الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرويتُ بيتاً قاله من ذاق ما
…
قد ذقت من ثكل ووحشة جار
جاورت أعدائي وجاور ربه
…
شتان بين جواره وجواري
يا فجعة نزلت فحطم كاهلي
…
تأويقها وأبان قصم فقاري
في ليلة فارقت فيها ناظري
…
أبدا وفارقني على إجبار
لا غرو أن يك قد سرى جنح الدجى
…
عن ناظريّ فكل نجم سار
قد كنت أطمع أن يعيش مهنأً
…
بعدي ويبلغ أطول الأعمار
ووددت لو أن ذقت حتفي قبله
…
لكن خيار الله غير خياري
وسَّدته بيديّ رغماً ليته
…
هو كان وسدني على إيثاري
عيني إليه رنت وما لي حيلة
…
يا ليت من نظرِ مُنَى إنظار
قصرت يدي عن كف ما أودى به
…
أن القصور مظنة الأقصار
لهفي عليه وطرفه لي يشتكي
…
إذ كان لم يقدر على الأخبار
لهفي عليه على السرير موسّداً
…
ولو استطعت لكان فوق يساري
لكن أدنى اللمس كان يزيده
…
ألماً فكان يؤوه من أشعاري
ويئنّ أنة مستجير واجفاً
…
كالطير قُرّ فبات دون قرار
حتى خشيت الدمع يؤلم جسمه
…
لما عليه همي كودْق جار
يا رعشة أودت به قد أورثت
…
قلبي الوجوب ولوعة التذكار
ليت النفوض أقرّ عيني بعد أن
…
سخنت بنفض فيه ذي إقرار
لهفي عليه في الظلام معانقي
…
وكرايَ من شفق أليم غرار
لهفي عليه والغناء ينميه
…
وإذا سكتّ صبا إلى الإكثار
لهفي عليه وهو يأخذ من يدي
…
ويعيد ما يعطوه لاستغزار
لهفي عليه وهو لائك رُدْنه
…
بلآلئٍ وضاحة ودراري
يا يوم أنشبت المنيةُ فيه
…
طفلاً لا يطيق عوالق الأظفار
يا خطة عالت فسوَّت بين
…
حتفي والحياة إلى مدى مقدار
قد كان يحلو العيش حين يلوح لي
…
والآن مرّ فصار ذا أمرار
لا البعد يسليني ولا طول المدى
…
وتخالف الأعصار والأمصار
ما تنقضي الحسرات أو أقضي أميً
…
فبذا عليّ جرى قضاء الباري
كلا ولا تطفي أواري عبرتي
…
ولئن همت في الصب كالأمطار
فالنار إلا النار ثكل تنطفي
…
والماء إلا الدَّمع ضد النار
يا ليت راهي العيش يوماً راجع
…
وفداء مربوب أبوه الهاري
فأكون فاديَ عمر نجليَ لاقيا
…
حتفي لقاء القانع المختار
داريت ما لا ضير فيه لأجله
…
فاليوم لست لما بضير أداري
أن المنية والأماني بعده
…
سيان مستويان في استئثاري
فلتفعل الأيام بي ما تشتهي
…
ما بعد هذا الخطب من أضرار
ولتذهب الآمال عني أنني
…
لم يبق لي في العيش من أوطار
من ذاق ثكلاً مثل ثكلي فاجعا
…
فليُقصرنَّ اليوم عن أصْباري
وليبكينّ معي ويحملني على
…
فرط البكاء بمدمع مدرار
ما هدّ ركن الصبر مثل الثكل أو
…
حَسَم المطا كحسامه البتّار
الطفل يقضي مرة لكنما
…
يقضي أبوه فبله بمرار
تمروه في نزع أبنه وخفوته
…
أدوار حين أيّما أدوار
هيهات من قد أشبهت أطواره
…
في فقده أوطاره أطواري
أو أنّ في سوء الأسى لي أسوة
…
أو أن في طول الحياة قصاري
لن ينفع الإنسان شيئاً حرصه
…
كلَّ إلى أجل على مقدار
الموت غاية كل حيّ يستوي
…
يه ذرو الأيسار والأعسار
والسابقون يضعهم يوم
…
مع المتأخرين إلى ثرىً منهار
لكن يوم الطفل أفجع حيث لم
…
يعرف له مضمار سعي دار
ما لذّ طعم العيش إلاّ من عداه
…
الثكل لا من كان ذا أيسار
فالرزء في الأموال مثل الشعر تر
…
زأه فينبت خِلفة الأطوار
فليهْنِ من عاشت بنوه عيشه
…
وليصف مورده عن الأكدار
بعض الزوايا قد يساغ وبعضها
…
يبقى شجا يشجي مدى الأعصار
الحِداد
ثم لما يكن بدَّ للفارياق من السكنى بالقرب من تلك القرية المشؤومة سافر بأهله إلى كامبردج. وبقوا مدة طويلة يمشون وجفوفهم ما بين منطبقة ومنفتحة. لأن شدة الحزن تصرف القلب عن الشهوات أو بالعكس. ثم تراخت عقدة الحزن قليلاً عن العيون لا عن القلوب. لأن العينين لا تطاوعان القلب دائما. كيف وقد قيل وضعيفان يغلبان قويا. فاستحلّ كل منهما أولاً الصأصأة والوصوصة والتيصيص والتيضيض والتجصيص والتبصيص والوبص والتبصير والتفقيح. ثم اللوح واللمح والنقد والخزر والتخازر والشُّطور والمخاوتة والمخاوصة والملاوصة والتحشيف والعرضنة والرَّمْق والحَدَل والزَّر والايماض واللحظ والالتفات والدنفسة والتشاوس والمغاضنة والمخاوتة. ثم الايشام والنظر والبغو والصَرو والاجتلاء والتجلية والرَّنء والبصر والمعاينة والمشاهدة والرؤية والبغي والبقاوة والبقي. ثم الرأرأة والالأة والتبريق والبشق والتحديج والتحديق والتجحيظ والتبجيم والتحجيم والتجحيم والتحميج والحملقة والعسحرة واللتء والضبَّز والتبخُّص والاسفاف والارغاف والورورة والحتر والطنفشة والاتْآر والحدقلة والطرفسة والزنهرة والبندقة والبنق والتجنيص والتفصيص والتهصيص والارشاق والرعام والبرشمة والبرهمة والجرسمة. ثم الشخوص والطمس والجحم والاشصاء والتطاول والتطالل والاشرئباب والاسلطاء والاشتياف والاستيضاح والاستشراف والاهطاع والتدنيق والترنيق والحتء والحتش والصدء والاسجاد والتأمل والتكلئة والتفرس والتطلع والرنوَّ والترني. ثم تصالحت العيون والقلوب، فغدت تلك تترجم عن هذه والكمد مع ذلك مخيم في اطرافها.
غير إن الإنسان خلق من نطفة أمشاج وركب من عدة أخلاط وجواهر وأعراض مختلفة. فهو لا يزال ابد الدهر ماشجاً هذا في ذاك وخالطاً جداً بهزل وفرحاً بترح. فتراه ساعة قانطاً وأخرى كأشعب. وآونة مفراحاً وأخرى مبتئساً. ويوماً طرباً شنقاً ويوماً أو بعض يوم عزها. فهو بشر خَلقاً وغول خُلقاً. وأكثر ما ترى منه غملجيته هذه في أمر النساء. فإنه أن تزوج بمليحة قال ليتني كنت تزوجت بقبيحة وسلمت من ضيزنية معارفي وجيراني. وأن تزوج قبيحة قال ليتني تملّحت بمليحة لأكون ذا وجاهة ونباهة. وإن كانت امرأته بيضاء قال ليتها كانت سمراء. فإن السمر أخف حركة واسخن في الشتاء. وإن كانت سمراء قال ليتها بيضاء فإن البيض ارطب أبداناً في الصيف. وإن كانت كمكامة مكتنزة قال ليتها كانت ممشوقة هيفاء. فإن الهيف أقل مؤونة. وإن سافر عنها قال ليتها هي التي سافرت وبالعكس. إلا في مدة وضعها فإنه لا يتمنى أن يكون في موضعها وقس على ذلك من الأحوال النسائية ما لا يمكن حصره. إذ أخفى شيء من المرأة إنما هو بحر لا يمكن البلوغ إلى قعره. والحاصل إن القلب شؤوناً كثيرة وأحوالاً متباينة لا يزال يتقلب بها. أو لا تزال هي تتقلب به. وعلى كل فتسميته قلباً دالّة عليه. ويستثنى من هذه القاعدة شيء واحد وهو ثبات الإنسان في كل حال وشان. وإصراره في كل زمان ومكان على تفضيل نفسه على غيره. فلو كان فاجراً حسب أن لا بره عند الله إلا بره. وإن كان فظَّاً غليظاً رأى كل كيس ربيز دونه. وإن كان بخيلاً ظن إن كل حرف يفوه به هو منَّة كبرى. وإن كان دميماً ذميماً لم ير اللوم إلا على نظر الناظرين له. وكما أن عين الإنسان تنظر كل ما واجهها ولا ترى نفسها كذلك كانت بصيرته مبصرة بعيوب الخلق كافة إلا عيب نفسه. ولو طاف الدنيا بأسرها لما رأى فيها من المحاسن ما في مدينته أو قريته. ثم ليس من المحاسن في بلدته ما في بيته. ولكن ليست هي أحد من أهله كما هي فيه. فتحصل من ذلك إنه أفضل من في العالم كله. ولو أنه كان شاعراً أو بالحري شعوراً لا يحسن إلا الإطراء على بخيل أو التغزل بهند ودعد. ثم رأى علماء الرياضة والهندسة يخترعون من الأدوات مثلاً ما يطوي شقة خمسمائة فرسخ في يوم واحد. لحسب أن شعره أنفع من ذلك وألزم. ولو كان مغنياً أو لاعباً بآلة من آلات الطرب ورأى جاراً له طبيباً نطاسياً يداوي في كل يوم خمسين عليلاً ويبرئهم بإذن الله لاعتقد أن صنعته أشفى وأنفع. ولم يخطر بباله قط أن الإنسان يمكنه أن يعمر في الأرض دهراً طويلاً من دون سماع غناء أو عزف بآلة. فمتى يتعلم الإنسان أن يعرف نفسه. وإن يفرق بين الحق والباطل وأن لا يخلط الحزن الكامن في القلب بالتحديق والحملقة.