الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاة)
الشَّرطُ: ما لا يوجَدُ المشروطُ مع عدمِه، ولا يَلزمُ أن يوجدَ عندَ وجودِه.
(شُرُوطُهَا): ما يجبُ لها (قَبْلَهَا)، أي: تتقدَّمُ عليها وتَسْبِقُها (1)، إلا النيةَ فالأفضلُ مقارنَتُها للتحريمةِ.
ويجبُ استمرارُها، أي: الشروطِ فيها، وبهذا المعنى فَارَقت الأركانَ.
(مِنْهَا)، أي: شروطِ الصلاةِ (2): الإسلامُ، والعقلُ، والتمييزُ، وهذه شروطٌ في كلِّ عبادةٍ، إلا التمييزَ في الحجِّ ويأتي، ولذلك لم يَذكُرْها كثيرٌ مِن الأصحابِ هنا.
ومنها: (الوَقْتُ)، قال عمرُ:«الصَّلَاةُ لَهَا وَقْتٌ شَرَطَهُ الله لَهَا، لَا تَصِحُّ إِلَّا بِهِ» (3)، وهو حديثُ جبريلَ حيثُ (4) أَمَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم في
(1) في (ب): فتسبقها.
(2)
في (أ) و (ب) و (ق): من شروط الصلاة.
(3)
رواه ابن حزم في المحلى (2/ 13)، وفيه انقطاع بين الضحاك بن عثمان وعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن الضحاك يروي عن مثل نافع وهشام بن عروة ونحوهم من التابعين. ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 447.
(4)
في باقي النسخ: حين.
الصلواتِ الخمسِ، ثم قال:«يَا مُحَمَّدُ، هَذَا وَقْتُ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِكَ» (1)، فالوقتُ سبَبُ وجوبِ الصلاةِ؛ لأنها تُضافُ إليه، وتُكَرَّر بِتَكَرُّرِه.
(وَ) منها: (الطَّهَارَةُ مِنَ الحَدَثِ)؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لا يَقْبَلُ الله صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ» متفقٌ عليه (2)، (وَ) الطهارةُ مِن (النَّجَسِ)، فلا تصحُّ الصلاةُ مع نجاسةِ بَدَنِ المصلي، أو ثوبِه، أو بُقْعَتِه، ويأتي.
والصَّلواتُ المفروضاتُ خمسٌ في اليومِ والليلةِ، ولا يجبُ غيرُها إلا لعارضٍ؛ كالنذرِ.
(فَوَقْتُ الظُّهْرِ) وهي الأُولى: (مِنَ الزَّوَالِ)، أي: مَيْلِ الشَّمسِ
(1) رواه أحمد (3081)، وأبو داود (393)، والترمذي (149)، وابن خزيمة (325)، والحاكم (693)، من طريق نافع بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي:(حديث ابن عباس حديث حسن)، وصححه ابن خزيمة، والحاكم، وابن السكن، وأبو بكر بن العربي، وابن عبد البر، والذهبي، والنووي، والألباني، وحسنه البغوي.
قال ابن عبد البر: (تكلم بعض الناس في إسناد حديث ابن عباس هذا بكلام لا وجه له وهو والله كلهم معروفو النسب مشهورون بالعلم). ينظر: التمهيد 8/ 28، شرح السنة للبغوي 2/ 183، المجموع 3/ 43، البدر المنير 3/ 150، التلخيص الحبير 1/ 445، صحيح أبي داود 2/ 247.
(2)
رواه البخاري (135)، ومسلم (225)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
إلى المغربِ (1)، ويستمرُّ (إِلَى مُسَاوَاةِ الشَّيْءِ) الشاخصِ (فَيْئَهُ بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ)، أي: بعدَ الظلِّ الذي زالت عليه الشمسُ.
اعلم أنَّ الشَّمسَ إذا طَلَعت رُفِع لكلِّ شاخصٍ ظِلٌّ طويلٌ مِن جانِبِ المغربِ، ثم ما دامت الشَّمسُ ترتفعُ فالظلُّ يَنقُصُ، فإذا انتهت الشمسُ إلى وَسَطِ السَّماءِ - وهي حالةُ الاستواءِ - انتهى نُقصانُه، فإذا زاد أدنى زيادةً فهو الزَّوالُ، ويَقْصُرُ الظلُّ في الصَّيفِ؛ لارتفاعِها إلى الجوِّ، ويطولُ في الشِّتاءِ، ويختلِفُ بالشَّهرِ والبلدِ.
(وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ)، وتحصُلُ فضيلةُ التَّعجيلِ بالتأهُّبِ أولَ الوقتِ، (إِلَّا فِي شِدَّةِ حَرٍّ)، فيُستحبُ تأخيرُها إلى أن يَنْكَسِرَ؛ لحديثِ:«أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ» (2)، (وَلَوْ صَلَّى وَحْدَهُ) أو بِبَيْتِه، (أَوْ مَعَ غَيْمٍ لِمَنْ يُصَلِّي جَمَاعَةً)، أي: ويُستحبُ تأخيرُها مع غَيْمٍ إلى قُرْبِ وقْتِ العصرِ لمن يصلي جماعةً؛ لأنَّه وقتٌ يُخافُ فيه المطرُ والريحُ، وطُلِب (3) الأسهل بالخروجِ لهما معًا.
وهذا في غيرِ الجمعةِ، فيُسنُّ تقديمُها مطلقاً.
(وَيَلِيهِ (4)، أي: يلي وقتَ الظهرِ (وَقْتُ العَصْرِ) المختارُ، مِن
(1) في (ح): الغروب.
(2)
رواه البخاري (538)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
في باقي النسخ: فطلب.
(4)
في (ح): ويليها.
غيرِ فَصْلٍ بينهما، ويَستمرُّ (إِلَى مَصِيرِ الفَيْءِ مِثْلَيْهِ بَعْدَ فَيءِ الزَّوَالِ)، أي: بعدَ الظلِّ الذي زالت عليه الشَّمسُ، (وَ) وقتُ (الضَّرُورَةِ إِلَى غُرُوبِهَا)، أي: غروبِ الشَّمسِ، فالصلاةُ فيه أداءٌ، لكنْ يأثمُ بالتأخيرِ إليه لغيرِ عذرٍ.
(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا) مطلقًا.
وهي الصلاةُ الوسطى.
(وَيَلِيهِ وَقْتُ المَغْرِبِ)، وهي وِتْرُ النهارِ، ويَمتدُّ (إِلَى مَغِيْبِ الحُمْرَةِ)، أي: الشَّفَقِ الأحمرِ.
(وَيُسَنُّ تَعْجِيلُهَا، إِلَّا لَيْلَةَ جَمْعٍ)، أي: مُزْدَلِفَة، سُمِّيت جَمْعاً؛ لاجتماعِ الناسِ فيها، فيُسنُّ (لِمَنْ) يُباحُ له الجمعُ و (قَصَدَهَا مُحْرِماً)؛ تأخيرُ المغربِ ليجمَعَها مع العشاءِ تأخيراً، قبلَ حَطِّ رَحْلِه.
(وَيَلِيهِ وَقْتُ العِشَاءِ، إِلَى) طلوعِ (الفَجْرِ الثَّانِي)، وهو الصادِقُ، (وَهُوَ: البَيَاضُ المُعْتَرِضُ) بالمشرقِ، ولا ظُلْمةَ بعدَه، والأوَّلُ: مستطيلٌ، أزرقُ، له شعاعٌ ثم يُظْلِمُ.
(وَتَأْخِيرُهَا إِلَى) أنْ يُصَلِّيَها في آخرِ الوقتِ المختارِ، وهو (ثُلُثُ اللَّيْلِ؛ أَفْضَلُ إِنْ سَهُلَ)، فإن شقَّ، ولو على بعضِ المأمومين؛ كُرِه.
ويُكره النومُ قبلَها، والحديثُ بعدَها، إلا يسيراً، أو لشغلٍ، أو مع أهلٍ ونحوِه.
ويحرمُ تأخيرُها بعدَ الثُّلثِ بلا عذرٍ؛ لأنَّه وقت ضرورةٍ.
(وَيَلِيهِ وَقْتُ الفَجْرِ) مِن طلوعِه (إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ).
(وَتَعْجِيلُهَا أَفْضَلُ) مطلقاً.
ويجبُ التأخيرُ لتعلُّمِ فاتحةٍ، أو ذكرٍ واجبٍ أمْكَنَه تعلُّمُه في الوقتِ، وكذا لو أَمَرَه والدُه به ليصلِّي به، ويُسنُّ لحاقنٍ ونحوِه مع سَعةِ الوقتِ.
(وَتُدْرَكُ الصَّلَاةُ) أداءً (بِـ) إدراكِ تكبيرةِ (الإِحْرَامِ فِي وَقْتِهَا)، فإذا كبَّر للإحرامِ قبلَ طلوعِ الشَّمسِ أو غروبِها كانت كلُّها أداءً، حتى ولو كان التأخيرُ لغيرِ عذرٍ، لكنه آثمٌ.
وكذا وقتُ الجمعةِ يُدْركُ بتكبيرةِ الإحرامِ، ويأتي (1).
(وَلا يُصَلِّي) مَن جَهِل الوقتَ ولم تُمْكِنْه (2) مُشاهدةُ الدلائلِ (قَبْلَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ بِدُخُولِ وَقْتِهَا، إِمَّا بِاجْتِهَادٍ) ونظرٍ في الأدلةِ، أو له صَنعةٌ وجَرَت عادتُه بعملِ شيءٍ مقدَّرٍ إلى وقتِ الصلاةِ، أو جَرَت (3)
(1) انظر صفحة ....
(2)
تراجع (ق).
(3)
في (ب): وجرت.
عادتُه بقراءةِ شيءٍ مقدَّرٍ، ويُستحبُ له التأخيرُ حتى يَتَيَقَّنَ، (أَوْ) بـ (خَبَرِ) ثقةٍ (مُتَيَقِّنٍ)، كأن يقولَ: رأيتُ الفجرَ طالعاً، أو الشفقَ غائباً، ونحوُه، فإن أَخْبَر عن ظنٍّ؛ لم يُعمَل بخبرِه، ويُعمَلُ بأذانِ ثقةٍ عارفٍ.
(فَإِنْ أَحْرَمَ بِاجْتِهَادٍ)، بأن غلب على ظنِّه دخولُ الوقتِ لدليلٍ مما تقدَّم، (فَبَانَ) إحرامُه (قَبْلَهُ؛ فَـ) صلاتُه (نَفْلٌ)؛ لأنَّها لم تجبْ، ويُعيدُ فرضَه، (وإِلَّا) يتبينَ له الحالُ، أو ظَهَر أنه في الوقتِ؛ (فَـ) صلاتُه (فَرْضٌ)، ولا إعادةَ عليه؛ لأنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّتِه.
ويُعيدُ الأعمى العاجزُ مطلقاً إن لم يجدْ مَن يقلِّدُه.
(وَإِنْ أَدْرَكَ مُكَلَّفٌ مِنْ وَقْتِهَا)، أي: وقتِ فريضةٍ (قَدْرَ التَّحْرِيمَةِ)، أي: تكبيرةِ الإحرامِ، (ثُمَّ زَالَ تَكْلِيفُهُ) بنحوِ جنونٍ، (أَوْ) أدركت طاهرٌ (1) مِن الوقتِ قدرَ التحريمةِ، ثم (حَاضَتْ) أو نفِست (2)، (ثُمَّ كُلِّفَ) الذي كان زال تكليفُه، (وَطَهُرَتِ) الحائضُ أو النُّفساءُ (3)؛ (قَضَوْهَا)، أي: قضَوْا تلك الفريضةَ التي أدركوا مِن
(1) قال في هامش نسخة (ح): (قوله: (طاهر) هو الصواب وإثبات الهاء فيها وفي طالق لحن. كاتبه محمد).
(2)
قال في تحرير ألفاظ التنبيه (ص 45): (يقال: نفِست المرأة، بضم النون وفتحها، والفاء مكسورة فيهما، إذا ولدت، ويقال في الحيض: نَفست بفتح النون لا غير). وينظر: الصحاح (3/ 985)، والنهاية (5/ 95).
(3)
قال في المطلع (ص 58): (يقال لمن بها النفاس: نُفَساء -بضم النون وفتح الفاء-، وهي الفصحى، ونَفَساء -بفتحهما-، ونُفْساء -بضم النون واسكان بالفاء-، عن اللحياني في نوادره، واللغات الثلاث بالمد).
وقتِها قدرَ التحريمةِ قَبْلُ؛ لأنَّها وجبت بدخولِ وقتِها واستقرت، فلا تَسْقُطُ بوجودِ المانعِ.
(وَمَنْ صَارَ أَهْلاً لِوُجُوبِهَا)، بأن بَلَغ صبيٌّ، أو أسلَم كافرٌ، أو أفاقَ مجنونٌ، أو طهُرت حائضٌ أو نفساءُ (قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِهَا)، أي: وقتِ الصلاةِ، بأن وُجِد ذلك قبلَ الغروبِ مثلاً ولو بقدرِ تكبيرةٍ؛ (لَزِمَتْهُ)، أي: العصرُ، (وَمَا يُجْمَعُ إِلَيْهَا قَبْلَهَا) وهي الظهرُ، وكذا لو كان ذلك قبلَ الفجرِ لزِمته العشاءُ والمغربُ؛ لأنَّ وقتَ الثانيةِ وقتٌ للأُولى حالَ العذرِ، فإذا أدركَه المعذورُ فكأنه أدركَ وقتَها.
(وَيَجِبُ فَوْراً) ما لم يَنْضرَّ في بدنِه، أو معيشةٍ يحتاجُها، أو يحضرُ لصلاةِ عيدٍ، (قَضَاءُ الفَوَائِتِ مُرَتِّباً) ولو كثُرت.
ويُسنُّ صلاتُها جماعةً.
(وَيَسْقُطُ التَّرتِيبُ بِنِسْيَانِهِ)؛ للعذرِ، فإن نَسِي الترتيبَ بينَ الفوائتِ، أو بينَ حاضرةٍ وفائتةٍ حتى فَرَغ مِن الحاضرةِ؛ صحَّت، ولا يَسقطُ بالجهلِ.
(وَ) يَسقطُ الترتيبُ أيضاً (بِخَشْيَةِ خُرُوجِ وَقْتِ اخْتِيَارِ الحَاضِرَةِ)، فإن خَشي خروجُ الوقتِ قَدَّم الحاضرةَ؛ لأنَّها آكدُ.
ولا يجوزُ تأخيرُها عن وقتِ الجوازِ، ويجوزُ التأخيرُ لغرضٍ صحيحٍ؛ كانتظارِ رفقةٍ، أو جماعةٍ لها.
ومَن شكَّ فيما عليه مِن الصلواتِ، وتيقَّنَ سبْقَ الوجوبِ؛ أبرأ ذِمَّتَه يقيناً، وإن لم يَعلمْ وقتَ الوجوبِ، فمِمَّا تيقَّنَ وجوبَه.
(وَمِنْهَا)، أي: مِن شروطِ الصلاةِ: (سَتْرُ العَوْرَةِ)، قال ابنُ عبدِ البر:(أجمعوا على فسادِ صلاةِ مَن تَرَك ثوبَه وهو قادرٌ على الاستتارِ به وصلَّى عُرياناً)(1).
والسَّترُ - بفتحِ السينِ -: التغطيةُ، وبكسرِها: ما يُسترُ به.
والعورةُ لغةً: النقصانُ والشيءُ المستقبَحُ، ومنه كلمةٌ عوراءُ، أي: قبيحةٌ.
وفي الشرعِ: القُبُلُ والدُّبرُ، وكلُّ ما يُستحيى (2) منه، على ما يأتي تفصيلُه.
(فَيَجِبُ) سَترُها حتى عن نفسِه، وخلوةٍ، وفي ظلمةٍ، وخارجِ الصلاةِ، (بِمَا لَا يَصِفُ بَشَرَتَهَا)، أي: لونَ بَشَرَةِ العَورةِ مِن بياضٍ أو سوادٍ؛ لأنَّ السَّترَ إنما يَحصُلُ بذلك.
ولا يُعتبرُ أن لا يصِفَ حجمَ العُضوِ؛ لأنَّه لا يُمكِنُ التحرُّزُ عنه.
(1) التمهيد (6/ 379).
(2)
في (أ) و (ب) و (ق): يُستحى.
ويَكفي السَّترُ بغيرِ منسوجٍ؛ كورقٍ، وجلدٍ، ونباتٍ، ولا يجبُ بِباريَّةٍ (1)، وحصيرٍ، وحَفِيرةٍ، وطينٍ، وماءٍ كَدِرٍ لعَدَمِ؛ لأنه ليس بسترةٍ.
ويُباحُ كشفُها لتداوٍ، وتَخَّلٍ ونحوِهِما، ولزوجٍ، وسيدٍ، وزوجةٍ، وأمةٍ.
(وَعَوْرَةُ رَجُلٍ)، ومَن بَلَغ عشراً، (وَأَمَةٍ، وَأُمِّ وَلَدٍ)، ومكاتَبةٍ، ومُدَبَّرَةٍ، (وَمُعْتَقٍ بَعْضُهَا)، وحرَّةٍ مميِّزةٍ، ومراهقةٍ:(مِنَ السُّرَّةِ إِلَى الرُّكْبَةِ)، وليسَا من العورةِ.
وابنُ سبعٍ إلى عشرٍ: الفرجانِ.
(وَكُلُّ الحُرَّةِ) البالغةِ (عَوْرَةٌ، إِلَّا وَجْهَهَا)، فليس عورةً في الصلاةِ.
(وَتُسْتَحَبُّ صَلَاتُهُ فِي ثَوْبَيْنِ)؛ كالقميصِ والرداءِ، أو الإزارِ أو السَّراويلِ مع القميصِ.
(وَيَكْفِي سَتْرُ عَوْرَتِهِ)، أي: عورةِ الرَّجلِ (فِي النَّفْلِ، وَ) سَتْرِ عورتِه (مَعَ) جميعِ (أَحَدِ عَاتِقَيْهِ فِي الفَرْضِ)، ولو بِما يصِفُ
(1) قال في المطلع (ص 414): (البارِيَّة، بالتشديد: هي المنسوجة من القصب، يقال لها: باري، وبارية، وبوري، بتشديد الثلاث، وبارياء، وبورياء ممدودان: خمس لغات).
البَشَرةَ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «لا يُصَلِّي الرَّجُلُ فِي الثَّوْبِ الوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى عَاتِقِهِ مِنْهُ شَيْءٌ» رواه الشيخان عن أبي هريرةَ (1).
(وَ) تُستحبُ (صَلَاتُهَا)، أي: صلاةُ المرأةِ: (فِي دِرْعٍ)، وهو القميصُ، (وَخِمَارٍ)، وهو ما تضعُه على رأسِها وتُديرُه تحتَ حَلْقِها، (وَمِلْحَفَةٍ)، أي: ثوبٍ تَلتحِفُ به.
وتُكره صلاتُها في نقابٍ وبُرقُعٍ (2).
(وَيُجْزِئُ) المرأةُ (سَتْرُ عَوْرَتِهَا) في فرضٍ ونفلٍ.
(وَمَنِ انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ) في الصلاةِ، رجلاً كان أو امرأةً، (وفَحُشَ) عُرفاً وطال الزَّمنُ؛ أعاد.
وإن قَصُر الزمنُ، أو لم يَفحُشْ المكشوفُ ولو طال الزَّمنُ؛ لم يُعِد إن لم يتعمَّدْه.
(أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِ)؛ كمغصوبٍ كلِّه أو بعضِه، وحريرٍ ومنسوجٍ (3) بذهبٍ أو فِضةٍ إن كان رجلاً واجداً غيرَه، وصلَّى فيه عالماً ذاكراً؛ أعاد.
(1) رواه البخاري (359)، ومسلم (516)، بلفظ:«لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقيه شيء» ، واللفظ الذي ذكره المؤلف أخرجه أحمد (7307).
(2)
البُرْقُعُ والبُرْقَعُ والبُرْقُوعُ: كقنفذ وجندب وعصفور، وهو شيء يلبس على الوجه يكون للنساء والدواب، وفيه خرقان للعينين. ينظر: تهذيب اللغة 3/ 188، القاموس المحيط 20/ 319.
(3)
في (ق): أو منسوج.
وكذا إذا صلَّى في مكانِ غَصبٍ، (أَوْ) صلَّى في ثوبٍ (نَجِسٍ؛ أَعَادَ)، ولو لعدمِ غيرِه، (لَا مَنْ حُبِسَ فِي مَحَلِّ) غصبٍ، أو (نَجِسٍ)، ويَركعُ ويَسجدُ إن كانت النجاسةُ يابسةً، ويُومئ برَطْبَةٍ غايةَ ما يُمْكِنُه، ويجلسُ على قدميه.
ويُصلِّي عرياناً مع ثوبٍ مغصوبٍ لم يجد غيرَه، وفي حريرٍ ونحوِه لعدمِ غيرِه (1).
ولا يصحُّ نَفلُ آبِقٍ.
(وَمَنْ وَجَدَ كِفَايَةَ عَوْرَتِهِ سَتَرَهَا) وجوباً، وتَرَك غيرَها؛ لأنَّ سَترَها واجبٌ في غيرِ الصَّلاةِ، ففيها أوْلَى.
(وَإِلَّا) يجد ما يَستُرُها كلَّها بل بعضَها، (فَـ) ليستُرْ (الفَرْجَينِ)؛ لأنَّهما أفحشُ، (فَإِنْ لَمْ يَكْفِهِمَا) وكفى أحدَهما؛ (فَالدُّبُر) أَوْلى؛ لأنَّه يَنفرِجُ في الركوعِ والسجودِ، إلا إذا كَفَتْ مَنْكِبَه وعجُزَه فقط، فيسترُهما ويصلِّي جالساً.
ويلزمُ العُريانَ تحصيلُ السُّترةِ بثمنِ أو أجرةِ مثلِها، أو زائدٍ يسيراً.
(1) في (أ) و (ب): لعدم غيره، ولا يعيد.
(وَإِنْ أُعِيرَ سُتْرَةً لَزِمَهُ قَبُولُهَا)؛ لأنَّه قادرٌ على سَترِ عَورتِه بما لا ضَرَر فيه، بخلافِ الهبةِ؛ للمنَّةِ، ولا يَلزمُه استعارتُها.
(وَيُصَلِّي العَارِي) العاجزُ عن تحصيلِها (قَاعِداً)، ولا يَتربعُ بل يَنضامُّ، (بِالإِيماءِ اسْتحبَاباً فِيهِمَا)، أي: في القُعودِ، والإيماءِ بالرُّكوعِ والسجودِ، فلو صلَّى قائماً، وركع وسجد جاز.
(وَيَكُونُ إِمَامُهُمْ)، أي: إمامُ العُراةِ (وَسْطَهُمْ)(1)، أي: بينَهم وجوباً، ما لم يكونوا عُمْياً (2) أو في ظلمةٍ.
(وَيُصَلِّي كُلُّ نَوْعٍ) مِن رجالٍ ونساءٍ (وَحْدَهُ) لأنفسِهِم إن اتَّسع محَلُّهم، (فَإِنْ شَقَّ) ذلك (صَلَّى الرِّجَالُ وَاسْتَدْبَرَهُم النِّسَاءُ، ثُمَّ عَكَسُوا)، فصلَّى النساءُ واستدبرَهنَّ الرِّجالُ.
(فَإِنْ وَجَدَ) المصلِّي عُرياناً (سُتْرَةً قَرِيبَةً) عُرفًا (فِي أَثْنَاءِ الصَّلاةِ؛ سَتَرَ) بها عورتَه، (وَبَنَى (3) على ما مضى من صلاتِه، (وَإِلَّا) يجدها قريبةً بل وَجَدها بعيدةً؛ (ابْتَدَأَ) الصلاةَ بعد سَترِ عورتِه.
(1) وسْطهم: بتسكين السين، لأنه ظرف، قال في الصحاح (3/ 1168):(يقال: جلست وَسْط القومِ بالتسكين؛ لأنَّه ظرف، وجلست في وَسَطِ الدار بالتحريك؛ لأنه اسم، وكل موضع صلح فيه (بين) فهو (وسْط)، وإن لم يصلح فيه (بين) فهو (وسَط) بالتحريك، وربما سكن وليس بالوجه).
(2)
في (ح): عمياناً.
(3)
في (ح): ويبني.
وكذا مَن عَتَقَت فيها واحتاجت إليها.
(وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ السَّدْلُ)، وهو طرحُ ثوبٍ على كَتِفيْه، ولا يَردُّ طرفَه على الآخرِ (1).
(وَ) يُكره فيها (اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ)، بأن يَضْطَبِعَ (2) بثوبٍ ليس عليه غيرُه، والاضطباعُ: أن يَجعلَ وسَطَ الرداءِ تحتَ عاتِقِه الأيمنِ، وطَرَفَيْه على عاتقِه الأيسرِ، فإن كان تحتَه ثوبٌ غيرُه لم يُكره.
(وَ) يُكره في الصلاةِ (تَغْطِيَةُ وَجْهِهِ، وَاللِّثَامُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْفِهِ) بلا سببٍ؛ «لنَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رواه أبو داودَ (3)، وفي
(1) في (أ) و (ق): الأخرى.
(2)
يَضْطَبِعَ: على وزن يفتعل، من الضبع، وهو العضد؛ لأنه لما وقعت تاء الافتعال بعد حرف الإطباق الضاد وجب قلبها طاء؛ لأن التاء من حروف الهمس، والطاء من حروف الاستعلاء، فأبدل من التاء حرف استعلاء من مخرجها، وسمي هذا اضطباعاً لإبداء الضبعين. ينظر: المطلع ص 81.
(3)
رواه أبو داود (643)، وابن ماجه (966)، وابن خزيمة (772)، وابن حبان (2353)، والحاكم (931)، من طريق الحسن بن ذكوان، عن سليمان بن الأحول، عن عطاء، عن أبي هريرة، ولفظه:«نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطي الرجل فاه» ، قال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبي، وصححه ابن حبان، وحسن إسناده العراقي، والألباني.
قال ابن المنذر: (وأما حديث ابن المبارك، عن الحسن بن ذكوان، فقد ضعفه بعض أصحابنا، وضعف الحسن بن ذكوان)، وتوقف في ذلك النووي فقال:(فيه الحسن بن ذكوان وقد ضعفه يحيى بن معين، والنسائي، والدارقطني، لكن روى له البخاري في صحيحه وقد رواه أبو داود ولم يضعفه، والله أعلم)، قال الساجي:(إنما ضُعف لمذهبه)، ولذا قال ابن حجر:(صدوق يُخطئ ورمي بالقدر). ينظر: المجموع 3/ 179، تهذيب التهذيب 2/ 277، تقريب التهذيب ص 161، صحيح أبي داود 3/ 209.
تغطيةِ الفمِ تشبُّهٌ بفعلِ المجوسِ عند عبادتِهِم النِّيرانِ.
(وَ) يُكره فيها (كَفُّ كُمِّهِ)، أي: أن يكفَّه عن السُّجودِ معه، (وَلَفُّهُ)، أي: لفُّ كُمِّه بلا سببٍ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم: «وَلَا أَكُفَّ شَعْراً وَلَا ثَوْباً» متفقٌ عليه (1).
(وَ) يُكره فيها (شَدُّ وَسَطِهِ كَزُنَّارٍ)(2)، أي: بما يُشبِه شدَّ (3) الزُّنَّارِ؛ لما فيه مِن التَّشبُّهِ بأهلِ الكتابِ، وفي الحديثِ (4):«مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» رواه أحمدُ وغيرُه بإسنادٍ صحيحٍ (5).
(1) رواه البخاري (809)، ومسلم (490)، من حديث عبد الله بن عباس.
(2)
زُنّار: على وزن تفاح، والجمع: زنانير، وهو خيط غليظ بقدر الإصبع من الإبرسيم يشد على الوسط. ينظر: المصباح المنير 1/ 256، التعريفات ص 115.
(3)
في (ب): بشد.
(4)
في (ح): لحديث.
(5)
رواه أحمد (5115)، وأبو داود (4031)، من طريق عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن حسان بن عطية، عن أبي منيب الجرشي، عن ابن عمر. صححه ابن تيمية والألباني، وحسَّن إسناده ابن حجر. وابن ثوبان مختلف فيه، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ).
وأعله الزيلعي بقوله: (وابن ثوبان ضعيف)، وضعف إسناده السيوطي.
وله شاهد مرسل عند ابن أبي شيبة (33010)، من طريق الأوزاعي عن سعيد بن جبلة، عن طاوس مرسلاً، وحسن إسناده ابن حجر. ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم 1/ 43، فتح الباري 10/ 271، تقريب التهذيب ص 337، نصب الراية 4/ 347، الدرر المنتثرة ص 182، الإرواء 5/ 109.
ويُكره للمرأةِ شدُّ وسَطِها في الصلاةِ مُطلقاً.
ولا يُكره للرَّجلِ بما لا يُشْبِه الزُّنَّارِ.
(وَتَحْرُمُ الخُيَلَاءُ فِي ثَوْبٍ وَغَيْرِهِ)، مِن عِمامةٍ وغيرِها، في الصلاةِ وخارِجِها، في غيرِ الحربِ؛ لقولِه عليه السلام:«مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللهُ إِلَيْهِ» متفقٌ عليه (1).
ويجوزُ الإسبالُ مِن غيرِ خُيلاءَ للحاجةِ.
(وَ) يحرمُ (التَّصْوِيرُ)، أي: على صورةِ حيوانِ؛ لحديثِ الترمذي وصحَّحه: «نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصُّورَةِ فِي البَيْتِ، وَأَنْ تُصْنَعَ» (2)، وإن أُزيل مِن الصُّورةِ ما لا تَبقى معه حياةٌ؛ لم يُكره.
(وَ) يحرمُ (اسْتِعْمَالُهُ)، أي: المُصَوَّرِ، على الذَّكرِ والأنثى، في لُبْسٍ، وتعليقٍ، وسَترِ جُدُرٍ، لا افتراشُه، وجعلُه مِخَدًّا (3).
(وَيَحْرمُ) على الذَّكرِ (اسْتِعْمَالُ مَنْسُوجٍ) بذهبٍ أو فضَّةٍ، (أَوْ)
(1) رواه البخاري (3665)، ومسلم (2085) بمعناه، من حديث ابن عمر.
(2)
رواه الترمذي (1749)، وأخرجه أحمد (15125)، من حديث جابر بن عبدالله، قال الترمذي: حسن صحيح.
(3)
قال النووي: (المخاد: بفتح الميم، جمع مخدة بكسرها، مشتقة من الخد؛ لأنه يوضع عليها). ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 258.
استعمالُ (مُمَوَّهٍ بِذَهَبٍ) أو فضَّةٍ، غيرَ ما يأتي في الزَّكاةِ مِن أنواعِ الحلي (1)، (قَبْلَ اسْتِحَالَتِهِ)، فإن تغيَّر لونُه ولم يَحصلْ منه شيءٌ بِعَرْضِه على النَّارِ لم يحرمْ؛ لعدمِ السَّرَفِ والخيلاءِ.
(وَ) تحرمُ (ثِيَابُ حَرَيرٍ، وَ) يحرمُ (مَا)، أي: ثوبٌ (هُوَ)، أي: الحريرُ (أَكْثَرُهُ ظُهُوراً) مما نُسِج معه، (عَلَى الذُّكُورِ)، والخَناثَى (2)، دونَ النِّساءِ، لُبْساً بلا حاجةٍ، وافتراشاً، واستناداً، وتعليقاً، وكتابةَ مهرٍ، وسَتْرَ جُدُرِ غيرِ الكعبةِ المشرفةِ؛ لقولِه صلى الله عليه وسلم:«لَا تَلْبَسُوا الحَرِيرَ، فَإِنَّهُ مَنْ لَبِسَهُ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الآخِرَةِ» متفق عليه (3)، وإذا (4) فَرَش فوقَه حائلاً صفيقاً؛ جاز الجلوسُ عليه والصلاةُ.
(لا إِذَا اسْتَوَيَا)، أي: الحريرُ وما نُسِج معه ظُهوراً، ولا الخَزُّ، وهو ما سُدِي (5) بالإبْريسم (6) وأُلْحِم بصوفٍ أو قُطنٍ ونحوِه، (أَوْ)
(1) انظر صفحة .....
(2)
الخُنْثَى: الذي له ما للرجال والنساء جميعاً، والجمع الخَناثى بفتح، مثل الحبالى. ينظر: الصحاح (1/ 281)، أنيس الفقهاء ص 59.
(3)
رواه البخاري (5830)، ومسلم (2069)، من حديث عمر بن الخطاب.
(4)
في (ح): فإذا.
(5)
قال في المصباح المنير (1/ 271): (السدى -وزان الحصى- من الثوب: خلاف اللحمة، وهو ما يمد طولاً في النسج).
(6)
قال في المطلع (429): (الإِبْرِيسَمُ: هو الحرير، قال أبو منصور: هو أعجمي معرَّب، بفتح الألف والراء، وقيل: بكسر الألف وفتح الراء، قال ابن الأعرابي: هو الإبريسم، بكسر الهمزة والراء وفتح السين، قال: وليس في الكلام إفعيلَل، ولكن إفعيلِلْ، كإهْلِيلِج).
لُبِسَ الحريرُ الخالِصُ (لِضَرُورَةٍ، أَوْ حِكَّةٍ، أَوْ مَرَضٍ)، أو قَمْلٍ، (أَوْ حَرْبٍ)، ولو بلا حاجةٍ، (أَوْ) كان الحريرُ (حَشْواً) لجِبابٍ، أو فُرُشٍ، فلا يحرمُ؛ لعدمِ الفخرِ والخيلاءِ، بخلافِ البِطانةِ.
ويحرمُ إلباسُ صبيٍّ ما يحرمُ على رجلٍ، وتشبُّه رجلٍ بأنثى في لباسٍ وغيرِه، وعكسُه.
(أَوْ كَانَ) الحريرُ (عَلَماً)، وهو طرازُ الثَّوبِ، (أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَمَا دُونُ، أَوْ) كان (رِقَاعاً، أَوْ لَبِنَةَ جَيْبٍ (1) وهي الزِّيقُ (2)، (وَسُجُفَ فِرَاءٍ)(3)،
جمعُ فروةٍ، ونحوِها مما يُسَجَّفُ، فكلُّ ذلك يُباحُ مِن الحريرِ إذا كان قدرَ أربعِ أصابعَ فأقلَّ؛ لما روى مسلمٌ عن عمرَ:«أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ لُبْسِ الحَرِيرِ إِلَّا مَوْضِعَ إِصْبَعَيْنِ، أَوْ ثَلَاثةٍ، أَوْ أَرْبَعةٍ» (4).
(1) قال في المطلع (82): (لَبِنة الجيب: بفتح اللام وكسر الباء، قال ابن السكيت: ومن العرب من يقول: لِبْنَةٌ ولِبْنٌ، مثل لبدة ولبد، قال صاحب المطالع: جيب القميص، طوقه، الذي يخرج منه الرأس).
(2)
زيق القميص، بالكسر: ما أحاط بالعنق منه. ينظر: القاموس المحيط ص 892.
(3)
السَّجف: بالفتح، ويكسر، وسِّجاف، ككتاب، جمعه: سجوف، وأسجاف، وجمع السِّجاف: سُجُف، ككتب، هذا هو الأصل، ثم استُعير لما يركب على حواشي الثوب، والسَّجْف: الستران المقرونان بينهما فرجة. ينظر: تاج العروس 23/ 414.
وقال في المطلع (82): (سجف: جمع سجاف، بضم الجيم وسكونها، والفِراء: بكسر الفاء ممدودًا، واحده: فرو بغير هاء عن الجوهري، وحكى ابن فارس: في المجمل: فَرْوَةٌ بالهاء، وكذا حكاه الزبيدي، في مختصر العين).
(4)
رواه مسلم (2069).
ويباحُ أيضاً كيسُ مُصحفٍ، وخياطةٌ به، وأزرارٌ.
(وَيُكْرَهُ المُعَصْفَرُ) في غيرِ إحرامٍ، (وَ) يُكره (المُزَعْفَرُ لِلرِّجَالِ)؛ لأنَّه عليه السلام:«نَهَى الرِّجَالَ عَنِ التَّزَعْفُرِ» متفق عليه (1).
ويُكره الأحمرُ الخالِصُ، والمشي بنعلٍ واحدةٍ، وكونُ ثيابِه فوقَ نِصفِ ساقِه أو تحتَ كعبِه بلا حاجةٍ، وللمرأةِ زيادةٌ إلى ذراعٍ.
ويُكره لُبْسُ الثَّوبِ الذي يَصِفُ البَشَرةَ للرَّجلِ والمرأةِ، وثوبُ الشُّهرةِ، وهو ما يُشْتَهرُ به عند الناسِ، ويُشَارُ إليه بالأصابعِ.
(وَمِنْهَا)، أي: مِن شروطِ الصلاةِ: (اجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ (2) حيثُ لم يُعْفَ عنها بدنِ (3) المصلي، وثوبِه، وبقعتِه (4)، وعدمِ حملِها؛ لحديثِ:«تَنَزَّهُوا مِنَ البَوْلِ، فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ القَبْرِ مِنْهُ» (5)،
وقولُه تعالى: (وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ)[المدثر: 4].
(1) رواه البخاري (5846)، ومسلم (2101)، من حديث أنس بن مالك.
(2)
في (ب): النجاسات.
(3)
في (ق) و (ح): ببدن.
(4)
في (أ) و (ق) و (ح): بقعتهما. وفي (ب): بقعتهما، أي: البدن والثوب.
(5)
رواه الدارقطني (459)، من حديث أنس بن مالك، قال الدارقطني:(والمحفوظ مرسل)، ورجح أبو زرعة الموصول، وقال الذهبي:(سنده وسط)، وصححه الألباني.
وله شاهد عند الطبراني (11120)، والدارقطني (466)، من حديث ابن عباس بلفظ:«عامة عذاب القبر من البول، فتنزهوا من البول» . قال الدارقطني: (لا بأس به)، وحسنه النووي وابن الملقن، وقال ابن حجر:(وإسناده حسن ليس فيه غير أبي يحيى القتات، وفيه لين).
وله شاهد آخر عند أحمد (8331)، وابن ماجه (348)، والدارقطني (465)، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة ولفظه:«أكثر عذاب القبر من البول» ، صححه البخاري وابن خزيمة والدارقطني وابن الملقن، وقال الحاكم:(صحيح على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبي والألباني.
وقال أبو حاتم: (هذا حديث باطل - يعني: المرفوع -)، وقال الدارقطني:(يرويه الأعمش، واختلف عنه، فأسنده أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه ابن فضيل، فوقَّفه، ويشبه أن يكون الموقوف أصح). ينظر: العلل الكبير ص 42، علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 461 - 3/ 558، علل الدارقطني 8/ 208، خلاصة الأحكام 1/ 174، تنقيح التحقيق للذهبي ص 129، البدر المنير 2/ 323، التلخيص الحبير 1/ 311، الإرواء 1/ 310.
(فَمَنْ حَمَلَ نَجَاسَةً لَا يُعْفَى عَنْهَا)، ولو بقارورةٍ؛ لم تصحَّ صلاتُه، فإن كانت معفوًّا عنها؛ كمن حَمَل مستجْمِراً، أو حيواناً طاهراً؛ صحَّت صلاتُه.
(أَوْ لَاقَاهَا)، أي: لاقى نجاسةً لا يُعفى عنها، (بِثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ)؛ لعدمِ اجتنابِه النَّجاسةِ.
وإن مسَّ ثوبُه ثوباً أو حائطاً نجِساً لم يَستندْ إليه، أو قابلَها راكعاً أو ساجِداً ولم يُلاقِها؛ صحَّت.
(وَإِنْ طَيَّنَ أَرْضاً نَجِسَةً، أَوْ فَرَشَهَا طَاهِراً) صفيقاً، أو بَسَطَه على حيوانٍ نجسٍ، أو صلَّى على بساطٍ باطِنُهُ فقط نجسٌ؛ (كُرِهَ) له ذلك؛ لاعتمادِه على ما لا تصحُّ الصلاةُ عليه، (وَصَحَّتْ)؛ لأنه ليس حاملاً للنَّجاسةِ، ولا مُباشِراً لها.
(وَإِنْ كَانَت) النجاسةُ (بِطَرَفِ مُصَلَّى مُتَّصِلٍ؛ صَحَّتْ) الصلاةُ على الطَّاهرِ ولو تحرَّك النَّجِسُ بحركتِه، وكذا لو كان تحتَ قدمِه حبلٌ مشدودٌ في نجاسةٍ وما يُصلِّي عليه منه طاهرٌ، (إِنْ لَمْ) يَكُن متعلِّقاً به بيدِه أو وَسَطِه بحيثُ (يَنْجَرَّ) معه (بِمَشْيِهِ) فلا تصحُّ؛ لأنَّه مُسْتَتْبِعٌ لها فهو كحامِلِها، وإن كان (1) سفينةً كبيرةً أو حيواناً كبيراً لا يَقْدِر على جَرِّه إذا استعصى عليه؛ صحَّت؛ لأنَّه ليس بِمُسْتَتْبِعٍ لها.
(وَمَنْ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً بَعْدَ صَلَاتِهِ، وَجَهِلَ كَوْنَهَا)، أي: النجاسةِ (فِيهَا)، أي: في الصَّلاةِ؛ (لَمْ يُعِدْ) ها؛ لاحتمالِ حدوثِها بعدَها، فلا تَبطلُ بالشَّكِّ.
(وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا)، أي: النجاسةَ (كَانَتْ فِيهَا)، أي: في الصلاةِ (لَكِنْ جَهِلَها أَوْ نَسِيهَا (2)؛ أَعَادَ)، كما لو صلَّى محدِثاً ناسياً.
(وَمَنْ جُبِرَ عَظْمُهُ بِـ) عَظْمٍ (نَجِسٍ)، أو خِيطَ جُرْحُه بخَيْطٍ نجِسٍ وصحَّ؛ (لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ مَعَ الضَّرَرِ) بفواتِ نفسٍ، أو عُضوٍ (3)، أو مرضٍ، ولا يَتيمَّمُ له إن غطَّاه اللحمُ.
وإن لم يَخَف ضرراً لَزِمه قَلْعُه.
(1) في (ح): كانت.
(2)
في (أ) و (ب): نسيها أو جهلها.
(3)
في (ب): عضو فيه.
(وَمَا سَقَطَ مِنْهُ)، أي: من آدمي، (مِنْ عُضْوٍ أَوْ سِنٍّ فَـ) هو (طَاهِرٌ)، أعاده أو لم يُعِده؛ لأنَّ ما أُبين مِن حيٍّ كميتتِهِ (1)، وميتةُ الآدمي طاهِرةٌ.
وإن جَعل موضِعَ سِنِّه سنَّ شاةٍ مُذكَّاةٍ؛ فصلاتُه معه صحيحةٌ، ثَبَتت أو لم تَثبت.
ووَصْلُ المرأةِ شعرَها بشعرٍ حرامٌ.
ولا بأس بوصلِه بقَرامِلَ (2)، وهي الأَعْقِصَةُ (3)، وتركُها أفضلُ.
ولا تصحُّ الصلاةُ إن كان الشعرُ نَجِساً.
(وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ) بلا عذرٍ، فرضاً كانت أو نفلاً، غيرَ صلاةِ جنازةٍ، (فِي مَقْبرةٍ)، بتثليثِ الباءِ (4)، ولا يَضرُّ قبران، ولا ما دُفِن بدارِه.
(1) في (ب) و (ق): فهو كميتته.
(2)
القرامل: ضفائر من شعر أو صوف أو إبريسم، تصل به المرأة شعرها، والقَرمل بالفتح: نبات طويل الفروع ليِّن. ينظر: النهاية في غريب الحديث 4/ 51.
(3)
قال في العين (1/ 127): (العقص: أخذك خصلة من شعر فتلويها ثم تعقدها حتى يبقى فيها التواء، ثم ترسلها، فكل خصلة عقيصة، وجمعها عقائص وعقاص).
(4)
قال في المطلع (ص 83): (مقبَرة -بفتح الباء- القياس، والضم المشهور، والكسر قليل، وكل ما كثر في مكان جاز أن يبنى من اسمه مَفْعَلَةٌ، كقولهم: أرض مسبعة؛ لما كثر فيها السباع، ومذابة، لما كثر فيها الذئاب).
(وَ) لا في (حشٍّ)، بضمِّ الحاءِ وفتحِها، وهو المِرْحاضُ.
(وَ) لا في (حَمَّامٍ)، داخلِه وخارجِه، وجميعِ ما يتبعُه في البيعِ.
(وَأَعْطَانِ إِبِلٍ)، واحِدُها عطَن، بفتحِ الطاءِ، وهي المعاطنُ، جمع مَعْطِن، بكسرِ الطاءِ، وهي ما تُقيم فيها وتأوي إليها (1).
(وَ) لا في (مَغْصُوبٍ)، ومجزرةٍ (2)، ومزبلةٍ (3)، وقارعةِ طريقٍ.
(وَ) لا في (أَسْطِحَتِهَا)، أي: أسطحةِ تلك المواضِعِ، وسطحِ نهرٍ، والمنعُ فيما ذُكِر تعبديٌّ؛ لما روى ابنُ ماجه، والترمذي عن ابنِ عمرَ: «أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ:
(1) قال في المطلع (ص 84): (أعطان الإبل: واحدها عطن -بفتح العين والطاء-، قال الجوهري: والعَطَن، والمَعْطِنُ واحد الأعطان والمعاطن، وهي: مبارك الإبل عند الماء لتشرب عَلَلاً بعد نهل، فإذا استوفت رُدَّت إلى المراعي، وعَطَنَتِ الإبل بالفتح، تَعْطُنُ وتَعْطِن، عُطُونًا، إذا رويت، ثم بركت، وقال ابن فارس: أعطان الإبل: ما حول الحوض والبئر من مبارك الإبل، ثم توسع في ذلك، فصار أيضاً اسماً لما تقيم فيه، وتأوي إليه).
(2)
قال في المطلع (ص 84): (المجزرة: المكان الذي تجزر فيه المواشي، قال الجوهري: وجزرت الجزور، أَجْزُرُها بالضم واجتزرتها، إذا نحرتها، والمجزر -بالكسر-: موضع جزرها).
(3)
المزبلة: موضع الزبل، بفتح الباء وضمها. ينظر: المطلع ص 84.
المَزْبَلَةِ، وَالمَجْزَرَةِ، وَالمَقْبَرَةِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَفي الحَمَّامِ، وَفي (1) مَعَاطِنِ الإِبِلِ، وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ الله (2)» (3).
(وَتَصِحُّ) الصلاةُ (إِلَيْهَا)، أي: إلى تلكَ الأماكنِ مع الكراهةِ إن لم يَكُن حائلٌ.
وتصحُّ صلاةُ الجنازةِ، والجمعةِ، والعيدِ ونحوِها بطريقٍ لضرورةٍ وغصبٍ.
(1) قوله: (في) سقطت من (ب).
(2)
في (ق): بيت الله الحرام.
(3)
رواه الترمذي (346)، وابن ماجه (746)، من طريق زيد بن جبيرة، عن داود بن الحصين، عن نافع، عن ابن عمر. قال الترمذي:(إسناده ليس بذاك القوي، وقد تُكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه)، وقال البيهقي:(تفرد به زيد بن جبيرة)، وقال الساجي:(حدث عن داود بن الحصين بحديث منكر جداً) ، يعنى هذا الحديث، وضعف الحديث ابن الجوزي أيضاً.
ورواه ابن ماجه (747)، من طريق عبد الله بن عمر العمري، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر مرفوعاً، وقال ابن حجر:(وفي سند الترمذي زيد بن جبيرة، وهو ضعيف جداً، وفي سند ابن ماجه عبد الله بن صالح، وعبد الله بن عمر العمري المذكور في سنده، ضعيف أيضاً، ووقع في بعض النسخ بسقوط عبد الله بن عمر بين الليث ونافع فصار ظاهره الصحة)، وسأل ابن أبي حاتم أباه عن الحديث بإسناديه فقال:(جميعاً واهيين)، وضعفهما العقيلي والألباني، وذكر العقيلي رسالة عبد الله بن نافع إلى الليث بن سعد يذكر فيها بطلان الحديث. ينظر: علل الحديث 2/ 338، الضعفاء للعقيلي 2/ 71، العلل المتناهية 1/ 401، تهذيب التهذيب 3/ 401، التلخيص الحبير 1/ 532، الإرواء 1/ 318.
وتصحُّ الصلاةُ على راحلةٍ بطريقٍ، وفي سفينةٍ، ويأتي.
(وَلَا تَصِحُّ الفَرِيضَةُ فِي الكَعْبَةِ، وَلَا فَوْقَهَا)، والحِجْرُ منها.
وإن وَقَف على مُنتهاها بحيثُ لم يَبْقَ وراءه شيءٌ منها، أو وَقَف خارِجَها وسَجَد فيها؛ صحَّت؛ لأنَّه غيرُ مستدبرٍ لشيءٍ منها.
(وَتَصِحُّ النَّافِلَةُ) والمنذورةُ فيها وعليها (بِاسْتِقْبَالِ شَاخِصٍ مِنْهَا)، أي: مع استقبالِ شاخِصٍ مِن الكعبةِ، فلو صلَّى إلى جهةِ البابِ أو على ظهرِها ولا شاخِصَ متصلٌ بها؛ لم تصحَّ، ذكره في المغني (1)، والشرحِ (2) عن الأصحابِ؛ لأنَّه غيرُ مستقبِلٍ لشيءٍ منها، وقال في التَّنقيحِ:(اختاره الأكثرُ)(3).
وقال في المغني: (الأَوْلى أنَّه لا يُشترطُ؛ لأنَّ الواجبَ استقبالُ موضِعِها وهوائها دونَ حيطانِها)(4)، ولهذا تصحُّ على أبي قُبَيْس (5)
(1)(2/ 55).
(2)
(1/ 482).
(3)
(ص 84).
(4)
(2/ 55).
(5)
في (ب) و (ح): جبل أبي قبيس.
وأبو قُبَيس: بضم القاف وفتح الباء، قال في معجم البلدان (1/ 80):(اسم الجبل المشرف على مكة، وجهه إلى قعيقعان ومكة بينهما، أبو قبيس من شرقيّها، وقعيقعان من غربيّها، قيل: سمّي باسم رجل من مذحج، كان يكنّى أبا قبيس؛ لأنه أول من بنى فيه قبّة).
وهو أعلى منها، وقدَّمه في التَّنقيحِ (1)، وصحَّحه في تصحيحِ الفروعِ (2)، قال (3) في الإنصافِ:(وهو المذهبُ على ما اصطلحناه)(4).
ويُستحبُّ نفلُه في الكعبةِ بين الأُسطوانتين (5)، وِجاهَه إذا دَخَل؛ لفعلِه عليه السلام (6).
(وَمِنْهَا)، أي: مِن شروطِ الصلاةِ: (اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ) أي: الكعبةِ أو جهتِها، سُمِّيت قبلةً؛ لإقبالِ الناسِ عليها، قال تعالى:(فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ)[البقرة: 144].
(فَلَا تَصِحُّ) الصلاةُ (بِدُونِهِ)، أي: بدونِ الاستقبالِ، (إِلَّا لِعَاجِزٍ)؛ كالمربوطِ لغيرِ القبلةِ، والمصلوبِ، وعندَ اشتدادِ الحربِ.
(1)(ص 44).
(2)
(2/ 113).
(3)
في (ح): وقال.
(4)
(1/ 498).
(5)
الأُسطوانة، بالضم: السارية، والغالب عليها أنها تكون من بناء، بخلاف العمود فإنه من حجر واحد. ينظر: المصباح المنير 1/ 276، تاج العروس 35/ 286.
(6)
أخرجه البخاري (468)، ومسلم (1329)، من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ولفظه عند البخاري:«أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم مكة، فدعا عثمان بن طلحة، ففتح الباب، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة، ثم أغلق الباب، فلبث فيه ساعة ثم خرجوا، قال ابن عمر: فبدرت فسألت بلالاً، فقال: صلَّى فيه، فقلت: في أي؟ قال: بين الأسطوانتين، قال: ابن عمر: فذهب عليّ أن أسأله كم صلى» .
(وَ) إلا (لِمُتَنَفِّلٍ رَاكبٍ سَائِرٍ) لا نازلٍ، (فِي سَفَرٍ) مباحٍ، طويلٍ أو قصيرٍ، إذا كان يَقصِدُ جهةً معينةً، فله (1) أن يَتطوَّعَ على راحلتِه حيثما تَوجهت به، (وَيَلْزَمُهُ افْتِتَاحُ الصَّلَاةِ) بالإحرامِ إن أمكنه، (إِلَيْهَا)، أي: إلى القبلةِ بالدَّابَّةِ أو بنفسه، ويركعُ ويسجدُ إن أمكن بلا مشقةٍ، وإلا فإلى جهةِ سيرِه، ويُومئ بهما، ويجعلُ سجودَه أخفضَ (2).
وراكِبُ المِحَفَّةِ (3) الواسعةِ، والسَّفينةِ، والراحلةِ الواقفةِ؛ يَلزمُه الاستقبالُ في كلِّ صلاتِه.
(وَ) إلا لمسافرٍ (مَاشٍ)؛ قياساً على الرَّاكبِ، (وَيَلْزَمُهُ)، أي: الماشي (الافْتِتَاحُ) إليها، (وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ إِلَيْهَا)، أي: إلى القبلةِ؛ لِتَيَسُّر ذلك عليه.
وإن داس النجاسةَ عمداً بطلت، وإن داسها مركوبُه فلا.
وإن لم يُعْذَر مَن عَدَلَت به دابتُه، أو عَدَل إلى غيرِ القبلةِ عن جهةِ سيرِه مع علمِه، أو عُذِرَ وطال عدولُه عُرفاً؛ بطلت.
(1) في (ب): وله.
(2)
في (ب) و (ق): أخفض من ركوعه.
(3)
المِحفة: بكسر الميم، رحْلٌ يحف بثوب ثم تركب فيه المرأة، وقيل: المحفة مركب كالهودج، إلا أن الهودج يقبب والمحفة لا تقبب. ينظر: لسان العرب 9/ 49، كشاف القناع 1/ 122.
(وَفَرْضُ مَنْ قَرُبَ مِنَ القِبْلَةِ)، أي: الكعبةِ، وهو مَنْ أمكنه معاينتُها، أو الخبرُ عن يقينٍ؛ (إِصَابَةُ عَيْنِهَا) ببدنِه كلِّه، بحيثُ لا يخرجُ شيءٌ منه عن الكعبةِ، ولا يَضرُّ علوٌّ، ولا نزولٌ.
(وَ) فرضُ (مَنْ بَعُدَ) عن الكعبةِ استقبالُ (جِهَتِهَا)، فلا يضرُّ التَّيامنُ ولا التياسرُ اليسيران عُرفاً، إلا مَن كان بمسجدِه صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّ قِبلتَه مُتَيَقَّنةٌ.
(فَإِنْ أَخْبَرَهُ) بالقبلةِ مكلفٌ، (ثِقَةٌ)، عدلٌ ظاهراً وباطناً، (بِيَقِينٍ)؛ عَمِل به، حرًّا كان أو عبداً، رجلاً كان أو امرأةً، (أَوْ وَجَدَ مَحَارِيبَ إِسْلامِيَّةً؛ عَمِلَ بِهَا)؛ لأنَّ اتفاقَهم عليها مع تِكرارِ الأعصارِ إجماعٌ عليها، فلا تجوزُ مخالفَتُها حيثُ عَلِمها للمسلمين، ولا ينحرِفُ.
(وَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا فِي السَّفَرِ بالقُطْبِ)، وهو أَثْبَت أدلتِها؛ لأنَّه لا يزولُ عن مكانِه إلا قليلاً، وهو نجمٌ خفيٌّ شمالي، وحولُه أنجمٌ دائرةٌ كفَراشَةِ الرَّحى، في أحدِ طرفيها الجَدْيُ والآخرِ الفَرْقَدان، يكونُ وراءَ ظهرِ المصلِّي بالشَّامِ، وعلى عاتقِه الأيسرِ بمصرَ.
(وَ) يُستدلُّ عليها بـ (الشَّمْسِ وَالقَمَرِ وَمَنَازِلِهِمَا)، أي (1): منازلِ الشَّمسِ والقمرِ، تَطْلُعُ مِن المشرقِ، وتغربُ بالمغربِ.
ويُستحبُ تعلُّم أدلَّةِ القبلةِ والوقتِ، فإن دَخَل الوقتُ وخَفِيت
(1) في (ب): لأن.
عليه لزِمه، ويقلِّدُ إن ضاق الوقتُ.
(وَإِنْ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدَانِ فَاخْتَلَفَا جِهَةً؛ لَمْ يَتْبَعْ أَحَدُهُمَا الآخَرَ) وإن كان أعلم منه، ولا يَقتدي به؛ لأنَّ كلًّا منهما يَعتقدُ خطأَ الآخرِ، (وَيَتْبَعُ المُقَلِّدُ) لجهلٍ أو عمًى (أَوْثَقَهُمَا)، أي: أعلمَهما وأصدَقَهما وأشدَّهما تحرِّياً لدينِه (عِنْدَهُ)؛ لأنَّ الصَّوابَ إليه أقربُ، فإن تساويا خُيِّر.
وإذا (1) قلَّد اثنين لم يَرجِعْ برجوعِ أحدِهِما.
(وَمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ) إن كان يُحْسِنُه، (وَلَا تَقْلِيدٍ) إن لم يُحسِنْ الاجتهادَ؛ (قَضَى) ولو أصاب (إِنْ وَجَدَ مَنْ يُقَلِّدُهُ)، فإن لم يجد أعمى أو جاهلٌ مَن يُقَلِّده (2)، فتحرَّيَا وصلَّيَا؛ فلا إعادةَ.
وإن صلَّى بصيرٌ حَضَراً فأخطأ، أو صلَّى أعمى بلا دليلٍ مِن لَمْسِ محرابٍ أو نحوِه، أو خَبَر ثِقةٍ؛ أعادَا.
(وَيَجْتَهِدُ العَارِفُ بِأَدِلَّةِ القِبْلَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ)؛ لأنَّها واقعةٌ متجدِّدةٌ، فتَستدعي طلباً جديداً.
(وَيُصَلِّي بِـ) الاجتهادِ (الثَّانِي)؛ لأنَّه ترجَّحُ في ظنِّه، ولو كان في صلاةٍ، ويَبني، (وَلَا يَقْضِي مَا صَلَّى بِـ) الاجتهادِ (الأَوَّلِ)؛ لأنَّ
(1) في (ب): وإن.
(2)
في (أ) و (ب): يقلداه.
الاجتهادَ لا يَنْقُضُ الاجتهادَ.
ومَن أُخْبِر فيها بالخطأ يقيناً؛ لَزِم قبولُه.
وإن لم يَظهرْ لمجتهدٍ جهةٌ في السفرِ صلَّى على حَسَبِ حالِه.
(وَمِنْهَا)، أي: مِن شروطِ الصَّلاةِ: (النِّيَّةُ)، وبها تمَّت الشُّروطُ.
وهي لغةً: القصدُ، وهو عَزْمُ القلبِ على الشيءِ.
وشرعاً: العزمُ على فعلِ العبادةِ تقرباً إلى اللهِ تعالى، ومحلُّها القلبُ، والتلفظُ بها ليس بشرطٍ؛ إذ الغرضُ جَعْلُ العبادةِ للهِ تعالى.
وإن سَبَق لسانُه إلى غيرِ ما نواه لم يضُرَّ.
(فَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ عَيْنَ صَلَاةٍ مُعَيَّنَةٍ)، فرضاً كانت كالظُّهرِ والعصرِ، أو نفلاً كالوترِ والسنةِ الرَّاتبةِ؛ لحديثِ:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (1).
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الفَرْضِ) أن ينوِيَه فرضاً، فتكفي نيَّةُ الظُّهرِ ونحوِه، (وَ) لا في (الأَدَاءِ، وَ) لا في (القَضَاءِ) نيَّتُهُما؛ لأنَّ التعيينَ يُغْنِي عن ذلك.
ويصحُّ قضاءٌ بنيةِ أداءٍ، وعكسُه إذا بان خلافَ ظنِّه.
(1) أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907)، من حديث عمر بن الخطاب.
(وَ) لا يُشترطُ في (النَّفْلِ، وَالإِعَادَةِ)، أي: الصلاةِ المعادةِ (نِيَّتُهُنَّ)، فلا يُعْتبرُ أن ينويَ الصبيُّ الظُّهرَ نفلاً، ولا أن ينويَ الظُّهرَ مَن أعادها مُعادةً؛ كما لا تُعتَبرُ نيةُ الفرضِ وأَوْلى.
ولا تُعتبرُ (1) إضافةُ الفعلِ إلى اللهِ تعالى فيها، ولا في (2) باقي العباداتِ، ولا عددَ الرَّكعاتِ.
ومَن عليه ظُهران عيَّن السابقةَ؛ لأجلِ التَّرتيبِ.
ولا يَمْنَعُ صحَّتَها قصدُ تعليمِها ونحوِه.
(وَيَنْوِي مَعَ التَّحْرِيمَةِ)؛ لتكونَ النيةُ مقارنةً للعبادةِ.
(وَلَهُ تَقْدِيمُهَا)، أي: النيةِ (عَلَيْهَا)، أي: على تكبيرةِ الإحرامِ (بِزَمَنٍ يَسِيرٍ) عرفاً، إن وُجِدت النيةُ (فِي الوَقْتِ)، أي: وقتِ المؤدَّاةِ والرَّاتبةِ ما لم يَفسخْها.
(فَإِنْ قَطَعَهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، أَوْ تَرَدَّدَ) في فسخِها؛ (بَطَلَتْ)؛ لأنَّ استدامةَ النيةِ شرطٌ، ومع الفسخِ أو التردُّدِ لا يَبقى مُستديماً.
وكذا لو علَّقه على شرطٍ، لا إن عَزَم على فعلِ محظورٍ قبل فعلِه.
وإذا شكَّ فيها في النيةِ، أو التحريمةِ استأنَفَها، وإن ذَكَر قبلَ
(1) في (ب): يعتبر.
(2)
ساقطة من (ب).
قطعِها: فإن لم يَكُن أتى بشيءٍ مِن أعمالِ (1) الصلاةِ بَنَى، وإن عَمِل مع الشكِّ عملاً استأنف.
وبعدَ الفراغِ لا أثَرَ للشكِّ.
(وَإِنْ قَلَبَ مُنْفَرِدٌ) أو مأمومٌ (فَرْضَهُ نَفْلاً فِي وَقْتِهِ المُتَّسِعِ؛ جَازَ)؛ لأنَّه إكمالٌ في المعنى؛ كنَقْضِ المسجدِ للإصلاحِ، لكن يُكره لغيرِ غرضٍ صحيحٍ، مثلَ أن يُحرِمَ مُنفرداً، فيريدُ الصلاةَ في جماعةٍ.
ونصُّ أحمدَ فيمن صلَّى ركعةً مِن فريضةٍ منفرداً، ثم حَضَر الإمامُ وأقيمت الصلاةُ:(يقطعُ صلاتَه، ويدخلُ معهم)(2)، يَتخرَّجُ منه: قطعُ النافلةِ بحضورِ الجماعةِ بطريقِ الأَوْلى.
(وَإِنِ انْتَقَلَ بِنِيَّةٍ) مِن غيرِ تحريمةٍ (مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ) آخرَ؛ (بَطَلَا)؛ لأنَّه قَطَع نيةَ الأُولى (3)، ولم يَنو الثانيةَ (4) مِن أوَّله.
وإن نوى الثاني من أوَّلِه بتكبيرةِ إحرامٍ صحَّ.
(1) في (ب): فعل.
(2)
نقل محمد بن يحيى المتطيب عنه في الرجل يصلي فرضه فلما صلى ركعة جاء الإمام وأقام الصلاة فقطع الصلاة: يقطع الصلاة ويتكلم ويصلي مع الإمام. ونحو هذا نقل بكر بن محمد. ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 176.
(3)
في (أ) و (ق) و (ح): الأول.
(4)
في (أ) و (ق) و (ح): الثاني.
ويَنقَلِبُ نفلاً ما بَان عَدَمُه، كفائتةٍ فلم تكن، وفرضٍ لم يَدْخُل وقتُه.
(وَيَجِبُ) للجماعةِ (نِيَّةُ الإِمَامَةِ) للإمامِ (1)، (وَ) نيةُ المأمومِ (الائْتِمَامِ)؛ لأنَّ الجماعةَ يَتعلَّقُ بها أحكامٌ، وإنما يتميَّزان بالنيةِ فكانت شرطاً، رجلاً كان المأمومُ أو امرأةً.
وإن اعتقد كلٌّ منهما أنَّه إمامُ الآخرِ أو مأمومُه؛ فسدت صلاتُهما، كما لو نوى إمامةَ مَنْ لا يصحُّ أن يَؤُمَّه، أو شكَّ في كونِه إماماً أو مأموماً.
ولا يُشترطُ تَعيينُ الإمامِ ولا المأمومِ.
ولا يَضرُّ جهلُ المأمومِ ما قَرَأ به إمامُه.
وإن نوى زيدٌ الائتمامَ (2) بعمرو، ولم ينو عمرٌو الإمامةَ؛ صحَّت صلاةُ عمرٍو وحدَه.
وتصحُّ نيةُ الإمامةِ ظانًّا حضورَ مأمومٍ، لا شاكًّا.
(وَإِنْ نَوَى المُنْفَرِدُ الائْتِمَامَ) في أثناءِ الصَّلاةِ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لأنه لم يَنو الائتمامَ في ابتداءِ الصَّلاةِ، سواءٌ صلَّى وحدَه ركعةً أو لَا، فرضاً كانت الصلاةُ أو نفلاً، (كَـ) ما لا تصحُّ (نِيَّةُ إِمَامَتِهِ) في أثناءِ
(1) العبارة في (أ) مضطربة غير مفهومة. وفي (ح): ويجب للجماعة نية الإمام الإمامة.
(2)
في (أ) و (ب) و (ق) و (ح): الاقتداء.
الصلاةِ إن كانت (فَرْضاً)؛ لأنَّه لم يَنو الإمامةَ في ابتداءِ الصَّلاةِ.
ومُقتضاه: أنَّه يصحُّ في النَّفلِ، وقدَّمه في المقنعِ (1)، والمحررِ (2)، وغيرِهما (3)؛ «لأَنَّهُ عليه السلام قَامَ يَتَهَجَّدُ وَحْدَهُ، فَجَاءَ ابنُ عبَّاسٍ فَأَحْرَم مَعَهُ، فصلَّى بِهِ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم» متفق عليه (4).
واختار الأكثرُ: لا يصحُّ في فرضٍ ولا نفلٍ؛ لأنَّه لم يَنو الإمامةَ في الابتداءِ، وقدَّمه في التنقيحِ (5)، وقطع به في المنتهى (6).
(وَإِنْ انْفَرَدَ)، أي: نوى الانفرادَ (مُؤْتَمٌّ بِلَا عُذْرٍ)؛ كمرضٍ، وغلبةِ نعاسٍ، وتطويلِ إمامٍ؛ (بَطَلَتْ) صلاتُه؛ لتركِه مُتابعةَ إمامِه.
ولعذرٍ صحَّت، فإن فارقه في ثانيةِ جمعةٍ لعذرٍ أتمَّها جمعةً.
(وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ إِمَامِهِ) لعذرٍ أو غيرِه، (فَلَا اسْتِخْلَافَ)، أي: فليس للإمامِ أن يستَخْلِفَ مَن يُتِمُّ بهم إن سبقه الحدثُ.
ولا تبطلُ صلاةُ إمامٍ ببطلانِ صلاةِ مأمومٍ، ويُتِمُّها مُنفرداً.
(1)(ص 49).
(2)
(2/ 96).
(3)
اقتصر عليه في الكافي (1/ 289)، والوجيز (ص 70)، والإنصاف (2/ 29).
(4)
أخرجه البخاري (117)، ومسلم (763)، من حديث ابن عباس لما نام عند خالته ميمونة.
(5)
(ص 88).
(6)
(1/ 54).
(وَإِنْ أَحْرَمَ إِمَامُ الحَيِّ)، أي: الراتِبُ (بِمَنْ)، أي: بمأمومين (أَحْرَمَ بِهِمْ نَائِبُهُ) لِغَيْبَتِه، وبَنَى على صلاةِ نائبِه، (وَعَادَ) الإمامُ (النَّائِبُ مُؤْتَمًّا؛ صَحَّ)؛ «لأَنَّ أبَا بَكْرٍ صلَّى فَجَاء النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم والنَّاسُ فِي الصَّلَاة، فَتَخَلَّصَ حتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ، وتَقَدَّمَ فَصلَّى بَهِم» متفقٌ عليه (1).
وإن سُبِق اثنان فأكثرَ ببعضِ الصَّلاةِ، فأتم (2) أحدُهما بصاحبِه في قضاءِ ما فاتهما، أو ائتمَّ مُقيمٌ بمثلِه إذا سلَّم إمامٌ مسافرٌ؛ صحَّ.
(1) أخرجه البخاري (684)، ومسلم (421)، من حديث سهل بن سعد.
(2)
في (ق): فائْتَمَّ.