الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وللمُصَلِّي قيراطٌ، وهو أمرٌ معلومٌ عند اللهِ تعالى، وله بتمامِ دفنِها آخَرُ بشرطِ: أن لا يفارقَها مِنَ الصلاةِ حتى تُدْفَنَ.
(فَصْلٌ) في حملِ الميِّتِ ودفنِه
ويسقطانِ بكافرٍ وغيرِه، كتكفينِه؛ لعدمِ اعتبارِ النيةِ.
(يُسَنُّ التَّرْبِيعُ فِي حَمْلِهِ)؛ لما روى سعيدٌ وابنُ ماجه عن أبي عُبيدةَ بنِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ عن أبيه قال: «مَنِ اتَّبَعَ جنَازَةً فَلْيَحْمِلْ بِجَوَانِبِ السَّرِيرِ كُلِّهَا؛ فَإِنَّهُ مِنَ السُّنَّةِ، ثُمَّ إنْ شَاءَ فَلْيَطَّوَّعْ، وَإِنْ شَاءَ فَلْيَدَعْ» ، إسناده ثقاتٌ، إلا أنَّ أبا عُبيدةَ لم يسمعْ من أبيه (1)، لكنْ
(1) لم نجده في المطبوع من سنن سعيد بن منصور، ورواه ابن ماجه (1478)، قال البوصيري:(هذا إسناد موقوف رجاله ثقات، وحكمه الرفع، إلا أنه منقطع، فإن أبا عبيدة واسمه عامر، وقيل: اسمه كنيته، لم يسمع من أبيه شيئاً، قاله أبو حاتم، وأبو زرعة، وعمرو بن مرة وغيرهم)، وبذلك ضعّفه ابن حزم، والنووي، والألباني.
وأبو عبيدة وإن كان لم يسمع من أبيه، فقد صرّح جمع من الحفاظ بصحّة روايته عنه، وذلك أن الواسطة بينه وبين أبيه ثقة، قال يعقوب بن شيبة:(إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبي عبيدة عن أبيه في المسند، يعني في الحديث المتصل، لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحتها، وأنه لم يأت فيها بحديث منكر)، وقال ابن رجب:(وأبو عبيدة وإن لم يسمع من أبيه، إلا أن أحاديثه عنه صحيحة، تلقاها عن أهل بيته الثقات العارفين بحديث أبيه، قاله ابن المدني وغيره)، وبنحوه قال شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: مصباح الزجاجة 2/ 28، المحلى 3/ 397، خلاصة الأحكام 2/ 995، مجموع الفتاوى 6/ 404، شرح علل الترمذي 1/ 544، فتح الباري لابن رجب 7/ 342، السلسلة الضعيفة 10/ 23.
كَرِهَه الآجرِّي وغيرُه إذا ازدحموا عليها (1)، فيُسنُّ أن يحمِلَه أربعةٌ.
والتَّربِيعُ: أنْ يضعَ قائمةَ السريرِ اليسرى المقدَّمةِ على كتِفِه اليمنى (2)، ثم ينتقلُ إلى المؤخرة، ثم يضعُ قائمتَه اليمنى المقدَّمةَ على كتِفِه اليسرى، ثم ينتقلُ إلى المؤخرةِ.
(وَيُبَاحُ) أنْ يحمِلَ كلَّ واحدٍ على عاتِقِه (بَيْنَ العَمُودَيْنِ)؛ «لِأَنَّهُ عليه السلام حَمَلَ جَنَازَةَ سَعْدِ بنِ مُعَاذ بَيْنَ العَمُودَيْنِ» (3).
وإنْ كان الميتُ طفلاً فلا بأس بحَمْلِه على الأَيْدِي.
ويستحبُ أن يكونَ على نعشٍ.
(1) ينظر: الفروع 3/ 364.
(2)
في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): الأيمن.
(3)
رواه ابن سعد (3/ 431)، عن شيوخ من بني عبد الأشهل به، وفيه أيضاً: محمد بن عمر الواقدي، وهو متروك، وضعّف إسناده النووي. ينظر: الخلاصة 2/ 994.
فإن كانت امرأةً استُحِبَّ تغطيةُ نعشِها بمِكَبَّة (1)؛ لأنَّه أسترُ لها، ويُروى أنَّ فاطمةَ صُنِعَ لها ذلك بأمْرِها (2)، ويُجعَلُ فوقَ المكَبَّةِ ثوبٌ.
وكذا إنْ كان بالميت حَدَبٌ ونحوُه.
وكُرِهَ تغطيتُه بغيرِ أبيضَ.
ولا بأس بِحَمْلِهِ على دابةٍ لغَرَضٍ صحيحٍ، كبُعْدِ قبرِه.
(وَيُسَنُّ الإِسْرَاعُ بِهَا) دونَ الخَبَب (3)؛ لقولِه عليه السلام: «أَسْرِعُوا بِالجِنَازَةِ، فَإِنْ تَكُ صَالِحَةً فَخَيْرٌ تُقَدِّمُونَهَا إِلَيْهِ، وَإِنْ يَكُ سِوَى ذَلِكَ
(1): مكبة: تعمل من خشب أو جريد أو قصب، مثل القبة فوقها ثوب. ينظر: الإقناع (1/ 229).
(2)
رواه ابن سعد (8/ 28)، والحاكم (4763)، عن ابن عباس قال:«فاطمة أول من جعل لها النعش عملته لها أسماء بنت عميس، وكانت قد رأته يصنع بأرض الحبشة» ، وفي إسناده الواقدي، وهو متروك. ينظر: تقريب التهذيب ص 498.
ورواه ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه (647)، من طريق عون بن محمد بن علي، عن أُمِّه أم جعفر ابنة محمد بن جعفر بن أبي طالب، عن أسماء بنت عميس، ورواه البيهقي (6930)، عن أم جعفر: أن فاطمة قالت لأسماء .. ، وذكره. وعون بن محمد أورده ابن أبي حاتم، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً، وأُمُّه أم جعفر مقبولة، فالحديث لا يصح. ينظر: الجرح والتعديل 6/ 386، تقريب التهذيب ص 757.
(3)
قال في لسان العرب (1/ 341): (الخَبَب: ضرب من العَدْو؛ وقيل: هو مثل الرَّمَل).
فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ» متفقٌ عليه (1).
(وَ) يُسَنُّ (كَوْنُ المُشَاةِ أَمَامَهَا)؛ قال ابنُ المنذر: «ثَبَتَ أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَمْشُونَ أَمَامَ الجَنَازَةِ» (2)،
(وَ) كونُ
(1) رواه البخاري (1315)، ومسلم (944)، من حديث أبي هريرة.
(2)
رواه أحمد (4539)، وأبو داود (3179)، والترمذي (1007)، والنسائي (1944)، وابن ماجه (1482)، من طريق سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال:«رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة» ، وقد اختلف الحفاظ في وصله وإرساله، فرجّح الإرسال: ابن المبارك، وأحمد، والبخاري، والترمذي، والنسائي، والخطيب البغدادي، قال الترمذي:(وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح)، وذلك أن ابن عُيَيْنَة خالفه مالك ومعمر وغيرهما، فرووه مرسلاً، قال ابن المبارك:(الحفاظ عن ابن شهاب ثلاثة: مالك، ومعمر، وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان على قول أخذنا به وتركنا قول الآخر).
وبيَّن النسائي وجه الوهم في رواية ابن عيينة، فقال:(وإنما أتى هذا عندي - والله أعلم- لأن هذا الحديث رواه الزهري عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول الزهري).
وصوَّب الوصل: ابن حبان، والبيهقي، وابن الجوزي، وابن القيم، والنووي، وابن دقيق العيد، وابن الملقن، والألباني، وحجتهم في ذلك من وجهين:
الأولى: جزم ابن عيينة به، فقد قال ابن المديني:(قلت لسفيان: يا أبا محمد، إن معمراً وابن جريج يخالفانك في هذا، فقال: أستيقن الزهري حدثنيه، سمعته من فيه يعيده ويبديه عن سالم، عن أبيه)، وأجاب عن ذلك ابن حجر، فقال:(لا ينفي عنه الوهم، فإنه ضابط؛ لأنه سمعه منه عن سالم عن أبيه، والأمر كذلك، إلا أن فيه إدراجاً، لعل الزهري أدمجه إذ حدث به ابن عيينة وفصله لغيره).
والثانية: أن جماعةً تابعوا ابن عيينة في وصله، منهم منصور بن المعتمر، وزياد بن سعد، وبكر بن وائل وغيرهم، مما يدل على عدم وهمه فيه. وأجيب عن ذلك: أن الحفاظ لم يعتبروا تلك المتابعات، ولذا قال النسائي بعد ذكر المتابعات:(وهذا أيضاً خطأ، والصواب مرسل). ينظر: السنن الكبرى للنسائي 2/ 430، العل الكبير للترمذي 1/ 144، صحيح ابن حبان 7/ 319، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 36، التحقيق لابن الجوزي 2/ 11، خلاصة الأحكام 2/ 999، تهذيب السنن 2/ 95، البدر المنير 5/ 225، التلخيص الحبير 2/ 261، الإرواء 3/ 186.
(الرُّكْبَانِ خَلْفَهَا)؛ لما روى الترمذي وصحَّحه عن المغيرةِ بنِ شعبةَ مرفوعاً: «الرَّاكِبُ خَلْفَ الجَنَازَةِ» (1).
وكُرِه ركوبٌ لغيرِ حاجةٍ وعَوْدٍ.
(وَيُكْرَهُ جُلُوسُ تَابِعِهَا حَتَّى تُوضَعَ) بالأرضِ للدفنِ، إلا لمن بَعُدَ؛ لقولِه عليه السلام:«مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى تُوضَعَ» متفقٌ عليه عن أبي سعيد (2).
وكُرِه قيامٌ لها إن جاءت أو مرت به وهو جالسٌ، ورَفْعُ الصوتِ معها ولو بقراءةٍ، وأنْ تَتْبعَها امرأةٌ.
وحَرُم أنْ يَتْبعَها مع منكَرٍ إنْ عَجَزَ عن إزالتِه، وإلا وجبت.
(وَيُسَجَّى)، أي: يُغَطَّى ندباً (قَبْرُ امْرَأَةٍ) وخُنثى (فَقَطْ)، ويُكرهُ لرجلٍ بلا عذرٍ؛ لقول عليٍّ وقد مرَّ بقومٍ دفنوا ميتاً، وبسطوا على
(1) رواه الترمذي (1031)، ورواه أحمد (18162)، وأبو داود (3180)، والنسائي (1942)، وابن ماجه (1481)، وتقدم الكلام عليه في صفحة .... الفقرة ....
(2)
رواه البخاري (1310)، ومسلم (959).
قبرِه الثوبَ فَجَذَبه، وقال:«إِنَّمَا يُصْنَعُ هَذَا بِالنِّسَاءِ» رواه سعيد (1).
(وَاللَّحْدُ (2) أَفْضَلُ مِنَ الشَّقِّ)؛ لقولِ سعدٍ: «الْحَدُوا لِي لَحْداً، وَانْصِبُوا اللَّبِنَ عَلَيَّ نَصْباً، كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم» رواه مسلم (3).
واللَّحدُ: هو أن يُحْفَرَ إذا بَلَغَ قرارَ القبرِ في حائطِ القبرِ مكاناً يَسَعُ الميتَ، وكونُه مما يَلي القبلةَ أفضلُ.
والشَّقُ: أن يُحْفَر في وسطِ القبرِ كالنهرِ ويُبنى جانباه، وهو مكروهٌ بلا عذرٍ، كإدخالِه خَشَباً، وما مسَّته نارٌ (4)، ودفنٍ في تابوتٍ.
وسُنَّ أنْ يُوَسَّعَ ويُعَمَّقَ قبرٌ بلا حدٍّ، ويكفي ما يمنعُ السباعَ والرائحةَ.
(1) لم نجده في المطبوع من سنن سعيد، ورواه البيهقي (7051)، من طريق رجل من أهل الكوفة، عن علي بن أبي طالب، قال البيهقي:(وهو في معنى المنقطع؛ لجهالة الرجل من أهل الكوفة).
وروى ابن أبي شيبة (11664)، وعبد الرزاق (6465)، والبيهقي (7050)، عن أبي إسحاق السبيعي: أنه حضر جنازة الحارث الأعور، فأبى عبد الله بن يزيد أن يبسطوا عليه ثوباً، وقال:«إنه رجل» ، قال أبو إسحاق: وكان عبد الله بن يزيد قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي: (هذا إسناد صحيح)، صحّحه ابن الملقن وابن حجر. ينظر: البدر المنير 5/ 308، التلخيص الحبير 2/ 300.
(2)
قال في المصباح المنير (2/ 55): (اللحد: الشق في جانب القبر، والجمع: لُحُود، مثل فَلْس وفُلُوس، واللُحد بالضم لغة، وجمعه: ألحاد، مثل قُفْل وأقْفَال).
(3)
رواه مسلم (966).
(4)
في (ب): النار.
ومَنْ مات في سفينةٍ ولم يُمْكِنْ دفنُه؛ أُلْقِي في البحرِ سَلًّا، كإدخالِه القبرَ (1)، بعد غسلِه وتكفينِه والصلاةِ عليه وتثقيلِه بشيءٍ.
(وَيَقُولُ مُدْخِلُهُ) ندباً: (بِسْمِ اللهِ، وَعَلَى مِلَّة رَسُولِ اللهِ)؛ لأَمْرِه عليه السلام بذلك، رواه أحمدُ عن ابنِ عمرَ (2).
(وَيَضَعُهُ) ندباً (فِي لَحْدِهِ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ)؛ لأنه يُشبِهُ النائمَ وهذه سنَّتُه (3).
(1) في (ب): في القبر.
(2)
رواه أحمد (4812)، ورواه أبو داود (3213)، من طريق همام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي الصديق الناجي، عن ابن عمر مرفوعاً. صححه ابن حبان والحاكم، والألباني.
ورجّح النسائي، والدارقطني وقفه، قال البيهقي:(يتفرد برفعه همام بن يحيى بهذا الإسناد، وهو ثقة، إلا أن شعبة وهشام الدستوائي روياه عن قتادة موقوفاً على ابن عمر).
وقد ذكر الألباني وغيره متابعاتٍ لهمام وأنه لم يتفرد به، فروى ابن ماجه (1550) من طريق ليث وحجاج عن نافع، عن ابن عمر مرفوعاً، وليث وحجاج ضعيفان، فيظهر من كلام الأئمة عدم اعتبار متابعتهما هنا، ولذا قال الترمذي (1046) بعد رواية حجاج:(حسن غريب من هذا الوجه).
وأجاب الحاكم أيضاً بقوله: (همام بن يحيى ثبت مأمون إذا أسند مثل هذا الحديث لا يُعلَّل بأحد إذا أوقفه شعبة)، ثم ذكر له شاهداً من حديث البياضي - وهو من الصحابة -. ينظر: السنن الكبرى للنسائي 9/ 399، صحيح ابن حبان 7/ 375، المستدرك 1/ 521، علل الدارقطني 12/ 410، السنن الكبرى للبيهقي 4/ 91، المنتقى لابن الجارود ص 142، إرواء الغليل 3/ 197.
(3)
في (ق): سنة.
ويُقدَّمُ بدفنِ رجلٍ من يُقدَّمُ بغسلِه، وبعدَ الأجانبِ محارمُه مِن النساءِ، ثم الأجنبياتُ.
وبدفنِ (1) امرأةٍ محارمُها الرجالُ، فزوجٌ، فأجانبُ.
ويجبُ أنْ يكونَ الميتُ (مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)؛ لقولِه عليه السلام في الكعبةِ: «قِبْلَتُكُمْ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتاً» (2).
ويَنْبغي أن يُدْنَى مِنَ الحائطِ لئلا يَنْكَبَّ على وجهِهِ، وأن يُسْنَدَ مِن ورائِه بترابٍ لئلا ينقلب، ويُجعلَ تحت رأسِه لبِنَةٌ، ويُشَرَّجَ اللحدُ باللَّبِن (3)، ويُتعاهدَ خلالَه (4) بالمدَرِ ونحوِه، ثم يُطَيَّنَ فوقَ ذلك، وحثوُ الترابِ عليه ثلاثاً باليدِ، ثم يُهالُ، وتلقينُه، والدعاءُ له بعد الدفنِ عند القبرِ، ورشُّه بماءٍ بعدَ وضعِ حصباءَ (5) عليه.
(وَيُرْفَعُ القَبْرُ عَنِ الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ)؛ «لأَنَّهُ عليه السلام رُفِعَ قَبْرُه عَنِ الأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ» رواه الساجي مِنْ حديثِ جابرٍ (6).
(1) في (أ): يدفن.
(2)
تقدم تخريجه صفحة ...... الفقرة .....
(3)
قال في المطلع (152): (اللَّبِنُ: بفتح اللام وكسر الباء، ويجوز كسر اللام وسكون الباء).
(4)
في (ب): خلله.
(5)
في (أ) و (ب): بعدُ، ووضع حصباء.
(6)
رواه ابن حبان (6635)، والبيهقي (6736)، من طريق الفضيل بن سليمان، حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد ونصب عليه اللبن نصباً، ورفع قبره من الأرض نحواً من شبر» ، قال البيهقي بعده:(كذا وجدته)، ثم رواه بعده من طريق الدراوردي عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً، قال الألباني:(وكأن البيهقي يشير إلى ترجيح هذا المرسل، وهو الظاهر، فإن الذي وصله - وهو الفضيل بن سليمان - لا يحتج بمخالفته لمن هو أوثق منه، وهو وإن احتج به الشيخان فقد قال الحافظ في التقريب: صدوق له خطأ كثير)، وحكم عليه الذهبي وابن عبد الهادي بالانقطاع. ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 319، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 2/ 672، الإرواء 3/ 207.
ويُكرهُ فوق شبرٍ.
ويكونُ القبرُ (مُسَنَّماً)؛ لما روى البخاري عن سفيانَ التَّمَّارِ: «أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّماً» (1).
لكنْ مَنْ دُفِن بدارِ حربٍ لتَعَذُّرِ نَقْلِه فالأولى تسويتُه بالأرضِ وإخفاؤُه.
(وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ (2)، وتزويقُهُ (3)، وتحلِيَتُه، وهو بدعةٌ، (وَالبِنَاءُ) عليه، لَاصَقَه أَوْ لا؛ لقولِ جابرٍ:«نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ، وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ» رواه مسلم (4).
(1) رواه البخاري (1390).
(2)
قال في المطلع (ص 152): (تجصيصه: بناؤه بالجص وهو ما يبنى به).
(3)
أي: تزيينه. ينظر: لسان العرب 10/ 150.
(4)
رواه مسلم (970).
(وَ) تُكرهُ (الكِتَابَةُ، وَالجُلُوسُ، وَالوَطْءُ عَلَيْهِ)؛ لما روى الترمذي وصحَّحه مِنْ حديثِ جابرٍ مرفوعاً: «نَهَى أَنْ تُجَصَّصَ القُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا، وَأَنْ تُوطَأَ» (1)، وروى مسلمٌ عن أبي هريرةَ مرفوعاً (2):«لأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتَحْرِقَ ثِيَابَهُ، فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ، خَيْرٌ من أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ» (3).
(وَ) يُكرهَ (الاتِّكَاءُ إِلَيْهِ)؛ لما روى أحمدُ: أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم رأى عمرو بنَ حزمٍ متكئاً على قبرٍ، فقال:«لَا تُؤْذِهَ» (4).
ودفنٌ بصحراءَ (5) أفضلُ؛ لأنَّه عليه السلام كان يدفنُ أصحابَه بالبقيعِ، سوى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، واختارَ صاحباه الدفنَ عندَه تشَرُّفاً وتَبرُّكاً، وجاءت
(1) رواه الترمذي (1052)، وابن حبان (3164)، والحاكم (1369)، من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر. صحّحه الترمذي، وابن حبان، والحاكم، والنووي، وابن الملقن، والألباني، قال الحاكم:(هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقد خرج بإسناده غير الكتابة، فإنها لفظة صحيحة غريبة).
ورواه مسلم أيضاً (970)، من طريق ابن جريج به، بدون زيادة (وأن يكتب عليها). ينظر: خلاصة الأحكام 2/ 1026، البدر المنير 5/ 320، إرواء الغليل 3/ 207.
(2)
في (ب) بدل قوله: (عن أبي هريرة مرفوعاً): من حديث أبي هريرة.
(3)
رواه مسلم (971).
(4)
رواه أحمد (39/ 476)، من طريق زياد بن نعيم الحضرمي، عن عمرو بن حزم مرفوعاً. صحّح إسناده ابن عبد الهادي، والذهبي، وابن حجر، والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي 2/ 676، تنقيح التحقيق للذهبي 1/ 320، فتح الباري 3/ 224، السلسلة الصحيحة 6/ 1116.
(5)
في (ب): بالصحراء.
أخبارٌ تدلُ على دفنِهِم كما وقع.
ويُكرَهُ الحديثُ في أمرِ الدنيا عند القبورِ، والمشيُ بالنعلِ فيها إلا خوفَ نجاسةٍ أو شوكٍ، وتبسُّمٌ، وضَحكٌ أشدُّ.
ويحرُمُ إسراجُها، واتخاذُ المساجدِ، والتخلِّي عليها وبينها.
(وَيَحْرُمُ فِيهِ)، أي: في قبرٍ واحدٍ (دَفْنُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ) معاً، أو واحداً بعد آخر، قبل بِلاءِ السابقِ؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم كان يدفِنُ كلَّ ميتٍ في قبرٍ، وعلى هذا استمر فِعلُ الصحابةِ ومَن بعدَهم، وإن حَفَرَ فوَجَد عظامَ ميتٍ دفنَها وحَفَرَ في مكانٍ آخرَ، (إِلَّا لِضَرُورَةٍ)؛ ككثرةِ الموتى، وقِلَّةِ من يَدْفِنُهم، وخوفِ الفسادِ عليهم؛ لقولِه عليه السلام يومَ أحدٍ:«ادْفِنُوا الاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ» رواه النسائي (1).
ويُقدَّم الأفضلُ للقبلةِ، وتقدَّم (2).
(وَيُجْعَلُ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ حَاجِزٌ مِنْ تُرَابٍ)؛ ليصيرَ كلُّ واحدٍ كأنَّه في قبرٍ مُنْفردٍ (3).
(1) رواه النسائي (2010)، ورواه أحمد (16251)، وأبو داود (3215)، والترمذي (1713)، من طريق حميد بن هلال، عن هشام بن عامر قال: لما كان يوم أحد أصاب الناس جهد شديد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«احفروا وأوسعوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر» ، فقالوا: يا رسول الله، فمن نقدم؟ قال:«قدموا أكثرهم قرآنا» . صحّحه الترمذي، وابن الملقن، والألباني. ينظر: البدر المنير 5/ 295، الإرواء 3/ 194.
(2)
انظر صفحة
…
الفقرة .....
(3)
في (ب): منفرداً.
وكُرِهَ الدَّفنُ عند طلوعِ الشمسِ، وقيامِها، وغروبِها، ويجوزُ ليلاً.
ويُستحبُ جَمْعُ الأقاربِ في بُقعةٍ؛ لتسهلَ زيارتُهُم، قريباً من الشهداءِ والصالحين؛ لينتفعَ بمجاورتِهِم، في البقاعِ الشريفةِ.
ولو وصَّى أن يُدْفَنَ في ملكِه دُفِنَ مع المسلمين، ومَنْ سُبق إلى مُسَبَّلَةٍ قُدِّم، ثم يُقرَعُ.
وإنْ ماتت ذِمِّيَّةٌ حاملٌ بمسلمٍ (1) دَفَنَها مسلمٌ وحدَها إنْ أمْكنَ، وإلا فمعنا على جنبِها الأيسرِ وظَهرُها إلى القبلةِ.
(وَلَا تُكْرَهُ القِرَاءَةُ عَلَى القَبْرِ)؛ لما روى أنسٌ مرفوعاً قال: «مَنْ دَخَلَ المَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا (يس) خُفِّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِهِم حَسَنَاتٌ» (2)، وصحَّ عن ابنِ عمرَ:«أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ البَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا» (3)،
(1) في (أ) و (ب) و (ع) و (ق): من مسلم.
(2)
رواه الثعلبي في تفسيره (8/ 119)، بإسناده من طريق أحمد الرياحي، حدّثنا أيوب بن مدرك، عن أبي عبيدة، عن الحسن، عن أنس به، قال الألباني:(وهذا إسناد مظلم هالك مسلسل بالعلل)، ثم ذكر العلل، الأولى: جهالة أبي عبيدة. والثانية: أيوب بن مدرك، متفق على ضعفه وتركه، كذَّبه ابن معين. الثالثة: أحمد الرياحي، قال البيهقي:(مجهول). ينظر: السلسلة الضعيفة 3/ 397.
(3)
رواه يحيى بن معين في تاريخه (5238)، قال: حدثنا مبشر بن إسماعيل الحلبي، قال: حدثني عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج، عن أبيه، عن ابن عمر. حسّن =
قاله في المبدع (1).
(وَأَيُّ قُرْبَةٍ) مِنْ دعاءٍ، واستغفارٍ، وصلاةٍ، وصومٍ، وحجٍ، وقراءةٍ، وغيرِ ذلك، (فَعَلَهَا) مسلمٌ (وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِمَيِّتٍ مُسْلِمٍ أَوْ حَيٍّ؛ نَفَعَهُ ذَلِكَ)، قال أحمدُ:(الميتُ يصلُ إليه كلَّ شيءٍ من الخيرِ؛ للنصوصِ الواردةِ فيه)(2)، ذَكَرَ (3) المجدُ وغيرُه (4):(حتى لو أهداها للنبي صلى الله عليه وسلم جاز، ووصل إليه الثوابُ).
(وَيُسَنُّ أَنْ يُصْلَحَ لأَهْلِ المَيِّتِ طَعَامٌ (5) يُبْعَثُ بِهِ إِلَيْهِمْ) ثلاثةَ أيامٍ؛ لقولِه عليه السلام: «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَاماً، فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا
= إسناده النووي، وأورده ابن تيمية وابن القيم في معرض الاستدلال، وقال يعقوب الدوري: (سألت يحيى بن معين عن القراءة عند القبر، فقال: حدثنا مبشر
…
) وذكره، وأورد الخلال قصةً عن الإمام أحمد تدل على استدلاله به، ذكرها عنه ابن القيم.
وأعلّه الألباني بجهالة عبد الرحمن بن العلاء، قال فيه الحافظ:(مقبول)، وضعَّف أيضاً القصة المنسوبة للإمام أحمد التي ذكرها الخلال، على أن أصحاب المذهب ذكروها ولم يضعفوها، وفيما ورد عن أحمد وابن معين تقوية لعبد الرحمن بن العلاء، وقد ذكره ابن حبان - على تساهله - في كتابه الثقات. ينظر: الثقات 7/ 90، الأذكار للنووي ص 162، اقتضاء الصراط المستقيم 2/ 264، الروح ص 10، تقريب التهذيب ص 348، أحكام الجنائز ص 192.
(1)
(2/ 280).
(2)
ينظر: الوقوف والترجل من مسائل الإمام أحمد (ص 85).
(3)
في (ب) و (ح) و (ع) و (ق): ذكره.
(4)
كابن عقيل في كتابه الفنون، انظر: الفروع 3/ 428، الإنصاف 2/ 560.
(5)
في (ب): طعاماً.
يَشْغَلُهُمْ» رواه الشافعي، وأحمد، والترمذي وحسَّنه (1).
(ويُكْرَهُ لَهُمْ)، أي: لأهلِ الميتِ (فِعْلُهُ)، أي: فِعْلُ الطعامِ (لِلنَّاسِ)؛ لما روى أحمد عن جريرٍ قال: «كُنَّا نُعِدُّ الاجْتِمَاعَ إِلَى أَهْلِ المَيِّتِ، وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنَ النِّيَاحَةِ» ، وإسناده ثقات (2).
ويُكرهُ الذَّبحُ عند القبورِ، والأكلُ منه؛ لخبرِ أنسٍ:«لَا عَقْرَ فِي الإِسْلَامِ» رواه أحمدُ بإسنادٍ صحيحٍ (3).
وفي معناه: الصدقةُ عند القبرِ، فإنه محدَثٌ، وفيه رياءٌ.
(1) رواه الشافعي (ص 361)، وأحمد (1751)، والترمذي (998)، ورواه أبو داود (3132)، وابن ماجه (1610)، والحاكم (1377)، من طريق جعفر بن خالد، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر به. صحّحه الترمذي، والحاكم، وابن السكن، والذهبي، وابن الملقن، وحسنه البغوي، والألباني. ينظر: شرح السنة للبغوي 5/ 460، البدر المنير 5/ 355، التلخيص الحبير 2/ 316، أحكام الجنائز ص 168.
(2)
رواه أحمد (6905)، وابن ماجه (1612)، من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن جرير. صحّحه النووي، والبوصيري، والألباني، واستدل به بن ابن تيمية. ينظر: المجموع للنووي 5/ 320، مجموع الفتاوى 24/ 316، مصباح الزجاجة 2/ 53، أحكام الجنائز ص 167.
(3)
رواه أحمد (13032)، وأبو داود (3222)، من طريق معمر، عن ثابت، عن أنس، وصحّحه ابن حبان والنووي، وقال الألباني:(إسناده صحيح على شرط الشيخين).
وقال أبو حاتم: (هذا حديث منكر جداً)، وذلك أن رواية معمر عن ثابت منكرة، كما نص على ذلك ابن المديني، وابن معين، والعقيلي، وأشار البخاري إلى ضعفه، قال الترمذي: (سألت محمداً عن هذا الحديث؟ فقال: لا أعرف هذا الحديث إلا =