الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"حاشية أظن سادتنا المشار إليهم ما سمعوا النصيحة فراح كلامي معهم في الريح""تنبيه قد أطلت الكلام في هذا الفصل المؤذن بالفراق ليقابل فصل الزواج".
مقامة مقيمة
حدس الهارس بن هثام قال سوّل لي الخناس، "أعوذ بالله من هذا الافتتاح" الذي يوسوس في صدور الناس كل غميس وغماس. إن تزوجت امرأة خرّابة ولاجة هيّاجة نبّاحة مِرغامة معذامة. لوّامة رطّامة. خُبَعة طُلَعة. خليعة جلِعة. تجاوب ولا سؤال وتبارز ولا قتال وتقترح علي أشياء يعجز عنها الدينار وترميني في مهالك دونها النار فكأن دأبي إن أصبر مرة عليها عذيراً وأخرى أن أشكو إليها فلا تزداد الأشرة ونفوراً. أو لا ينجع العتب فيها نقيراً. فقلت تالله لأجْفرنّ عنها واوهم إن بي جفورا أو لأضربن في الأرض لا علم هل أرى لها نظيراً. فاخترت الرأي الثاني. بعد التعوذ بالمثاني. وخرجت من بيتي كئيباً مبتئساً، ساخطاً على جميع النساء. فبينا إنا في بعض الطريق، إذ مر بي سرب منهن يخطر بالثوب الصفيق، والحلي ذي البريق. وقد أرجت الأرجاء بطيبهن العتيق فرأيت من بينهن الهيفاء والبدين. والغرَّاء الزهراء ضرة حور العين، ومهندة العينين. فتاقت نفسي إلى وصالهن. وتبلبل بالي بجمالهن. ونسيت ما لقيت من لكاعي في البيت. وقلت ليتكنّ لي لو تنفع ليت. ثم أنشدت:
أرى للنساء الماشيات حلاوة
…
فهل هن حلوات كذا في المقاصير
ولست أرى في إِلْقتي إن مشت وإن
…
أقامت سوى مقت وكره وتمرير
أراها بعيني حيث كانت بعينها
…
فهل ذو عمى غيري يراها من الحور
فابتدرت إليّ واحدة منهن لها عنق كعنق الغزال، وحاجب كالهلال.
وقالت خفف عنك فما أنت وحدك في الرجال. إن زوجي قد قال.
أفكّر في لئامة طبع زوجي
…
فأكره كل أنثى في النساء
واحسب إنهن مغايرات
…
لها فأحّبهن على السواء
ثم التفت إليّ أخرى وجبينها يلمع كالصباح، ولحظها يدمي كالصفاح.
وقالت اسمع ما قاله زوجي فيّ. ولاتك من قارفيّ:
تخوض زوجي في كل الفنون وما
…
تخشى خطاء ولا ردذا مع الظرفا
تكون غالطة في كل مسألة
…
وليس تغلط يوما أن تقول كفى
ثم تقدمت إليَّ أخرى وحبب عرقها كاللآلي. وحالك فرعها كالليالي. وقال دونك ما نظمه فيّ بعلي. وانظر هل يصدق ذلك في مثلي.
تودّ زوجي شططا أنني
…
عبد مخيليق لمرضاتها
وإن تشهت حاجة لم تُنَل
…
أكون خلاّقا لحاجاتها
ثم دنت مني أخرى وهي تهتز عُجباً ودلالا. وتبسم عن شنب ما رأى الناظر له مثالا. وقالت هاك ما أنشدنيه كفيحي من أول ليلة. آذن منها بالبثور والويلة.
لزوجي خلقة أضعاف مالي
…
من الشفتين والفم واللهاةِ
فكيف يُتاح لي إشباعها وهي
…
تصرخ كل وقت هات هات
فأما أن تضعَّف لي أداة
…
وإلاّ فارتكاب الترهات
ثم أقبلت عليّ الخامسة. وهي من الخفر كالظبية المكانة. وقالت أنشدك ما قال في شيخي في الليلة السادسة. وهو
إن قال غيري قد يقال زوجة
…
فإنني أقول زوجي دون ها
إذ لا أرى التأنيث في أخلاقها
…
بل الفحول في العراك دونها
ثم تقدمت السادسة، باشة آنسة. وقالت اروِ هذين البيتين، عن حليلي الذي اعتاد قول المين. وهما
تراقبني زوجي عليلا وسالما
…
نهاراً وليلاً نائيا وقريبا
فصرت إذا عانقت في النوم طيف
…
من أحبّ أراها بالوصيد رقيبا
ثم دلفت السابعة وكانت ذات حقيبة سابغة وطلعة رائعة. وقالت وفي معناهما قال زوجي المفتري. واجترأ عليّ بما لم يكن رجل على امرأته يجترئ. وذلك قوله:
تغار زوجي عليّ حتى
…
إذا رأتني مرضت تمرض
فما رأتني في حالة ما
…
إلاّ وكانت لها تَعَرَّض
ثم انبرت الثامنة وهي على ما ظهر لي رافنة زافنة. وقالت قد سمعت زوجي بهذين البيتين، بعد أسبوعين. وهو مطرق إلى الأرض كمن فقد العين. وبُثّر بالحين. وهما:
تودّ زوجي أن لي
…
شانين من مفاضحا
هَن حمارٍ قازحاً
…
وقرن ثور ناطحا
ثم استقبلتني التاسعة وهي تفتر عن لآلئ ناصعة. وقالت ونحوهما ما قاله في أبو ولدي. وقد حفظه كثيراً في بلدي وفي غير بلدي.
إن زارني عالم أو جاهل بدرت
…
زوجي إليه وخاضت معه في الجَدَل
فإن تجده خبيراً بالبعال تقل
…
كل العلوم انطوت في صدر ذا الرجل
ثم تصدت لي العاشرة. وهي ذات قامة معتدلة وعين جائرة. وقالت وافظع من ذلك. ما ينشده رجلي في المنازل والمسالك. وهو قوله:
إن يزرني يوما فتى ذو صلاح
…
أفسدته زوجي فراح خليعا
أو خليع مستهتر أطمعته
…
وعليه غارت وحامت ولوعا
ثم دعتني الحادية عشرة، وهي متمايلة مسبكرّة. وقالت إن زوجي السيئ الظن قد جازف الكلام فيّ بما لاح في باله وعنّ. فقال:
ترى زوجي الرجال فتتّقيهم
…
وليس الأمر عن حبّ الصلاح
ولكن خوف أن يغشى عليها
…
من القرم الشديد إلى السفاح
ثم مالت إليّ الثانية عشرة، وكانت قصيرة حادرة. تارة حارة. وقالت عُقماً وعقرا. عن مثل زوجي الهرّا. فإنه هجا النساء طرّا. إذ قال:
ليس العَفاف من النساء سجيّة
…
لكنه سبب إلى الإفساد
كالضرس تقلعه ليسلم غيره
…
وعلى الذي باينت حزنك بادِ
فقلت لا جرم لأقصدنّ منتاب الشعراء. ولاتخذنهم لي عشراء. فعسى إن آنس منهم رشداً. واجد عند نارهم هدى. فإن من كلامهم لحكماً ومن أمّهم لأمماً. وكان من عادتهم أن ينفردوا عن القوم في كل يوم. ويتذاكروا أمور الدنيا من العصر إلى المساء. ولاسيما أمور النساء. فاستقصيت عن محشدهم. ودُللت على مقصدهم. فإذا هم بجملتهم قاعدون على دكة عند البحر. وقد ضربوا لهم سرادقاً يقيهم من الحر. فسرت إليهم. وسلمت عليهم. وقلت هل لكم في أن تجالسوا من يُمتّ إليكم بالوداد. وقد بلغه من كلامكم ما وخّاه إليكم عن رشاد. قالوا مرحباً بالقادم. وإن يكن غير منادم. فلما استقر بي المجلس انبرى واحد منهم ينبس. قال: لا بدّ لي من أن أنهي ما شرعت فيه. وظهر لكم مكنونه وخافيه. نعم لمن خُلق هذا الكون إلا لهن. وأي رجل ما ناله محالهن. وعنّاه وصالهن. ومنّاه محالهن. فهن المتمتعات بدرز الدنيا ونعيمها. ولذّاتها وطعومها. وحليها وجواهرها. وتحفها ونوادرها. يقترحن علينا الممكن والمحال. ويكلفننا أموراً دونها دق أعناق الرجال. لكل عضو من أعضائهن حَلي يزينه. وربما اتخذن له اثنين وثلاثة ولا تزينه. ثم ابتسم كاشراً عن نابه. واستمر خطابه. وبكل جارحة جراح منهن لا تؤسى. وحزازات لا تنسى يتهالك في حبهنّ المالك والمملوك. وسواء في الحاجة إليهن الغني والصعلوك. وإنهن يرمين الرجال في مهالك ومضايق ومرابك. ليكفوهن مؤنة الأطيبين.
ويفيزوهن بفرص البين. فيخوضون البحار. ويقتحمون الكفار. ويعرضون أنفسهم لحد السيف. ولحرّ الصيف. وبرد الشتاء. وذل الاختتاء. ودهمات الاعداء. ودغمات الأرداء. ومقاساة الظمأ والسغب. ومعاناة الشقاء والتعب ومداراة الرقيب. ومباراة المعيب. والإغضاء عن الشين. والإفضاء إلى الحين وطالما قفل أحدهم إلى بيته فوجد في قفل عرضه مفتوحاً وسر أمره مفضوحاً. فرأى في موضعه ضَيْزنا وزبونا. وكثيرا ما آب وقد شُتر شدقه. أو وقُصت عنقه. أو كسرت ساقه. أو إِيف حملاقة أو ضاع ماله. وساءت حاله. فأول ما تبتدره به من الكلام. قولها له قبل السلام. أين الطُرقة. وكم من نُحْلى وتحفة. ولو انك كسوتها حلة بوران. وأسكنتها قصر غمدان. وأطعمتها أفخر الألوان. وسقيتها من الرحيق من يد الولدان. وطرّبتها بالعيدان ونزّهتها في رياض الجنان. وحملتها على الأكتاف. وواليت عليها الألطاف. لما رأيتها عنك راضية. ولا لحاجتك قاضية. والويل لك أن ناهزت الخمسين. وعجزت عن التموين. أو بدا الشيب في عارضك عند الأربعين. أو أصابك مرض في بعض السنين. وهي عند ذلك تتفتَّى وتصبى. وتتصبّى من يرضى ومن يأبى. فتغادرك في الفراش منهوكا. وتلازم الشباك وتشير منه إلى من يلبيّها وشيكاً. إن اغتنم من الدهر هذه الفرصة. فما من دونها غصّه. إذ هو في الفراش لا يعقل ولا يعي. ولا يبصر من يكون معي. ثم تأتي إليه فتقول أوص يا رجل فقد أزف رحيلك. وجفاك طبيبك وخليلك. وملك عائدك ومقيلك. وأنت خبير يا ذا الحليلة. بأنه لن يعجزها في الإجهاز عليه حلية. وإنها إذا رامت أن تتخذ في كل يوم خليلاً ألفته وراء الباب عتيداً فعولاً. معاوداً وصولاً. فوسيلتها إليه غمزة بعينها. ومنُتها لديه شُخبة تطفي أو أم غنيها. بخلاف الرجل فإنه لا يزال بحرقته مشغولاً مكبّلاً بهمه معقولاً. أو يخشى انقباضا وترويلاً. أو صرف درهم أن يجد منه بديلاً. فكيف يقال ان الرجل والمرأة في التكفيل بأدل المعارم سيان. وفي التكلف لحمل المغارم عديلان. فهل فيكم من مجيب عن هذا الأمر المريب. فتصدى له الذي هجا النساء جميعاً. وقال دونك الجواب سريعاً. فكن له سميعاً، وللحق مطيعاً. إني إنما هجوت النساء لا من حيث إنهن اسعد منا واسلم آفات. أو اقدر على اللذات. وأفوز بالمسرات. بل من حيث إنهن خلقن لنا فتنة وضلالاً. وعذاباً ونكالاً. فما قلته فيهن فقد قلته عن حسد. وما أقوله الآن فهو عن تحرّ ورشد. إن المرأة ما دامت في بيت أبويها عانسا لا تزال محظورة لا ترى لها أليفاً ولا مؤانساً. وأخوها إذ ذاك يرتع ويلعب. ويلهو ويطرب ويسافر ويتغرب. يألف من يألف ويصحب من يصحب وكلما زاد مرحاً ذاد أبوه ابتهاجا به وفرحا. فإذا تزوجت صارت تحت حظر بعلها وصار هو مالك ناصيتها وولي فعلها. فلا تكاد تخرج من بيتها إلا بأذنه. ولا تأتي أمراً إلا إذا استوثقت فيه من أمنه. فإن قال لها لك أن تفعليه. كان كالممتنّ عليها بتراث أبيه. وإن قال لن تفعلي رجعت وعبرتها كالولي وبنار حسرتها تصطلي. ثم إن عليها أن تتملقه إذا سخط مخافة بطشه. وأن تقوم بخدمة رحله وحفشه وتطبخ له كل يوم ما يقترح عليها. وتجدد له من قديم متاعه ما يلقيه إليها. وتحفظ نَضَده. وتقوم أوده وتربي ولده. فكم ليلة تبيت تداريه فيها وهو يملأ المكان غطيطا. وجخيفا ونحيطا فهي التي ترضعه وتفطمه وترشحه وتسرهده. وترعاه وتتعهده. وتوقظه وترقده. وتلعّبه وتلهّيه. وتعلله وتراضيه. وتؤانسه وتسليه. وتجالسه وتمنيه وتنظفه وتمشطه. وتمّرضه وتحوّطه. وتمشيه وتحمله وتستدرجه وتنقله. وتغسله وتلبسه وتعطره وتطوسه. وتدفئه وتُلْبئه. ألبأه أطعمه اللبا لأول اللبن. وتدأدئه وتُهْدئه الدادة التحريك والتسكين والإهداء التسكين.
وتزقزقه وتباغمه الزقزقة الترقيص كالزهزقة والمباغمة تقدم ذكرها.
وتربّته وتهمهمه التربيت ضرب اليد على جنب الصبي قليلاً لينام والهمهمة تنويم المرأة الطفل بصوتها.
وتهدهده وترعمه هدهد الصبي حركه لينام والترعيم تقدم ذكره.
وتداعبه وتطايبه وتدندن له وتقاربه. قاربه ناغاه بكلام حسن.
وتّنه وتصربه هدّن الصبي أرضاه والصرب عقد البطن الصبي ليسمن.
وتدغره وتضّببه الدغر رفع المرأة لها الصبي بإصبعها وضّبب الصبي أطعمه الضبيبة. وهي سمن ورُب يجعل له في عكة.