الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(فَصْلٌ)
(يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا)، أي: صحَّةِ الجمعةِ أربعةُ (شُرُوطٌ لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الإِمَامِ)؛ «لأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ، فَلَمْ يُنْكِرُهُ أَحَدٌ، وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ» رواه البخاري بمعناه (1).
(أَحَدُهَا)، أي: أحدُ الشروطِ: (الوَقْتُ)؛ لأنَّها صلاةٌ مفروضةٌ، فاشتُرِطَ لها الوقتُ كبقيةِ الصَّلواتِ، فلا تَصحُّ قبلَ الوقتِ ولا بعدَه إجماعاً، قاله في المبدعِ (2).
(وَأَوَّلُهُ: أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ العِيدِ)؛ لقولِ عبدِ الله بنِ سِيدانَ: «شَهِدْتُ الجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولَ: قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ، ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ، فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وخُطْبَتُهُ إِلَى أَنْ أَقُولُ: زَالَ النَّهَارُ، فَمَا رَأَيْتُ أَحَداً عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ» رواه الدارقطني (3)،
(1) رواه البخاري (695)، دون ذكر علي، وإنما رواه عن عبيد الله بن عدي بن خيار، أنه دخل على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهو محصور فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما نرى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج؟ فقال:«الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس، فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم» .
(2)
(2/ 150).
(3)
رواه الدارقطني (1623)، ورواه ابن أبي شيبة (5132)، وعبد الرزاق (5210)، من طريق جعفر بن برقان، عن ثابت بن الحجاج الكلابي، عن عبد الله بن سِيدان السلمي. وضعفه ابن المنذر، والنووي، والزيلعي والألباني، وقال الحافظ:(رجاله ثقات، إلا عبد الله بن سِيدان فإنه تابعي كبير، إلا أنه غير معروف العدالة)، وقال العقيلي:(قال البخاري: لا يتابع على حديثه)، ثم ساق العقيلي له هذا الحديث فقط.
ونقل أبو الخطاب الكلوذاني عن أحمد: أنه صححه كما يأتي، وجود إسناده ابن رجب، وقال:(وأحمد أعرف الرجال مِن كل من تكلم في هذا الحديث، وقد استدل به واعتمد عليه)، وابن سِيدان ذكره ابن سعد في طبقات الصحابة، وذكره ابن حبان في الثقات، ووثقه العجلي، وبين الحافظ في كلامه السابق أنه تابعي كبير، وقال:(ولا صحبة له، إلا أنه مخضرم). ينظر: الضعفاء للعقيلي 2/ 265، الأوسط 2/ 354، خلاصة الأحكام 2/ 773، فتح الباري لابن رجب 8/ 173، نصب الراية 2/ 196، فتح الباري لابن حجر 2/ 387، إتحاف المهرة 8/ 198، إرواء الغليل 3/ 61.
وأحمدُ واحتجَّ به (1)، قال:(وكذلك رُوي عن ابنِ مسعودٍ (2)،
(1) لم نجد روايته في المسند، فلعله في بعض كتبه، وقد ساق ابن قدامة إسناده بمثل إسناد الدارقطني السابق.
ولم نجد احتجاجه به في المسائل المطبوعة، ولكن قال أبو الخطاب الكلوذاني: (وقد صحح أحمد حديثه وأخذ به، قال في رواية الترمذي: يجوز فعلها قبل الزوال على ما جاء من فعل أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. ينظر: الانتصار في المسائل الكبار 2/ 581.
والترمذي هو أحمد بن الحسن الترمذي من أصحاب الإمام أحمد، وليس أبا عيسى الترمذي صاحب السنن. وانظر: الطبقات 1/ 37.
(2)
رواه ابن أبي شيبة (5134)، من طريق شعبة عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، قال: صلى بنا عبد الله الجمعة ضحى، وقال:«خشيت عليكم الحر» ، ضعفه ابن المنذر، وقال:(أخبر عمرو بن مرة، أن عبد الله كان يحدثهم ، فنعرف وننكر، يعني عبد الله بن سلمة)، وحسن الألباني إسناده، وأجاب عن هذه العلة بقوله:(وفي عبد الله بن سلمة ضعْف من قبل أنه كان تغير حفظه، لكنه هنا يروي أمراً شاهده بنفسه، والغالب في مثل هذا أنه لا ينساه الراوي).
وقد جاء عن ابن مسعود أيضاً عند ابن أبي شيبة (5128)، وعبد الرزاق (5220) من طريق الأعمش، عن زيد بن وهب قال:«كنا نصلي مع عبد الله الجمعة، ثم نرجع فنقيل» ، وسنده صحيح لولا عنعنة الأعمش. ينظر: الأوسط 2/ 354، إرواء الغليل 3/ 62.
وجابرٍ (1)، وسعيدٍ (2)، ومعاويةَ (3): أنَّهم صلَّوا قبلَ الزَّوالِ، ولم يُنكرْ) (4).
(وَآخِرُهُ: آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ) بلا خلافٍ، قاله في المبدعِ (5)، وفعلُها بعدَ الزَّوالِ أفضلُ.
(فَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ)، أي: قبلَ أن يكبِّروا للإحرامِ بالجمعةِ؛ (صَلَّوْا ظُهْراً)، قال في الشَّرحِ:(لا نَعلمُ فيه خلافاً)(6)،
(1) قال الألباني: (ولم أقف على إسنادها). ينظر: إرواء الغليل 3/ 63.
(2)
قال الألباني: (أظنه تحرف على الطابع أو الناسخ ، وأن الصواب (سعد)، وهو ابن أبي وقاص)، رواه ابن أبي شيبة (5121)، من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل عن مصعب بن سعد، قال:«كان سعد يقيل بعد الجمعة» ، وسنده حسن.
(3)
رواه ابن أبي شيبة (5135)، من طريق عمرو بن مرة عن سعيد بن سويد، قال:«صلى بنا معاوية الجمعة ضحى» ، قال الألباني:(وهذا سند رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير سعيد بن سويد)، وقرر أنه إن كان سعيد بن سويد الكلبي فالإسناد جيد، وجزم ابن حجر بأنه الكلبي. ينظر: لسان الميزان 3/ 33، إرواء الغليل 3/ 63.
(4)
لم نجده في مسائله، وانظر: شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 210).
(5)
(2/ 151).
(6)
(2/ 167).
(وَإِلَّا) بأن أحرموا بها في الوقتِ؛ (فَجُمُعَةً)؛ كسائرِ الصَّلواتِ تُدركُ بتكبيرةِ الإحرامِ في الوقتِ.
ولا تَسقطُ بشكٍّ في خروجِ الوقتِ.
فإن بَقِيَ مِن الوقتِ قدرَ الخطبةِ والتحريمةِ؛ لزِمهم فعلُها، وإلا لم يُجْزِ.
الشَّرْطُ (الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا) - وتقدّم بيانُهم - الخطبةَ والصلاةَ (1)، قال أحمدُ:(بَعَث النبي صلى الله عليه وسلم مصعبَ بنَ عميرٍ إلى أهلِ المدينةِ، فلما كان يومُ الجمعةِ جَمَّع بهم، وكانوا أربعين، وكانت أَوَّل جمعةٍ جمِّعت بالمدينةِ)(2)، وقال جابرٌ:«مَضَتِ السُّنَّةُ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ جُمُعَةً، وَأَضْحَى، وَفِطْراً» رواه الدارقطني (3)،
(1) في (ب): أن يحضروا الخطبة والصلاة. وفي (ق): في الخطبة والصلاة.
(2)
مسائل الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه برواية إسحاق بن منصور المعروف بالكوسج (9/ 4813)، ومسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله (ص 120، ص 126).
(3)
رواه الدارقطني (1579)، والبيهقي (5607)، من طريق عبد العزيز بن عبد الرحمن عن خصيف، عن عطاء بن أبي رباح، عن جابر. وضعفه البيهقي، والنووي، وابن حجر، والألباني، قال البيهقي:(تفرد به عبد العزيز القرشي، وهو ضعيف)، وقال أحمد عنه:(اضرب على أحاديثه، هي كذب)، وخصيف أيضاً ضعيف، قال ابن حجر:(صدوق سيء الحفظ). ينظر: العلل ومعرفة الرجال 3/ 318، خلاصة الأحكام 2/ 769، تقريب التهذيب ص 193، الدراية 1/ 216، إرواء الغليل 3/ 69.
وفيه ضعفٌ، قاله في المبدعِ (1).
الشرطُ الثالثُ: أن يكونوا (بِقَرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ) بها، مَبنيةً بما جَرَت به العادةُ، فلا تُتَمَّمُ (2) مِن مكانين مُتقاربين، ولا تَصحُّ مِن أهلِ الخيامِ وبيوتِ الشَّعرِ ونحوِهم؛ لأنَّ ذلك لم يُقصَدْ للاستيطانِ غالِباً، وكانت قبائلُ العربِ حولَه عليه السلام ولم يأمرْهُم بها.
وتَصحُّ بقريةٍ خرابٍ عزموا على إصلاحِها والإقامةِ بها.
(وَتَصِحُّ) إقامتُها (فِيمَا قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ)؛ «لأَنَّ أَسْعَدَ بِن زُرَارَةَ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ فِي حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ» أخرجه أبو داودَ والدارقطني (3)، قال البيهقي:(حسنُ الإسنادِ صحيحٌ)(4)، قال الخطابي:(حرةُ بني بياضةَ على مِيلٍ مِن المدينةِ)(5).
وإذا رأى الإمامُ وحدَه العددَ فَنَقَص؛ لم يَجُزْ (6) أن يَؤمَّهم،
(1)(2/ 154).
(2)
في (أ) و (ب) و (ع): تتم.
(3)
رواه أبو داود (1069)، والدارقطني (1585)، وابن ماجه (1082)، من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه، وصححه ابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم، والبيهقي، وابن حزم، وحسنه النووي، وابن حجر، والألباني. ينظر: المحلى 3/ 250، صحيح ابن خزيمة 3/ 12، المستدرك 1/ 417، صحيح ابن حبان 15/ 477، السنن الكبرى 3/ 252، التلخيص الحبير 2/ 139، إرواء الغليل 3/ 67.
(4)
السنن الكبرى (3/ 252).
(5)
معالم السنن (1/ 245).
(6)
في (ب): يصح.
ولزِمه استخلافُ أحدِهم، وبالعكسِ لا تَلزمُ واحداً منهم (1).
(فَإِنْ نَقَصُوا) عن الأربعين (قَبْلَ إِتْمَامِهَا)؛ لم يُتِمُّوها جمعةً؛ لفقدِ شرطِها، و (اسْتَأْنَفُوا ظُهْراً) إن لم تُمكِنْ إعادتُها جمعةً.
وإنْ بقي معه العددُ بعدَ انفضاضِ بعضِهم -ولو ممن لم يَسمعْ الخُطبةُ- ولحِقوا بهم قبلَ نَقصِهم؛ أتموا جمعةً.
(وَمَنْ) أَحْرَم في الوقتِ و (أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ مِنْهَا)، أي: مِن الجمعةِ (رَكْعَةً؛ أَتَمَّهَا جُمُعَةً)؛ لحديثِ أبي هريرةَ مرفوعاً: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الجُمُعَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ» رواه الأثرمُ (2).
(1) في (ب): منهما.
(2)
لعله في سننه، وهو مفقود، ورواه النسائي (1425)، وابن ماجه (1121)، والحاكم (1077)، من طرق عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وصححه الحاكم على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
وعدَّ جماعة من الحفاظ لفظ: «الجمعة» معلولة؛ لأن أكثر أصحاب الزهري رووه عنه بلفظ: «الصلاة» بدل «الجمعة» ، قال الحافظ:(وقد قال ابن حبان في صحيحه: إنها كلها معلولة)، وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه:(لا أصل لهذا الحديث، إنما المتن: «من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها»)، وذكر الدارقطني الاختلاف فيه في علله، وقال:(الصحيح: «من أدرك من الصلاة ركعة»)، وكذا قال العقيلي.
وجاء لفظ: «الجمعة» من حديث ابن عمر عند الدارقطني (1606)، وصححه الألباني مرفوعاً وموقوفاً من حديث ابن عمر، لا من حديث أبي هريرة، وصوب الدارقطني الوقف على ابن عمر، وأعلّ أبو حاتم حديث ابن عمر فقال:(هذا خطأ؛ المتن والإسناد، إنما هو الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك من صلاة ركعة، فقد أدركها»، وأما قوله: «من صلاة الجمعة» فليس هذا في الحديث). ينظر: علل الحديث 2/ 432، البدر المنير 4/ 496، التلخيص الحبير 2/ 106، إرواء الغليل 3/ 84.
(وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ)؛ بأن رَفَع الإمامُ رأسَه مِن الثانيةِ ثم دَخَل معه؛ (أَتَمَّهَا ظُهْراً)؛ لمفهومِ ما سَبَق، (إِذَا كَانَ نَوَى الظُّهْرَ) ودَخَل وقتُه؛ لحديثِ:«وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (1)، وإلا أتمَّها نفلاً.
ومَن أحرم مع الإمامِ ثم زُحِمَ عن السُّجودِ؛ لزِمه السُّجودُ على ظهرِ إنسانٍ أو رجلِه، فإن لم يُمكِنْه فإذا زال الزِّحامُ.
وإن أَحْرَم ثم زُحِم وأُخرج مِن الصفِّ فصلَّى فذًّا؛ لم تَصحَّ، وإن أُخرج في الثانيةِ نوى مُفارقتَه وأتمَّها جمعةً.
الشرطُ الرابِعُ: تقدُّمُ خُطبتين، وأشار إليه بقولِه:(وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ)؛ لقولِه تعالى: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)[الجمعة: 9]، والذِّكرُ: هو الخطبةُ، ولقولِ ابنِ عمرَ:«كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ، يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجُلُوسٍ» متفقٌ عليه (2).
وهما بَدَلُ ركعتين، لا مِن الظُّهرِ.
(مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا):
(1) تقدم تخريجه ص .... الفقرة ....
(2)
رواه البخاري (920)، ومسلم (681)، ولفظ مسلم:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائماً، ثم يجلس، ثم يقوم» .
(حَمْدُ اللهِ)، بلفظِ: الحمدُ للهِ؛ لقولِه عليه السلام: «كُلُّ كَلَامٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالحَمْدُ للهِ فَهُوَ أَجْذَمُ» رواه أبو داودَ عن أبي هريرةَ (1).
(وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ) محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ كلَّ عبادةٍ افتَقَرت إلى ذِكرِ اللهِ تعالى افتَقَرت إلى ذِكرِ رسولِه؛ كالأذانِ، ويَتعيَّنُ لفظُ الصَّلاةِ.
(وَقِرَاءَةُ آيَةٍ) كاملةٍ؛ لقولِ جابرِ بنِ سمرةَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ آيَاتٍ، وَيُذَكِّرُ النَّاسَ» رواه مسلمٌ (2)، قال أحمدُ:(يَقرأُ ما شاء)(3)، وقال أبو المعالي:(لو قَرَأ آيةً لا تَستقِلُّ بمعنى أو حُكْمٍ كقولِه: (ثُمَّ نَظَرَ)[المدثر: 21]، أو (مُدْهَامَّتَانِ) [الرحمن: 64] لم يَكْفِ) (4).
والمذهبُ: لا بُدَّ مِن قراءةِ آيةٍ، ولو جُنُباً مع تحريمِها، فلو قَرَأ ما تضمَّنَ الحمدُ والموعِظةُ، ثم صلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم أجزأ.
(والوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل؛ لأنَّه المقصودُ، قال في المبدعِ (5):
(1) تقدم تخريجه في المقدمة، ص .... الفقرة .....
(2)
رواه مسلم (682)، بلفظ:«كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان، يجلس بينهما يقرأ القرآن، ويذكر الناس» .
(3)
لم نجده في مسائله المطبوعة، ونقل الموفق ابن قدامة عن الإمام أحمد أنه قال:(القراءة في الخطبة على المنبر ليس فيه شيء مؤقت، ما شاء قرأ) ينظر: الكافي 1/ 328.
(4)
ينظر الفروع (3/ 166).
(5)
(2/ 161).
(ويَبدأُ بالحمدِ للهِ، ثم بالصَّلاةِ، ثم بالموعظةِ، ثم القراءةِ، في ظاهرِ كلامِ جماعةٍ).
ولا بُدَّ في كلِّ واحدةٍ مِن الخطبتين مِن هذه الأركانِ.
(وَ) يُشترطُ (حُضُورُ العَدَدِ المُشْتَرَطِ) لسماعِ القدرِ الواجبِ؛ لأنَّه ذِكْرٌ اشتُرط للصَّلاةِ فاشتُرطَ له العددُ؛ كتكبيرةِ الإحرامِ، فإن انفضُّوا وعادوا قبلَ فوتِ رُكْنٍ منها؛ بَنَوْا، وإن كَثُر التَّفريقُ، أو فات منها رُكنٌ، أو أحدث فتطهَّر؛ استأنف مع سَعةِ الوقتِ.
ويُشترطُ أيضاً لهما: الوقتُ، وأن يكونَ الخطيبُ يَصلحُ إماماً فيها، والجهرُ بهما بحيثُ يَسمعُ العددُ المعتبرُ حيثُ لا مانِعَ، والنِّيةُ، والاستيطانُ للقدرِ الواجِبِ منهما، والموالاةُ بينَهما وبينَ الصَّلاةِ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ لَهُمَا الطَّهَارَةُ) مِن الحدثين والنَجَسِ ولو خَطَب بمسجدٍ؛ لأنَّهما ذِكْرٌ تقدَّم الصَّلاةَ؛ أشبه الأذانَ، وتحريمُ لَبْثُ الجُنُبِ بالمسجدِ لا تَعلُّقَ له بواجبِ العبادةِ.
وكذلك لا يُشترطُ لهما سَترُ العورةِ.
(وَلَا أَنْ يَتَوَلَّاهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ)، بل يُستحبُّ ذلك؛ لأنَّ الخطبةَ مُنفصلةٌ عن الصَّلاةِ؛ أشبها الصَّلاتين.
ولا يُشترطُ أيضاً حُضورُ متولِّي الصَّلاةِ الخطبةَ.
ويبطلها (1) كلامٌ محرمٌ ولو يسيراً.
ولا تُجزئُ بغيرِ العربيةِ مع القدرةِ.
(وَمِنْ سُنَنِهِمَا)، أي: الخطبتين:
(أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ)؛ لفعلِه عليه السلام (2)، وهو بكسرِ الميمِ، مِن النَّبْرِ (3)، وهو الارتفاعُ، واتِّخاذُه سنةٌ مُجمعٌ عليها، قاله في شرحِ مسلمٍ (4)، ويَصْعَدُهُ على تُؤَدَةٍ (5) إلى الدرجةِ التي تلي السَّطحَ.
(أَوْ) يخطبُ على (مَوْضِعٍ عَالٍ) إن عَدِم المنبرَ؛ لأنَّه في معناه، عن يمينِ مُستقبِلِ القبلةِ بالمحرابِ، وإنْ خَطَب بالأرضِ فعن يسارِهم.
(وَ) أن (يُسَلِّمَ عَلَى المَأْمُومِينَ إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ)؛ لقولِ جابرٍ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَعِدَ المِنْبَرِ سَلَّمَ» رواه ابنُ ماجه (6)، ورواه
(1) في (ب) و (ق): ويبطلهما.
(2)
رواه البخاري (917)، ومسلم (544)، من حديث سهل بن سعد قال: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة: «مُري غلامك النجار أن يعمل لي أعواداً أجلس عليهن إذا كلمت الناس» .
(3)
في (ع): المنبر.
(4)
(6/ 152).
(5)
قال في المصباح المنير (2/ 674): (اتَّأد في الأمر يَتَّئِد، وتَوَأَّد، إذا تأنى فيه، وتثبت ومشى على تؤدة، مثال رُطَبَة).
(6)
رواه ابن ماجه (1109)، من طريق عمرو بن خالد، ثنا ابن لهيعة، عن محمد بن زيد بن مهاجر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنهما. قال ابن عدي:(لا أعلم يرويه غير ابن لهيعة، وعن ابن لهيعة عمرو بن خالد)، وابن لهيعة ضعيف، ولذا قال ابن حجر:(إسناده ضعيف)، وضعفه عبد الحق الإشبيلي والنووي، بل قال أبو حاتم:(هذا حديث موضوع).
وصححه الألباني بشواهده وجريان عمل الخلفاء عليه. ينظر: علل الحديث 2/ 559، الكامل لابن عدي 5/ 241، الأحكام الوسطى 2/ 106، خلاصة الأحكام 2/ 793، التلخيص الحبير 2/ 155، السلسلة الصحيحة 5/ 106.
الأثرمُ عن أبي بكرٍ، وعمرَ (1)، وابنِ مسعودٍ (2)، وابنِ الزبيرِ (3)، ورواه النجادُ (4) عن عثمانَ (5)؛ كسَلَامِه على مَنْ عندَه في خروجِه.
(ثُمَّ) يُسنُّ أنْ (يَجْلِسَ إِلَى فَرَاغِ الأَذَانِ)؛ لقولِ ابنِ عمرَ: «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ المِنْبَرِ حَتَّى يَفْرغَ المُؤَذِّنُ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ» رواه أبو داودَ (6).
(1) لعله في سننه ولم تطبع، ورواه ابن أبي شيبة (5195)، وعبد الرزاق (5282)، من طريق مجالد عن الشعبي:(أن أبا بكر وعمر كانا يفعلانه). وهذا مع إرساله فيه مجالد بن سعيد، وهو ضعيف. ينظر: تهذيب التهذيب 10/ 39.
(2)
لم نقف عليه.
(3)
رواه ابن المنذر في الأوسط (1800)، عن سليمان بن نشيط قال:«رأيت ابن الزبير صعد المنبر، فلما قام عليه سلَّم ثم جلس» ، قال أبو حاتم عن سليمان بن نشيط:(روى عن ابن الزبير، مرسل) ينظر: الجرح والتعديل 4/ 147.
(4)
في (ع) و (ق): البخاري.
(5)
ورواه ابن أبي شيبة (5196)، عن أبي نضرة، قال:«كان عثمان قد كَبِر فإذا صعد المنبرسلم، فأطال قدر ما يقرأ إنسان أم الكتاب» . وصحح الألباني إسناده. ينظر: السلسلة الصحيحة 5/ 107.
(6)
رواه أبو داود (1092)، من طريق العمري، عن نافع، عن ابن عمر، والعمري: هو عبد الله بن عمر العمري، قال الزيلعي:(وفيه مقال)، وقال ابن حجر:(ضعيف عابد)، وصححه الألباني بشاهد حديث السائب. ينظر: نصب الراية 2/ 19، تقريب التهذيب ص 314، صحيح أبي داود 4/ 257.
وحديث السائب: رواه البخاري (912)، قال:«كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثُر الناس زاد النداء الثالث على الزوراء» .
(وَ) أن (يَجْلِسَ بَيْنَ الخُطْبَتَيْنِ)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ السابِقِ.
(وَ) أن (يَخْطُبَ قَائِماً)؛ لما تقدَّم.
(وَيَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ، أَوْ قَوْسٍ، أَوْ عَصَا)؛ لفعلِه عليه السلام، رواه أبو داودَ عن الحكمِ بنِ حَزَنٍ (1)، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ هذا الدِّينِ فُتِحَ به، قال في الفروعِ:(ويَتوجَّه باليسرى، والأخرى بحرفِ المنبرِ، فإنْ لم يَعتمدْ أمسك يمينَه بشمالِه، أو أرسلَهما)(2).
(وَ) أن (يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ)؛ لفعلِه عليه السلام (3)، ولأنَّ في التفاتِه
(1) رواه أبو داود (1096)، ورواه أحمد (17856)، من طريق شهاب بن خراش، عن شعيب بن زريق، عن الحكم. وحسَّن إسناده النووي والألباني، وقال الحافظ:(وإسناده حسن، فيه شهاب بن خراش، وقد اختلف فيه، والأكثر وثقوه، وقد صححه ابن السكن وابن خزيمة). ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 797، التلخيص الحبير 2/ 159، إرواء الغليل 3/ 78.
تنبيه: قال ابن القيم: (وكان أحياناً يتوكأ على قوس، ولم يحفظ عنه أنه توكأ على سيف). ينظر: زاد المعاد 1/ 182.
(2)
(3/ 177).
(3)
أما كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يستقبل الناس وجهه، فقد جاء فيه أحاديث يشد بعضها بعضاً، قال ابن رجب:(استقبال الإمام أهل المسجد واستدباره القبلة فمجمع عليه أيضاً، والنصوص تدل عليه) ينظر: فتح الباري 8/ 250.
وأما كونه لم يكن يلتفت، فقد قال الحافظ:(وأما قوله: «وكان لا يلتفت» فلم أره في حديث، إلا إن كان يُؤخذ من مطلق الاستقبال) ينظر: التلخيص الحبير 2/ 158.
إلى (1) أحدِ جانبيه إعراضاً عن الآخرِ، وإنْ استدبرَهُم كُره.
ويَنحرفون إليه إذا خَطَب؛ لفعلِ الصَّحابةِ (2)، ذكره في المبدعِ (3).
(وَ) أن (يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ)؛ لما روى مسلمٌ عن عمارٍ مرفوعاً: «إِنَّ طُولَ (4) صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مِنْ فِقْهِهِ، فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ، وَقَصِّرُوا الخُطْبَةَ» (5).
(1) في (ب): عن.
(2)
جاء ذلك عن ابن عمر عند البيهقي (5716)، عن نافع:«كان يفرغ من سبحته يوم الجمعة قبل خروج الإمام، فإذا خرج لم يقعد الإمام حتى يستقبله» ، وعن أنس عند ابن أبي شيبة (5233)، عن المستمر بن الريان، قال:«رأيت أنساً عند الباب الأول يوم الجمعة، قد استقبل المنبر» ، وإسنادهما صحيحان، وعلقهما البخاري بصيغة الجزم.
واستدل البخاري على ذلك أيضاً بحديث أبي سعيد (921)، ورواه مسلم أيضاً (1052):«إن النبي صلى الله عليه وسلم جلس ذات يوم على المنبر وجلسنا حوله» ، قال الترمذي:(والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم، يستحبون استقبال الإمام إذا خطب). ينظر: سنن الترمذي 1/ 640.
(3)
(2/ 165).
(4)
في (ح): تطويل.
(5)
رواه مسلم (869).