المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر - الساق على الساق في ما هو الفارياق

[الشدياق]

فهرس الكتاب

- ‌تنبيه من المؤلف

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌الكتابُ الأوَّل

- ‌إثارة رياح

- ‌انتكاسة حاقية وعمامة واقية

- ‌نوادر مختلفة

- ‌شرور وطنبور

- ‌قسيس وكيس وتحليس وتلحيس

- ‌طعام واِلتهام

- ‌حمار نهاق وسفر وإخفاق

- ‌خان وإخوان وخِوان

- ‌محاورات خانية ومناقشات حانية

- ‌إغضاب شوافن وأنشاب براثن

- ‌الطويل والعريض

- ‌أكلة وأكال

- ‌مقامة

- ‌مقامة في الفصل الثالث عشر

- ‌سرّ الاعتراف

- ‌قصة القسيس

- ‌تمام قصة القسيس

- ‌الثلج

- ‌النحس

- ‌الحس والحركة

- ‌نوح الفارياق وشكواه

- ‌عرض كاتب الحروف

- ‌الفرق بين السوقيين والخرجين

- ‌الكتاب الثاني

- ‌دحرجة جلمود

- ‌سلام وكلام

- ‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية

- ‌منصّة دونها غصّة

- ‌وصف مصر

- ‌في لا شيء

- ‌ في وصف مصر

- ‌في أشعار أنه انتهى من وصف مصر

- ‌فيما أشرت إليه

- ‌طبيب

- ‌إنجاز ما وعدنا به

- ‌أبيات سرية

- ‌مقامة مقعدة

- ‌تفسير ما غمض من ألفاظ هذه المقامة ومعانيها

- ‌في ذلك الموضع بعينه

- ‌القسم الأول في تهبئة الجواهر

- ‌القسم الثاني في عمل الحليّ

- ‌القسم الثالث في عمل الطيب واتخاذ المشموم

- ‌القسم الرابع في عمل الآنية والأدوات والمتاع والفرش

- ‌القسم الخامس في عمل الثياب

- ‌رثاء حمار

- ‌ألوان مختلفة من المرض

- ‌دائرة هذا الكون ومركز هذا الكتاب

- ‌معجزات وكرامات

- ‌الكتاب الثالث

- ‌إضرام أتون

- ‌العشق والزواج

- ‌القصيدتان الطيخيّتان

- ‌الثانية

- ‌الأغاني

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌العدوى

- ‌التورية

- ‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر

- ‌وليمة وأبازير متنوعة

- ‌الحرتة

- ‌الأحلام

- ‌ الحلم الثاني

- ‌التعبير

- ‌الحلم الثالث

- ‌التعبير

- ‌إصلاح البخر

- ‌سفر ومحاورة

- ‌مقامة مقيمة

- ‌جوع دَيْقوع دهقوع

- ‌السفر من الدير

- ‌النشوة

- ‌الحض على التعري

- ‌بلوعة

- ‌عجائب شتى

- ‌سرقة مطرانية

- ‌الكتاب الرابع

- ‌إطلاق بحر

- ‌وداع

- ‌استرحامات شتى

- ‌شروط الرواية

- ‌فضل النساء

- ‌وصف لندن أولندرة عن الفارياق

- ‌محاورة

- ‌الطباق والتنظير

- ‌سفر معجل وهينوم عقمي رهبل

- ‌الهيئة والأشكال

- ‌سفر وتفسير

- ‌ترجمة ونصيحة

- ‌خواطر فلسفية

- ‌مقامة ممشية

- ‌رثاء ولد

- ‌الحِداد

- ‌جود الإنكليز

- ‌وصف باريس

- ‌شكاة وشكوى

- ‌سرقة مطرانية ووقائع مختلفة

- ‌نبذة مما نظمه الفارياق من القصائد والأبيات

- ‌في باريس على ما سبقت الإشارة إليه

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم الأمير عبد القادر

- ‌بن محيي الدين المشهور بالعلم والجهاد

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم النجيب الحسيب صبحي بيك

- ‌في إسلامبول

- ‌القصيدة القمارية

- ‌الغرفيات

- ‌الفراقيات

- ‌وقال

- ‌وقال في المعنى

- ‌وقال

- ‌ذنب للكتاب

- ‌تم الذنب

الفصل: ‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر

أن الفارياق حين كان مرتقباً بربقة الحب قبل الزواج كان قد أستدعى به أحد الخرجيين في الجزيرة البُخْر أي في الجزيرة التي يتكلم أهلها بلغة منتنة. ليكون عنده بمنزلة معّبر للأحلام بأجرة أكثر مما كان له عند الخرجي بمصر. فمن ثمَّ عزم على السفر وطالع به خطيبته قبل الدخول بها بمدة. فقالت لا بأس فإن للرجل حقاً على امرأته أن يستصحبها حيث شاء. وأن كل بقعة من الأرض تكون لها في صحبته مغنى ووطناً. ثم أخبر أمها بذلك فرضيت. فلما وقع بالزواج وأحكمت عقدته قال الفارياق لزوجته ينبغي لنا الآن أن نتأهب للسفر. لأن أحلام الخرجي قد تكاثرت في رأسه ويخشى أن يفوته تعبيرها. فقالت أو ذلك من جدّ؟ هل جرت عادة النساء بأن يسافرون عقب الزواج ويعرضن أنفسهن للعقم والخطر؟ أليس في مصر مندوحة عن الغربة والسفر؟ كيف أفارق أخواني وأهلي وأذهب إلى بلاد مالي بها من صديق ولا خدين!؟ قال ما غرّرت بك ولا قلت لك شيئاً غير ما قلته من قبل. قالت ما كنت لا علم من الزواج ما أعلمه الآن. فقد شبهه الناس بالسعوط الذي يعطيه الطبيب اللنائم أو السكران حتى يفيق. قد علمت الآن أنَّ المرأة لم تخلق للسفر وإنما خلق السفر لها. قال: أني وعدت الرجل بأن أسافر إليه فلا بدَّ من إنجاز الوعد: فقد يقال في المثل أن الرجل يربط بلسانه لا بقرنه. ومع ذلك فإن خرجيّنا هذا مسافر معنا بامرأته فأنت مثلها. قالت ما أنا كزوجة الخرجيّ فإني الآن حديثة الصبغ وفي برزخ البكر والمتزوجة. ولم أسأم بعدُ من الأرض حتى أدخل إلى البحر. فلما علمت أمها بذلك الحت عليها في السفر. فقالت دعوني إذاً أستشير طبيباً لاُ علم هل سفر البحر يضر بالمتزوجة حديثاً أولاً. فجيء بالطبيب فلما سمع كلامها ضحك وقال. إنكم يا نصارى الشرق تنذرون للكنائس رجاء أن يمنّ عليكم صاحب الكنيسة بالحبل أو الشفاء من بعض الأمراض وأما نحن فنذر للبحر. فإن النساء عندنا حين ييأسن من الحبل يقصدن ظهر هذا الولي ويلتمسن بركته. فمنهن من ترجع حبلي بفذّ ومنهن من تضع توأمين. ولا سيما إذا كان ربان السفينة ذا رفق بالنساء يطعمهن ما يشتهين. فقال الفارياق في نفسه اللهّم أجعل ربان سفينتنا عنيفاً شرساً نكداً شكساً فظاً عسراً. فلما سمعت ذلك سكن روعها ومالت إلى السفر. فمن ثمَّ أخذوا له الأهبة وسافروا إلى الإسكندرية.

أما السفر من بولاق في القنج فأنه من أعظم اللذات التي ينشرح لها الصدر فإن النيل لا يكون إلا ساجياً. ورئيس القنجة يقف قبالة كل قرية ليتزودوا منها الدجاج والفاكهة الطريئة واللبن والبيض وغير ذلك. وناهيك بماء النيل عذوبة ومصحة. فالراكب في إحدى هذه القنج لا يزال طول نهاره آكلاً مسروراً قرير العين بما يراه نضرة الريف وخصب القرى. حتى يودّ أن تطول مدة سفره فيه وأن كان في قضاء أمر مهم. فأغتنم الفارياق حٍ هذه الفرصة وأمعن في قضاء الأعذبين ونسي مصر ولذاتها. ونعيمها وحمايتها. ورَمَدها وآفاتها. والكتب ومشايخها. والأخراج وتخاتخها. والمكاتب وبرابخها. والطنبور وأوتاره. والحمار وفراره. والطبيب وقنزعيته. وصاحب المعجزة وهجرعيته والسرى ورائحته. والوباء وجائحته. وما زال على هذه الحالة حتى وصل إلى الإسكندرية شبعان ريان. وقد تزود ما يقوم بحاجة البطالة في البحر الملح. وفاز ونجح أي فوز وأي نجح.

‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر

ص: 159

كان الخرجي رفيق الفارياق في السفر قد كتب كتاباُ من مصر إلى بعض معارفه بالإسكندرية ليهيئ له نُزلاً. فلما وصلوا إليها أقاموا فيه مدة ينتظرون ورود سفينة النار التي تسافر إلى الجزيرة. وكانوا جميعاً يأكلون على مائدة واحدة ويتفاوضون في المصالح الخرجية وفي السفر وغيره. وكانت زوجة الفارياق لا تدري شيئاً سوى بيت أهلها. ولا تتكلم في أمر إلا فيما جرى لها مع أمها أو لامها مع الخادمة أو لهذه معهما وكانت إذا أخبرت مثلاً بأن الخادمة ذهبت إلى السوق لتشتري شيئاً تخللت كل جملة بضحكة طوياة. فاقتضى لأخبارها من الوقت نحو ما كان اقتضى للخادمة من الذهاب والإياب وسبب ذلك أن النبات في مصر لا يعاشرن أحداً سوى الخوادم وأهل البيت. أما أمهاتهنّ فلا يطالعنهن بشيء من أمور الدنيا مخافة أن تنجلي الغشاوة عن أبصارهن فيعرفن ما يراد منها. فمن ثم كان تحصل معارفهن كلها من الخوادم لا غير ولما كنّ هؤلاء يرين أن أخبار النبات بما يهوين ويملن إليه بالطبع خيراً لهن عظيماً. فإذا رأت إحداهن مثلاً فتى جميلاً بادرت من ساعتها إلى البنت وقالت لها: قد رأيت اليوم يا سيدتي شاباً مليحاً ظريفاً لا يصلح إلا لك. وأنه حين نظرني وقف وشخص أليّ وكأنه يريد أن يكلمني. وأخاله عرف إنك أنت سيدتي. فإذا رأيته المرة الآتية كلمته. وأشباه ذلك عن الكلام مما يجعل البنت ذات ضلع معها إذا غضبت منها الأم. ولا يخفى أن البنات إذا كنّ جاهلات بالقراءة والكتابة وحسن المحاضرة وبآداب المجلس والمائدة وغيرها، فلا بدّ وأن يتعوّضن عن هذا الجهل بمعرفة الحيل والمكايد التي يتخذنها وسيلة لما يرمن. فإن البنت إذا اشتغلت بقراءة فمن من الفنون أو بمطالعة الكتب صرفها ذلك عن استنباط الحيل. فأما إذا لم يكن لهن شغل غير ملازمة البيت وليس فيه غير الخادمة فأنّ أفكارهن وأهواءهنّ كلها تنجمع إلى مركز واحد وهو اتخاذ الخادمة وسيلة لهن وسنداً. فكلامها عندهنّ أصدق من كلام أمهاتهنّ. فالأولى عندي أنا العبد الحقير أن تشغل البنت بإحدى الفنون والعلوم النافعة سواء كان ذلك عقلياً أو يدوياً. ألا ترى أن الأنثى مفطورة على حب الذكر والذكر على الأنثى؟ فجهل البنات بالدنيا غير مانع لهن من معرفة الرجال واستطلاع أحوالهم. بل ربما أفضى بهنّ هذا الجهل إلى التهافت عليهم والانقياد إليهم من دون نظر في العواقب بخلاف ما إذا كن تأدّبن بالمحامد والعلم اللائق بهن فإنهن ح يعرفن ما يعرفن من الرجال عن تبصر وتدبر. وهناك قضية أخرى وهي أن النساء إذا علمن من أنفسهن أنهنّ أكفاء الرجال في الدراية والمعارف تترّسن دونهم بمعارفهنّ وتحصنّ بها عند تطاول الرجال عليهنّ. بل الرجال أنفسهم يشعرون بفضلهنّ فيرتدعون عن أن يهتكوا حجاب التأدب معهنّ. مثال ذلك إذا أجتمع غلام وبنت في خلوة وكان الغلام قد قرأ ودرى والبنت لم تعرف شيئاً غير ذكر اللباس والزينة والخروج إلى البستان. لم يلبث الغلام أن يتعدى طور الأدب معها لاعتقاده أنها لم تخلق في الدنيا إلا لقضاء وطره منها. بخلاف ما رآها ذات رأي رشيد. وقول سديد. وفكرة مصيبة. وفهم للأمور البعيدة والقريبة. وحسن محاضرة وجواب عتيد. ومعارضات ومماتنات. فأنه والحالة هذه يهابها ويحترمها. وليس كلامي هذا مخالفاً لما قلته في إغضاب الشوافن. وإنشاب البراثن. وإنما العبرة باختلاف وسائل العلم. والمراد من هذا الاستطراد كله أن نقول أن زوجة الفارياق وإن يكن قد فاتها كثير من معلومات الرجال والنساء فقد أبدت من المعارضة لأمها عند تصادم مصلحة الزواج بمفسدة خرجية الفارياق ما أفحم المجادل، وأبكم المناضل. لكنها بقيت في غير ذلك جاهلة.

فإن الفارياق لما كان ذات يوم على المائدة أخبره الخرجي بقدوم سفينة النار وحثه على التأهب للسفر. فسمعت بذكر سفينة النار فقالت ما معنى هذا. فقال لها الخرجي هي سفينة ذات ألواح ودُسُر وإنما تسير بقوة بخار النار. قالت وأين النار؟ قال في قمين بها. قالت يا للداهية كيف أسافر في سفينة فيها قمين وأعرض نفسي للنار؟ أليس السفر من هنا إلى الجزيرة يكون في القنج كسفرنا من بولاق؟ قال أن القنج لا تصلح للبحر الكبير. قالت أما أنا فلا أسافر ويسافر من يريد أن يحترق. فترضاها الخرجي وزوجته فأبت.

ص: 160

فلما حان الرقاد اضطجعت في الفراش وأدارت وجهها إلى وجه الحائط: وهذا هو المقصود من هذا الفصل تنبيها للناس على أن هذه العادة هي من جملة العادات التي أخطأا استعمالها إذ ليس في الأدبار شيء يدل على الغيظ.

بل الإقبال هو المظنة له فإن المرأة إذا واجهت زوجها عند الاضطجاع وقطبت وجهها في وجهه وزوت ما بين حاجبيها، أو شمخت أو سدّت منخريها أو غمضت عينيها كيلا تشم رائحة وتبصر سحنته أو غطتهما بيدها أو بكمها أو منديل كان ذلك إشارة إلى غيط. فأما في تولية الدبر فلا علامة تدل عليه. فإن قلت أنها إذا واجهته ربما غثت نفسها من نفسه. إذ الرائحة الكريهة لا بد وأن تفعم المناخر وأن سُدّت فلا محيص عنه بالأدبار قلت الأولى أن تستلقي فيندفع المحذور. وبعد فأن الدبر هي من الأشياء التي طالما عُني الناس بتفخيمها وتكبيرها وتعظيمها حسّا ومعنى. أما حسّا فلأنهم اتخذوا لها الزناجب والمنافج والمرافد والرفائع والأعاجيز والغلائل والمرافق والعُظامات والحشايا والأضاخيم والمصادغ إجتذاباً لقلوب الناظرين وفتنة لعقول العاشقين. فكيف يكون شيء واحد مستعملاً وسيلة للرضى والغضب معاً فهو خُلْف بين، وأما معنى فلأن العلماء والأدباء وسادتنا الشعراء ما زالوا يتغزلون بها ويتنافسون في عرضها وسعتها، حتى أن بعضهم قال

من رأى مثل جبّتي

تشبه البدر إذا بدا

بدخلي اليوم خصرها

ثم أردافها غدا

وقال عمر بن كلثوم

وما كمة يضيق الباب عنها

وخصر قد جُننت به جنونا

ص: 161

ولقائل هنا يقول أن الشاعر لم يصف الخصر إلا بكونه موجباً لجنونه. وأن الإشارة إلى كونه نحيلاً بناء على جنون الناس به إذا كان كذلك غير ناصّة وأخرى أن يكون هذا المفهوم الضمني جاريا على وصف كل عضو. إذ لو قال وما كمة جننت بها جنونا لعلم بالبديهية إنها تملأ الباب ويفضل منها شيء ويا ليت شعري هل الألف واللام للعهد الجنسي أو الذهني. وهل الإمام الزوزني تعرّض لشرح ذلك، ثم أنه من أهّم ما يشغل بال المرأة ويسهرها الليالي، هو تفتن ناظرها بتفخيم ذلك الموضع الرفيع العالي. وربما لهيت عن وجهها وسائر جسدها وغادرته بلا زينة من فرط اشتغالها به ولو تضّمر وجهها وذوت غضاضة بدنها لمرضٍ أو كبر فقلّ اعتمادها على محاسنها لم تبرح معتمدة عليه ومتعهدة له. فهو رأس مال الخلب والتشويق وما من امرأة إلا وتتمنى أن يكون لها عين في قفاها لتكون ناظرة إليه ومتعهدة له دائما. ولقد يهون عليها أن تقف ساعة أو تمشي ساعتين أو ترقص ثلاثاً ولا أن تقعد هنيهة خشية من أن يخشان أو يضمر. وإنها حين تنظر إلى عطفها وهي ماشية أو راقصة فما هو إلا رمز إلى ما ورائه. وأن تهدكرها وتبهكنها هما أنشب مصلاة يعلق بها قلب الرجل. وذلك لأنها تعلم أن الحكمة الخالقية رسمت من الأزل بأن تكون كثرة اللحم والشحم في ذلك الموضع. بالنسبة إلى سائر البدن لا بالنسبة إلى دكاكين اللحامين، شائقة للملوك والسلاطين والأمراء والقضاة والأئمة والقسيسين. والأحبار والموابذة والهرابذة والعلماء والبلغاء والخطباء والأدباء والشعراء والعطارين والصيادلة والعازفين بآلات الطرب ولسائر الناس. لا لأنهم يتخذون من لحمه كبابا أو من شحمه إِهالة. أو يستصبحون عليه أو يتخذون من جلده كُوْبه. ولكن ملأ لعيونهم وشرحاً لصدورهم. فإن عين ابن آدم مع كونها ضيقة لا يملأها ما هو أوسع منها وأكبر بألف مرة. وإشعارا لهم بأن حكمتهم في هذه الدنيا وتنطّسهم وعزهم ومجدهم وأن علت على الأطواد الشامخة والجبال الشاهقة فما هي إلا سافلة عن حضيض هذا الموضع ألَا وإنها تعلم إنك إذا جلست مثلا حد هؤلاء الأعزة الكرام أمام بعض المناصع على سرير مذهب. وضربت عليه قبّة ممّوهة مزخرفة منمنمة منقشة مزوقة مكسوة بالحرير والديباج ومكللة بالزهور والرياحين. استنكف أن يقعد هناك نصف ساعة. على أنه لا يستنكف أن يقعد عامة نهاره وليله لذلك المقام المنيف. وهو حاسر الراس، مشعث، الشعر، حافي الرجل، فاغر الفم مندلع اللسان، سائل اللعاب: محملق العينين، مشمر الذيل، شابح الذراعين معوجّ العنق مؤلّل الأذنين، في أقبح هيئة يمكن للإنسان أن يتصورها في حق ذي مقام. حتى لو سمع نأمة من هناك لظن أن السلطان قد بعث إليه بالات الملاهي يهنئه على هذا الفوز العظيم، والمغنم العميم، وتصوّر في باله ان صوت العود لم يكن بأشجى من غيره إلا لكون هذه الآلة قد صنعت على مثال شطر ذلك الموضع ولو كان كالشطرين لسُمع له منطق بإعراب. وأن شكل القبة مأخوذ منه. ورائحة الندّ تروى عنه، وإن العرب من زيادة شغفهم به الحقوا حروفه بالأفعال السداسية الدالة على طلب الفعل أو التي يعتبر فيها الشيء كونه على حال مّا من الأحوال، وإن فردسة صدور الرجال وعرض ظهورهم لا تجدي نفعاً مع عرضه. وأن المعالي في السَّراة متى تلح لهم ذات تأكيم يعدن مسافلا، وإن هذه الحقيبة مع ثقلها سواء كانت حاملة كما ذهب إليه بعض الشعراء، أو كانت محمولة كما هو في الواقع فليس ثقلها إلا كثقل كيس ذهب على حامله. وإنها أسخن الأعضاء جميعاً في الشتاء إذ لا تحتاج إلى تدفئة وإبردها في الصيف. وإنها مع كونها اول ماس للأرض عند القعود فلا تزال انعم من الخدين. وأملس من اللديدين، فلهذا كانت لذة تقبيلها للمقبّل العذريّ اعظم من لذة تقبيل الذقن والأنف والعين والجبين. وأن الناس لها أسماء الملوك والسلاطين، وذوي السيادة والمعالي وأئمة الدين. وعند قوم "أقول واستغفر الله" تذال لها الأسماء الحسنى، على أن تسبيحهم كل يوم أن يقولوا ربنا تقدّس اسمك. ألا وإنها تعلم أن كثيراً من البهائم أعقل من الناس أو أسعد حالا من أصل الفطرة. فإن الذكر من الحيوان غير الناطق لا يهيج على هبرتين من اللحم في أنثاه مع احتوائهما على القبل والدبر إلا في وقت معلوم.

ص: 162

وهذا الذكر من الحيوان الناطق لا يزال هائجاً عليهما مزبداً لا غماً راغياً متزغّماً هادراً محمحماً مبقبقاً زاغداً مُلْعباً جالباً لاجباً وربما جنّ أيضاً. وما ذلك إلا لمجرد وهم أنهما بأهدافهما تعينانه على خسق الهدف من قُبُل وإلا فما سبب هذا الجنون. نعم وتعلم أيضاً أن هذا الموضع مع كونه في حيّز الجسم الأسفل فهو، موازٍ لخط الرأس ارتفاعاً إشارة إلى أن تسفله لا يحط من قدره ورفعته. حتى لو فُرض أنه جعل عند الرجلين لبقيت له هذه المنزلة والاعتبار بعينه. حتى أن بعض النساء يرين أن كشفه أوْلى من كشف الفم لأنه أقلُّ أذى منه. إذ لم يعلم إلى أن أحداً قُتل بفلتة منه فأما فلتات اللسان القتّالة فلا تعدُّ ولا تحصى. وبناء على ذلك كن يتعمّدن الخروج في اليوم الراح وهو عندهنَّ من الأعياد المباركة، وبعضهن يرين إنه جدير بالحلي والزينة والتنقيش سواء كان ظاهرا او مستورا. قال بعض السّتاهين.

يا سائلي عن أي جز

ء في المليح اجملُ

لقد روى استأذنا

نصف الجمال الكفل

قال وذلك لاشتماله على أشكال كثيرة، لأنك إذا اعتبرت ذروة الرانفة وحدها ظهر لك الشكل المخروط، وإذا اعتبرتها مزدوجة بالأخرى تبّين لك نصف دائرة أو شكل هلالّي، وإذا نظرت من نقطة العيسب إلى غاية ما يوازيها من سطح الشق الواحد بدا لك المستوى أو المسطح، أو منه إلى مادون ذلك قابلك المقبّب والخط المنحني، وإذا اعتبرته مع الإكباب واجبك المجوّف وهلم جرّا. وليس من سائر أعضاء البدن من الأشكال ما لهذا. قلت ما أشوق قول الشيخ ناصيف اليازجي الأديب المشهور.

وتموّجت أردافها فأخو الهوى

بين اضطراب الموجتين غريق.

ص: 163

ثم أن الظاهر من وجود اسم المرفد في لغتنا هذه الجليلة، ومن قول صاحب القاموس المخدّم رباط السراويل عند اسفل رجل المرأة، أن لباس نساء العرب قديماً كان كلباس نساء الشام الآن. أو لعله كان خاصّاً بالحواريات غير أن قول المتنبي، وأعفّ عما في سراويلاتها، يفيد التعميم، بناء على تغزّله بالباديات كما أشار إليه بقوله، وفي البداوة حسن غير مجلوب، وقد تقدم، قال القاموس الدبر بالضم وبضمتين نقيض القبل ومنكل شيء عقبه ومؤخره- والإست والظهر، قلت أسماء حروف هذه اللفظة لها معانٍ وهذه الحروف كيفما قلبتها ظهر لك منها أيضاً معنى، وكذا إذا جمعت بين كل حرفين منها، وعددها بحساب الجّمل مزدوج إشارة إلى ازدواج الجهتين، كما أن الضمتين إشارة إلى الثقل والرزانة، ومادتها من اغرز الموادّ، وهل وضعها مؤخر عن المؤخر أو متقدم عليه أو اشتقاقها من قولهم جئتك دبر الشهراي آخره واشتقاق هذا منها خلاف، والظاهر أن الأمور المعنوية الاعتبارية مشتقة من الحسّية وبقي الخلاف في اشتقاقها من عقب الشيء، وقد ورد في القرآن ولّوا الأدبار، وأنكرها المطران أتاسيوس التوتنجي في كتاب الحكاكه، واعلم إن العرب قد وضعت للدبر ما ينيف على تسعين لفظة ما بين اسم ولقب وكنية. فمن أسمائها ما تقدم في إثارة الرياح ومن بعض كناها أمّ سُوَيد وأمّ العِزْم وأمّ خنَّوْر. فلولا أنهم أنزلوا منزل الأسد والسيف والخمر في البأس الفتك والإسكار لما خصّوها بذلك لا يَرد هنا ما قاله ذلك الأعرابي في السنّور لعنه الله ما أكثر أسماءه وأقّل ثمنه. فإنّا نقول إن قلة ثمن الحيوان لكثرة وجوده لا يقدح في قيمته ومنافعه. وإن كثرة أسمائه هي من حمل النظير على النظير لحصول المشابهة بينه وبين أمّ أمَّ سويد. من جهة أن السنّور هو من الحيوانات الكثيرة النتاج. ومن طبعه اللعب والهراش وإن يكن يعقبه غير مرة خدش وإدماء. وخمش وإصماء. وحمش وإعماء. وله تحمّل على المكاره والأذى حتى قيل أن له سبعة أرواح ولا يعجزه صعود شرف ولا هبوط هوة. وإنه إذا شمّ رائحة شيء أعجبه من الطعام تسلق على الجدار ودخل أضيق مكان حتى يظفر به. وإنه إذا مرَّت عليه يد نفَّش ذنبه واخذ في خرخرة وهينمة تفصح عن رضاه باللمس. ومن طبعه أيضاً النظافة والأكل خفوة حياء أو خوفا. فإن أبيت إلا المشاحة كما هو دابك من أول هذا الكتاب بأن قلت ما بال أسماء الداهية والعجوز إذاً كثيرة وأسماء الشمس والقمر قليلة إذا كانت التسمية مبنيّة على جلالة المسمى أو نفعه. قلت أما كثرة أسماء العجوز فباعتبار أنها كانت صبية أو أنها تكون ذريعة لها. وأما الداهية فباعتبار خشيتها. والإجلال قد يكون عن خشية كما يكون عن مقة. فأما الشمس والقمر فأسماؤها كثيرة جداً غير إنها لم تشتهر عندنا وليس ذلك بأول ظلم فعله الناس في حق اللغة كما بيَّنته في كتاب آخر ثم هذه جملة الأسماء والصفات التي وضعت لامّ ام سويد وقد بذلت الجهد في استقرائها وهي الأثيثة الخبنْداة الراجح الرَّجاح الرَّداح الدُلَخة البهَيْر الشَوْترة العَجِزة العَجْزاء والمُعجَّزة الدَّهاس الدَهساء البَوْصاء اللفَّاء الركراكه الزكزاكه الوكواكه الضِبرك الضنَّاك العَضنَّك الوَرْكاء الوَركانة الثَّقال الجزلة السجلاء المكفال الهركولة المؤكَّمة الألياء الأليانة ومن الغريب أن صاحب القاموس ذكر الأستة والسّتاهي ولم يتكرم علينا بمؤنثهما فإنا أنبتهما هنا عن أذنه: ومن ذلك نفج الحقيبة. ذات الأهداف. ذات التأكيم ذات الرضراض من نسوة بلاخ. ولك أن تقول بَلخاء وأن يذكرها الفيروز أبادي إلا بمعنى الحمقاء. هذا ما عدا ما يشير إلى هذه الغبطة والسعادة من الألفاظ إشارة صريحة نحو الجعباء الضخمة الكبيرة.

الجَلَنْباء السمينة وكذا الخُنضبة والخَضْعَبة والكبْكابة والحوثاء والوَعثة.

الخِدَبّة الضخمة.

الدِخْدبة المكتنزة.

السَرْهَبَة الجسيمة.

الطُباخيَّة الشابة المكتنزة.

اللبُاخيَّة اللحمية وكذا الدعِكاية.

المُبرْندة الكثيرة اللحم ومثلها الهُدكورة.

الثَأدة المكتنزة الكثيرة اللحم.

الثَهْمَد السمينة العظيمة.

الرَجْراجة التي يترجرج عليها لحمها.

الضَّمْعَج المرأة الضخمة التامة.

البَيْدَج البادن وكذا البَلْدج.

الدَّحوح العظيمة.

الدُمْلحة الضخمة التارة.

ص: 164