الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ فُرُوضِ الوُضُوءِ وصِفَتِهِ)
الفَرضُ لغةً يقالُ لمعانٍ، أصلُها: الحَزُّ والقَطعُ.
وشرعاً: ما أُثيبَ فاعلُه وعوقب تاركُه.
والوُضوءُ: استعمالُ ماءٍ طَهورٍ، في الأعضاءِ الأربعةِ، على صفةٍ مخصوصةٍ.
وكان فرضُه مع فرضِ الصَّلاةِ، كما رواه ابنُ ماجه (1)،
(1) أخرجه ابن ماجه (462)، وأحمد (17480)، والدارقطني (390)، وغيرهم من طرق عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري، عن عروة حدثنا أسامة بن زيد، عن أبيه زيد بن حارثة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علمني جبرائيل الوضوء، وأمرني أن أنضح، تحت ثوبي، لما يخرج من البول بعد الوضوء» وهو ضعيف لضعف ابن لهيعة، وتابعه رِشْدين بن سعد عند أحمد (21771)، والدارقطني (391)، ورشدين ضعيف، على أن ابن عدي أشار إلى خطأ رواية رشدين، فقال:(الحديث بهذا الإسناد لا أعلم يرويه غير ابن لهيعة عن عقيل)، قال أبو حاتم:(هذا حديث كذب باطل). وحسَّن الألباني فعل النضح بمجموع هاتين الروايتين، وقال عن الأمر بالانتضاح:(منكر).
تنبيه: ليس في الحديث المذكور موطن الشاهد، وإنما الشاهد في رواية الطبراني في الأوسط (3901) من طريق سعيد بن شرحبيل، عن الليث، عن عقيل بالإسناد السابق:«أن جبريل نزل على النبي صلى الله عليه وسلم في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء» الحديث، قال الطبراني:(لم يرو هذا الحديث عن الليث إلا سعيد بن شرحبيل، والمشهور من حديث ابن لهيعة)، وسعيد بن شرحبيل صدوق، فلا يقبل تفرده بهذه الزيادة مع نص الأئمة على أن الرواية المشهورة إنما هي رواية ابن لهيعة.
ينظر: علل الحديث 1/ 560، الكامل في الضعفاء 5/ 248، السلسلة الضعيفة 3/ 478.
ذكره في المبدعِ (1).
(فُرُوضُهُ سِتَّةٌ):
أحدُها: (غَسْلُ الوَجْهِ)؛ لقولِه تعالى: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)[المائدة: 6]، (وَالفَمُ وَالأَنْفُ مِنْهُ)، أي: مِن الوجهِ؛ لدخولِهما في حَدِّه، فلا تَسقطُ المضمضةُ ولا الاستنشاقُ في وضوءٍ ولا غُسْلٍ، لا عمداً ولا سهواً (2).
(وَ) الثاني: (غَسْلُ اليَدَيْنِ) مع المرفقين؛ لقولِه تعالى: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ)[المائدة: 6].
(وَ) الثالثُ: (مَسْحُ الرَّأْسِ) كلِّه، (وَمِنْهُ الأَذُنَانِ (3)؛ لقولِه تعالى:(وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ)[المائدة: 6]، وقولِه صلى الله عليه وسلم:«الأُذُنَانِ مِنَ الرَّأْسِ» رواه ابنُ ماجه (4).
(1)(1/ 91).
(2)
زاد في (ب): ولا جهلاً.
(3)
قال في المطلع (ص 34): (الأُذن: بضم الهمزة مع ضم الذال وسكونها، العضو المعروف، وهو مؤنث، كعسر ويسر، وهي مؤنثة).
(4)
روي عن جماعة من الصحابة، منهم: أبو أمامة، وعبد الله بن زيد، وابن عباس، وابن عمر، وأبو موسى، وأنس، وعائشة، وأبي هريرة، رواها الدارقطني في السنن وضعَّفها، وأقوى هذه الأحاديث:
الأول: حديث أبي أمامة: رواه أحمد (22310)، وأبو داود (134)، والترمذي (37)، من طريق سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعاً. قال الترمذي:(حديث ليس إسناده بذاك القائم)، ورجَّح حماد بن زيد أنه من قول أبي أمامة فقال:("الأذنان من الرأس" إنما هو قول أبي أمامة، فمن قال غير هذا فقد بدَّل)، وصوَّبه الدارقطني وابن عبدالهادي. وقال موسى بن هارون عن هذا الحديث:(ليس بشيء فيه شهر بن حوشب، وشهر ضعيف، والحديث في رفعه شك)، وقال أبو حاتم:(سنان بن ربيعة أبو ربيعة مضطرب الحديث)، وأعلَّه ابن حجر بالإدراج، وقوَّى الحديث ابن التركماني، وأجاب عن العلل السابقة، وذكر الألباني أن الحديث على ما فيه من ضعف يصلح للاستشهاد.
الثاني: حديث عبد الله بن زيد: رواه ابن ماجه (443)، وقواه المنذري وابن دقيق العيد وابن التركماني، وقال الزيلعي:(وهذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رواته)، وأعلَّه ابن حجر باختلاط سويد بن سعيد، وبأنه مدرج.
الثالث: حديث ابن عباس: رواه الدارقطني (331)، وأعلَّه الدارقطني بالاضطراب وقال:(إنه وهم، والصواب رواية ابن جريج عن سليمان بن موسى مرسلاً)، ورجَّحه ابن حجر في الدراية. وصحَّحه ابن القطان وابن التركماني والزيلعي، وذكر الألباني له طريقاً آخر عند الطبراني (10784)، وصححه.
الرابع: حديث ابن عمر: رواه الدارقطني (321)، مرفوعاً، ثم قال:(وهذا وهم، والصواب عن أسامة بن زيد عن هلال بن أسامة الفهري عن ابن عمر موقوفاً)، وصوَّب الموقوف الخطيب البغدادي، وتعقب ابن الجوزي ذلك، فقال:(والذي يرفعه يذكر زيادة والزيادة من الثقة مقبولة والصحابي قد يروي الشيء مرفوعاً وقد يقوله على سبيل الفتوى).
وقد ضعَّف جميع الأحاديث المرفوعة الدارقطني في سننه، وقال البيهقي:(وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الأذنان من الرأس"، فروي ذلك بأسانيد ضعاف)، وقال العقيلي:(والأسانيد في هذا الباب لينة).
وصوَّب الدارقطني وابن عبد الهادي وغيرهما الموقوف على ابن عمر وأبي أمامة كما تقدم.
ينظر: سنن الدارقطني 1/ 169، السنن الكبرى 1/ 108، الضعفاء 1/ 31، التحقيق لابن الجوزي 1/ 153، بيان الوهم 5/ 263، خلاصة الأحكام 1/ 111، الجوهر النقي 1/ 65، تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي 1/ 203، التلخيص الحبير 1/ 283، الدراية 1/ 21، نصب الراية 1/ 18، السلسلة الصحيحة 1/ 81.
(وَ) الرابعُ: (غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ) مع الكعبين؛ لقولِه تعالى: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)[المائدة: 6].
(وَ) الخامسُ: (التَّرتِيبُ) على ما ذَكَر اللهُ تعالى؛ لأنَّ اللهَ تعالى أدخَلَ الممسوحَ بينَ المغسولاتِ، ولا نَعلمُ لهذا فائدةً غيرَ التَّرتيبِ، والآيةُ سِيقَت لبيانِ الواجبِ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم رَتَّب الوضوءَ وقال:«هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» (1)، فلو بَدأ بشيءٍ مِن
(1) رواه ابن ماجه (419)، من طريق عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر بلفظ:(توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم واحدة واحدة، فقال: هذا وضوء من لا يقبل الله منه صلاة إلا به)، قال أبو حاتم:(عبدالرحيم بن زيد متروك الحديث، وزيد العمي ضعيف الحديث، ولا يصح هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال أبو زرعة: (حديث واهٍ)، وضعفه ابن حبان والنووي وابن حجر والألباني، وقال ابن تيمية:(ضعيف عند أهل العلم بالحديث لا يجوز الاحتجاج بمثله).
تنبيه: ليس في الحديث ذكر للترتيب كما ترى، وإنما استُدل على الترتيب بما عند ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (23)، من طريق طلحة بن يحيى عن أنس قال: دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوئه فغسل وجهه مرة ويديه مرة ورجليه مرة مرة، وقال:«هذا وضوء لا يقبل الله عز وجل الصلاة إلا به» ، وطلحة هذا صدوق يخطئ، ولم يلق أحداً من الصحابة، فهو منقطع. وقد نقل ابن حجر عن ابن السكن تصحيحه، وصححه الألباني لشواهده.
قال أبو بكر الحازمي: (قد روي هذا الحديث من أوجه عن غير واحد من الصحابة وكلها ضعيفة)، وبنحوه قال ابن حجر.
ينظر: علل الحديث 1/ 551، المجروحين لابن حبان 2/ 161، الاختيارات ص 388، المجموع 1/ 430، التلخيص الحبير 1/ 266، تهذيب التهذيب 5/ 27، الإرواء 1/ 125.
الأعضاءِ قبلَ غَسْلِ الوجهِ لم يُحْسَبْ له.
وإن (1) تَوضَّأ مُنَكَّساً أربعَ مرَّات؛ صحَّ وضوؤه إنْ قَرُب الزمَنُ، ولو غَسَلها جميعاً دفعةً واحدةً؛ لم يُحْسَبْ له غيرُ الوجهِ.
وإنِ انغمس ناوياً في ماءٍ وخَرَج مرتَّباً؛ أجزأه، وإلا فلا.
(وَ) السادسُ: (المُوَالاةُ)؛ لأنَّه «صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يُصَلِّي وَ (2) فِي ظَهْرِ قَدَمِه لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرهم لم يُصِبْها المَاءُ؛ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الوُضُوء» رواه أحمدُ وغيرُه (3).
(1) في (ق): فإن.
(2)
الواو غير موجودة في (ق).
(3)
رواه أحمد (15495)، وأبو داود (175)، من طريق بقية، حدثنا بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. وجوَّده أحمد، وقوَّاه ابن القيم، ابن التركماني، وابن حجر، والألباني.
وأعلَّه البيهقي وابن القطان بالإرسال، قال ابن دقيق:(يريد البيهقي بقوله: «هو مرسل» لعدم ذكر الصحابي الراوي، وليس هذا مما يجعل الحديث في حكم المرسل المردود عند أهل الحديث)، وقال الأثرم:(قلت لأحمد: هذا إسنادٌ جيدٌ؟ قال: نعم، قال: فقلت: إذا قال رجل من التابعين: حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسمه فالحديث صحيح؟ قال: نعم).
وأعلَّه ابن حزم والمنذري بعنعنة بقية، وضعَّفه النووي، قال ابن القيم:(صرح في هذا الحديث بسماعه له) وكذا قال ابن حجر، وتصريح بقية في مسند أحمد، قال ابن عبد الهادي:(وتكلم فيه البيهقي وابن حزم وغيرهما بغير مستند قوي) ينظر: تهذيب السنن لابن القيم 1/ 92، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 1/ 225، المجموع 1/ 455، البدر المنير 2/ 239، التلخيص الحبير 1/ 291، صحيح أبي داود للألباني 1/ 310.
(وَهِيَ)، أي: الموالاةُ: (أَلَّا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَى يَنْشِفَ الذِي قَبْلَهُ) بزمنٍ معتدلٍ، أو قَدْرِه مِن غيرِه، ولا يَضُرُّ إنْ جَفَّ لاشتغالٍ بسنَّةٍ؛ كتخليلٍ، وإسباغٍ، أو (1) إزالةِ وسوسةٍ أو وسخٍ، ويضُرُّ لاشتغالٍ (2) بتحصيلِ ماءٍ، أو إسرافٍ، أو نجاسةٍ أو وسخٍ لغيرِ طهارةٍ.
وسببُ وجوبِ الوضوءِ: الحدثُ، ويَحُلُّ (3) جميعَ البدنِ؛ كجنابةٍ.
(وَالنيَّةُ) لغةً: القصدُ، ومحلُّها القلبُ، فلا يضُرُّ سبْقُ لسانِه بغيرِ قصدِه، ويُخلِصُها للهِ تعالى، (شَرْطٌ) هو لغةً: العلامةُ، واصطلاحاً: ما يَلزمُ مِن عدمِه العدمُ، ولا يلزمُ مِن وجودِه وجودٌ ولا عدمٌ لذاتِه، (لِطَهَارَةِ لحَدَثِ (4) كُلِّهَا)؛ لحديثِ:«إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (5)،
(1) في (ق): و.
(2)
في (أ) و (ق): الاشتغال.
(3)
في (ب): ويعم.
(4)
في (أ) و (ق): الأحداث. وفي هامش (ح) نقلاً عن المطلع: (والمراد الأحداث، فاللام فيه للعموم، ولذلك صح توكيده بكلها، فهو كقوله: (إن الإنسان لفي خسر) أي: كل الإنسان) ينظر: المطلع ص 33.
(5)
رواه البخاري (1)، ومسلم (1907) من حديث عمر بن الخطاب.
فلا يصحُّ وضوءٌ وغُسلٌ وتيمُّم - ولو مستحباتٍ- إلا بها.
(فَيَنْوِي رَفْعَ الحَدَثِ، أَوْ) يقصدُ (الطَّهَارَةَ لِمَا لَا يُبَاحُ إِلَّا بِهَا)، أي: بالطَّهارةِ؛ كالصَّلاةِ، والطوافِ، ومسِّ المصحفِ؛ لأنَّ ذلك يَستلزِمُ رفعَ الحدثِ.
فإنْ نوى طهارةً، أو وضوءاً وأطلق (1)، أو غَسَل أعضاءَه ليُزِيلَ عنها النجاسةَ، أو ليُعلِّمَ غيرَه، أو للتبرُّدِ (2)؛ لم يُجْزِئْه.
وإنْ نوَى صلاةً معينةً لا غيرَها؛ ارتفع مُطلقاً.
وينوي مَنْ حَدَثُه دائمٌ استباحةَ الصلاةِ، ويَرتفعُ حَدَثُه، ولا يَحتاجُ إلى تعيينِ النيةِ للفرضِ، فلو نوى رفعَ الحدثِ لم يَرتفعْ (3) في الأقْيَسِ، قاله في المبدعِ (4).
ويُستحبُّ نُطْقُه بالنيةِ سرًّا.
(1) هكذا في جميع النسخ، وفي بعض النسخ المطبوعة:(أو أطلق) وهو خطأ، ففي الإقناع مع شرحه 1/ 202:(وإن نوى طهارة مطلقة أو وضوءاً مطلقاً)، وفي منتهى الإرادات بشرحه معونة أولي النهى 1/ 263:(ولا يرتفع إن نوى طهارة أو وضوءاً وأطلق)، وفي الإنصاف 1/ 315:(لو نوى طهارة مطلقة، أو وضوءاً مطلقاً؛ لم يصح على الصحيح).
(2)
في (ق): ليتبرد.
(3)
في (ق): لم يرتفع حدثه.
(4)
(1/ 96).
تَتِمَّةٌ:
يُشترطُ لوضوءٍ وغسلٍ أيضاً: إسلامٌ، وعقلٌ، وتمييزٌ، وطَهوريَّةُ ماءٍ، وإباحتُه، وإزالةُ ما يَمنعُ وصولَه، وانقطاعُ موجِبٍ.
ولوضوءٍ: فراغُ استنجاءٍ أو استجمارٍ، ودخولُ وقتٍ على مَنْ حدثُه دائمٌ لفَرْضِه.
(فَإِنْ نَوَى مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهارَةُ؛ كَقِرَاءَةِ) قرآنٍ، وذِكرٍ، وأذانٍ، ونومٍ، وغضبٍ، ارتفع حدثُه.
(أَوْ) نوى (تَجْدِيدَاً مَسْنُوناً)، بأنْ صلَّى بالوضوءِ الذي قبلَه (نَاسِياً حَدَثَهُ؛ ارْتَفَعَ) حدَثُه؛ لأنَّه نوى طهارةً شرعيةً.
(وَإِنْ نَوَى) مَنْ عليه جنابةٌ (غُسْلاً مَسْنُوناً)؛ كغُسلِ الجمعةِ، قال في الوجيزِ:(ناسياً)(1)؛ (أَجْزَأَ عَنْ وَاجِبٍ)، كما مرَّ فيمن نوى التجديدَ، (وَكَذَا عَكْسُهُ)، أي: إن نَوى واجباً أجزأَ عن المسنونِ، وإنْ نواهُما حصَلَا، والأفضلُ أن يَغتسلَ للواجبِ ثم للمسنونِ كاملاً.
(وَإِنْ اجْتَمَعَتْ أَحْدَاثٌ) متنوعةٌ ولو متفرقةً، (تُوجِبُ وُضوءاً أَوْ غُسْلاً، فَنَوْى بِطَهَارَتِهِ أَحَدَهَا)، لا على أنْ لا يَرتفعَ غيرُه؛ (ارْتَفَعَ سَائِرُها)، أي: باقيها؛ لأنَّ الأحداثَ تتداخَلُ، فإذا ارتفع البعضُ
(1)(ص 53).
ارتفع الكلُّ.
(وَيَجِبُ الإِتْيَانُ بِهَا)، أي: بالنيةِ (عِنْدَ أَوَّلِ وَاجِبَاتِ الطَّهَارةِ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ)، فلو فَعَل شيئاً مِن الواجباتِ قبلَ النيةِ؛ لم يُعْتَدَّ به، ويجوزُ تقديمُها بزمنٍ يسيرٍ كالصلاةِ، ولا يُبْطِلُها عملٌ يسيرٌ.
(وَتُسَنُّ) النيةُ (عِنْدَ أوَّلِ مَسْنُونَاتِهَا)، أي: مسنوناتِ الطهارةِ؛ كغَسلِ اليدين في أولِ الوضوءِ، (إِنْ وُجِدَ قَبْلَ وَاجِبٍ)، أي: قبلَ التسميةِ.
(وَ) يُسنُّ (اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا)، أي: تذَكُّر النيةِ (فِي جَمِيعِهَا)، أي: جميعِ الطَّهارةِ، لتكونَ أفعالُه مقرونةً بالنيةِ.
(وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا)، أي: حُكْمِ النيةِ، بأن لا يَنويَ قطعَها حتى يُتِمَّ الطهارةَ، فإن عَزَبَتْ عن خاطِرِه لم يؤثّرْ.
وإن شكَّ في النيةِ في أثناءِ طهارتِه؛ استأنَفَها، إلا أنْ يكونَ وَهماً كالوسواسِ، فلا يَلتفتُ إليه، ولا يضُرُّ إبطالُها بعدَ فراغِه، ولا شكُّه بَعدَه.
(وَصِفَةُ الوُضُوءِ) الكاملِ، أي: كيفيتُه: (أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ) وتقدَّمَا، (وَيَغْسِلَ كَفَّيهِ ثَلَاثاً) تنظيفاً لهما، فيُكرِّر غَسْلَهما عندَ الاستيقاظِ مِن النومِ وفي أوَّلِه، (ثُمَّ يَتَمَضْمَضَ وَيَسْتَنْشِقَ) ثلاثاً ثلاثاً، بيمينِه، ومِن غَرْفةٍ أفضلُ، ويستَنْثِر بيسارِه، (وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ)
ثلاثاً، وحدُّهُ:(مِنْ مَنَابِتِ شَعرِ الرَّأْسِ) المُعتادِ غالباً، (إِلى مَا انْحَدَرَ مِنَ اللَّحْيَيْنِ (1) والذَّقَنِ (2) طُولاً)، مع ما استرسل مِن اللحيةِ، (وَمِنَ الأُذُنِ إِلَى الأُذُنِ عَرْضاً)؛ لأنَّ ذلك تحصُلُ به المواجَهةُ، والأُذنان ليسا (3) مِن الوجهِ، بل البَياضُ الذي بين العِذارِ (4) والأذنِ منه.
(وَ) يَغسلُ (مَا فِيهِ)، أي: في الوجهِ (مِنْ شَعرٍ خَفِيفٍ) يصِفُ البشَرةَ؛ كعِذارٍ، وعَارِضٍ (5)، وأَهْدابِ عيْنٍ، وشاربٍ، وعَنْفَقَةٍ (6)؛ لأنَّها مِن الوجهِ، لا صُدْغٍ (7)، وتَحْذِيفٍ: وهو الشعرُ بعدَ انتهاءِ العِذارِ والنَّزَعَةِ، ولا النَّزَعَتان: وهما ما انحَسَر عنه الشعرُ مِن
(1) اللّحْيَيْن: تثنية لحي، بفتح اللام وكسرها: هو منبت اللحية من الإنسان وغيره. ينظر: المطلع ص 34.
(2)
قال في المطلع (ص 34): (الذِّقن: بفتح الذال المعجمة والقاف، قال الجوهري: هو مجتمع اللحيين).
(3)
في (ح) و (ب): ليستا.
(4)
العِذار: هو الشعر الذي على العظم الناتئ الذي هو سمت صماخ الأذن، وما انحط عنه إلى وتد الأذن. ينظر: المغني 1/ 86.
(5)
العارِض: هو ما نزل عن حدِّ العذار، وهو الشعر الذي على اللحيين. ينظر: المغني 1/ 86.
(6)
العَنْفَقَة: هي الشعر النابت تحت الشفة السفلى، وقيل: ما بين الشفة السفلى والذقن، سواء كان عليها شعر أم لا، والجمع عنافق. ينظر: المصباح المنير 2/ 418.
(7)
قال في الصحاح (4/ 1323): (الصُّدْغ: ما بين العين والأذن، ويسمى أيضاً الشعر المتدلي عليها صدغاً).
الرأسِ مُتَصاعِداً مِن جانبيه، فهي مِن الرأسِ.
ولا يَغسلُ داخلَ عينيه، ولو مِن نجاسةٍ، ولو أمِن الضَّررَ.
(وَ) يَغسلُ الشعرَ (الظَّاهِرَ) مِن (الكَثِيفِ، مَعَ مَا اسْتَرْسَلَ مِنْهُ)، ويُخَلِّلُ باطنَه وتقدَّم (1)، (ثُمَّ) يَغسلُ (يَدَيْهِ مَعَ المِرْفَقَيْنِ) وأظفارِه ثلاثاً، ولا يضرُّ وسَخٌ يسيرٌ تحتَ ظفرٍ ونحوِه، ويَغسلُ ما نَبَت بمَحَلِّ الفرضِ مِن إصبعٍ أو يدٍ زائدةٍ، (ثُمَّ يَمْسَحَ كلَّ رَأْسِهِ) بالماءِ (مَعَ الأُذُنَيْنِ مَرَّةً وَاحِدَةً)، فيُمِرُّ يديه مِن مُقَدَّمِ رأسِه إلى قفاه، ثم يَرُدُّهما إلى الموضِعِ الذي بدأ منه، ثم يُدخِلُ سبَّابتيْهِ في صِماخي (2) أُذُنيه، ويَمسحُ بإبهاميه ظاهرَهما، ويُجزئُ كيف مَسَح، (ثُمَّ يَغْسِلَ رِجْلَيْهِ) ثلاثاً (مَعَ الكَعْبَيْنِ)، أي: العظمين الناتِئَين في أسفلِ الساقِ مِن جانِبَي القدمِ.
(وَيَغْسِلُ الأَقْطَعُ بَقِيَّةَ المَفْرُوضِ)؛ لحديثِ: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» متفقٌ عليه (3)، (فَإِنْ قُطِعَ مِنْ المَفْصِلِ (4)،
(1) ينظر: ص
…
، الفقرة ....
(2)
الصِّماخ: بالكسر: خرق الأذن. ينظر: تاج العروس 7/ 293.
(3)
رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337)، من حديث أبي هريرة.
(4)
المَفْصِل: (بفتح الميم، وكسر الصاد: واحد المفاصل، وهي ما بين الأعضاء، كما بين الأنامل، وما بين الكف والساعد، وما بين الساعد والعضد، والمِفْصَل: بكسر الميم وفتح الصاد: اللسان) ينظر: المطلع ص 439.
أي: مَفْصِل المرفقِ؛ (غَسَلَ رَأْسَ العَضُدِ مِنْهُ)، وكذا الأقطعُ مِن مَفْصِل كعبٍ يَغسلُ طَرف ساقٍ.
(ثُمَّ يَرْفَعَ نَظَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ)، بعدَ فراغِه، (وَيَقُولَ مَا وَرَد)، ومنه:«أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» (1).
(وَتُبَاحُ مَعُونَتُهُ)، أي: معونةُ المتوضئِ، وسُنَّ كونُه عن يسارِه، كإناءٍ ضيقِ الرأسِ، وإلا فعَنْ يمينِه.
(وَ) يُباحُ له (تَنْشِيفُ أَعْضَائِهِ) مِن ماءِ الوضوءِ.
ومَن وضَّأَه غيرُه ونواه هو؛ صحَّ إن لم يَكُن المُوَضِّئ مكرَهاً بغيرِ حقٍّ، وكذا الغسلُ والتيمُّمُ.
(1) رواه مسلم (234)، من حديث عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب.