه.
والحَدَثُ: ليس نجاسةً، بل معنىً يقومُ بالبدنِ يَمنعُ الصَّلاةَ ونحوِها.
والطَّاهرُ: ضِدُّ المحدِثِ والنَّجِسِ.
(وَلَا يُزِيلُ النَّجَسَ الطَّارِئَ) على محلٍّ طاهرٍ، فهو (2) النَّجاسةُ الحُكْمِيَّةُ، (غَيْرُهُ)، أي: غيرُ الماءِ الطَّهورِ، والتيممُ مُبِيحٌ لا رافعٌ، وكذا الاستجمارُ.
(وَهُوَ)، أي: الطَّهورُ: (البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ)، أي: صفتِه التي خُلِق عليها، إما حقيقةً: بأن يَبْقى على ما وُجِد عليه مِن برودةٍ، أو حرارةٍ، أو مُلوحةٍ ونحوِها، أو حُكْماً: كالمُتغيّرِ بِمُكثٍ، أو طُحْلبٍ (3)، ونحوِه مما يأتي ذِكْرُه.
(فَإِنْ تَغَيَّرَ بِغَيْرِ مُمَازِجٍ)، أي: مخاِلطٍ؛ (كَقِطَعِ كَافُورٍ)(4)،
(1) ينظر: معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 428.
(2)
في (ق): وهو.
(3)
الطُّحْلب: بضم اللام وفتحها: الأخضر الذي يعلو الماء، يخرج من أسفله حتى يعلوه. ينظر: المطلع ص 16.
(4)
الكافور: هو المشموم من الطيب. ينظر: المطلع ص 16.
وعُودٍ قِمَاريٍّ (1)، (وَدُهْنٍ) طاهرٍ على اختلافِ أنواعِه، قال في الشَّرحِ:(وفي معناه: ما تَغيَّر بالقَطِرانِ والزِّفْتِ والشَّمْعِ؛ لأنَّ فيه دُهنيةً يتغيَّرُ بها الماءُ)(2)، (أَوْ بِمِلْحٍ مَائِيٍّ) لا مَعدِنيٍّ فيسلُبُه الطَّهوريةُ، (أَوْ سُخِّنَ بِنَجسٍ (3)؛ كُرِهَ) مُطلقاً إن لم يُحتجْ إليه، سواءٌ ظُنَّ وصولُها إليه، أو كان الحائلُ حصيناً أوْ لا، ولو بعْد أنْ يَبرُدَ؛ لأنَّه لا يَسلَمُ غالِباً مِن صعودِ أجزاءٍ لطيفةٍ إليه.
وكذا ما سُخِّنَ بمغصوبٍ، وماءُ بئرٍ بمقبرةٍ، وبقلُها، وشوكُها، واستعمالُ ماءِ زمزمَ في إزالةِ خبثٍ، لا وضوءٍ وغسلٍ.
(وَإِنْ تَغَيَّرَ بِمُكْثِهِ)، أي: بطولِ إقامتِه في مقرِّه -وهو الآجِنُ-؛ لم يُكره؛ «لأَنَّهُ عليه السلام تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ» (4)، وحكاه (5) ابنُ المنذرِ
(1) بكسر القاف، منسوب إلى قمار، موضع ببلاد الهند. ينظر: المطلع ص 16.
(2)
الشرح الكبير لابن أبي عمر (1/ 38).
(3)
قال في المطلع (ص 17): (الأنجاس: جمع نجس بفتح النون والجيم وكسرها، وهو في اللغة المستقذر، يقال نَجِسَ يَنْجَس، كعَلِمَ يعلم، ونَجُسَ يَنْجس، كشَرُف يشرف).
(4)
لم نجده بهذا اللفظ، ولكن جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم الماء الآجن، ففي صحيح البخاري (2903) من حديث سهل بن سعد:(لما كُسرت بيضة النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه، وأُدمي وجهه وكسرت رباعيته، وكان علي يختلف بالماء في المجن، وكانت فاطمة تغسله)، وجاء في رواية عند البيهقي (1272) عند ذكره القصة:(فأتي بماء في مجنة، فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشرب منه، فوجد له ريحاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذا ماء آجن»، فمضمض منه، وغسلت فاطمة عن أبيها الدم)، وهي من مراسيل عروة بن الزبير، وفي سندها ابن لهيعة، إلا أن أصل القصة في الصحيح.
(5)
في (ب): وحكى.
إجماعَ مَن يحفظُ قولَه مِنْ أهلِ العِلْمِ سوى ابنِ سيرينَ (1).
(أَوْ بِمَا)، أي: بطاهرٍ (يَشُقُّ صَوْنُ المَاءِ عَنْهُ، مِنْ نَابِتٍ فِيهِ، وَوَرَقِ شَجَرٍ)، وسَمَكٍ، وما تُلْقيه الرِّيحُ أو السيولُ مِنْ تِبْنٍ ونحوِه، وطُحْلبٍ، فإن وُضِع فيه (2) قَصْداً، وتغيَّرُ به الماءُ عن ممازجةٍ؛ سَلَبه الطَّهوريةَ.
(أَوْ) تغيَّرَ (بِمُجَاوَرَةِ مَيْتَةٍ)، أي: بريحِ ميتةٍ إلى جانبِه؛ فلا يُكره، قال في المبدعِ:(بغيرِ خلافٍ نعلمُه)(3).
(أَوْ سُخِّنَ بِالشَّمْسِ، أَوْ بِطَاهِرٍ) مُباحٍ ولم يَشْتَدَّ حَرُّه؛ (لَمْ يُكْرَهْ)؛ لأنَّ الصحابةَ رضي الله تعالى عنهم دخلوا الحمَّام ورخَّصوا فيه، ذكره في المبدعِ (4)، ومَن كَرِه الحمَّامَ فعِلَّة الكراهة: خوفُ مشاهدةِ العَورةَ، أو قَصْدُ التَّنَعُّمِ بدخولِه، لا كونُ الماءِ مُسخَّناً.
فإن اشتدَّ حرُّهُ أو بَردُهُ كُرِه؛ لمنعِه كمالَ الطَّهارةِ.
(وإِنِ اسْتُعْمِلَ) قليلٌ (فِي طَهارَةٍ مُسْتَحبَّةٍ؛ كَتَجْدِيدِ وُضُوءٍ، وَغُسْلِ جُمُعَةٍ) أو عيدٍ ونحوِه، (وَغَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ وَثالِثَةٍ) في وُضوءٍ أو غُسْلٍ؛ (كُرِهَ)؛ للخلافِ في سَلْبِه الطَّهوريةَ.
(1) الإجماع لابن المنذر (ص 34).
(2)
سقطت من (أ) و (ب).
(3)
(1/ 25).
(4)
(1/ 26).
فإن لم تَكُن الطَّهارةُ مشروعةً؛ كالتَّبرُّدِ؛ لم يُكره.
(وَإِنْ بَلَغَ) الماءُ (قُلَّتَيْنِ): تَثْنِية قُلَّةٍ، وهي اسمٌ لكلِّ ما ارتفع وعلا، والمرادُ هنا: الجَرَّةُ الكبيرةُ مِن قِلال هَجَر، وهي قريةٌ كانت قُرْبَ المدينةِ، (وَهُوَ الكَثِيرُ) اصطلاحاً، (وَهُمَا) أي: القُلَّتان: (خَمسُمِائَةِ رطْلٍ) - بكسرِ الراءِ وفتحِها- (عِرَاقِيٍّ تَقْرِيباً)، فلا يَضرُّ نقصٌ يسيرٌ كرطلٍ ورطلين، وأربعمائة وسِتَّةٌ وأربعون رطلاً وثلاثَةُ أسباعِ رطل مِصْري، ومائةٌ وسَبعةٌ وسُبُع رطلٍ دِمشقي، وتِسعةٌ وثمانون وسُبُعا رطلٍ حَلَبي (1)، وثمانون رطلاً وسُبُعان ونصفُ سُبُعِ رطلٍ قُدْسي، فالرطلُ العراقي تسعون مِثْقالاً، سُبُع القدسي وثُمُن سُبُعِه، وسُبُع الحلبي ورُبُع سُبُعِه، وسُبُع الدِّمشقي ونِصفُ سُبُعِه، ونصفُ المصري ورُبُعُه وسُبُعُه، (فَخالَطَتْهُ نَجَاسَةٌ) قليلةٌ أو كثيرةٌ، (غَيرُ بَولِ آدَميٍّ أَوْ عَذِرَتِه المائِعَةِ) أو الجامدةِ إذا ذابت، (فَلَمْ تُغَيِّرْهُ)؛ فطَهورٌ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:«إِذَا بَلَغَ المَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» ، وفي روايةٍ:«لَمْ يَحْمِلِ الخَبَثَ» رواه أحمدُ وغيرُه، قال الحاكمُ:(على شرطِ الشيخين)، وصحَّحه الطحاوي (2).
(1) في (ب): وخمسة وثمانون وسُبُعا رطل حلبي.
(2)
رواه أحمد (4605)، وأبو داود (63)، والترمذي (67)، والنسائي (52)، وابن ماجه (517)، وابن خزيمة (92)، وابن حبان (1249)، والحاكم (458)، من حديث ابن عمر مرفوعاً، وجوَّد إسناده يحيى بن معين، وصححه ابن منده، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن الأثير، والطحاوي، والبيهقي، والخطابي، =
وحديثُ: «إِنَّ المَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» (1)، وحديثُ:
= والأشبيلي، والذهبي، والنووي، وابن حجر، والألباني، وغيرهم.
وأعلَّه ابن عبد البر وابن دقيق بعلتين: الأولى: اضطراب سنده، وقد أجاب عن هذا الاضطراب، الحاكم والدارقطني والبيهقي وابن حجر وغيرهم. الثانية: اضطراب متنه، فتارة يقول (قلتين)، وتارة (قلتين أو ثلاثة) بالشك، وتارة (أربعين قلة)، وقد أجاب عن ذلك الحفَّاظ، بأن رواية الشك شاذة، ورواية الأربعين ليست من حديث ابن عمر، وإنما من حديث جابر، وقد تفرد بها القاسم العمري وهو ضعيف.
ورجَّح المزي وشيخ الإسلام ابن تيمية الوقف على ابن عمر، وجوابه: أن الذي رفعه هما ابنا عبدالله بن عمر، عبيدالله وعبدالله، وهما ثقتان وأشد ملازمة لأبيهما من مجاهد الذي رواه موقوفاً، والصحابي قد يرفع الحديث أحياناً وقد يذكره دون رفع، فصح الرفع والوقف. ينظر: خلاصة الكلام 1/ 66، تنقيح التحقيق 1/ 15، تهذيب السنن 1/ 34، التلخيص الحبير 1/ 135، البدر المنير 1/ 404، صحيح أبي داود للألباني 1/ 104.
(1)
رواه أحمد (11257)، وأبو داود (66)، والترمذى (66)، والنسائى (326)، من طريق محمد بن كعب، عن عبيد الله بن عبد الله بن رافع بن خديج، عن أبي سعيد أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يطرح فيها الحيض ولحم الكلاب والنتن؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الماء طهور لا ينجسه شيء» ، صحَّحه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وابن حزم والنووي وابن الملقن والألباني، وحسَّنه الترمذي.
وأعلَّه ابن القطان وابن التركماني: بجهالة راويه عن أبي سعيد، واختلاف الرواة في اسمه على خمسة أقوال، وجواب ذلك: أن الحديث له متابعات وشواهد يتقوى بها، فقد رواه عن أبي سعيد أيضاً: أبو نضرة عند البيهقي (1219)، وهو ثقة، وابن أبي سعيد الخدري عند أحمد (11119)، والنسائي (327)، وهو ثقة، وله شواهد منها حديث سهل بن سعد عند البيهقي (1221)، وقال:(هذا إسناد حسن موصول). ينظر: المحلى 1/ 158، بيان الوهم 3/ 308، خلاصة الأحكام 1/ 65، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 28، الجوهر النقي 1/ 4، البدر المنير 1/ 381، التلخيص الحبير 1/ 125، الإرواء 1/ 45.
«المَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إِلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ (1)» (2)
يُحمَلان على المقيَّدِ السابِقِ.
وإنَّما خُصَّت القُلَّتان بقِلالِ هَجَرٍ؛ لورودِه في بعضِ ألفاظِ الحديثِ (3)، ولأنَّها كانت مشهورةَ الصفةِ معلومةَ المقدارِ، قال ابن
(1) في (ق): أو طعمه أو لونه.
(2)
رواه ابن ماجه (521)، والدارقطني (47)، والبيهقي (1229)، من طريق رشدين بن سعد، ثنا معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً. قال ابن حجر:(وفي إسناده رشدين بن سعد وهو ضعيف، وقد قال الدارقطني: لم يرفعه غير رشدين)، وقال النووي:(واتفقوا على ضعفه -أي: الحديث-، ونقل الإمام الشافعي رحمه الله تضعيفه عن أهل العلم بالحديث، وبين البيهقي ضعفه).
وقال ابن الملقن: (وفي إسناده رشدين بن سعد وقد ضعفوه، لكن قال أحمد مرة: أرجو أنه صالح الحديث).
وقد رواه الدارقطني (49)، من طريق عيسى بن يونس، نا الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد مرسلاً. ورجحه أبو حاتم والدارقطني والبيهقي.
قال الشافعي: (ما قلت مِن أنه إذا تغير طعم الماء وريحه ولونه كان نجساً يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله، وهو قول العامة، لا أعلم بينهم خلافاً)، وقال البيهقي:(والحديث غير قوي إلا أنا لا نعلم في نجاسة الماء إذا تغير بالنجاسة خلافاً). ينظر: علل الحديث 1/ 548، علل الدارقطني 12/ 274، المجموع 1/ 110، نصب الراية 1/ 94، تحفة المحتاج 1/ 144، الدراية 1/ 52، صحيح أبي داود 1/ 114.
(3)
رواه ابن عدي في الكامل (8/ 82)، بلفظ: (إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم =
جُرَيْجٍ: (رأيتُ قِلالَ هَجَرٍ، فرأيتُ القُلَّةَ تَسَعُ قِربَتَيْنِ وشيئاً)(1)، والقِربةُ: مائةُ رطلٍ بالعراقي، والاحتياطُ أنْ يُجعَلَ الشيءُ نِصفاً، فكانت القُلَّتان: خمسمائةٍ بالعِراقي.
(أَوْ خَالَطَهُ البَوْلُ أَوْ العَذِرَةُ) مِن آدميٍّ، (وَيَشُقُّ نَزْحُهُ كَمَصَانِعِ
= ينجسه شيء)، وقال:(وقوله في متن هذا: "من قلال هجر" غير محفوظ)، وعلَّته: المغيرة بن سقلاب الحراني، قال ابن عدي:(منكر الحديث)، ووافقه ابن حجر والألباني.
وقوَّاه ابن الملقن فقال: (ليس في إسناده سوى المغيرة بن سقلاب، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: صالح الحديث. وقال أبو زرعة: جزري لا بأس به. وهذا يُقدم على قول ابن عدي: منكر الحديث، وعلى قول علي بن ميمون الرقي: إنه لا يسوي بعرة؛ لجلالة الأولين).
وقوَّاه أيضاً بما رواه الدارقطني (32)، والبيهقي (1252)، من طريق ابن جريج، أخبرني محمد بن يحيى ، أن يحيى بن عقيل أخبره ، أن يحيى بن يعمر أخبره، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجساً ولا بأساً» . فقلت ليحيى بن عقيل: قلال هجر؟ قال: قلال هجر، فأظن أن كل قلة تأخذ فرقين، . وأعلَّه ابن حجر بجهالة محمد شيخ ابن جريج.
قال الدارقطني: (وروي عن ابن جريج بإسناد مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين من قلال هجر لم ينجس. والتوقيت غير ثابت).
وجاء تفسير القلال بقلال هجر عن ابن جريج عند عبد الرزاق (259)، قال ابن جريج:(زعموا أنها قلال هجر).
ينظر: علل الدارقطني 12/ 373، البدر المنير 1/ 413، التلخيص الحبير 1/ 137، الإرواء 1/ 60.
(1)
رواه الشافعي (ص 165)، والبيهقي، (1250)، عن مسلم بن خالد عن ابن جريج.
طَرِيقِ مَكَّةَ؛ فَطَهُورٌ) ما لم يتغيَّرْ، قال في الشَّرحِ:(لا نَعلمُ فيه خِلافاً)(1).
ومفهومُ كلامِه: أنَّ ما لا يَشقُّ نزحُه ينجُسُ ببولِ الآدميِّ، أو عَذِرَتِه المائعةِ أو الجامدةِ إذا ذابت فيه، ولو بلَغَ قُلَّتين، وهو قولُ أكثرِ المتقدمين والمتوسطين (2)، قال في المبدعِ:(ينجُسُ على المذهبِ وإن لم يتغيَّر)(3)؛ لحديثِ أبي هريرةَ يرفعُه: «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ» متفقٌ عليه (4)، وروى الخلَّال بإسنادِه:«أن عَلياً رضي الله عنه سُئِلَ عَنْ صَبِيٍّ بَالَ فِي بِئْرٍ فَأَمَرَهُم بِنَزْحِها» (5).
وعنه (6): أنَّ البولَ والعَذِرةَ كسائرِ النّجاساتِ، فلا يَنجُسُ بهما
(1) قال في الشرح الكبير (1/ 106): (لا نعلم خلافاً أن الماء الذي لا يمكن نزحه إلا بمشقة عظيمة، مثل: المصانع التي جعلت مورداً للحاج بطريق مكة يصدرون عنها ولا ينفد ما فيها، أنها لا تنجس إلا بالتغيير).
(2)
ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (1/ 133)، والإنصاف للمرداوي (1/ 102).
(3)
(1/ 38).
(4)
رواه البخاري (239)، ومسلم (282)، من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم.
(5)
لم نجده في المطبوع من كتب الخلال، ورواه ابن أبي شيبة في المصنف (1720)، من طريق أبي خالد الأحمر، عن خالد بن سلمة، عن علي. وخالد بن سلمة روايته عن التابعين، ففي الأثر انقطاع بينه وبين علي. ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 95.
(6)
قال المرداوي: (وعليه جماهير المتأخرين وهو المذهب عندهم). ينظر: الإنصاف 1/ 102.
ما بَلَغ قُلتين إلا بالتغيُّرِ، قال في التَّنقيحِ:(اختاره أكثرُ المتأخرين، وهو أظهرُ) انتهى (1)؛ لأنَّ نجاسةَ بولِ الآدميِّ لا تَزيدُ على نَجاسةِ بولِ الكَلبِ.
(وَلَا يَرْفَعُ حَدَثَ رَجُلٍ) وخُنثى (طَهُورٌ يَسِيرٌ) دونَ القُلتين، (خَلَتْ بِهِ) كخَلوةِ نكاحٍ (امْرَأَةٌ) مكلفةٌ ولو كافرةٌ، (لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ)؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم:«أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ المَرْأَةِ» رواه أبو داودَ وغيرُه، وحسَّنه الترمذي، وصحَّحه ابنُ حبانَ (2)،
قال أحمدُ في روايةِ أبي طالبٍ: (أكثرُ أصحابِ رسولِ
(1)(ص 39).
(2)
رواه أحمد (20657)، وأبو داود (82)، والترمذي (64)، والنسائي (343)، وابن ماجه (373)، من طريق أبي حاجب، عن الحكم بن عمرو الغفاري، وحسنه الترمذي، وصححه ابن ماجه، وابن حبان، والحميدي، والألباني.
قال البخاري: (سوادة بن عاصم أبو حاجب العنزي بصري، كنَّاه أحمد وغيره، ويقال الغفاري، ولا أراه يصح عن الحكم بن عمرو).
وجاء من حديث عبد الله بن سرجس عند ابن ماجه (374)، قال ابن ماجه فيه:(وهم)، وقال البخاري:(وحديث عبد الله بن سرجس في هذا الباب هو موقوف، ومن رفعه فهو خطأ).
وجاء أيضاً: من حديث حميد الحميري عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه سلم عند أحمد (17012)، وأبي داود (81)، والنسائي (238).
وقد ضعَّف المرفوع جماعة من الحفاظ، منهم: البخاري كما سبق، والدارقطني، والبيهقي، ونقل الميموني عن أحمد أن الأحاديث الواردة في منع التطهر بفضل المرأة وفي جواز ذلك مضطربة، قال:(لكن صحَّ عن عدد من الصحابة المنع فيما إذا خلت به).
ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 4/ 185، العلل الكبير ص 40، سنن الدارقطني 1/ 210، خلاصة الأحكام 1/ 200، تنقيح التحقيق 1/ 39، فتح الباري 1/ 300، إرواء الغليل 1/ 43.
الله صلى الله عليه وسلم يقولون ذلك) (1)، وهو تعبدي.
وعُلِمَ مما تقدَّم: أنه يُزيلُ النَّجَسَ مُطلقاً، وأنَّه يَرفعُ حَدَث المرأةِ والصبي، وأنَّه لا أَثَر لخَلْوَتِها بالترابِ، ولا بالماءِ الكثيرِ، ولا بالقليلِ إذا كان عندَها مَن يُشاهِدُها، أو كانت صغيرةً، أو لم تَستعمِلْه في طهارةٍ كاملةٍ، ولا لما خَلت به لطهارةِ خَبَثٍ.
فإن لم يَجدْ الرَّجلُ غيرَ ما خَلَت به لطهارةِ الحدثِ؛ استعمَلَه ثم تيمَّمَ (2) وجوباً (3).
النوعُ الثاني مِن المياهِ: الطاهرُ غيرُ المطهِّرِ، وقد أشار إليه
(1) جاء ذلك عن الحكم الغفاري عند ابن أبي شيبة (355)، وسنده حسن. وعن أبي العالية عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ابن أبي شيبة (359)، وسنده حسن. وعبدالله بن سرجس عند عبدالرزاق، (385)، والدارقطني (418) وصححه، ونقل عن البخاري تصحيحه. وعن عبدالله بن عمر عند عبدالرزاق (386) وسنده صحيح. وعن حميد عن رجل أدرك النبي صلى الله عليه وسلم عند عبد الرزاق (378)، وفيه راوٍ لم يُسَمَّ. وعن جويرية بنت الحارث عند ابن أبي شيبة، (356)، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف. وعن غنيم بن قيس - وقد اختلف في صحبته -، عند ابن أبي شيبة (360)، وسنده صحيح.
(2)
في (ق): يتيمم.
(3)
سقطت من (أ) و (ب).
بقوله: (وإِنْ تَغَيَّرَ لَوْنُهُ، أَوْ طَعْمُهُ، أَوْ رِيحُهُ (1)، أو كثيرٌ مِن صفةٍ مِن تلكَ الصِّفاتِ، لا يَسيرٌ منها، (بِطَبْخِ) طاهرٍ فيه، (أَوْ) بطاهرٍ مِن غيرِ جنسِ الماءِ لا يَشُقُّ صَونُه عنه (سَاقِطٍ فِيهِ)؛ كزعفرانٍ، لا ترابٍ ولو قصداً، ولا ما لا يُمازِجُه مما تقدَّم؛ فطاهرٌ؛ لأنَّه ليس بماءٍ مطلقٍ.
(أَوْ رُفِعَ بِقَلِيلِهِ حَدَثُ) مكلَّفٍ أو صغيرٍ؛ فطاهرٌ؛ لحديثِ أبي هريرةَ: «لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي المَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ» رواه مسلمٌ (2).
وعُلِمَ منه: أنَّ المُستعمَلَ في الوُضوءِ والغُسلِ المستَحَبيَّنِ طَهورٌ كما تقدَّم، وأن المستعمَلَ في رَفْعِ الحدثِ إذا كان كثيراً طَهورٌ، لكن يُكره الغُسْلُ في الماءِ الراكدِ.
ولا يضرُّ اغترافُ المتوضئِ لمشقةِ تَكرُّرِه، بخلافِ مَنْ عليه حدثٌ أكبرُ، فإنْ نوى وانغمس هو أو بعضُه في قليلٍ؛ لم يرتفع حدثُه، وصار الماء مستعمَلاً، ويصير الماء مستعملاً في الطَّهارتين بانفصاله، لا قبلَه ما دام متردِّداً على الأعضاء.
(أَوْ غُمِسَ فِيهِ)، أي: في الماءِ القليل، كلُّ (يَدِ) مسلمٍ مكلَّفٍ
(1) في (أ) و (ب): طعمه أو لونه أو ريحه.
(2)
رواه مسلم (283).
(قَائمٍ مِنْ نَوْمِ لَيلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ) قبل غسلها ثلاثاً؛ فطاهرٌ، نوى الغَسْل بذلك الغَمْس أوْ لا، وكذا إذا حصَل الماءُ في كلِّها، ولو باتَت مكتوفةً أو في جِرابٍ ونحوِه؛ لحديث:«إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهما فِي الإِنَاءِ ثَلَاثاً؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ» رواه مسلم (1).
ولا أثر لغمسِ يدِ كافرٍ، وصغيرٍ، ومجنونٍ، وقائمٍ مِنْ نومِ نهارٍ، أو ليلٍ إذا كان نومُه يسيراً لا يَنقُضُ الوضوءَ.
والمرادُ باليدِ هنا: إلى الكوعِ.
ويَستَعمِلُ هذا الماءَ إن لم يوجدْ غيرُه ثم يتيمَّمُ، وكذا ما غُسِل به الذَّكرُ والأُنْثَيَان لخروجِ مذي دونَه؛ لأنَّه في معناه، وأمَّا ما غُسِل به المذي فعلى ما يأتي.
(أَوْ كَانَ آخِرَ غَسْلَةٍ زَالَتِ النَّجَاسَةُ بِهَا) وانفصَلَ غيرَ متغيِّرٍ؛ (فَطَاهِرٌ)؛ لأنَّ المنفصِلَ بعضُ المتَّصلِ، والمتَّصلُ طاهرٌ.
النوعُ الثالثُ: النَّجِسُ، وهو المشارُ إليه بقولِه:(وَالنَّجسُ: مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ)، قليلاً كان أو كثيراً، وحكى ابنث المنذرِ الإجماعَ عليه (2).
(1) رواه مسلم (278)، ورواه البخاري (162) دون التقييد بثلاث، من حديث أبي هريرة.
(2)
الإجماع لابن المنذر (ص 35).
(أَوْ لَاقَاها)، أي: لاقى النجاسةَ (وَهُوَ يَسِيرٌ) دونَ القُلتين، فينجُسُ بمجرَّدِ الملاقاةِ، ولو جارِياً؛ لمفهومِ حديثِ:«إِذَا بَلَغَ الماءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ» (1).
(أَوِ انْفَصَلَ عَنْ مَحَلِّ نَجَاسَةٍ) مُتغيِّراً، أو (قَبْلَ زَوَالِها)؛ فنجِسٌ، فما انفصَلَ قَبْلَ السابعةِ نجسٌ، وكذا ما انفصل قبلَ زَوال عينِ النَّجاسةِ ولو بعدَها، أو متغيِّراً.
(فَإِنْ أُضِيفَ إِلَى المَاءِ النَّجِسِ) - قليلاً كان أو كثيراً - (طَهُورٌ كَثِيرٌ)، بصبٍّ أو إجراءِ ساقيةٍ إليه ونحوُ ذلك؛ طَهُر؛ لأنَّ هذا القَدْرِ المضافَ يَدفَعُ النجاسةَ عن نفسِه وعمَّا اتَّصَل به، (غَيرُ تُرَابٍ وَنَحْوِهِ)، فلا يطهُرُ به نجِسٌ، (أَوْ زَالَ تَغَيُّرُ) الماءِ (النَّجِسِ الكَثيرِ بِنَفْسِهِ) من غير إضافةٍ ولا نَزْحٍ، (أَوْ نُزِحَ مِنْهُ)، أي: من النَّجس الكثير (فَبَقِي بَعْدَهُ)، أي: بعد المنزوح (كَثِيرٌ غَيْرُ مُتَغَيرٍ؛ طَهُرَ)؛ لزوالِ عِلَّةِ تنجُّسِه، وهي (2) التغيُّرُ، والمنزوحُ الذي زال مع نزحِه التغيُّرُ؛ طهورٌ إن لم تَكُن عينُ النجاسةِ به.
وإنْ كان النجِسُ قليلاً، أو كثيراً مجتمِعاً مِن مُتَنجِّسٍ يسيرٍ، فتطهيرُه بإضافةِ كثيرٍ (3)، مع زوالِ تغيُّرِه إن كان.
(1) تقدم تخريجه (1/ 74)، حاشية (1).
(2)
في (ق): وهو.
(3)
من قوله: (بإضافة كثير) إلى قوله (1/ 96): (إذا انتعل أحدكم) ساقط من (ح).
ولا يجبُ غَسْلُ جوانبِ بئرٍ نُزِحت؛ للمشقةِ.
تنبيهٌ: محلُّ ما ذُكر: إن لم تَكُن النجاسةُ بولَ آدميٍّ أو عَذِرتِه، فتطهيرُ ما تنجَّسَ بهما مِن الماءِ: إضافةُ ما يَشقُّ نزحُه إليه، أو نَزْحٌ يَبقى بعدَه ما يَشُقُ نزحُه، أو زَوالُ تغيُّرِ ما يشقُّ نزحُه بنفسِه، على قولِ أكثرِ المتقدِّمين ومَنْ تابَعَهم، على ما تقدَّم.
(وَإِنْ شَكَّ فِي نَجَاسَةِ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ) مِنَ الطَّاهراتِ، (أَوْ) شكَّ في (طَهَارَتِهِ)، أي: طهارةِ شيءٍ عُلِمت نجاستُه قبْلَ الشَّك؛ (بَنَى عَلى اليَقِينِ) الذي عَلِمه قبلَ الشَّكِّ، ولو مع سُقوطِ عظمٍ أو رَوثٍ شكَّ في نجاستِه؛ لأنَّ الأصلَ بقاؤُه على ما كان عليه.
وإنْ أَخْبره عدلٌ بنجاستِه وعيَّن السَّببَ؛ لزِمَ قَبُولُ خبرِه.
(وإِنِ اشْتَبَهَ طَهُورٌ بِنَجِسٍ؛ حَرُمَ استِعْمَالُهُمَا) إنْ لم يُمْكنْ تطهيرُ النِّجسِ بالطَّهورِ، فإنْ أمْكَن بأن كان الطهورُ قُلتينِ فأكثرَ، وكان عندَه إناءٌ يَسَعُهُما؛ وَجَب خَلْطُهما واستعمالُهما، (وَلَمْ يَتَحَرَّ)، أي: لم ينظُرْ أيهما يغلِبُ على ظنِّه أنَّه الطَّهورُ فيستعمِلَهُ، ولو زاد عدَدَ الطَّهورِ، ويعدِلُ إلى التيمُّمِ إنْ لم يَجدْ غيرَهما، (وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَيَمُّمِ إِرَاقَتُهُمَا، وَلَا خَلْطُهُمَا)؛ لأنَّه غيرُ قادرٍ على استعمالِ الطَّهورِ، أشبه ما لو كان في بئرٍ (1) لا يُمْكِنُه الوُصولُ إليه.
(1) في (أ): الماء في بئر.
وكذا لو اشتبه مُباحٌ بمحرَّمٍ؛ فيَتيمَّمُ إنْ لم يجدْ غيرَهما.
ويَلْزَمُ مَن عَلِمَ النجِسَ إعلامُ مَن أراد أن يَستعمِلَه.
(وَإِنِ اشْتَبَهَ) طهورٌ (بِطَاهِرٍ) أمكَنَ جعله طهوراً به أمْ لا؛ (تَوَضَّأ مِنْهُمَا وُضُوءاً واحداً)، ولو مع طهورٍ بيقينٍ، (مِنْ هَذَا غَرْفَةً (1)، ومِنْ هَذَا غَرْفةً)، ويَعُمُّ بكلِّ واحدةٍ مِن الغَرْفَتين المحَلَّ، (وَصَلَّى صَلَاةً وَاحِدةً)، قال في المغني والشَّرحِ:(بغيرِ خلافٍ نعلمُه)(2).
فإنِ احتاج أحدَهما للشربِ؛ تحرَّى وتوضَّأ بالطَّهورِ عندَه (3)، وتيمَّمَ؛ ليَحصُلَ له اليقينُ.
(وَإِنِ اشْتَبَهَتْ ثيابٌ طاهرةٌ بِ) ثيابٍ (نَجِسَةٍ) يَعْلَمُ عددَها، (أَوْ) اشتبهت ثيابٌ مباحةٌ (بِ) ثيابٍ (مُحَرَّمَةٍ) يعْلَمُ عددَها؛ (صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ صَلَاةً بِعَددِ النَّجِسِ) مِن الثِّيابِ أو المحرَّمِ (4) منها، يَنْوي بها الفرضَ احتياطاً، كمن نَسي صلاةً من يومٍ، (وَزَادَ) على العددِ (صَلاةً)؛ ليُؤديَ فرضَه بيقينٍ.
فإنْ لم يَعلَمْ عددَ النَّجِسَةِ أو المُحَرَّمَةِ؛ لزِمه أن يُصلِّي في كلِّ
(1) قال في المطلع (ص 34): (الغرفة: بفتح الغين، الفعلة، وبضم الغين المغْروف، ويحسن الأمران هنا).
(2)
المغني (1/ 46)، والشرح الكبير (1/ 137).
(3)
سقطت من (أ).
(4)
في (ب): المحرمة.
ثوبٍ صلاةً، حتى يتيقَّنَ أنَّه صلَّى في ثوبٍ طاهرٍ، ولو كثُرت.
ولا تصحُّ في ثيابٍ مشتبِهةٍ مع وجودِ طاهرٍ يقيناً.
وكذا حُكْمُ أمكنةٍ ضيِّقةٍ، ويصلي في واسعةٍ حيثُ شاء بلا تَحَرٍّ. (1)
* * *
(1) في هامش الأصل: بلغ مقابلة على نسخة المؤلف حسب الطاقة.