المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وليس بمأمون زماني على اللقا … وهل يؤخذن يوماً على - الساق على الساق في ما هو الفارياق

[الشدياق]

فهرس الكتاب

- ‌تنبيه من المؤلف

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌الكتابُ الأوَّل

- ‌إثارة رياح

- ‌انتكاسة حاقية وعمامة واقية

- ‌نوادر مختلفة

- ‌شرور وطنبور

- ‌قسيس وكيس وتحليس وتلحيس

- ‌طعام واِلتهام

- ‌حمار نهاق وسفر وإخفاق

- ‌خان وإخوان وخِوان

- ‌محاورات خانية ومناقشات حانية

- ‌إغضاب شوافن وأنشاب براثن

- ‌الطويل والعريض

- ‌أكلة وأكال

- ‌مقامة

- ‌مقامة في الفصل الثالث عشر

- ‌سرّ الاعتراف

- ‌قصة القسيس

- ‌تمام قصة القسيس

- ‌الثلج

- ‌النحس

- ‌الحس والحركة

- ‌نوح الفارياق وشكواه

- ‌عرض كاتب الحروف

- ‌الفرق بين السوقيين والخرجين

- ‌الكتاب الثاني

- ‌دحرجة جلمود

- ‌سلام وكلام

- ‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية

- ‌منصّة دونها غصّة

- ‌وصف مصر

- ‌في لا شيء

- ‌ في وصف مصر

- ‌في أشعار أنه انتهى من وصف مصر

- ‌فيما أشرت إليه

- ‌طبيب

- ‌إنجاز ما وعدنا به

- ‌أبيات سرية

- ‌مقامة مقعدة

- ‌تفسير ما غمض من ألفاظ هذه المقامة ومعانيها

- ‌في ذلك الموضع بعينه

- ‌القسم الأول في تهبئة الجواهر

- ‌القسم الثاني في عمل الحليّ

- ‌القسم الثالث في عمل الطيب واتخاذ المشموم

- ‌القسم الرابع في عمل الآنية والأدوات والمتاع والفرش

- ‌القسم الخامس في عمل الثياب

- ‌رثاء حمار

- ‌ألوان مختلفة من المرض

- ‌دائرة هذا الكون ومركز هذا الكتاب

- ‌معجزات وكرامات

- ‌الكتاب الثالث

- ‌إضرام أتون

- ‌العشق والزواج

- ‌القصيدتان الطيخيّتان

- ‌الثانية

- ‌الأغاني

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌العدوى

- ‌التورية

- ‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر

- ‌وليمة وأبازير متنوعة

- ‌الحرتة

- ‌الأحلام

- ‌ الحلم الثاني

- ‌التعبير

- ‌الحلم الثالث

- ‌التعبير

- ‌إصلاح البخر

- ‌سفر ومحاورة

- ‌مقامة مقيمة

- ‌جوع دَيْقوع دهقوع

- ‌السفر من الدير

- ‌النشوة

- ‌الحض على التعري

- ‌بلوعة

- ‌عجائب شتى

- ‌سرقة مطرانية

- ‌الكتاب الرابع

- ‌إطلاق بحر

- ‌وداع

- ‌استرحامات شتى

- ‌شروط الرواية

- ‌فضل النساء

- ‌وصف لندن أولندرة عن الفارياق

- ‌محاورة

- ‌الطباق والتنظير

- ‌سفر معجل وهينوم عقمي رهبل

- ‌الهيئة والأشكال

- ‌سفر وتفسير

- ‌ترجمة ونصيحة

- ‌خواطر فلسفية

- ‌مقامة ممشية

- ‌رثاء ولد

- ‌الحِداد

- ‌جود الإنكليز

- ‌وصف باريس

- ‌شكاة وشكوى

- ‌سرقة مطرانية ووقائع مختلفة

- ‌نبذة مما نظمه الفارياق من القصائد والأبيات

- ‌في باريس على ما سبقت الإشارة إليه

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم الأمير عبد القادر

- ‌بن محيي الدين المشهور بالعلم والجهاد

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم النجيب الحسيب صبحي بيك

- ‌في إسلامبول

- ‌القصيدة القمارية

- ‌الغرفيات

- ‌الفراقيات

- ‌وقال

- ‌وقال في المعنى

- ‌وقال

- ‌ذنب للكتاب

- ‌تم الذنب

الفصل: وليس بمأمون زماني على اللقا … وهل يؤخذن يوماً على

وليس بمأمون زماني على اللقا

وهل يؤخذن يوماً على الدهر موثق

أحن إلى لقياهم متلهفاً

إذا ما سميري النجم لاح واقلق

وإن ذرّ قرن الشمس أوهمت إنها

تبلغني عنهم سلاماً وتنطق

فأني أرى فيها علامات حسنهم

وفي كل حسن ذكر ما القلب يعشق

أعلل قلباً بالأماني هائماً

ولم يبق فيه للتمني مصدق

يطير اشتياقاً بي إليهم وإنني

أسير هوى فيهم ببيني موثق

ويخفق من ذكر أسمهم فكأنما

يخيل لي أن مضجعي منه يخفق

وأسكب دمعاً كان يجري بقربهم

فكيف وباب الوصل دوني مغلق

متى يجمع الله المحبين ساعة

وحجب النوى بعد الوصال تمزق

ورب بعاد كان منه دوام ما

يؤمل من قرب الأحبّة شيّق

فلله أسرار يعزّ بيانها

وللدهر أطوار تسوء وتونق

‌وقال

أمودّعي والدمع كاد يحولُ

ما بيننا ولظى الغرام تهول

كيف التصبّر بعد بعدك موحشا

وبقيت لا أرب ولا مأمول

قد كان يشجيني غيابك ساعةً

وأخال أن قد عزّ منك قفول

والآن غبت على حسابي صبابتي

دهراً فليل المبتلين طويل

إن تنسَني أذكرْك أو إن تشجني

أشكرك لست الدَّهر عنك أحول

يا ليت طيفك في الكرى يعتادني

أو كان يغفى الطرف حين أليل

فلزوره منه أحبُّ إليّ من

لذّات وصلٍ من سواك يطول

أذهلت في حُبّيك عن ألم النوى

ولقد يريح العاشقين ذهول

إنسانُ عيني أنت جَيرٍ ومهجة

للقلب ما لهما لديّ بديل

لو في رضاك بذلتُ كل جوارحي

كنتُ الضنينَ وما بذلتُ قليل

ألقاك في كل الجمال مصوَّراً

فيطول فيه مني التأميل

وإذا سمعتُ بمفرد في حسنه

أيقنت في هذا لك التأويل

وأبيت أسال عنك سيّار الدجى

لو كان ينفع سائلاً مسئول

يا فاتني بدلاله لم يبق لي

في العيش بعدك بَتَّةً تعليل

ما كان غيرك مالئاً طرفي ولا

أعتقد الضمير بأن سواك جميل

وإذا الورى شغلتهم دنياهم

فأنا الذي بك دائماً مشغول

فيك الدليل على توحدّ مبدعٍ

إن عزَّ عند الفلسفيّ دليل

أرسلتُ دمعي مع كتابي عالماً

إن لا ينوب عن الحبيب رسول

يا عاذلين على الهوى لا تعذلوا

فبلائي هذا أصله التعجيل

سبق الفؤادُ الطرف مني في الهوى

فهويت فيه فعاذلي معذول

أسفاً على وقت الوصال فيا تُرى

للبين يغدو مثله تأجيل

لولا ادّكار نعيمه لقضيت من

مجد فكم بالوجد طُلَّ قتيل

ساعُ التعانق ليس يُنسي ذكرها

وخطورَها بالبال قطّ حؤول

ولربَّ يوم مسرَّة يغنيك عن

عمر بأكدار البعاد يطول

فَلا فطمنّ النفس عن لذَّاتها

وليشجني بعد الغناء عويل

يا منكراً لحقيقة الغول اعتقدْ

إنَّ النوى هي في الحقيقة غول

من لم يذُقْ ألم الفراق فما له

يوماً إلى عتب الزمان سبيل

فلكل رزءٍ غيره سلوى لذي

رشد وطبُّ بالعزاء كفيل

يا لوعة الشوق أسكني في مهجتي

ما فاتني مَّمن أحبّ وصول

خفقَان قلبي من سكونك دائم

ولعلّ عن كثبٍ بلاي يزول

هذا ما انتهى إلينا من أخبار الفارياق. مما أقضي الآن إيداعه بطون الأوراق. فمن شاء أن يدعو له أو عليه فجزاؤه يوم تلتفت الساق بالساق. ويقال إلى ربك يومئذ المساق. فأمّا من دعا له يعود زواجه هذه المرّة وفي الحياة أرماق. فإني أضمن له إن يدعوه إلى مأدبة حولها وفيها كل ما شاق وراق. مما ذكر في هذا الكتاب بالانتساق على سرر وأطباق.

‌ذنب للكتاب

ينتظم به لآلئ أغلاط الرؤوس العظام الأساتيذ الكرام مدرّسي اللغات العربية في مدارس باريس

ص: 290

قال الكسندر شدءزكو "Alexandre Chodzko" في فاتحة كتاب ألّفه في نحو اللغة الفارسية سنة 1852 ما ترجمته "حصلت بلاد أروبا منذ زمن طويل على كل ما يلزم لعلم اللغات الشرقية إذ فيها خزائن كتب ومدارس وعلماء جديرون بإدارتها حتى أنه باعتبار فن أدب لغات آسية وما يلحق بها من الفلسفة والتاريخ أصبح أستاذ الفرس ومعلم العرب وبراهميّ الهند وبهم افتقار إلى أن يتعلموا من أساتيذنا كثيراً""انتهى". وأنا أقول أن هذه الدعوى كذب ومن إفك وافتراء وترّهة وتزوير وبهتان وأبعاط وشحط وشطط وفرَظ وهِتر وعضيهة واختلاق وتزهق وتصلّف وتزبّب. وأن قائلها ينبغي أن يدمج مع من جهلوا أنفسهم في حد نبدي لأنه جهل نفسه بل حمل غيره أيضاً على الجهل بنفسه. أما أولاً فلأنه أي قائل هذه المقالة لا يعرف اللغات الشرقية ولا يعرف مقدار ما نتف منها هؤلاء الأساتيذ حتى يشهد لهم بالفضل والبراعة. وأنه في نقله للرسائل الفارسية التي أثبتها في كتابه أرتكب أغلاطاً كثيرة فاضحة سواء في النقل والترجمة. فمن ذلك قوله في صفحة 198 قانع صفصف وهي في الأصل قاع صفصف اقتباساً من قوله تعالى (ويَسألونَكَ عن الجبالِ قلْ يَنسِفها رَبيّ نسفاً فيذَرُها قاعاً صفْصَفاً) . فلما جهل المعنى بدّل قاع بقانع وترجمه باللغة الفرنساوية بقوله ويُقنع نفسه برمل البرّية. فكيف أستحلّ هذا العالم أن يملأ الكلام بالرمل واستكبر أن يسأل أحداً من أهل العلم عن المعنى. لكنها عادة له ولأسلافه ولأساتيذه في إنهم حين يشتبه عليهم المعنى يعمدون إلى الترقيع والترميق والتلفيق. والثاني إن هؤلاء الأساتيذ لم يأخذوا العلم عن شيوخه أي عن الشيوخ محمد والملاّ حسن والأستاذ سعدي وإنما تطفلوا عليه تطفلاً وتوثبوا توثباً. ومن تخرّج فيه بشيء فإنما تخرج على القس حنا والراهب توما والخوري متي. ثم أدخل رأسه في أضغاث أحلام أو أدخل أضغاث أحلام في رأسه وتوهم إنه يعرف شيئاً وهو يجهله. وكل منهم إذا درّس في إحدى لغات الشرق أو ترجم شيئاً منها تراه يخبط فيها خبط عشواء فما أشتبه عليه منها رقّعه من عنده بما شاء. وما كان بين الشبهة واليقين حدَّس فيه وخمّن فرجَّح منه المرجوح وفضل المفضول. وذلك لأنه لم يوجد عندهم من تصدّى لتخطئهم وتسوئتهم. وقد قال أبو الطيب:

وإذا ما خلا الجبان بأرض

طلب الحرب وحده والنزالا

ولأنهم إنما اعتمدوا على اتصافهم بنعت مدرسين فاجتزأوا بالاسم عن الفعل وعن حقيقة ما يراد من التدريس. فإن المتصدي لهذه الرتبة الجليلة ينبغي أن يكون صادق النقل متثّبتاً في الرواية. متخرجاً من التهافت على ترجيح ما استحسنه هو دون مراد المؤلف. متروَّياً في سياق الحديث وسباقه وقرائنه وعلائقه. مضطلعاً باللغة والنحو والصرف والأدب. فأين هذه الصفات كلها من هؤلاء الأساتيذ كلام ذي جد فقد وجب عليك بعد قراءة جدول أغلاطهم الفاضحة أن ترجع عما تبهلقت فيه وتزببت من دون علم. وإن تكذّب نفسك في طالعة كتاب آخر تؤلفه في نحو اللغة العربية إن شاء الله. وإلا فإن أثم أفجاسك هذا في عنقك. فأما إن كان مزاحاً وأردت به السخرية من هؤلاء الأساتيذ المشاهير والأساطين المذاكير فهم أولى بأن يجيبوك. غير أني أراهم قد سكتوا عنك. فكأن دغدغة هرفك هذا لهم قد أعجبتهم. فما مثلك إلا مثَل ذلك الأبله الذي عشق امرأة ولم يقدر وصالها حتى أدفعه عشقها وهيَّمه فلم يستطع بعده حراكاّ. فعاده رجل داهٍ مثلك وأخذ يهنئه على قضاء وطره منها. فقال له الأبله كيف وأنا مغرم بها وكلما زدت شوقاً إليها ووجدا زادت أعراضاً عني وصدّا؟ قال قد رأيتك بعيني تعانقها بالأمس ثم خرجت من دارها وأنت مبتهج متهلل. ورآك غيري أيضاً وهم كثيرون. فإن أنكرت فها هم كلهم يشهدون لي، وما زال به حتى أقنعه وحمله على أن يسلوها. فأفاق من مرضه. إلا أن بينك وبين هذا الداهي فرقاص عظيماً وذلك أنه إنما استعمل دهاءه للإصلاح. وأنت إنما استعمله للإفساد. لأن كتابك هذا ربما يقع في يد بعض أرباب السياسة الذين يجهلون الفارسية والعربية. ولغفلته يظن أن مشايخ مصر وأساتيذ الفرس محتاجون الآن إلى أخذ العلم عن أصحابك. ومتى تهوّر أحد هؤلاء الوجوه في ضلال تهوَّرت معه الرعية بأسرها.

ص: 291

فأما قولك إن في البلاد الإفرنجية خزائن كتب كثيرة. كأنك تقول أنه يوجد فيها من الكتب ما لا يوجد في بلادنا لأن نوّاب الدول لا يزالون يشترون من بلادنا أنفس الكتب. فهو ليس بدليل على وجود العلم عند وجود الكتب فأين حمل الأسفار هداك الله من العلم. لأن العلم في الصدور لا في السطور ولكن أفدني ما بال هؤلاء الأساتيذ لم يؤلفوا في اللغات الشرقية شيئاً قط. فغاية ما صنعوا إنما هو أحدهم ترجم من لغتنا لغة الأطيار والأزهار فخمن فيها وحدس ما شاء. وآخر ترجم محاورة يهودي وأحمق من التجار. وآخر مسخ أمثال لقمن الحكيم إلى الكلام الركيك المتعارف في الجزائر. وآخر تعنّى لطبع أقوال سخيفة من رعاع العامة في مصر والشام. وترك ما فيها من اللحن والفساد كما هو استذراعاً بقولة كذا رأيتها في الأصل. فيظن بذلك إنه تنصل من تبعة اللوم والتنفيذ. فما سبب هذا التهافت على ترجمة مثل هذه الكتب وطبع مثل هذه الأقوال من لغتنا إلى اللغة الفرنساوية سوى توحُّم ملفقيها على الانخراط فيسلك المؤلفين. ولمَ لم يتعن أحد منهم لترجمة شيء من الكتب الفرنساوية إلى العربية ليظهر براعته في هذه حالة كونه شيخ طلبتها وإمام آمّيها. على أن في اللغة الفرنساوية كتباً جليلة القدر في كل فن. وأعجب من ذلك إنه لم يخطر ببال أحد منهم قطّ أن يترجم نحو لغتهم إلى لغتنا. فهل من سبب آخر غير التحذّر من أن يعرّضوا أنفسهم للتحقيق والتنفيد والتحمير. فإن عبارة النحاة والمعرّبين لا بدّ من أن تكون محرّرة صحيحة ولا عذر لهم معها أن يقولوا كذا وجدناه في الأصل. ويا ليت شعري ما الفائدة في كون أحد هؤلاء الأساتيذ يؤلف كلاماً معلسطاً فاسداً في لغة أهل حلب ويسميه نحواً. ثم يذكر فيه انجق بيكفي وايشلون كيفك خيّو وهلكتاب وقوي طيب. وفي كون آخر يكتب بلسان أهل الجزائر كان في واحد الدار طوبات بالزاف الطوبات كشافوا وكيناكل وراهي وانتينا وانتيَّا ونقجم وخّمم باش وواسيت شغل المهابل ويوالم أي يلائم وماجي أي جاء وكلي أي كأنه وحرامي أي بستاني والستاش أي السادس والدجاجة ترجع تولّد زوج عظمات وما أشبه ذلك من المشّو. فما بالكم يا أساتيذ لا تؤلفون كتباً بكلامكم الفاسد الذي تسمونه بنّوى. وهل تشيرون على عربيّ أقام بمرسيلية مثلاً أن يتعلم كلام أهلها أو كلام أهل باريس. ولو كان فعلكم هذا فعل رشيد لوجب أن تقيدوا جميع الاختلافات والفروق الموجودة عند المتكلمين بالعربية. فإن أهل الشام يستعلمون ألفاظاً لا يستعملها أهل مصر. وقس على ذلك سائر البلاد الإسلامية. بل أن لأهل صقع واحد اصطلاحات شتى. فكلام أهل بيروت مثلاً مخالف لكلام أهل جبل لبنان. وكلام هؤلاء مخالف لكلام أهل دمشق. وذلك يفضي بكم إلى هوس وإلى إفساد هذه اللغة الشريفة التي من بعض خصائصها إنها بقيت ثابتة القواعد قارّة الأساليب على انقراض جميع ما عداها من اللغات القديمة. وإن المؤلفين فيها يومنا هذا لا يقصرون عن أسلافهم الذين انقرضوا مذ ألف ومايتي سنة. فهل حسدتمونا على ذلك وحاولتم أن تحيلوها وتلحقوها بلغتكم التي لا تفهمون ما ألف فيها مذ ثلاثمائة سنة. ويا ليت شعري هل تأذن أرباب السياسة عندكم لرجل أراد أن يفتح مكتباً يعلم فيه الصبيان في أن يتعاطى ذلك من دون أن يُمتحن اوّلاً. فمن الذي امتحنكم أنتم ووجدكم أهلاً لهذه الرتبة التي هي أرفع من رتبة معلم كتَّاب ومن ذا الذي عارض ما ترجمتم ولفّقتم ورمقَّتم بالمترجم منه. وكيف رُخصَّ لكم في أن تطبعوا ذلك من دون الوقوف على صحته. ولعمري أن مدرساً لا يحسن أن يكتب سطراً واحداً صحيحاً باللغة التي يعلّمها لجدير بأن يرجع إلى المكتب من ذي أنف. على أن من هؤلاء الأساتيذ من لا يفهم إذا خوطب فضلاً عن جهل التأليف. ولا يفهم إذا قرأ. ولا يقوّم الألفاظ في القراءة وقد سمعت مرة بعض التلاميذ يقرأ على شيخه في مقامات الحريري ولا يكاد ينطق بحرف واحد نطقاً بيّناً من هذه الحروف التي خلت منها لغتهم. وهي الثاء والحاء والخاء والذال والصاد والضاد والطا والظا والعين والغين والقاف والهاء. وشيخه ساكت لما أنه يعلم أن تصحيحه له لا يكون إلا فاسداً. فكيف يمكن لمن لم يسمع اللغة من أهلها أن يحسن النطق بها. كيف لا وأن من ألف منهم في نحو لغتنا شيئاً فإنما بنى نحوه كله على فساد. فإنهم يترجمون عن الجيم بلساننا

ص: 292

بحرفي الدال والجيم بلسانهم. وقد جهلوا إنه ليس عندنا في العربية حروف مركبة كما في اليونانية. فإن الابتداء بالساكن مرفوض عند العرب إذ لم نقل إنه، ويترجمون عن الثاء بالتاء وعن الذال بالتاء والزاي وكذا عن الظاء. فأما سائر الحروف فالعين والهاء والحاء عندهم همزة والخا كاف والصاد سين والضاد دال والطاء تاء والقاف كاف. وينطقون بالسين إذا تقدمتها حركة كالزاي وعلى ذلك المطران الخطيب اقطعوا الأزباب كما مرّ. فأما الهمزة فإنها وأن وقعت عندهم في أوائل الألفاظ فلا تقع متوسطة ولا متطرفة ولا يمكنهم النطق بها إلا مليَّنة. بل أعظم مؤلفيهم لا يدري أن الألف في أول الكلام لا تكون إلا همزة. وليس الغرض هنا تعليمهم الهمز فإنهم همازون. وإنما الغرض أن أبيّن لهذا الرملي الهارف المتملق مناضلة عن شيوخي الذين أخذت عنهم من العلم ما أخذت إن شيوخه لا يحسبون في عداد العلماء وإنه ليس من علماء مصر وتونس والغرب والشام والحجاز وبغداد من هو محتاج لأخذ حرف واحد عنهم. نعم أنَّ لهم باعاً طويلاً في التاريخ فيعرفون مثلاً أن أبا تمام والبحتري كانا متعاصرين. وأن الثاني أخذ عن الأول. وأن المتنبي كان متأخراً عنهما. وأن الحريري ألَّف خمسين مقامة حذا بها حذو البديع وما أشبه ذلك. إلا أنهم لا يفهمون كتبهم. ولا يدرون جزل الكلام من ركيكة وثبته من مصنوعه. ولا المحسنات اللفظية والمعنوية. ولا الدقائق اللغوية. ولا النكات الأدبية ولا النحوية. ولا الاصطلاحات الشعرية. فغاية ما يقال إنهم نتفوا نتفة من علوم الصرف بواسطة كتب الَّفت بالفرنساوية. فهل يسلّمون لعربي تعلّم لغتهم من كتب لغته بأنه كعلمائهم وإنهم محتاجون إلى التخرج عنه. ثم لا ينكر أيضاً أن مسيو دساسي "De Sacy" حصّل بقوة اجتهاده ما أقدره على فهم كثير من كتبنا بل على الإنشاء في لغتنا أيضاً ولكن ما كلّ بيضاء شحمة. على إنه رحمه الله لا يُنظم في سلك العلماء المحررين. فقد فاته أشياء كثيرة في الأدب واللغة والعروض. وأني طالما والله أثنيت على براعته وأعظمت علمه وفضله. إلا أنه لما صارت مهارته وبراعته هذه سبباً للفساد فإنها هي التي جرّأت غيره على التصدر للتدريس بلغتنا وسوَّلت لهذا المفتري أن يتطاول على أهل العلم، كان من الواجب عليّ رعاية لحق العلم وأهله أن أسطر أسمه من بين أسماء الشيوخ في البلاد الإسلامية كافة. فدعا لمن تترس باسمه واستذرع بعلمه عن الدعوى والانتحال ولولا فحش قول هذا النقّاع المتحذلق وكذب دعواه لما تعرضت لتخطئة أحد منهم. فإني أعلم إنهم لن يرعووا عن غيّهم وما يزيدهم كلامي هذا إلا غروراً. بل الشيوخ الذين قضوا عمرهم في طلب العلم يتوّرعون من أن يقولوا مقالته. لأن الإنسان كلما زاد علمه زادت معرفته بجهله. ولعل كتابي هذا يقع في يد أستاذ فارسي أو هندي فيكون باعثاً لهما على الانتداب لتخطئتهم أيضاً في هاتين اللغتين. لأني أعلم عين اليقين إنهم فيهما أشد جهلاً. لأن الذين سافروا منهم إلى بلاد العرب أكثر من الذين سافروا إلى غيرها. ومع ذلك فلم يتعلموا منها سوى الركاكة والخطل وأعلم أيها القارئ العربي إني لم أجد من بين جميع ما طبعوا بلغتنا جديراً بالانتقاد سوى مقامات الحريري. وإني لضيق وقتي حالة كوني على جناح السفر لم يمكن لي النظر إلا في أبيات الشرح فقط. وقد وكلت غيري في نقد الباقي كما وكلني العلماء في نقد الأبيات ثم عثرت بعد ذلك برحلة العالم الأديب الشيخ محمد بن السيد عمر التونسي مطبوعة على الحجر عن خط مسيو بيرون وقد شحنها كلها بالتحريف والغلط مما لا تصح نسبته إلى أدنى تلامذة الشيخ المذكور. أيمكن لأحد من الطلبة فضلاً عن العالم أن يقول جوده ناسخ لكل الوجود أي لكل الجود. وإن يكتب العصا بالياء غير مرة- وأعلى أفعل التفضيل بالألف نحو عشرين مرة- ونجا باليا- واتعمى العالمون الضياء أي أيعمى العالمون- وآمنين مطمئنين حاله كونهما مرفوين- وفلاحين مصر- ومحموين السيرة- واستوزر الفقيه مالك- ولا يعصا- ولا أرى سوء رأيك أي لا أرى سوء رأيك ويتعدا رأيه - وأنني عشر ملك - ومن حيث أن أبا ديما والتكنياوي متعادلين لم أي متعادلان فلم - وتجد الرجال والنساء حسان - ودعى لنا - وعجوبة - وصواحبتها وصواحباتها - ولغة فيها حماس - وأنهما متقاربتي المعنى - وحتى تأتي أرباب الماشية فيقبضون

ص: 293