الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ صَلَاةِ التَّطوُّعِ)، وأوقاتِ النَّهي
والتطوُّعُ لغةً: فِعْلُ الطَّاعةِ، وشرعاً: طاعةٌ غيرُ واجبةٍ.
وأفضلُ ما يُتطوَّعُ به الجهادُ، ثم النَّفقةُ فيه، ثم العلمُ: تعلُّمه وتعليمُه، من حديثٍ وفقهٍ وتفسيرٍ، ثم الصَّلاةُ.
و(آكَدُهَا كُسُوفٌ، ثُمَّ اسْتِسْقَاءٌ)؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يُنقَلْ عنه أنَّه تَرَك صلاةَ الكسوفِ عندَ وجودِ سببِها، بخلافِ الاستسقاءِ فإنَّه كان يَستسقي تارةً ويتركُ أخرى، (ثُمَّ تَرَاوِيْحُ)؛ لأنَّها تُسنُّ لها الجماعةُ، (ثُمَّ وِتْرٌ)؛ لأنَّه تُسنُّ له الجماعةُ بعد التراويحِ، وهو سنَّةٌ مؤكدةٌ، روي عن الإمامِ:(مَن تَرَك الوترَ عَمداً فهو رجلُ سوءٍ، لا يَنبغي أنْ تُقبلَ له شهادةٌ)(1)، وليس بواجبٍ.
(يُفْعَلُ بَيْنَ) صلاةِ (العِشَاءِ وَ) طلوعِ (الفَجْرِ)، فوقتُه مِن صلاةِ العشاءِ - ولو مجموعةً مع المغربِ تقديماً - إلى طلوعِ الفجرِ، وآخرُ ليلٍ لمن يَثقُ بنفسِه أفضلُ.
(وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «الوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ» رواه
(1) مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح (ص 333)، ومن رواية معاذ بن المثنى عن أحمد. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 339.
مسلم (1)، ولا يُكره الوترُ بها؛ لثبوتِه عن عشرةٍ مِن الصحابةِ، منهم: أبو بكرٍ (2)، وعمرَ (3)، وعثمانَ (4)، وعائشةَ (5) رضي الله عنهم.
(وَأَكْثَرُهُ)، أي: أكثرُ الوترِ (إِحْدَى عَشْرَةَ) ركعةً، يصلِّيها (مَثْنَى مَثْنَى)، أي: يُسلِّم مِن كلِّ ثنتين، (وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ)؛ لقولِ عائشةَ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُوتِرُ مِنْهَا
(1) رواه مسلم (752)، عن ابن عمر.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (6816)، من طريق ليث:«أن أبا بكر أوتر بركعة» ، وليث هو ابن أبي سليم، وهو ضعيف، ولم يدرك أحداً من الصحابة، وإنما يروي عن التابعين. ينظر: تهذيب التهذيب 8/ 466.
(3)
رواه ابن أبي شيبة (6249)، وعبد الرزاق (5136)، من طريق قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه قال: دخل عمر بن الخطاب المسجد، فركع ركعة، فقيل له، فقال:«إنما هو تطوع، فمن شاء زاد، ومن شاء نقص» ، وقابوس ليّن، وأبو ظبيان مجهول. ينظر: تقريب التهذيب ص 449، ص 652.
(4)
رواه ابن أبي شيبة (6817)، عن نائلة ابنة فرافصة الكلبية زوجة عثمان: أنها قالت عن عثمان: «إن تقتلوه أو تدعوه فقد كان يحيي الليل بركعة يجمع فيها القرآن» ، تعني يوترها. وإسناده صحيح.
(5)
رواه ابن المنذر في الأوسط (2645)، عن أم شبيب قالت: سمعت عائشة تقول: «إذا سمعت الصرخة فأوتري بركعة» .
وذكر البيهقي في السنن الكبرى (باب الوتر بركعة)(3/ 32) جملة من الآثار عن الصحابة في الوتر بركعة، منهم: سعد بن أبي وقاص، وتميم الداري، وأبي موسى الأشعري، وابن عمر، وابن عباس، وخالد بن زيد الأنصاري، ومعاوية بن أبي سفيان، ومعاذ بن الحارث أبو حليمة القاري، وهو من الصحابة وقد شهد الخندق كما ذكر ابن عبد البر. ينظر: الاستيعاب 3/ 1407، الإصابة في تمييز الصحابة 6/ 110.
بِوَاحِدَةٍ»، وفي لفظٍ:«يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ» (1)، هذا هو الأفضلُ.
وله أن يَسرُدَ عشراً، ثم يجلِسَ فيتشهَّدُ ولا يسلِّمُ، ثم يأتي بالرَّكعةِ الأخيرةِ، ويتشهَّدُ ويسلِّمُ.
(وَإِنْ أَوْتَرَ بِخَمْسٍ أَوْ سَبْعٍ) سَرَدها، و (لَمْ يَجْلِسْ إِلَّا فِي آخِرِهَا)؛ لقولِ أمِّ سلمةَ:«كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ بِسَبْعٍ وَبِخَمْسٍ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ» رواه أحمدُ، ومسلمٌ (2).
(1) رواه مسلم (736).
(2)
رواه أحمد (26486)، والنسائي (1714)، وابن ماجه (1192)، من طرقٍ عن مقسم، عن أم سلمة باللفظ المذكور، ومقسم لا يعرف له سماع من أم سلمة كما قال البخاري، وقد اختلف الرواة فيه على مقسم بين وصله وإرساله، قال الدارقطني:(والمرسل عنهما أصح)، وقال أبو حاتم:(هذا حديث منكر). ينظر: التاريخ الأوسط 1/ 294، علل الحديث 2/ 376، علل الدارقطني 15/ 205.
وقد روى مسلم الإيتار بخمس، والإيتار بسبع في حديثين مختلفين كلاهما لعائشة:
الأول: الإيتار بخمس: رواه مسلم (737)، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها» .
والثاني: الإيتار بسبع: رواه مسلم (746) في حديث طويل من طريق قتادة، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة، وفيه:«فلما أسنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم وأخذه اللحم أوتر بسبع» ، وقد اختلف على قتادة في صفة الإيتار بالسبع، على ثلاثة أوجه:
فرواه ابن أبي عروبة عند مسلم (737)، ومعمر عند عبد الرزاق (4714)، وغيرهما، دون تحديد لصفة السبع، باللفظ السابق عند مسلم.
ورواه هشام الدستوائي عند النسائي (1719)، وهمام عند أبي داود (1342)، وغيرهما بزيادة:«لم يجلس إلا في السادسة والسابعة، ولم يسلم إلا في السابعة» .
ورواه شعبة عند النسائي (1718)، بلفظ:«صلى سبع ركعات لا يقعد إلا في آخرهن» .
وثبت عن شعبة أنه قال: (هشام الدستوائي أعلم بحديث قتادة مني، وأكثر مجالسة له مني).
فاختار أحمد فيما نقله أبو طالب: أنه لا يقعد إلا في آخرهن، واقتصر ابن حبان، ومحمد بن نصر المروزي، والبيهقي، وابن القيم على رواية الدستوائي، وجوّز ابن حزم، والبغوي وغيرهما الوجهين. ينظر: مختصر قيام الليل ص 284، المحلى 2/ 86، شرح السنة 4/ 84، زاد المعاد 1/ 320، الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 9/ 59، فتح الباري لابن رجب 9/ 109.
(وَ) إنْ أَوْتر (بِتِسْعٍ) يَسرُدُ ثمانياً، ثم (يَجْلِسُ (1) عَقِبَ) الرَّكعةِ (الثَّامِنَةِ، وَيَتَشَهَّدُ (2) التشهُّدَ الأولَ، (وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يُصَلِّي) الرَّكعةَ (التَّاسِعَةَ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ)؛ لقولِ عائشةَ: «وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إِلَّا فِي الثَّامِنَةِ، فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ (3)، وَيَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ، ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيماً يُسْمِعُنَاهُ» (4).
(وَأَدْنَى الكَمَالِ) في الوترِ (ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِسَلَاميْنِ)، فيصلِّي ركعتين ويسلِّمُ، ثم الثالثةَ (5)؛ لأنَّه أكثرُ عملاً، ويجوزُ أن يَسرُدَها
(1) في (ب): جلس.
(2)
في (ب): وتشهد.
(3)
في (ح): ويدعو.
(4)
رواه مسلم (746).
(5)
زاد في (أ) و (ب) و (ق): ويسلم.
بسلامٍ واحدٍ.
(يَقْرَأُ) مَنْ أَوْتر بثلاثٍ (فِي) الرَّكعةِ (الأُولَى بِـ) سورةِ (سَبِّح، وَفِي) الرَّكعةِ (الثَّانِيَةِ بِـ) سورةِ «قل يا أيها (الكَافِرُونَ» ، وَفِي) الرَّكعةِ (الثَّالِثَةِ) سورةَ (1)(الإِخْلاصِ) بعدَ الفاتحةِ.
(وَيَقْنُتُ فِيهَا)، أي: في الثالثةِ (بَعْدَ الرُّكُوعِ) ندباً؛ لأنَّه صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم مِن روايةِ أبي هريرةَ (2)، وأنسٍ (3)، وابنِ عباسٍ (4).
وإنْ قَنَتَ قبلَه بعدَ القراءةِ جاز؛ لما روى أبو داودَ عن أُبي بنِ
(1) في (أ) و (ب) و (ق): بسورة.
(2)
رواه البخاري (804)، ومسلم (675)، ولفظه:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يرفع رأسه يقول: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد، يدعو لرجال فيسميهم بأسمائهم، فيقول: اللهم أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين من المؤمنين، اللهم اشدد وطأتك على مضر، واجعلها عليهم سنين كسني يوسف» .
(3)
رواه البخاري (1001)، ومسلم (677)، عن محمد بن سيرين، قال: سئل أنس بن مالك: أقنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم، فقيل له: أوقنت قبل الركوع؟ قال: «بعد الركوع يسيراً» .
(4)
رواه أحمد (2746)، وأبو داود (1443).
تنبيه: جميع هذه الأحاديث في القنوت في النوازل وليس في الوتر، وإنما يستدل بها قياساً، قال محمد بن نصر:(وسُئل أحمد رحمه الله عن القنوت في الوتر قبل الركوع أو بعده؟ وهل ترفع الأيدي في الدعاء في الوتر؟ فقال: القنوت بعد الركوع ويرفع يديه، وذلك على قياس فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الغداة) ينظر: مختصر قيام الليل ص 318.
(1) رواه أبو داود (1427)، والنسائي (1699)، وابن ماجه (1182)، من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أُبي بن كعب باللفظ المذكور، وصححه الطحاوي، وابن السكن، والألباني.
وضعف الحديث أحمد، وأبو داود، وابن المنذر، وابن خزيمة، والبيهقي، والخطيب البغدادي، والنووي، وابن الملقن، وذلك أن الحديث رواه عن سعيد بن عبد الرحمن اثنان:
الأول: قتادة، ورواه عنه شعبة وهشام الدستوائي بدون ذكر القنوت، ورواه عنه ابن أبي عروبة واختلف عليه فيه، فرواه يزيد بن زريع وعبد الأعلى ومحمد بن بشر بدون ذكر القنوت، ورواه عنه عيسى بن يونس فقط بذكر القنوت، وبهذه المخالفة أعلّها أبو داود.
الثاني: زبيد اليامي، ورواه عنه جماعة من أصحابه كالأعمش وشعبة وغيرهم، ولم يذكر واحد منهم القنوت، وذكرها عيسى بن يونس عن فطر بن خليفة عن زبيد، وبهذا أعلّه أبو داود أيضاً.
وذكر الألباني متابعتين لعيسى بن يونس، وشواهد أخرى صحح بها الحديث، أما المتابعة الأولى: فعند البيهقي (4864)، من طريق حفص بن غياث، عن مسعر، عن زبيد، وفيها علّة، فهي من رواية محمد بن يونس وهو متهم، وخالفه أبو حاتم الرازي عند الطحاوي (4501)، ولذا قال أبو داود:(وليس هو بالمشهور من حديث حفص). وأما الثانية: عند ابن ماجه (1182)، من طريق مخلد بن يزيد عن سفيان عن زبيد، وهي متابعة معلولة أيضاً، فمخلد صدوق له أوهام، وقد خالف جماعة من أصحاب سفيان كمحمد بن عبيد وأبي نعيم كما رواها النسائي في الكبرى (10503، 10504)، قال النسائي بعد طريق مخلد مشيراً إلى ضعفه:(وقد روى هذا الحديث غير واحد عن زبيد فلم يذكره أحد منهم).
وأما الشواهد: فقد ضعفها الإمام أحمد، قال الأثرم: قيل لأحمد بن حنبل: سائر الأحاديث أليس إنما هي بعد الركوع - أي: القنوت -؟ قال: بلى، خِفاف بن إيماء وأبو هريرة، قلت لأبي عبد الله: فلم ترخص إذاً في القنوت قبل الركوع، وإنما صح بعده؟ ! فقال: القنوت في الفجر بعد الركوع، وفي الوتر يختار بعد الركوع، ومن قنت قبل الركوع فلا بأس، لفعل الصحابة واختلافهم، فأما في الفجر فبعد الركوع.
وآثار الصحابة التي أشار إليها الإمام أحمد ذكرها ابن المنذر في الأوسط (5/ 208)، عن سبعة من الصحابة، عمر، وعلي، وأبي موسى، وابن مسعود، وابن عباس، والبراء ابن عازب، وأنس، وروى ابن أبي شيبة (6911)، عن علقمة:«أن ابن مسعود وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقنتون في الوتر قبل الركوع» ، قال الحافظ في الدراية:(بإسناد حسن). ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 563، تنقيح التحقيق 2/ 451، البدر المنير 4/ 330، الدراية 1/ 193، إرواء الغليل 2/ 167.
(فَـ) يرفعُ يديه إلى (1) صدرِه، يَبسُطُهما وبطونَهما نحوَ السَّماءِ، ولو مأموماً (2)، (يَقُولُ) جهراً:(اللَّهُمَّ اهْدِنِي (3) فِيمَنْ هَدَيْتَ)، أصلُ الهِدايةِ: الدَّلالةُ، وهي مِن اللهِ التوفيقُ والإرشادُ، (وَعَافِنِي (4) فِيْمَنْ عَافَيْتَ)، أي: مِن الأسقامِ والبلايَا، والمعافاةُ: أنْ يُعافيك اللهُ مِن الناسِ، ويعافيهم منك، (وَتَوَلَّنِي (5) فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ)، الوليُّ ضدُّ العدوِّ، مِن تلَيتُ (6) الشيءَ إذا اعتنيتُ به، أو مِن وَلِيتُه إذا لم يَكُن بينك وبينه واسطةٌ، (وَبَارِكْ لَنَا فِيمَا أَعْطَيْتَ)، أي: أنعمتَ، (وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ
(1) في (ح): أي: إلى.
(2)
في (أ) و (ب) و (ق) و (ح): مأموماً، و.
(3)
في (ب): اهدنا.
(4)
في (ب): وعافنا.
(5)
في (ب) و (ق): وتولنا.
(6)
في (ب): توليت.
وَالَيْتَ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ)، رواه أحمدُ، والترمذي وحسَّنه مِن حديثِ الحسنِ بنِ عليٍّ، قال:«عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الوِتْر» ، وليس فيه:«وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ» (1)،
(1) رواه أحمد (1718)، وأبو داود (1425)، والترمذي (464)، والنسائي (1745)، وابن ماجه (1178)، من طريق بريد بن أبي مريم، عن أبي الحوراء، عن الحسن، وصححه الحاكم، وابن عبد البر، والدارقطني، والبيهقي، والنووي، وابن الملقن، والألباني، وحسنه الترمذي.
وضعَّف ابن حزم الحديث، ولم يذكر له علّة، ولا يُعرف له موافق على تضعيفه.
وضعَّف ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما زيادة: (في قنوت الوتر) فقط، وذلك أن شعبة رواه عن بريد بن أبي مريم عند أحمد (1723) ولم يذكرها، والذي ذكر هذه الزيادة عن بريد: أبو إسحاق السبيعي، وابنه يونس، قال ابن حبان:(ورواه شعبة، وهو أحفظ من مائتين مثل أبي إسحاق وابنيه، فلم يذكر فيه القنوت ولا الوتر، وإنما قال: كان يعلمنا هذا الدعاء).
وأجيب عن ذلك: أن أبا إسحاق وابنه تابعهما الحسن بن عبيد الله عند ابن الأعرابي في المعجم (2344)، والعلاء بن صالح عند البيهقي في الدعوات الكبير (431)، ويؤيد ثبوت هذه اللفظة، أن شعبة قد روى حديث الحسن هذا مقطعاً، فقد رواه قطعة منه عند النسائي (5711)، وشعبة قد يختصر المتون كما ذكر البخاري في حديث السعاية قال:(اختصره شعبة)، قال الحافظ:(وكأنه جواب عن سؤال مقدر، وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث قتادة، فكيف لم يذكر الاستسعاء، فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه ضعفاً؛ لأنه أورده مختصراً، وغيره ساقه بتمامه، والعدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد). ينظر: المحلى 3/ 61، الإلزامات للدارقطني ص 113، البدر المنير 3/ 630، التلخيص الحبير 1/ 603، فتح الباري 5/ 158، إرواء الغليل 2/ 172.
ورواه البيهقي وأثبتها فيه (1)، ورواه النسائي مختصراً، وفي آخرِه:«وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ» (2)،
(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَبِكَ مِنْكَ)، إظهاراً للعجزِ والانقطاعِ، (لَا نُحْصِي)، أي: لا نطيقُ، ولا نبلغُ ولا نُنهي، (ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)، اعترافٌ بالعجزِ عن الثَّناءِ، وردٌّ إلى المحيطِ علمُه بكلِّ شيءٍ جملةً وتفصيلاً، روى الخمسةُ عن عليٍّ:«أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ فِي آخِرِ وِتْرِهِ» ، رواته (3) ثقاتٌ (4)،
(1) السنن الكبرى (3138)، ورواه بهذه الزيادة أيضاً أبو داود (1425) وضعفها النووي ولم يبين العلة، قال ابن الملقن:(وقد أسلفت لك السند، ولم يظهر لي ضعفه)، وكذا صحح الزيادة ابن حجر، والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 457، البدر المنير 3/ 636، التلخيص الحبير 1/ 605، أصل صفة الصلاة 3/ 973.
(2)
رواه النسائي (1746)، بلفظ:«وصلى الله على النبي محمد» قال النووي: (بإسناد صحيح أو حسن)، وتعقبه ابن حجر فقال:(وليس كذلك، فإنه منقطع، فإنّ عبد الله بن علي، وهو ابن الحسين بن علي، لم يلحق الحسن بن علي)، ووافقه الألباني في إعلالها.
وثبتت الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت من آثار الصحابة: روى محمد بن نصر في مختصر قيام الليل (321) وغيره، من طرق أنّ أبا حليمة معاذاً القارئ - وهو من صغار الصحابة -:«كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت» ، وصحح إسناده الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 1/ 605، أصل صفة الصلاة 3/ 978.
(3)
وفي (أ) و (ب) و (ق): ورواته.
(4)
رواه أحمد (751)، وأبو داود (1427)، والترمذي (3566)، والنسائي (1747)، وابن ماجه (1179)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عمرو الفزاري، عن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن علي. قال الترمذي:(هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث حماد بن سلمة)، وصحح إسناده النووي، والألباني.
وقال شيخ الإسلام: (وروى الترمذي أنه كان يقول ذلك في وتره، لكن هذا فيه نظر)، ولعل مراده كون هذا الدعاء في قنوت الوتر محل نظر، وذلك أن العلماء يختلفون في محل هذا الدعاء في الوتر هل هو قبل السلام، أو بعد السلام، أو في قنوت الوتر. ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 563، مجموع الفتاوى 17/ 91، زاد المعاد 1/ 325، إرواء الغليل 2/ 175.
(اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ)؛ لحديثِ الحسنِ السابقِ، ولما روى الترمذي عن عمرَ:«الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّكَ» (1)، وزاد في التبصرةِ (2):(وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ)، واقتصر الأكثرون على الصَّلاةِ عليه صلى الله عليه وسلم.
(وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ) إذا فَرَغ مِن دعائِه هنا وخارِجَ الصَّلاةِ؛ لقولِ عمرَ: «كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا
(1) رواه الترمذي (486)، وفيه أبو قرة الأسدي، قال في الميزان:(مجهول)، وقال السخاوي:(وفي سنده من لا يعرف)، وللأثر شاهد من قول علي:«كل دعاء محجوب حتى يصلى على محمد وآل محمد صلى الله عليه وسلم» رواه الطبراني في الأوسط (721)، وفيه ضعف أيضاً، وله شواهد أخرى يتقوى بها، ولذا جزم شيخ الإسلام بنسبته إلى عمر وعلي، وقال ابن العربي وتبعه السخاوي:(ومثل هذا لا يُقال من قبل الرأي، فيكون له حكم الرفع). ينظر: فتح الباري 11/ 164، القول البديع ص 223، السلسلة الصحيحة 5/ 54.
(2)
التبصرة لأبي محمد بن أبي الفتح الحلواني، ولم يطبع. ينظر: الفروع 2/ 365، والإنصاف 2/ 171.
حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ» رواه الترمذي (1).
ويقولُ الإمامُ: (اللهمَّ اهدِنا
…
) إلى آخرِه، ويُؤمِّنُ مأمومٌ إنْ سمِعَه.
(1) رواه الترمذي (3386)، من طريق حماد بن عيسى، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر، قال الترمذي:(هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرد به)، وحماد بن عيسى ضعيف، قال يحيى بن معين:(هذا حديث منكر)، وقال أبو زرعة:(هذا حديث منكر، أخاف أن لا يكون له أصل)، وضعفه البيهقي، وابن الجوزي، والنووي، والألباني، وصححه ابن السكن، وأنكروا ذلك عليه، ورمز السيوطي بتحسينه، ووافقه المناوي.
وللحديث شواهد ضعيفة، كحديث السائب بن يزيد عند أبي داود (1492)، وفيه مجهول وضعيف، وحديث ابن عباس عند أبي داود (1485)، قال أبو حاتم عن الحديث:(منكر)، ومرسل الزهري عند عبد الرزاق (3234).
وأنكر مالك المسح بعد الدعاء، وسئل عنه ابن المبارك فقال:(كره ذلك سفيان)، وقال محمد بن نصر:(ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث، وأما أحمد بن حنبل فحدثني أبو داود قال: سمعت أحمد، وسئل عن الرجل يمسح وجهه بيديه إذا فرغ في الوتر؟ فقال: لم أسمع فيه بشيء، ورأيت أحمد لا يفعله).
قال البيهقي: (فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة).
وتُعُقِّب كلام البيهقي بما قاله عبد الله بن الإمام أحمد: (سئل أبي وأنا أسمع: عن رفع الأيدي في القنوت يمسح بها وجهه؟ قال: الحسن يروى عنه أنه كان يمسح بها وجهه في دعائه اذا دعا)، وذكر عبد الرزاق عن شيخه معمر: أنه كان يفعله، لذا قال عبد الله بن الإمام أحمد بعد أن سأل أباه عن رفع اليدين في القنوت:(قلت لأبي: يمسح بهما وجهه؟ قال: أرجو أن لا يكون به بأس، قال عبد الله: لم أر أبي يمسح بهما وجهه)، قال ابن القيم:(سهّل أبو عبد الله في ذلك)، فأحمد لم يفعله، وجوَّز فعله ولم يستحبه. ينظر: مختصر قيام الليل ص 327، مسائل عبد الله ص 95، السنن الكبرى للبيهقي 2/ 300، البدر المنير 3/ 640، إرواء الغليل 2/ 178.
(وَيُكْرَهُ قُنُوتُهُ فِي غَيْرِ الوِتْرِ)، عن ابنِ مسعودٍ (1)، وابنِ عباسٍ (2)، وابنِ عمرَ (3)، وأبي الدرداءِ (4) رضي الله عنهم، روى (5) الدارقطني عن سعيدِ بنِ جبيرٍ قال: أشهد أني سمعتُ ابنَ عباسٍ يقولُ: «إِنَّ القُنُوتَ فِي صَلَاةِ الفَجْرِ بِدْعَةٌ» (6)، (إِلَّا أَنْ يَنْزِلَ (7) بِالمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ) مِن شدائدِ الدَّهرِ، (غَيْرَ الطَّاعُونَ، فَيَقْنُتُ الإِمَامُ) الأعظمُ استحباباً
(1) رواه الطحاوي (1506)، والطبراني في الكبير (9165) عن الأسود بن يزيد قال:«كان ابن مسعود رضي الله عنه لا يقنت في شيء من الصلوات إلا الوتر فإنه كان يقنت قبل الركعة» ، حسن إسناده الهثيمي، وصححه ابن حجر والألباني. ينظر: مجمع الزوائد 2/ 164، الدراية 1/ 193، الإرواء 2/ 166.
(2)
رواه عبد الرزاق (4953)، وابن أبي شيبة (6995)، والطحاوي (1502)، من طريق مجاهد وسعيد بن جبير:«أن ابن عباس كان لا يقنت في صلاة الفجر» ، وصحح إسناده ابن التركماني، والألباني. ينظر: الجوهر النقي 2/ 205، السلسلة الضعيفة 12/ 148.
(3)
رواه مالك (548)، عن نافع:«أنّ عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة» ، وإسناده صحيح.
(4)
رواه الطبري في تهذيب الآثار (655)، والطحاوي (1509)، من طرق عن الحارث العُكلي عن علقمة قال: سألت أبا الدرداء عن القنوت في الصلاة، فقال:«لا تقنت في صلاة الصبح» ، وهو صحيح عنه.
(5)
في (ب): وروى.
(6)
رواه الدارقطني (1704)، والبيهقي (3159)، من طريق عبد الله بن ميسرة أبي ليلى، عن إبراهيم بن أبي حرة، عن سعيد بن جبير به، وقال البيهقى:(لا يصح، وأبو ليلى الكوفي متروك، وقد روينا عن ابن عباس: أنه قنت في صلاة الصبح).
(7)
في (أ) و (ب) و (ق): تنزل.
(فِي الفَرَائِضِ) غيرِ الجمعةِ، ويجهرُ به في الجهريةِ.
ومَن ائتمَّ بقانتٍ في فجرٍ (1) تابَع الإمامَ وأمَّن.
ويقولُ بعدَ وترِه: سُبحانَ الملكِ القدُّوسِ، ثلاثاً، ويَمدُّ بها صوتَه في الثالثةِ (2).
(وَالتَّرَاوِيحُ) سنةٌ مؤكدةٌ، سمِّيت بذلك؛ لأنَّهم يُصلُّون أربعَ ركعاتٍ، ويَتروَّحون ساعةً، أي: يَستريحون، (عِشْرُونَ رَكْعَةً)؛ لما روى أبو بكرٍ عبدُ العزيزِ في الشافي عن ابنِ عباسٍ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً» (3)،
(1) في (ب): الفجر.
(2)
رواه أبو داود (1430)، والنسائي (1699)، وابن حبان (2450)، من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم في الوتر قال: سبحان الملك القدوس» ، وفي رواية النسائي:«ثلاث مرات يطيل في آخرهن» ، صححه ابن حبان، وعبد الحق الأشبيلي، وابن القطان، والنووي، والألباني.
ورواه أحمد (15354)، والحاكم (1009)، من طريق سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه مرفوعاً دون ذكر أبي بن كعب، قال الحاكم:(عبد الرحمن بن أبزى ممن صح عندنا أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، إلا أن أكثر روايته عن أبي بن كعب والصحابة، وهذا الإسناد صحيح على شرط الشيخين)، وصححه الذهبي. ينظر: بيان الوهم 5/ 352، خلاصة الأحكام 1/ 563، صحيح أبي داود 5/ 173.
(3)
رواه ابن أبي شيبة (7692)، والطبراني (12102)، والبيهقي (4286)، وغيرهم، من طريق إبراهيم بن عثمان، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس. قال البيهقي:(تفرد به أبو شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي، وهو ضعيف)، قال الزيلعي عن إبراهيم هذا:(متفق على ضعفه)، وضعَّف الحديث أيضاً ابن عدي، والنووي، وابن حجر، وعدَّه الذهبي من مناكيره، وحكم عليه الألباني بالوضع. ينظر: الكامل لابن عدي 1/ 391، خلاصة الأحكام 1/ 579، ميزان الاعتدال 1/ 48، فتح الباري 4/ 254، إرواء الغليل، 2/ 191.
(تُفْعَلُ) ركعتين ركعتين (فِي جَمَاعَةٍ مَعَ الوِتْرِ) بالمسجدِ أوَّلَ اللَّيلِ (بَعْدَ العِشَاءِ)، والأفضلُ: وسُنَّتِها، (فِي رَمَضَانَ)؛ لما في الصحيحين مِن حديثِ عائشةَ: أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلَّوها معه، ثم تأخَّر وصلَّى في بيتِه باقي الشَّهرِ، وقال:«إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا» (1)، وفي البخاري:«أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَي بِنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِم التَّرَاوِيحَ» (2)، وروى (3) أحمدُ، وصحَّحه الترمذي (4): «مَنْ (5)
قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ» (6)
(1) رواه البخاري (924)، ومسلم (761).
(2)
رواه البخاري (2010).
(3)
في (ح): ورواه.
(4)
في (ح): والترمذي وصححه.
(5)
في (ح): ومن ..
(6)
رواه أحمد (21419)، وأبو داود (1375)، والترمذي (806)، والنسائي (1605)، وابن ماجه (1327)، وابن خزيمة (2206)، وابن حبان (2547)، من طريق الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر الغفاري، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والنووي، والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 576، إرواء الغليل 2/ 193.
(وَيُوتِرُ المُتَهَجِّدُ)، أي: الذي له صلاةٌ بعدَ أن يَنامَ، (بَعْدَهُ)، أي: بعدَ تهجُّدِه؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً» متفقٌ عليه (1).
(فَإِنْ تَبِعَ إِمَامَهُ) فأَوْتر معه، أو أَوْتر مُنفرِداً ثم أراد التهجُّدَ؛ لم يَنْقُضْ وِتْرَه، وصلَّى ولم يوتِرْ. (2) وإن (شَفَعَهُ بِرَكْعَةٍ)، أي: ضَمَّ لوِتْرِه الذي تَبِع إمامَه فيه ركعةً؛ جاز، وتحصلُ له فضيلةُ متابعةِ إمامِه، وجَعْلِ وِتْرِه آخرَ صلاتِه.
(وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَيْنَهَا)، أي: بينَ التراويحِ، روى الأثرمُ عن أبي الدرداءِ: أنَّه أبْصَر قوماً يُصلَّون بينَ التراويحِ، فقال:«مَا هَذِهِ الصَّلَاة؟ أَتُصَلِّي وَإِمَامُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ؟ لَيْسَ مِنَّا مَنْ رَغِبَ عَنَّا» (3).
(1) رواه البخاري (998)، ومسلم (751)، من حديث ابن عمر.
(2)
سقط من الأصل من قوله: (وإن شفعه بركعة) إلى قوله في باب صلاة أهل الأعذار: (أو مأموماً، أو صلاهما خلف إمامين، أو من لم يجمع؛ صح. فصل: وصلاة الخوف
…
)، وجعلنا مكان الأصل نسخة (ح).
(3)
ذكر ابن عبد البر في التمهيد (8/ 118) إسناد الأثرم، وهو من طريق راشد بن سعد، عن أبي الدرداء، قال الحافظ:(وفي روايته عن أبي الدرداء نظر)، إلا أن أحمد احتج به، قال الأثرم:(وسمعت أحمد بن حنبل يسأل عن الصلاة بين التراويح، فكرهها، فذكر له في ذلك رخصة عن بعض الصحابة، فقال: هذا باطل، وإنما فيه رخصة عن الحسن، وسعيد بن جبير، وإبراهيم)، ثم قال:(قال أحمد: وفيه عن ثلاثة من الصحابة كراهيته؛ عبادة بن الصامت، وعقبة بن عامر، وأبو الدرداء)، وقال أحمد في مسائل صالح:(لا يتطوع بين التراويح، يروى عن عقبة بن عامر، وعبادة بن الصامت، وأبي الدرداء، يرويه عيسى بن يونس عن ثور عن راشد بن سعد: أن أبا الدرداء كان يكره الصلاة بين التراويح). ينظر: مسائل أحمد برواية صالح 3/ 44، تهذيب التهذيب 3/ 226.
و (لَا) يُكره (التَّعْقِيبُ)، وهو الصَّلاةُ (بَعْدَهَا)، أي: بعدَ التراويحِ والوترِ (فِي جَمَاعَةٍ)؛ لقولِ أنسٍ: «لَا تَرْجعُونَ إِلَّا لِخَيْرٍ تَرْجونَهُ» (1).
وكذا لا يُكره الطَّوافُ بينَ التراويحِ.
ولا يُستحبُّ للإمامِ الزيادةُ على ختمةٍ في التراويحِ إلا أن يُؤثِروا زيادةً على ذلك.
ولا يُستحبُّ لهم أن يَنقصوا عن ختمةٍ (2)؛ ليحوزوا فضلَها.
(ثُمَّ) يلي الوترَ في الفضيلةِ: (السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ) التي تُفعلُ مع الفرائضِ، وهي عشرُ ركعاتٍ:(رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي
(1) رواه ابن أبي شيبة (7733)، من طريق سعيد، عن قتادة، عن أنس، وإسناده صحيح.
(2)
قوله: (في التراويح إلا أن يُؤثروا زيادةً على ذلك، ولا يُستحب لهم أن ينقصوا عن ختمة) سقطت من (ب).
بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ، كَانَتْ (1) سَاعَةً لَا يُدْخَلُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهَا، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ: أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَذَّنَ المُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ» متفق عليه (2).
(وَهُمَا) أي: ركعتَا الفجرِ (آكَدُهَا)، أي: أفضلُ الرَّواتِبِ؛ لقولِ عائشةَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُداً مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الفَجْرِ» متفقٌ عليه (3)، فيُخيَّرُ فيما عداهما، وعدا وترٍ سفراً.
ويُسنُّ تخفيفُهما، واضطجاعٌ بعدَهما على الأيمنِ، ويقرأُ في الأولى بعدَ الفاتحةِ:(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)[الكافرون: 1]، وفي الثانيةِ:(قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)[الإخلاص: 1]، أو يقرأُ في الأُولى:(قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ) الآية [البقرة: 136]، وفي الثانيةِ:(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سواء) الآية [آل عمران: 64].
ويلي ركعتي الفجرِ ركعتَا المغربِ، ويُسنُّ أنْ يَقرأ فيهما بالكافرين (4) والإخلاصِ.
(وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا)، أي: مِن الرَّواتبِ؛ (سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهُ)
(1) في (ب): صلاة الصبح كان.
(2)
رواه البخاري (1180)، ومسلم (729) بنحوه.
(3)
رواه البخاري (1169)، ومسلم (724).
(4)
في (ق): بالكافرون.
كالوترِ؛ «لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَضَى رَكْعَتَيْ الفَجْرِ مَعَ الفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْهُمَا» (1)، «وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ بَعْدَ العَصْرِ» (2)، وقِيس الباقي، وقال:«مَنْ نَامَ عَنِ الوِتْرِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إِذَا أَصْبَحَ أَوْ ذَكَرَهُ» رواه الترمذي (3)،
لكن ما فات مع فَرْضِه وكَثُر فالأَوْلى
(1) رواه مسلم (681)، من حديث أبي قتادة الطويل، وفيه:«ثم أذَّن بلال بالصلاة، فصلَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم صلّى الغداة، فصنع كما كان يصنع كل يوم» ، ونحوه من حديث أبي هريرة عند مسلم (680).
(2)
رواه البخاري (1233)، ومسلم (834)، من حديث أم سلمة، وفيه:«يا بنت أبي أمية سألتِ عن الركعتين بعد العصر، إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر، فهما هاتان» ، وروى مسلم (835) بنحوه من حديث عائشة.
(3)
رواه الترمذي (465)، ورواه أحمد (11264)، وأبو داود (1431)، وابن ماجه (1188)، من طريق زيد بن أسلم عن أبي سعيد الخدري. صححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، وصححه النووي، والألباني.
وأعلَّه ابن القيم بثلاث علل: الأولى: أنه من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وهو ضعيف، وجواب ذلك: أن محمد بن مطرف تابعه عند أبي داود (1431)، وهو ثقة. الثانية: أن الصحيح فيه أنه مرسل؛ لأن عبد الله بن زيد أخو عبد الرحمن أوثق من عبد الرحمن، وقد رواه عن أبيه زيد مرسلاً، وبين الترمذي والبغوي أن روايته المرسلة هذه أصح من رواية عبد الرحمن. وجواب ذلك: أن عبد الله وإن كان أحسن حالاً من عبد الرحمن إلا أنه صدوق فيه لين، ومحمد بن مطرف ثقة، فروايته منفرداً أصح من رواية عبد الله، فكيف ومعه عبد الرحمن. الثالثة: أن ابن ماجه بعد أن روى الحديث روى حديث أبي سعيد الآخر: «أوتروا قبل أن تصبحوا» ، ثم قال:(قال محمد بن يحيى: في هذا الحديث دليل على أن حديث عبد الرحمن واه)، جوابه: أنه لا يعارض الحديث المذكور، فيحمل على عدم العذر، وحديثنا يحمل على العذر، خصوصاً وقد جاء ذلك عن جماعة من الصحابة كعلي وابن عمر وغيرهما. ينظر: شرح السنة 4/ 88، زاد المعاد 1/ 313، خلاصة الأحكام 1/ 561، صحيح أبي داود 5/ 175.
ترْكُه، إلا سنَّةَ فجرٍ.
ووقْتُ كلِّ سنةٍ قبلَ الصَّلاةِ: مِن دخولِ وقتِها إلى فِعلِها، وكلِّ سنةٍ بعدَ الصَّلاةِ: مِن فِعلِها إلى خروجِ وقتِها، فسنةُ فجرٍ وظهرٍ الأَوَّلَةِ (1) بعدَهما قضاءً.
والسُّننُ غيرُ الرَّواتِبِ عِشرون: أربعٌ قبلَ الظُّهرِ، وأربعٌ بعدَها، وأربعٌ قبلَ العصرِ، وأربعٌ بعدَ المغربِ، وأربعٌ بعدَ العشاءِ غيرُ السُّننِ، قال جمعٌ (2):(يُحافِظُ عليها).
وتُباحُ ركعتان بعدَ أذانِ المغربِ.
(وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ النَّهَارِ)؛ لقولِه عليه السلام: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ المَكْتُوبَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» رواه مسلمٌ عن أبي هريرةَ (3)، فالتَّطوعُ المطلقُ أفضلُه صلاةُ اللَّيلِ؛ لأنَّها أبْلَغُ في الإسرارِ، وأقربُ إلى الإخلاصِ، (وَأَفْضَلُهَا)، أي: الصَّلاةِ، (ثُلُثُ اللَّيْلِ بَعْدَ نِصْفِهِ)
(1) قال في لسان العرب (11/ 719): (حكى ثعلب: هنَّ الأَوَّلاتُ دخولاً والآخرات خروجاً، واحدتها: الأَوَّلَة وَالآخِرَةُ، ثم قال: ليس هذا أصل الباب، وإنما أصل الباب: الأوَّل والأُولى، كالأطْوَل والطُّولى).
(2)
منهم: الشارح ابن أبي عمر، وابن عبيدان. ينظر: كشاف القناع 1/ 424.
(3)
رواه مسلم (1163).
مطلقاً؛ لما في الصحيحِ مرفوعاً: «أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُدَ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَيَقُومُ ثُلُثَهُ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ» (1).
ويُسنُّ قيامُ اللَّيلِ وافتتاحُه بركعتين خَفيفتين.
ووقتُه: مِن الغُروبِ إلى طلوعِ الفجرِ.
ولا يَقومُه كلَّه إلا ليلةَ عيدٍ، ويَتوجَّه: وليلةَ النِّصفِ مِن شعبانَ.
(وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى مَثْنَى)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى» رواه الخمسةُ، وصحَّحه البخاري (2)،
و(مَثْنَى): معدولٌ
(1) رواه البخاري (1131)، ومسلم (1159)، من حديث عبد الله بن عمرو.
(2)
رواه أحمد (4791)، وأبو داود (1295)، والترمذي (597)، والنسائي (1666)، وابن ماجه (1322)، من طريق علي بن عبد الله البارقي الأزدي، عن ابن عمر مرفوعاً، وقد تفرد البارقي بزيادة:(النَّهار) في الحديث عن باقي أصحاب ابن عمر، قال أحمد:(قد رواه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من خمسة عشر رجلاً من أصحاب ابن عمر، ولم يذكروا: «النهار»)، وليس البارقي بمثل نافع، وعبد الله بن دينار، وسالم، والقاسم، وطاوس، ومجاهد، وغيرهم ممن لم يذكرها، ولذا عدّها جماعة من الحفاظ غلطاً ووهماً من البارقي، منهم: يحيى بن معين، والترمذي، والنسائي، والحاكم في علوم الحديث، والدارقطني، والطحاوي، والعقيلي، وشيخ الإسلام، وابن القيم وغيرهم، كما أعلّوها بمخالفتها للثابت عن ابن عمر عند ابن أبي شيبة (6635):«أنه كان يصلي بالنهار أربعاً أربعاً» ، قال يحيى بن معين:(ومَنْ علي الأزدي حتى أقبل منه هذا؟ ! ، أدع يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع عن بن عمر: أنه كان يتطوع بالنهار أربعاً لا يفصل بينهن، وآخذ بحديث علي الأزدي! لو كان حديث علي الأزدي صحيحاً لم يخالفه بن عمر).
وصحح زيادة (النهار): البخاري، والشافعي، وابن خزيمة، وابن حبان، والبيهقي، والخطابي، والنووي، والألباني، ولم يعدوها من الشاذ، قال البيهقي:(وعلي البارقي احتج به مسلم، والزيادة من الثقة مقبولة)، وذكروا لهذه الزياد متابعات وشواهد لم يرتضها من ضعفه، وأجاب البيهقي عن توهين رواية البارقي بالوارد عن ابن عمر، فقال:(ولا يجوز توهين رواية علي البارقي برواية من روى عن ابن عمر أنه: صلى بالنهار أربعاً لا يفصل بينهن بسلام؛ لجواز الأمرين عند من يحتج بحديث علي البارقي).
وأما قول أحمد في الحديث فمختلِف؛ ذُكر عنه تصحيحه له، وذُكر عنه تضعيفه، وذُكر عنه توقفه فيه، كما بين ذلك ابن رجب. ينظر: شرح معاني الآثار 1/ 334، الاستذكار 2/ 109، معرفة السنن والآثار 4/ 26، خلاصة الأحكام 1/ 553، البدر المنير 4/ 357، التلخيص الحبير 2/ 55، نصب الراية 2/ 143، صحيح أبي داود 5/ 39.
عن (1) اثنين اثنين، ومعناه معنى المكرَّرُ، وتكريرُه لتوكيدِ اللَّفظِ لا للمعنى.
وكَثْرةُ ركوعٍ وسجودٍ أفضلُ مِن طولِ قِيامٍ فيما لم يَرِد تطويلُه.
(وَإِنْ تَطَوَّعَ فِي النَّهَارِ بِأَرْبَعٍ) بتشهدين (كَالظُّهْرِ؛ فَلَا بَأْسَ)؛ لما روى أبو داودَ وابنُ ماجه عن أبي أيوبٍ: «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيم» (2)، وإن لم يَجلِسْ إلّا في
(1) في (أ): على.
(2)
رواه أبو داود (1270)، وابن ماجه (1157)، ورواه أحمد أيضاً (23532)، قال النووي:(ضعّفه يحيى القطان، وأبو داود، والحفّاظ، ومداره على عبيدة بن معتب، وهو ضعيف بالاتفاق، سيء الحفظ)، وقال الدارقطني عن الحديث:(وفيه كلام)، وضعّف الحديث أبو حاتم، وابن خزيمة، والبيهقي، والألباني. ينظر: علل الحديث 2/ 295، علل الدارقطني 6/ 130، خلاصة الأحكام 1/ 538، نصب الراية 2/ 142، صحيح أبي داود 5/ 11.
آخرِهِنَّ فقد تَرَك الأَوْلى، ويَقرأُ في كلِّ ركعةٍ مع الفاتحةِ سورةً.
وإن زاد على ثنتين ليلاً، أو أربعٍ نهاراً - ولو جاوز ثمانياً - بسلامٍ واحدٍ؛ صحَّ، وكُره في غيرِ الوتر.
ويصحُّ تطوعٌ بركعةٍ ونحوها.
(وَأَجْرُ صَلَاةِ قَاعِدٍ) بلا عذرٍ (عَلَى نِصْفِ أَجْرِ صَلَاةِ قَائِمٍ)؛ لقولِه عليه السلام: «مَنْ صَلَّى قَائِماً فَهُوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِداً فَلَهُ أَجْرُ نِصْفِ (1) القَائِمِ» متفقٌ عليه (2).
ويُسنُّ تربُّعُه بمحَلِّ قيامٍ، وثَنيُ رجليه بركوعٍ وسجودٍ.
(وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى)؛ لقولِ أبي هريرةَ: «أَوْصَانِي خَلِيلِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِثَلَاثٍ: صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ» رواه أحمدُ ومسلمٌ (3)، وتُصلَّى في بعضِ الأيامِ دونَ بعضٍ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم لم يَكُن يُلازِمُ عليها.
(وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ)؛ لحديثِ أبي هريرةَ، (وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٌ)؛ لما روت أمُّ هانئ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتْحِ صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ
(1) في (أ) و (ب): نصف أجر.
(2)
رواه البخاري (1115)، من حديث عمران بن حصين، ولم نقف عليه في صحيح مسلم.
(3)
رواه أحمد (9917)، والبخاري (1178)، ومسلم (721).
الضُّحَى» رواه الجماعةُ (1).
(وَوَقْتُهَا: مِنْ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ)، أي: مِن ارتفاعِ الشَّمسِ قدْرَ رمحٍ (إِلَى قُبَيْلِ الزَّوَالِ)، أي: إلى دخولِ وقتِ النَّهي بقيامِ الشَّمسِ، وأفضلُه إذا اشتدَّ الحرُّ.
(وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ) والشكرِ (صَلَاةٌ)؛ لأنَّه سجودٌ يُقصَدُ به التَّقربُ إلى اللهِ، له تحريمٌ وتحليلٌ، فكان صلاةً كسجودِ الصَّلاةِ، فيُشترطُ له ما يُشترط لصلاةِ النافلةِ؛ مِن سَترِ العورةِ، واستقبالِ القبلةِ، والنيةِ وغيرِ ذلك.
(وَيُسَنُّ) سجودُ التِّلاوةِ (لِلقَارِئِ وَالمُسْتَمِعِ)، لقولِ ابنِ عمرَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعاً لِجَبْهَتِهِ» متفقٌ عليه (2)، وقال عمرُ:«إِنَّ اللهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ» رواه البخاري (3).
ويسجدُ في طوافٍ مع قِصَرِ فصلٍ، ويَتيممُ محدِثٌ بشرطِه، ويسجدُ مع قِصَرِه.
وإذا نسِيَ سجدةً لم يُعِد الآيةَ لأجلِه، ولا يسجدُ لهذا السَّهوِ.
(1) رواه أحمد (26896)، والبخاري (3171)، ومسلم (336)، وأبو داود (1290)، والترمذي (474)، والنسائي (225)، وابن ماجه (1323).
(2)
رواه البخاري (1076)، ومسلم (575).
(3)
رواه البخاري (1077).
ويكرِّرُ السُّجودَ بتَكرارِ التِّلاوةِ؛ كركعتي الطَّوافِ، قال في الفروعِ:(وكذا يَتوجَّه في تحيةِ المسجدِ إن تكرَّر دخولَه) انتهى (1)، ومرادُه غيرُ قَيِّمِ المسجدِ.
(دُونَ السَّامِعِ) الذي لم يَقصِد الاستماعَ؛ لما روي أن عثمانَ بنَ عفانَ رضي الله عنه مرَّ بقاصٍّ يَقرأُ سجدةً ليسجدَ معه عثمانُ، فلم يسجدْ، وقال:«إِنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَع» (2)، ولأنَّه لا يُشاركُ القارئُ في الأجرِ، فلم يُشاركْه في السُّجودِ.
(وَإِنْ لَمْ يَسْجُدِ القَارِئُ)، أو كان لا يَصلُحُ إماماً للمستمعِ؛ (لَمْ يَسْجُدْ)؛ لأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أتى إلى نفرٍ مِن أصحابِه، فقرأ رجلٌ منهم سجدةً، ثم نَظَر إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقال:«إِنَّكَ كُنْتَ إِمَامَنَا وَلَوْ سَجَدْتَ سَجَدْنَا» رواه الشافعي في مسندِه مُرسلاً (3).
ولا يسجدُ المستمعُ قُدَّامَ القارئِ، ولا عن يسارِه مع خلوِّ يمينِه،
(1) الفروع لابن مفلح (2/ 307).
(2)
ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم (2/ 41)، ووصله عبد الرزاق (5906)، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن عثمان. وصححه الحافظ في الفتح (2/ 558).
(3)
رواه الشافعي (ص 156)، عن إبراهيم بن محمد، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار مرسلاً، وإبراهيم هذا اتّهمه غير واحد، ورواه عبد الرزاق (5914)، والبيهقي (3770) من طرق أخرى عن عطاء بن يسار مرسلاً أيضاً، قال البيهقي:(والمحفوظ من حديث عطاء بن يسار مرسل)، وضعفه النووي، قال الحافظ:(رجاله ثقات إلا أنه مرسل)، ووافقه الألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 626، فتح الباري 2/ 556، إرواء الغليل 2/ 226.
ولا رجلٌ لتلاوةِ امرأةٍ، ويَسجدُ لتلاوةِ أمِّيٍّ وصبيٍّ.
(وَهُوَ)، أي: سجودُ التلاوةِ (أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً)، في الأعرافِ، والرعدِ، والنحلِ، وسبحانَ، ومريمَ، و (فِي الحَجِّ مِنْهَا ثِنْتَانِ (1)، والفرقانِ، والنملِ، و (ألم تنزيل)، وحم السجدةِ، والنجمِ، والانشقاقِ، و (اقرأ باسم ربك).
وسجدةُ (ص) سجدةُ شكرٍ.
ولا يُجزئُ ركوعُ ولا سجودُ الصَّلاةِ عن سجدةِ التلاوةِ.
(وَ) إذا أراد السُّجودَ فإنه (يُكَبِّرُ) تكبرتين: تكبيرةٌ (إِذَا سَجَدَ، وَ) تكبيرةٌ (إِذَا رَفَعَ)، سواءٌ كان في الصَّلاةِ أو خارِجَها، (وَيَجْلِسُ) إن لم يكن في الصَّلاةِ، (وَيُسَلِّمُ) وجوباً، ويُجزئُ واحدةً، (وَلَا يَتَشَهَّدُ)؛ كصلاةِ الجنازةِ.
ويرفعُ يديه إذا سَجَد ندباً ولو في صلاةٍ، وسجودٌ عن قيامٍ أفضلُ.
(وَيُكْرَهُ لِلإِمَامِ قِرَاءَةُ) آيةِ (سَجْدَةٍ فِي صَلَاةِ سِرٍّ، وَ) كُره (سُجُودُهُ)، أي: سجودُ الإمامِ للتلاوةِ (فِيهَا)، أي: في صلاةٍ سريةٍ كالظُّهرِ؛ لأنَّه إذا قرأها إمَّا أن يَسجدَ لها أَوْ لا، فإن لم يَسجدْ لها كان تاركاً للسنةِ، وإن سَجَد لها أوجب الإبهامَ والتخليطَ على المأمومِ.
(1) في (أ) و (ب): اثنتان.
(وَيَلْزَمُ المَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ فِي غَيْرِهَا)، أي: غيرِ الصَّلاةِ السريةِ، ولو مع ما يَمْنعُ السَّماعَ؛ كبُعْدٍ وطرشٍ (1)، ويُخيَّرُ في السرِّيةِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) في غيرِ صلاةٍ (سُجُودُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ، وَانْدِفَاعِ النِّقَمِ (2) مُطلقاً؛ لما روى أبو بكرةَ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِداً» رواه أبو داودَ وغيرُه، وصحَّحه الحاكمُ (3).
(وَتَبْطُلُ بِهِ)، أي: بسجودِ الشُّكرِ (صَلَاةُ غَيْرِ جَاهِلٍ وَنَاسٍ)؛ لأنَّه لا تعلُّقَ له بالصَّلاةِ، بخلافِ سجودِ التلاوةِ.
(1) في الصحاح (3/ 1009): (الطَرَش: أهون الصَمَم، يقال هو مولَّد).
(2)
قال في المطلع (ص 123): (النقم: بكسر النون وفتح القاف، وبفتح النون وكسر القاف، نحو كلمة وكَلِم، واحده نِقْمَة ونَقِمَة، كسدرة وعذرة، حكاه الجوهري بمعناه).
(3)
رواه أحمد (20455)، ورواه أبو داود (2774)، والترمذي (1578)، وابن ماجه (1394)، والحاكم في المستدرك (1025)، ومداره على بكار بن عبد العزيز عن أبيه، واختلف الحفاظ في بكار، قال في التقريب:(صدوق يهم)، وانتصر ابن القطان لتوثيقه، إلا أنه جعل علّة الحديث عبد العزيز والد بكار، فقال:(وإنما علّة الخبر أبوه عبد العزيز بن أبي بكرة، فإنه لا تعرف له حال)، ولم يرتض ذلك ابن حجر، وساق في التهذيب توثيق الأئمة له، قال في التقريب:(صدوق).
وللحديث شواهد يتقوى بها، قال الحاكم:(ولهذا الحديث شواهد يكثر ذكرها)، ذكرها البيهقي، وابن القيم، والألباني، ولذا صحّح الحديث الحاكم، والنووي، وابن القيم، والذهبي، وحسّنه الترمذي، والألباني. ينظر: بيان الوهم 3/ 281، تهذيب التهذيب 1/ 478، 6/ 332، زاد المعاد 3/ 511، إرواء الغليل 2/ 226.
وصفةُ سجودِ الشُّكرِ وأحكامُه كسجودِ التلاوةِ.
(وَأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ):
الأَوَّل: (مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا رَكْعَتَي الفَجْرِ» (1)،
احتجَّ به أحمدُ (2).
(1) رواه الطبراني في الأوسط (816)، من حديث أبي هريرة، قال الطبراني:(لم يروه عن يحيى بن سعيد إلا إسماعيل بن قيس، تفرّد به أحمد بن عبد الصمد)، وإسماعيل قال فيه البخاري والدارقطني:(منكر الحديث)، وبه أعلّه الهيثمي، وأحمد بن عبد الصمد قال فيه ابن حبان:(يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات)، فالإسناد ضعيف جداً.
وفي الباب شواهد صحّح بعض العلماء الحديثَ من أجلها، كالنووي، والألباني وغيرهما، وهو ظاهر صنيع البيهقي، ومنها:
حديث ابن عمر: وقد جاء من خمس طرق كلها ضعيفة جداً، وبعضها واه، إلا طريق واحدة عند أحمد (5811)، وأبي داود (1278)، والترمذي (419)، قال النووي:(إسناده جيد)، إلا أن فيه أيوب بن حصين وهو مجهول، ولذا ضعفه الترمذي، والذهبي، وابن القطان، والألباني.
حديث عبد الله بن عمرو عند الدارقطني (965)، والبيهقي (4128)، وفيه عبد الرحمن بن زياد الأفريقي وهو ضعيف، قال البيهقي:(في إسناده من لا يحتج به).
حديث عمرو بن عبسة عند أحمد (19435)، بإسنادين ضعيفين.
مرسل سعيد بن المسيب عند البيهقي (4130)، وهو صحيح الإسناد إليه، وهذا أمثل الشواهد، إذ مراسيل سعيد من أقوى المراسيل، ولذا قال ابن القيم:(فإن ابن المسيب إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حجة)، وقال الألباني:(ومثله حجة عند جميع الأئمة؛ لأن المرسِل إمام ثقة). ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 270، البدر المنير 3/ 286، التلخيص الحبير 1/ 482، إرواء الغليل 2/ 232.
(2)
ذكر الزركشي في شرح مختصر الخرقي (2/ 56)، أن أحمد احتج به في رواية صالح، ولم نجد احتجاجه بالحديث، وإنما وجدنا قوله:(فإذا صليت العشاء فتطوع ما بدا لك إلى أن يطلع الفجر، فإذا طلع واعترض فهو وقت صلاة الفجر، فإذا صليت الفجر فلا تطَّوَّع بشيء حتى تطلع الشمس وتكون قيد رمح أو رمحين). ينظر: مسائل أحمد برواية صالح 2/ 174.
(وَ) الثاني: (مِنْ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ) بكسرِ القاف، أي: قَدْرَ (رُمْحٍ) في رأي العينِ.
(وَ) الثالثُ: (عِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ)؛ لقولِ عقبةَ بنِ عامرٍ: «ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ، وأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ، وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ» رواه مسلم (1)، وتَضيَّفُ بفتح المثناة فوقَ، أي: تميلُ.
(وَ) الرابعُ: (مِنْ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِهَا)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَا صَلَاةَ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ» متفقٌ عليه عن أبي سعيدٍ (2)، والاعتبارُ بالفراغِ منها لا بالشروعِ، ولو فُعلت في وقتِ الظُّهرِ جمعاً، لكن تُفعلُ سنَّةُ ظهرٍ بعدَها.
(وَ) الخامسُ: (إِذَا شَرَعَتِ) الشَّمسُ (فِيهِ)، أي: في الغروبِ (حَتَّى يَتِمَّ)؛ لما تقدَّم.
(1) رواه مسلم (831).
(2)
رواه البخاري (1197)، ومسلم (827).
(وَيَجُوزُ قَضَاءُ الفَرَائِضِ فِيهَا)، أي: في أوقاتِ النَّهي كلِّها؛ لعمومِ قولِه عليه السلام: «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» متفقٌ عليه (1).
ويجوزُ أيضاً فِعْلُ المنذورةِ فيها؛ لأنَّها صلاةٌ واجبةٌ.
(وَ) يجوزُ حتى (فِي الأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ) القصيرةِ (فِعْلُ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لَا تَمْنَعُوا أَحَداً طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ فِي أَيِّ (2) سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ» رواه الترمذي وصحَّحه (3).
(و) تجوزُ فيها (إِعَادَةُ جَمَاعَةٍ) أقيمت وهو بالمسجدِ؛ لما روى يزيدُ بنُ الأسودِ، قال: صلَّيت مع النَّبي صلى الله عليه وسلم صلاةَ الفجرِ، فلَّما قضى صلاتَه إذا هو برجلين لم يصلِّيَا معه، فقال:«مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟ » ، فقالا: يا رسولَ اللهِ قد صلينا في رحالِنا، قال (4): «لَا تَفْعَلَا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا
(1) رواه البخاري (597)، ومسلم (684)، من حديث أنس بلفظ:«من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها» ، وهذا لفظ مسلم.
(2)
في (ق): أي: في أي.
(3)
رواه الترمذي (868)، ورواه أحمد (16736)، وأبو داود (1894)، والنسائي (2924)، من طريق عبد الله بن باباه عن جبير بن مطعم. قال الترمذي:(حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والذهبي، والنووي، وابن الملقن، والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 1/ 272، البدر المنير 3/ 279، صحيح أبي داود 6/ 143.
(4)
في (ب): فقال.
مَعَهُمْ، فَإِنَّها لَكُمَا نَافِلَةٌ» رواه الترمذي وصحَّحه (1)، فإنْ وجَدَهم يُصلُّون لم يُستحب الدُّخولُ.
وتجوزُ (2) الصلاةُ على الجنازةِ بعدَ الفجرِ والعصرِ دونَ بقيةِ الأوقاتِ، ما لم يُخَف عليها.
(وَيَحْرُمُ تَطَوُّعٌ بِغَيْرِهَا)، أي: غيرِ المتقدماتِ، مِن (3) إعادةِ جماعةٍ، وركعَتَي طوافٍ، وركعَتَي فجرٍ قبلَها (فِي شَيْءٍ مِنَ الأَوْقَاتِ الخَمْسَةِ، حَتَّى مَا لَهُ سَبَبٌ)؛ كتحيةِ مسجدٍ، وسنةِ وضوءٍ، وسجدةِ تلاوةٍ، وصلاةٍ على قبرٍ أو غائبٍ، وصلاةِ كسوفٍ، وقضاءِ راتبةٍ سِوى سنةِ ظهرٍ بعدَ العصرِ المجموعةِ إليها.
(1) رواه الترمذي (219)، ورواه أحمد (17474)، وأبو داود (575)، والنسائي (858)، بألفاظ متقاربة من طريق يعلى بن عطاء، عن جابر بن يزيد بن الأسود، عن أبيه، قال الترمذي:(هذا حديث حسن صحيح)، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، وابن السكن، والنووي، وابن الملقن، والألباني.
وطعن فيه الشافعي في القديم فقال: (هذا إسناد مجهول)، قال البيهقي:(وإنما قال هذا؛ لأن يزيد بن الأسود ليس له راو غير ابنه، ولا لجابر راو غير يعلى، ويعلى لم يحتج به بعض الحفاظ)، ثم قال:(وكان يحيى بن معين وجماعة من الأئمة يوثقونه، وهذا الحديث له شواهد)، قال ابن حجر:(يعلى من رجال مسلم، وجابر وثَّقه النسائي وغيره، وقد وجدنا لجابر بن يزيد راوياً غير يعلى). ينظر: معرفة السنن والآثار 3/ 213، خلاصة الأحكام 1/ 272، البدر المنير 4/ 412، التلخيص الحبير 2/ 72، صحيح أبي داود 3/ 119.
(2)
في (ق): يجوز.
(3)
في (أ) و (ق): من نحو.
ولا يَنعقدُ النَّفلُ إنْ (1) ابتدأه في هذه الأوقاتِ ولو جاهِلاً، إلا تحيةَ مسجدٍ إذا دَخَله (2) حالَ خُطبةِ الجمعةِ، فتجوزُ مطلقاً.
ومكةُ وغيرُها في ذلك سَواءٌ.
(1) في (ب): إذا.
(2)
في (أ) و (ب) و (ق): دخل.