الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(غَسْلُ المَيِّتِ) المسلمِ، (وَتَكْفِينُهُ) فرضُ كفايةٍ؛ لقولِ النبي صلى الله عليه وسلم في الذي وَقَصَتْه راحلتُه:«اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ» متفق عليه عن ابن عباس (1).
(وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ) فرضُ كفايةٍ؛ لقوله عليه السلام: «صَلَّوْا عَلَى مَنْ قَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللهُ» رواه الخلالُ والدارقطني، وضعَّفه ابن الجوزي (2).
(وَدَفْنُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ)؛ لقوله تعالى: (ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ)
(1) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206).
(2)
لعلّه في المفقود من كتاب الجامع، ورواه الدارقطني (1761) وغيره، مِنْ طُرُقٍ عن ابن عمر مرفوعاً، كلّها شديدة الضعف، ولذا ضعّّف الحديث أبو حاتم، والدارقطني، والبيهقي، وابن الجوزي، وابن الملقن، والألباني، وغيرهم.
وقد روى الدارقطني معناه من حديث عليٍّ، وابن مسعود، وواثلة بن الأسقع، وأبي هريرة، وضعّفها كلها البيهقي، وابن الجوزي، وابن الملقن، والألباني، ونصّ الدارقطني على ضَعْف بعضها.
وأصحُّ هذه الأحاديث ما رواه أبو داود (2533)، والدارقطني (1764)، عن مكحول عن أبي هريرة مرفوعاً، قال الدارقطني:(مكحول لم يسمع أبا هريرة)، قال البيهقي عن هذه الأحاديث:(كلها ضعيفة غاية الضعف، وأصحّ ما روي في هذا الباب حديث مكحول عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو داود في كتاب السنن، إلا أن فيه إرسالاً كما ذكره الدارقطني). ينظر: علل الحديث 3/ 573، سنن الدارقطني 2/ 402، السنن الكبرى 4/ 29، العلل المتناهية 1/ 422، البدر المنير 4/ 463، الإرواء 2/ 306.
[عبس: 21]، قال ابنُ عباسٍ:«معناه: أكرَمَه بدَفْنِهِ» (1).
وحَمْلُهُ أيضاً فرضُ كفايةٍ، واتِّباعُه سنَّةٌ.
(وكَرِهَ الإمامُ للغاسِلِ والحفَّارِ أخذَ أُجرةٍ على عملِه، إلا أنْ يكونَ محتاجاً فيُعطى من بيتِ المالِ، فإنْ تعذَّر أُعْطِي بِقَدْر عملِه) قاله في المبدع (2).
والأفضلُ أنْ يُختارَ لتغسيلِه ثقةٌ عارفٌ بأحكامِه.
(وَأَوْلَى (3) النَّاسِ بِغُسْلِهِ: وَصِيُّهُ) العدلُ؛ لأنَّ أبا بكرٍ أَوْصَى أنْ تغسِّلَه امرأتُه أسماءُ (4)، وأوْصَى أنسٌ أنْ يغسِّلَه محمدُ بنُ
(1) لم نقف عليه.
(2)
(2/ 224).
(3)
في (أ) و (ع): فأولى.
(4)
رواه الحاكم (4409)، والبيهقي (6663)، من طريق محمد بن عمر الواقدي، ثنا محمد بن عبد الله بن أخي الزهري، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة. وفيه الواقدي، وهو متروك، ولذا ضعّفه الألباني. ينظر: إرواء الغليل 3/ 158.
قال البيهقي: (وهذا الحديث الموصول، وإن كان راويه محمد بن عمر الواقدي صاحب التاريخ والمغازي فليس بالقوي، وله شواهد مراسيل عن ابن أبي مليكة، وعن عطاء بن أبي رباح، وعن سعد بن إبراهيم أنَّ أسماء بنت عميس غَسَّلَت زوجها أبا بكر رضي الله عنه، وذكر بعضهم أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى بذلك)، وهذه كلها مراسيل، ومن تلك المراسيل أيضاً مرسل عبدالله بن شدَّاد عند ابن أبي شيبة (10969)، ومرسل أبي بكر بن حفص بن سعد عند عبدالرزاق (6124)، ومرسل عبدالله بن أبي بكر عند مالك (753)، ومرسل إبراهيم النخعي عند عبدالرزاق (6119)، فهذه المراسيل يتقوى بعضها ببعض، والله أعلم.
سيرينَ (1)، (ثُمَّ أَبُوهُ)؛ لاختصاصِه بالحُنُوِّ والشفقةِ، (ثُمَّ جَدُّهُ) وإنْ علا؛ لمشاركتِه الأبَ في المعنى، (ثُمَّ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ مِنْ عَصَبَاتِهِ)، فيُقدَّم الابنُ، ثم ابنُه وإنْ نزَلَ، ثم الأخُ لأبوين، ثم الأخُ لأبٍ، على ترتيبِ الميراثِ، (ثُمَّ ذَوُو أَرْحَامِهِ) كالميراثِ، ثم الأجانبُ.
وأجنبيٌّ أَوْلَى مِنْ زوجةٍ وأمةٍ، وأجنبيةٌ أَوْلَى مِنْ زوجٍ وسيدٍ، وزوجٌ أَوْلَى مِنْ سيدٍ، وزوجةٌ أَوْلَى مِنْ أمِّ ولدٍ.
(وَ) الأَوْلَى (بِ) غُسْلِ (أُنْثَى: وَصِيَّتُهَا) العدلُ، (ثُمَّ القُرْبَى فَالقُرْبَى مِنْ نِسَائِهَا)، فتُقدَّمُ أمُّها وإنْ عَلَت، ثم بنتُها وإنْ نزلت، ثم القُربَى كالميراثِ، وعمتُها وخالتُها سواءٌ، وكذا بنتُ أخيها وبنتُ أختها؛ لاستوائِهما في القُرْبِ والمَحْرَمِيَّة.
(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ (2) مِنَ الزَّوْجَيْنِ) إنْ لم تكنْ الزوجةُ ذميّةً (غَسْلُ صَاحِبِهِ)؛ لما تقدَّم عن أبي بكرٍ (3)، وروى ابنُ المنذرِ: أنَّ عليًّا غسَّل فاطمةَ (4)، ولأنَّ آثارَ النكاحِ مِنْ عِدَّةِ الوفاةِ والإرثِ باقيةٌ،
(1) رواه أحمد في العلل (215)، وابن سعد في الطبقات (7/ 19)، وهو صحيح، والله أعلم.
(2)
قوله: (واحد) غير موجودة في (ب).
(3)
تقدم قريباً صفحة .... الفقرة .....
(4)
ذكره ابن المنذر بدون إسناد محتجاً به (5/ 335)، ورواه عبد الرزاق (3/ 409)، والدارقطني (1851)، والحاكم (4769)، والبيهقي (6660)، من طُرُقٍ عن أم جعفر، زوجة محمد بن علي، قالت: حدثتني أسماء بنت عميس قالت: «غسَّلت أنا وعليٌّ فاطمةَ بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، وأم جعفر تابعية روى عنها ثلاثة، منهم ابنها عون بن محمد، ولم يوثّقها أحد، وقد حسَّن الحديث الجورقاني، وابن حجر، والألباني، وقال ابن حجر:(احتج بهذا الحديث أحمد وابن المنذر).
وأعلّه الذهبي وغيره، قال الذهبي:(هذا منكر، وابن نافع واهٍ)، وعبد الله بن نافع أحد رواته، وقد توبع، ولذا فالأثر من غير طريق ابن نافع. ينظر: الأباطيل والمناكير للجورقاني 2/ 82، تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 305، التلخيص الحبير 2/ 327، إرواء الغليل 3/ 162.
فكذا الغسلُ، ويَشْملُ ما قَبْلَ الدُّخولِ، وأنَّها تغسِّلُه وإن لم تكنْ في عِدَّة، كما لو وَلدَتْ عَقِبَ موتِه، والمطلَّقةَ الرَّجعيةَ إذا أُبيحَتْ.
(وَكَذَا سَيِّدٌ مَعَ سُرِّيَّتِهِ)، أي: أَمَتِه المباحةِ له، ولو أُمَّ ولدٍ.
(وَلِرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ غَسْلُ مَنْ لَهُ) دونَ (سَبْعِ سِنِينَ فَقَطْ)، ذكراً كان أو أنثى؛ لأنَّه لا عورةَ له، ولأنَّ إبراهيمَ بنَ النبي صلى الله عليه وسلم غسَّلَه النساءُ (1)، فتُغسِّلُه مُجَرَّداً بغيرِ سُترةٍ، وتَمسُّ عورتَه، وتنظرُ إليها.
(وَإِنْ مَاتَ رَجُلٌ بَيْنَ نِسْوَةٍ) ليس فيهنَّ زوجةٌ ولا أَمةٌ مباحةٌ له يُمِّمَ، (أَوْ عَكْسُهُ) بأنْ ماتت امرأةٌ بين رجالٍ ليس فيهم زوجٌ ولا سيَّدٌ
(1) رواه الزبير بن بكار في المنتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ص 58) بإسناده من طريق إسحاق بن إبراهيم بن عبد الله بن حارثة، وسعيد بن عبد الرحمن بن أيوب عن مشيختهم في قصة طويلة، وفيها: وتوفي إبراهيم في بني مازن عند أم بردة وهو ابن ثمانية عشر شهراً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن له مرضعة تتم رضاعه في الجنة» ، وغسلته أم بردة. والأثر معلول بإبهام هؤلاء المشيخة، وبالانقطاع، فإن إسحاق بن إبراهيم إنما له رواية عن أبيه وليس أبوه صحابياً، فالظاهر أن الرواية مرسلة. ينظر: الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/ 207.
لها؛ (يُمِّمَتْ، كَخُنْثَى مُشْكِلٍ) لمْ تحضُرْهُ أمَةٌ له فيُمِّمَ (1)؛ لأنَّه لا يحصُلُ بالغُسْلِ مِن غيرِ مسٍّ تنظيفٌ ولا إزالةُ نجاسةٍ، بل ربَّما كثُرتْ.
وعُلِم منه: أنَّه لا مدخلَ للرجالِ في غَسْلِ الأقاربِ مِنَ النساءِ، ولا بالعكسِ.
(وَيَحْرُمُ أَنْ يُغَسِّلَ مُسْلِمٌ كَافِراً)، وأنْ يحمِلَه، أو يُكَفِّنَه، أو يَتْبَعَ جنازتَه؛ كالصلاةِ عليه؛ لقوله تعالى:(لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَهُ عَلَيْهِمْ)[الممتحنة: 13]، (أَوْ يَدْفِنَهُ)؛ للآيةِ، (بَلْ يُوَارَى) وجوباً (لِعَدَمِ) مَنْ يواريه؛ لإلقاءِ قَتْلَى بدرٍ في القَليبِ (2).
ويُشترطُ لغسلِه: طَهوريةُ ماءٍ، وإباحتُه، وإسلامُ غاسلٍ، لا (3) نائباً عن مسلمٍ نواهُ وعَقلَه، ولو مميزاً، أو حائضاً، أو جنباً.
(وَإِذَا أَخَذَ)، أي: شَرَعَ (فِي غَسْلِهِ):
(سَتَرَ عَوْرَتَهُ) وجوباً، وهي ما بين سُرَّتِه وركبتِه.
(وَجَرَّدَهُ) ندباً؛ لأنَّه أَمْكَنُ في تغسيلِه، وأبلغُ في تطهيرِه،
(1) في و (ب) و (ح) و (ق): فييمم.
(2)
رواه البخاري (240)، ومسلم (1794)، من حديث ابن مسعود، وفيه:«لقد رأيت الذين سمى صرعى يوم بدر، ثم سحبوا إلى القليب قليب بدر» .
(3)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): إلا.
وغُسِّل صلى الله عليه وسلم في قميص (1)؛ لأنَّ فضلاتَه طاهرةٌ فلم يُخْشَ تنْجسُ قميصِه (2).
(وَسَتَرَهُ عَنِ العُيُونِ) تحت سِتْرٍ في خيمةٍ أو بيتٍ إن أمْكَنْ؛ لأنَّه أسترُ له.
(وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ مُعِينٍ فِي غَسْلِهِ حُضُورُهُ)؛ لأنَّه ربما كان في الميتِ ما لا يُحِبُّ اطلاعَ أحدٍ عليه، والحاجةُ غيرُ داعيةٍ إلى حضورِه، بخلافِ المُعِينِ.
(ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ)، أي: رأسَ الميتِ، غيرَ أنثى حاملٍ (إِلَى قُرْبِ جُلُوسِهِ)، بحيثُ يكون كالمحتضَنِ (3) في صدرِ غيرِه، (وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ)؛ ليخرُجَ ما هو مستَعِدُّ للخروجِ، ويكونُ هناك بخورٌ،
(1) رواه أحمد (26306)، وأبو داود (3141)، وابن حبان (6627)، والحاكم (4398)، من حديث عائشة، قالت: لما أرادوا غسل النبي صلى الله عليه وسلم قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثيابه كما نجرد موتانا، أم نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلَّمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو:«أن اغسلوا النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثيابه» ، فقاموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، قال ابن عبد الهادي:(رواته ثقات)، صحّحه ابن حبان، والحاكم، والذهبي، وحسنه النووي، والألباني. ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 935، المحرر 1/ 306، إرواء الغليل 3/ 162.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): تنجيس قميصه. وفي (ح): تنجس القميص.
(3)
في (الأصل): كالمتحضن.
(وَيُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينئِذٍ)؛ ليدفعَ ما يَخرجُ بالعصرِ.
(ثُمَّ يَلُفُّ) الغاسِلُ (عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ)، أي: يمسحُ فَرْجَه بها.
(وَلَا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَةِ مَنْ لَهُ سَبْعُ سِنِينَ) بغيرِ حائلٍ؛ كحالِ الحياةِ؛ لأنَّ التَّطهيرَ يُمكنُ بدونِ ذلك، (وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَمَسَّ سَائِرَه إِلَّا بِخِرْقَةٍ)؛ لـ «فِعْلِ عَلِيٍّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم» (1)، فحينئذٍ يُعِدُّ الغاسلُ خِرقتين: أحدُهما (2) للسبيلين، والأخرى لبقيَّةِ بدنِه.
(ثُمَّ يُوَضِّيهُ نَدْباً) كوضوئِه للصلاةِ؛ لما روتْ أمُ عطيةَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال في غُسْل (3) ابنتِه: «ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا» رواه الجماعة (4)، وكان ينْبغي تأخيرُه عن نيَّةِ الغسلِ، كما في
(1) رواه ابن أبي شيبة (10887)، وابن سعد (2/ 280)، والبيهقي (6625)، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل:«أن عليًّا رضي الله عنه غسّل النبي صلى الله عليه وسلم وعلى النبي صلى الله عليه وسلم قميص، وبيد عليٍّ رضي الله عنه خِرْقَة يتبع بها تحت القميص» ، وذكره المروذي عن أحمد، ويزيد بن أبي زياد ضعفه الأئمة، والحديث ضعفه ابن كثير، والألباني. ينظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي 2/ 282، إرشاد الفقيه 1/ 222، تهذيب التهذيب 11/ 329، إرواء الغليل 3/ 160.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): إحداهما.
(3)
في (ق): لمن غسلن.
(4)
رواه البخاري (167)، ومسلم (939)، وأحمد (27302)، وأبو داود (3145)، والترمذي (990)، والنسائي (1884)، وابن ماجه (1459).
المنتهى وغيرِه (1).
(وَلَا يُدْخِلُ المَاءَ فِي فِيهِ، وَلَا فِي أَنْفِهِ)؛ خشيةَ تحريكِ النجاسةِ، (وَيُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ)؛ إبهامَه وسبَّابتَه (مَبْلُولَتَيْنِ)، أي: عليهما خرقةٌ مبلولةٌ (بِالمَاءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ، فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مِنْخَرَيْهِ (2) فَيُنَظِّفُهُمَا) بعد غَسلِ كفَّي الميتِ، فيقومُ المسحُ فيهما مقامَ غسلِهما؛ خوْفَ تحريكِ النجاسةِ بدخولِ الماءِ جوفَه، (وَلَا يُدْخِلُهُمَا)، أي: الفمَ والأنفَ (المَاءَ)؛ لما تقدَّم.
(ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ)؛ لأنَّه طهارةٌ تعبُّديةٌ، فاشتُرطَت له (3) النيةُ؛ كغُسلِ الجنابةِ.
(وَيُسَمِّي) وجوباً؛ لما تقدَّم.
(وَيَغْسِل بِرَغْوَةِ السِّدْرِ) المضروبِ (رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ فَقَطْ)؛ لأنَّ الرأسَ أشرفُ الأعضاءِ، والرغوةُ لا تَعْلَقُ (4) بالشعرِ.
(ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ، ثُمَّ) شِقَّه (الأَيْسَرَ)؛ للحديثِ السابقِ (5).
(1) منتهى الإرادات (1/ 108)، الإقناع (1/ 336).
(2)
قال في المطلع (147): (مَنْخِريْهِ: تثنية مَنخِره، بفتح الميم وكسر الخاء، قال الجوهري: المَنْخِرُ: ثقبُ الأنفِ، وقد تكسر الميم، إتباعاً لكسر الخاء، كما قالوا: مِنْتِن، وهما نادران، والمَنْخُورُ لغة فيه).
(3)
في (ب): فاشترط لها.
(4)
في (أ) و (ب) و (ع): تتعلق.
(5)
وهو حديث أم عطية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها» رواه الجماعة.
(ثُمَّ) يغسِلُه (كُلَّهُ)، أي: يُفِيضُ الماءَ على جميعِ بدنِه، يفعلُ ما تقدَّم (ثَلَاثاً)، إلا الوضوءَ، ففي المرةِ الأُولَى فقط، (يُمِرُّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) من الثلاثِ (يَدَهُ عَلَى بَطْنِهِ)؛ ليَخْرجَ ما تخلَّفَ.
(فَإِنْ لَمْ يَنْقَ بِثَلاثِ) غسَلَاتٍ (زِيدَ حَتَّى يَنْقَى، وَلَوْ جَاوَزَ السَّبْعَ).
وكُرِه اقتصارُه (1) في غُسْلِه على مرَّةٍ إنْ لم يخرُجْ منه شيءٌ، فيحرُمُ الاقتصارُ ما دام يخرُجُ شيءٌ على ما دونَ السبعِ.
وسُنَّ قَطْعٌ على وترٍ.
ولا تجبُ مباشرةُ الغسْلِ، فلو تُرِكَ تحت مِيزابٍ ونحوِه وحَضَر مَنْ يَصْلُح لغسلِه، ونوى وسمَّى وعمَّه الماءُ؛ كفَى.
(وَيَجْعَلُ فِي الغَسْلَةِ الأَخِيرَةِ) ندباً (كَافُوراً) وسِدراً؛ لأنَّه يُصلِّبُ الجسدَ، ويطرُدُ عنه الهوامَّ برائحتِه.
(وَالمَاءُ الحَارُّ) يُستعملُ إذا احتيجَ إليه، (وَالأُشْنَانُ) يُستعملُ إذا احتيجَ إليه، (وَالخِلَالُ (2) يُسْتَعْمَلُ إِذَا احْتِيجَ إِلَيْهِ)، فإن لم يُحْتَجْ إليها؛ كُرِهت.
(1) في (ب) و (ق): اقتصار.
(2)
قال في الصحاح (4/ 1687): (الخِلالُ: العود الذي يُتَخَلَّلُ به، وما يُخَلُّ به الثوبُ أيضاً).
(وَيَقُصُّ شَارِبَهُ، وَيُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ) ندباً إنْ طالَا، ويُؤْخَذُ شَعْرُ إبطَيْهِ، ويُجْعَلُ المأخوذُ معه كعضوٍ ساقطٍ.
وحَرُمَ حلقُ رأسٍ، وأَخْذُ عانَةٍ، كخَتْنٍ.
(وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ)، أي: يُكْرَه ذلك؛ لما فيه مِن تَقْطِيعِ الشَّعرِ مِنْ غيرِ حاجةٍ إليه.
(ثُمَّ يُنَشَّفُ) ندباً (بِثَوْبٍ)؛ كما فُعِلَ به صلى الله عليه وسلم (1).
(وَيُضْفَرُ) ندباً (شَعْرُهَا)، أي: الأُنثى (ثَلَاثَةَ (2) قُرُونٍ، وَيُسْدَلُ (3) وَرَاءَهَا)؛ لقولِ أُمِّ عطيةَ:«فَضَفَرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ (4) قُرُونٍ، وَأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا» رواه البخاري (5).
(وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ)، أي: الميتِ (شَيءٌ بَعْدَ سَبْعٍ) غسلاتٍ؛
(1) رواه أحمد (2357)، من طريق حسين بن عبدالله، عن عكرمة، عن ابن عباس، وفيه:«حتى إذا فرغوا من غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يغسل بالماء والسدر، جففوه، ثم صنع به ما يصنع بالميت» ، وحسين بن عبدالله هو ابن عبيدالله الهاشمي، تركه أحمد والنسائي، وضعّفه يحيى وغيره.
وله شاهد مرسل عند عبد الرزاق (6173)، عن معمر، عن هشام بن عروة قال:«لُفَّ النبي صلى الله عليه وسلم في ثوب حبرة جفف فيه» ، إلا أن هشام بن عروة يروي عن حسين بن عبد الله، فقد يكون هذا منه.
(2)
في (ب): ثلاث.
(3)
في (ب): ويسدله.
(4)
في (ب): ثلاث.
(5)
رواه البخاري (1263)، ومسلم (939)، دون قولها:«وألقيناه خلفها» .
(حُشِيَ) المَحَلُّ (بِقُطْنٍ)؛ ليمنعَ الخارجَ؛ كالمستحاضةِ، (فَإِنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ) بالقطنِ (فَبِطِينٍ حُرٍّ)، أي: خالصٍ؛ لأنَّ فيه قوةً تمنعُ الخارجَ، (ثُمَّ يُغْسَلُ المَحَلُّ) المتنجِّسُ بالخارجِ، (وَيُوَضَّأُ) الميتُ وجوباً، كالجُنبِ إذا أحدثَ بعد الغسلِ.
(وَإِنْ خَرَجَ) منه شيءٌ (بَعْدَ تَكْفِينِهِ؛ لَمْ يُعَدِ الغَسْلُ)؛ دفعاً للمشقةِ.
ولا بأسَ بقولِ غاسلٍ له: انْقَلِب يرحمك الله، ونحوِه، ولا بغَسلِه في حمامٍ.
(وَمُحْرِمٌ) بحجٍّ أو عمرةٍ (مَيتٌ كَحيٍّ، يُغَسَّلُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ) لا كافورٍ، (وَلَا يُقَرَّبُ طِيباً) مطلقاً، (وَلَا يُلْبَسُ ذَكَرٌ مَخِيطاً) مِنْ قميصٍ ونحوِه، (وَلَا يُغَطَّى رَأْسُهُ، وَلَا وَجْهُ أُنْثَى) مُحْرِمَة، ولا يُؤْخَذُ شيءٌ من شعرِهما أو ظُفُرِهما؛ لما في الصحيحين مِن حديثِ ابنِ عباسٍ: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال في مُحرِمٍ مات: «غَسِّلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّياً» (1)، ولا تُمْنَع معتدَّةٌ من طيبٍ.
وتُزالُ اللُّصوقُ لغُسْلٍ واجبٍ إنْ لم يَسقُطْ مِن جسدِه شيءٌ بإزالتِها، فيُمْسَحُ عليها؛ كجبيرةِ الحيِّ، ويُزالُ خاتمٌ ونحوُه ولو بِبَرْدٍ (2).
(1) رواه البخاري (1265)، ومسلم (1206).
(2)
في (أ) و (ب) و (ع): ببرده.
(وَلَا يُغَسَّلُ شَهِيدُ) معركةٍ، ومقتولٍ ظُلْماً، ولو أُنْثَيَيْنِ أو غيرَ مكلفَيْنِ؛ «لأنَّه صلى الله عليه وسلم فِي شُهَدَاءِ أُحُدٍ أَمَرَ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِم، وَلَمْ يُغَسِّلْهُمْ» (1)، وروى أبو داود عن سعيدِ بنِ زيدٍ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ» ، وصحَّحه الترمذي (2).
(إِلَّا أَنْ يَكُونَ) الشهيدُ أو (3) المقتولُ ظُلماً (جُنُباً)، أو وَجَبَ عليهما الغُسْلُ لحيضٍ، أو نفاسٍ، أو إسلامٍ.
(وَيُدْفَنُ) وجوباً بدمِه، إلا أنْ تُخَالِطُه نجاسةٌ فيُغَسَلَا، و (فِي ثِيَابِهِ) التي قُتِل فيها (بَعْدَ نَزْعِ السِّلَاحِ وَالجُلُودِ عَنْهُ)؛ لما روى أبو داودَ، وابنُ ماجه عن ابنِ عباسٍ:«أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الحَدِيدُ وَالجُلُودُ، وَأَنْ يُدْفَنُوا فِي ثِيَابِهِمْ بِدِمَائِهِمْ» (4).
(1) رواه البخاري (1343)، من حديث جابر في قتلى أحد:«وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم» .
(2)
رواه أبو داود (4772)، ورواه أحمد (1652)، والترمذي (1421)، والنسائي (4095)، وابن ماجه (2580)، وابن حبان (3194)، من طريق طلحة بن عبد الله بن عوف، عن سعيد بن زيد مرفوعاً. صححه الترمذي، وابن حبان، وابن تيمية، وابن الملقن، والألباني. ينظر: الفتاوى الكبرى 3/ 554، البدر المنير 9/ 7، إرواء الغليل 3/ 164.
(3)
في (ب): و.
(4)
رواه أبو داود (3134)، وابن ماجه (1515)، من طريق عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس به. وقد ضعَّفه النووي، وابن الملقن، والألباني، قال ابن حجر:(وفي إسنادهما ضعف؛ لأنه من رواية عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير عنه، وهو مما حدَّث به عطاء بعد الاختلاط). ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 946، البدر المنير 5/ 253، التلخيص الحبير 2/ 276، إرواء الغليل 3/ 165.
(وَإِنْ سُلِبَهَا كُفِّنَ بِغَيْرِهَا) وجوباً.
(وَلَا يُصَلَّى عَلَيْه)؛ للأخبارِ (1)، لكونِهم أحياءً عند ربِّهم.
(وَإِنْ سَقَطَ مِنْ (2) دَابَّتِهِ) أو شاهقٍ بغيرِ فِعْلِ العَدوِّ، (أَوْ وُجِدَ مَيتاً وَلَا أَثَرَ بِهِ)، أو مات حَتْفَ أَنْفِه، أو بِرَفْسَةٍ، أو عاد سهمُه عليه، (أَوْ حُمِلَ فَأَكَلَ)، أو شَرِب، أو نام، أو بَال، أو تَكلَّم، أو عَطَس، (أَوْ طَالَ بَقَاؤُهُ عُرْفاً؛ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ)؛ كغيرِه.
ويُغَسَّلُ الباغِي ويُصلَّى عليه، ويُقتلُ قاطعُ الطريقِ، ويُغَسَّلُ ويُصلَّى عليه ثم يُصْلبُ.
(وَالسِّقْطُ (3) إِذَا بَلَغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ) وإن لم يَسْتَهِلَّ (4)؛ لقوله عليه السلام: «وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ
(1) رواه البخاري (1343)، من حديث جابر في قتلى أحد، وفيه:«وأمر بدفنهم في دمائهم، ولم يغسلوا، ولم يصل عليهم» .
(2)
في (ح): عن.
(3)
قال في المطلع (149): (السّقط: المولود قبل تمامه، بكسر السين وفتحها وضمها).
(4)
في (ق): لم يستهل صارخاً.
بِالمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ» رواه أحمد، وأبو داود (1).
وتُسْتَحبُّ تسميتُه، فإن جُهِل أَذَكَرٌ أَمْ أُنثى سُمِّيَ بصالِحٍ لهما.
(وَمَنْ تَعَذَّرَ غَسْلُهُ) لِعَدَم الماءِ، أو غيرِه؛ كالحرقِ، والجُذامِ، والتَّبْضِيعِ؛ (يُمِّمَ)، كالجنبِ إذا تعذَّرَ عليه الغُسْلُ، وإن تعذَّر غَسْلُ بعضِه غُسِل ما أَمْكن، ويُمِّمَ للباقي.
(وَ) يجبُ (عَلَى الغَاسِلِ سَتْرُ مَا رَآهُ) مِنَ الميتِ (إِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَناً)، فيلزمُه سترُ الشَّرِّ، لا إظهارُ (2) الخيرِ.
ونرجو للمحسنِ، ونخافُ على المسيءِ، ولا نشهدُ إلا لِمَن شَهِدَ له النَّبي صلى الله عليه وسلم.
ويحرُمُ سوءُ الظنِّ بمسلمٍ ظاهرِ العدالةِ.
ويستحبُ ظنُّ الخيرِ بالمسلمِ.
(1) رواه أحمد (18174)، وأبو داود (3180)، والترمذي (1031)، والنسائي (1942)، وابن أبي شيبة (29837)، والطبراني (1042)، والحاكم (1344)، من طرق عن زياد بن جبير، عن أبيه، عن المغيرة به، وقد اختلف في رفعه ووقفه، فرفعه سعيد والمغيرة ابنا عبيد الله، وصحّحه أحمد، والترمذي، وابن حبان، وابن دقيق، وقال الحاكم:(صحيح على شرط البخاري)، ووافقه الذهبي والألباني.
ورفعه يونس بن عبيد تارة، ووقَّفه تارة، وقال مرة:(وأهل زياد يرفعونه، وأمّا أنا فلا أحفظ رفعه)، ونقل ابن حجر عن الدارقطني ترجيح الموقوف، وقال البيهقي:(فهذا حديث مشكوك في رفعه). ينظر: علل الدارقطني 7/ 134، معرفة السنن والآثار 5/ 272، الاقتراح لابن دقيق العيد ص 106، زاد المعاد 1/ 493، التلخيص الحبير 2/ 268، إرواء الغليل 3/ 169.
(2)
في (ع): لإظهار.