الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم أن الفارياق بعد انقضاء هذه المدة الذكية رأى من الواجب أن يزور صاحبه ويخبره بما جرى له. فلما تشرف بمجلسه سأله الخواجا عن حاله. فقال له قد كنت أود يا سيدي أن أزورك قبل الآن لكن خشيت أن يعلق بناديك أثر من الرائحة التي شملتني. فقال له لا ضير في ذلك ولا سيما إذا تعودت عليها. وإن ناديّي لا يبرح كل يوم يعبق به أمثاله من زيارة أمثال السري وهذا شأن أم دفار. ولكن كيف حالك من جهة المعيشة. قال قد اكتريت لي داراً صغيرة واشتريت حماراً. واتخذت خادمة لتصلح لي الدار. وخادماً ليصلح الحمار. وأنا الآن بجاهك وفضلك في أحسن حال. ثم أنصرف من عنده داعياً له.
"سر بيني وبين القارئ" قد كان طبيب الجزيرة نصح للفارياق أن بجانب النساء أي يبتعد عنهن لا أنه يلصق بجنبهن فإن في قربهن حيناً له فألفى قوله كذباً وميناً.
مقامة مقعدة
لا يمكن لي أن أبيت الليلة مستريحاً حتى أنظم اليوم مقامة. فقد عودت قلمي في هذا الموضع موالاة السجع. وترصيع الفقر الرائعة للعقل الرائقة للسمع الشائقة للطبع. فأقول: حدّس الهارس بن هشام قال: بينما أنا أمشي في أسواق مصر وأسرح ناظري في محاسنها. وأتهافت على النظر إلى جمال شوافنها. فتداركني جمال مدائنها. فالطأ بقرار حائط واضباً بآخر. وأجعل يدي تارة على عيني وتارة على ما هو أصغر منها أو أكبر. إذ أومأ أليّ فتى من حانوت له. عليه لوائح هيبة ومنزلة وحوبة في الترائب متخلله. غير متحلله. فقال أن شئت أن تصعد إلى هنا إلى أن ينفض زحام الأبل. وتنساغ غصّة هذا الأزْل الأزِل. فأنك لدينا من المقربين. وأني بإكرامك لقمين. فزجدت دعوته كدعوة الداعي بحيّ على الفلاح. وقلت ما يأبى السماح. إلا من فاته الصلاح. وعمه عن النجاح. كيف لا وقد أوشكت جوارحي أن تعود مجروحة. وضاقت بأحمال أبلكم الأرض وهي فسيحة. فأبتسم ابتسامة أسفرت عن لحن للقول سريع، وطبع إلى إيلاء المعروف ذريع. ثم صعدت إليه فوجدت عنده نفراً عليهم عمائم مختلفة. ولهم وجوه مؤتلفة. فلما سلمت متودّداً. وتبوأت ما بينهم مقعداً. قال رب الحانوت هل لك في أن تنتظم معنا في سلك جدال قد شغلنا من الضحى. وجعلنا له الآذان كثِقال الرحي. فهو دائر على كل منا بالمناوبة. ومستدرك خاتمه بأوَّله بالمعاقبة. دون درك ومعاقبة. إذ ليس فيه إفضاء إلى البحث في الأديان. وإنما هو أمر مباح لكل إنسان. فقلت أن كان مرجعه إلى العقل فقد كلفتموني أدّا. وشططتم في انتظامي معكم جداً. إذ لست بصاحب أسفار، بل حليف تطواف وأسفار. وإن كان إلى الطبع فأنه بي لطبعاً سليماً، وخُلقاً قويماً. قال هذا الثاني هو مركز دائرته. وفيصل محاورته. قلت فأملأ إذني من جدالك. وألق عليّ أعذال عَدلك.
قال أعلم، فرج الله عنك كل غم، أني والحمد لله من المسلمين المؤمنين بالله وبرسوله. وبوحيه وتنزيله. وأن صاحبي هذا الودود. وأشار إلى أحد القعود، هو من النصارى والآخر من اليهود. والآخر أمَّعة ما له اعتقاد ولا جحود. وإنّا قد تنازعنا كاس البحث في الزواج. وأفضنا فيه كما تفيض من عَرَفات الحجّاج. أما النصراني فإنه يزعم أن طلاق المرأة مفسدة من أعظم المفاسد. ومندمة تمني المطلق بالنغص والمكايد. ووجه الفساد على مقتضى زعمه، وقدر فهمه إن الزوجة إذا علمت إنها تكون عند زوجها كالمتاع المنتقل، وكثوب المبتذل، موقوفة على بادرة تفرط منها. أو هفوة تنقل عنها لم تخلص له سريرتها ولن تمحض له مودتها. بل تعيش ما عاشت في انقباض وإيجاس ووحشة وابتئاس ونكد ويأس وتدليس والبأس وإذا أنزلته منزل مبتاعها واعتقدت أن متاعه غير متاعها وأنه لا يلبث أن يلاعنها أو يبارئها أو يخالعها أو يكسوها ثياب التحمَّة ويقول لها ألحقي بأهلك أو استفلحي بأمرك. أو أنت عليَّ كظهر أمّي أو حبلك على غاربك. وعودي إلى كناسك. عند أهلك وناسك. فما أنت لي بأهل. وما أنا لك ببعل. لم تحرص على حاجة ولا على سر. ولم يهمّها ما ينزل به من الشرّ. وربما خانته في عرضه وماله. وكادت له مكيدة فضحته بها بين أقرانه وأمثاله وهناك محذور آخر أدهى وأنكر وأنكى وأضر. وأمضّ وأمرّ. وهو أن المرأة إذا فركت زوجها بأن رأت منه ما تخاف غائلته. لم يهمها أن تربي عيّله أو تستكفي عائلته. فإن المرأة لا تحب ولدها إلا إذا أحبت بعلها. ولا تحب بعلها إلا إذا أدام وصلها وآتاها سؤلها ومن كان له زوجة لم يُولها فؤاده ولم ينخل لها وداده فاتخذته عدواً خصيماً. لا أليفاً حميماً فهو جدير بأن يرثي له شامته. ويرجع عنه سامته فإن صدره والحالة هذه مورد الشجون، ورأسه منبت القرون، ومنزله منزل الاكدار وحالته في الجملة حالة أهل النار. إلا أني أعترض على مذهب من حظر الطلاق، وتقيد بزوجته دون إطلاق، بأن الزوجة إذا علمت أن جسم زوجها أدغم فيها. واصبح سره في فيها. فصارا فردا لا زوجا. سواء هبطا وهذه أو صعدا أوجا. وأنه لا يفك هذا الالتحام إلا بمقراض الحِمام. ولا تحل عقدة هذه الكنية إلا بانحلال جميع أجزاء الطينة. وإنها إذا مرضت مرض هو معها. وإذا رأت رأيا فلا بد من أن يواطئها عليه ويجامعها. نشزت عليه وتنمرت. وطغت وتجبرت. فتارة تسومه شراء لباس وحلي وتارة تتعنت بأمر تذيقه فيه الصلى. فويل له إذا حبا. ثم ويلان إذا أبى. وإن غاب عنها ليلة قامت قيامة كيدها عليه. وأن تشاغل عنها بأمر له فيه نفع جرت جميع المضار إليه. فدأبه التودد إليها والتملق والمداراة والترفق ومجاملته لها إذا جفت ومخالقته إياها إذا أنفت وتأنثه معها إذا تذكرت وتصعصعه منها إذا تشزرت وهل يطيب عيش لمن علم أنه طوع لهوى غيره. وإن لا مناص له من ضيره. فأما شأن الأولاد. وهو الداعي إلى تحمل هذا الكباد، فإن الزوجين إذا كانا على حالة النفور والعناد. والخلاف واللحاد. لم تكن تربيتهما لولدهما الإغراء بالاقتداء بهما. وتدريبا على الفساد بسببهما. فيكون إهمالهم من غير تربية عند طلاق أمهم أولى. وإن الوفاق هو المصلحة الأولى. على أنا نعلم من التجربة منذ سن تعالى الزواج وحببه أن المرأة إذا علمت أن لزوجها استطاعة على طلاقها. وتملصا من وثاقها. حرصت على أن تتحبب إليه وتلاينه. وتياسره وتخادنه. وتخالقه وتداريه وتتلافاه وتراضيه. وتجامله وتسانيه. خفية أن يتنغص عيشها بفراقه. أو تحرم من خلاقه. فإن لم يحصل بينهما الوفاق فالطلاق الطلاق.