الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذا رأى جاره قد آب من محترفه فسمع له ولزوجته رَتَلا وزَجَلا وهَمْساً ورِكزاً ومباغمة ثم رفَشاً.
إذا رجع إلى البيت فائزاً بوطر ووجد فرشه موضوناً وليس من تملاه شحماً ولحماً ثم رأى في جملة ذخائره خصلة شعر.
إذا رأى امرأة لا تسارّ الخادم ولا الخادمة ولا تبتسم لهما ولا تخلو بأحد منهما.
إذا رأى امرأة تماشي زوجها وطرفها إليه ولا يزعجها من يمرّ بها كائناً ما كان.
إذا رأى امرأة قد اضطرت إلى الاضطجاع وأبت ذلك حياء وحشمة سواء كان ذلك في حضور زوجها أو في غيابه.
إذا كانت المرأة غير ذات ميل وحذل مع أحد وعندها أن زوجها يغنيها عن غيره.
إذا رأى جاره كلما رجع إلى منزله وجد امرأته مقبلة على الشغل ولا يكاد يطرق الباب إلا يُفتح له.
إذا سمع امرأة تقول وقد سمعت آلات الطرب أن صوت ابنها الصغير أشجى منها.
إذا رأى امرأة تكلم الحاضرين كلاّ بحسب مقامه ولا يسمع منها طيخ طيخ ولا يبدو في سحنتها احمرار ولا اصفرار.
إذا سمع إن امرأة تكتب على قميصها اسم زوجها ولم يُرَ في شفتيها أو خدّيها أثر ما قط.
إذا بلغه أن جاره يكاعم امرأته ويشاعرها فلا تحلم له ولا يحلم لها.
إذا رأى امرأة تحب ولدها وتحمله ولا تلهى عنه ولا عن بيتها.
إذا رأى امرأة تخيط لزوجها أو لولدها شيئاً من غير أن تتخلل الدرزات إذا رأى امرأة تضع القدر على النار ولا تلهى عنها فيأتي الطعام. قديا مشهّياً معيناً على ألباه والرقاد.
إذا كانت تبتعد عن المثابة ولا تشتهي أن تدخل في زحام ليقرصها واحد ويغمزها آخر.
إذا كانت المرأة تقول زوجها أو غيره بأنها لا تحب الطوال من الرجال حاله كون زوجها قصيراً.
إذا كانت إمرأة مفسّلة تعفّفاً وشكت من ملثية زوجها وقمديّته.
إذا وافى منزله وقت الغداء أو العشاء فوجد على مائدته كل ما تشتهيه النفس فأكل وشرب وطابت نفسه ثم رأى من شباكه جارته تلبس ثيابها وتنظر إلى ورائها لتعلم هل الثوب والعجيزة هما كشنّ وطبقة أو لا.
وما أشبه ذلك.
سفر معجل وهينوم عقمي رهبل
وظل الفارياق معالجا للبخر وقد ضاق ذرعاً. إذ لم يحصل من علاجهم فائدة فأصبح يحاول التملص من هذه الحرفة ولا سيما إنه كان مطبوعا على الملل والجزع. واتفق في غضون ذلك أن سافر إلى فرنسا المولى المعظم أحمد باشا باي والي إيالة تونس المفخم. وفرق على فقراء مرسيلية وباريس وغيرهما أموالاً جزيلة شاع ذكرها ثم رجع إلى مقامه. فرأى الفارياق أن يهنئه بقصيدة فنظم القصيدة. وبعث بها على يد من بلغها لجنابه. فلم يشعر بعد أيام إلا وربان السفينة حربية يطرق بابه. فلما دخل واستقر به المجلس قال الفارياق قد بلغت قصيدتك لجناب سيدنا الأكرم. وقد أمرني أن أحملك إليه في البارجة. فلما سمع ذلك استبشر بالفرج من حرفته وقال لعمري ما كنت احسب إن الدهر ترك للشعر سوقاً ينفق فيه. ولكن إذا أراد الله بعبد خيراً لم يعقه عنه الشعر ولا غيره. ألا فاهزقي يافارياقية المهزاق. واسلقي فما يضرني اليوم اسلاق. ونفجي ما استطعت أن تنفجي. وضرجي وضمجي ودبجي. هذا يوم يعبق فيه المكتغن. ويبشق فيه من وهن. ويشمق منه ذو الددن. ويفاز بالغدن. هذا يوم تستحسن فيه الربوخ. ويلقح فيه من ملوخ. وتتئم الجلهوب والسلقلق. وتنجب الشريم ثم العفلق. هلمي فاتخذي مذ اليوم ظيرا. فإني أرى في الزند أيرا.
فقال الربان وقد استعجم عليه الكلام ما هذه اللغة التي يتكلمون بها لعمر الله ما فهمت شيئاً مما قلتم، أهذا اللسان تحمل في رأسك إلى تونس. وبهذه الألفاظ تخاطب سيدنا وأهل الفضل من رجال دولته. قال لا وإنما هذه لغة اصطلحنا عليها فلا نستعملها إلا نادراً. فقال الرّبان ينبغي أن تتأهب إلى السفر ولك أن تستصحب أيضاً عائلتك إذا شئت. فإن سيدنا أكرم لا يسوءه ذلك. فتأهب الفارياق هو وعائلته وركبوا في السفينة وبعد مسير أثني عشر يوماً والريح مخالفة كما جرت العادة بذلك بلغوا حلق الواد. فأمر المولى المشار إليه بنزولهم في أمير البحر.
وهنا ينبغي أن نلاحظ مزية الكرم التي خص الله تعالى بها جيل العرب دون سائر الأجيال. وذلك أن استدعاء الولي إليه لم يكن لجميع من دبّ ودرج بمنزل الفارياق بل كان خاصاً به وحده إلا أنه بلغ مسامعه الكريمة قدوم مادحه بأهله لم يستأ من ذلك ولم يقل ما أقل أدب هذا المدعو وما أصفق وجهه لقدومه علينا مزوياً. ولم يقل لربانه قد خالفت القوانين السياسية والأوامر الملوكية فلننزعن عن كتفيك هدّاب منصبك حتى تكون عبرة لمن أعتبر. بل يقي الربان متشرقاً بهدّابه. والفارياق متمتعاً بأهدابه. وبوّئ أكرم مبوّأ في داره أمير البحر وأجرى عليه الرزق الكريم. والخير العميم. ولو أن أحد أعيان الإفرنج دعا شخصاً وأتاه ذلك الشخص ومعه غير نفسه لجبهه عند اللقاء بل لم يكن ليلقاه قط. لا بل نساؤهنّ لما كان يدعون الفارياق كن يقلن لها أنك أنت المدعوة فقط إشارة إلى عدم إزوائها بخادمتها وطفلها. وليت شعري أين من تكرم من ملوكهم بإرسال بارحة لاستحضار شاعر ولغمره إياه بالمال والهدايا النفيسة. فلعمري أن مادح ملوكهم لا جائزة له من عندهم غير تسفيهه وتفنيده. مع أنهم أشد الخلق حرصاً على أن يشكرهم الناس ويمدحوهم. ولكنهم يأنفون من أن يمدحهم شاعر يريد نوالهم فلمن هذا المال الذي يدّخرونه. ولأية داهية من الدواهي يعتدونه. وهم الطاعمون الكاسون. الحاسون اللاسون. أم يخشون أن يلمّ بهم ضفف أو قشف. أم يحسبون أن صلة الشاعر من السرف. ولهذا أي لكون الكرم مزية خاصة بالعرب لم ينبغ في أمة من الأمم شعراء مفلقون كشعرائهم على اختلاف الأمكنة والأزمنة. وذلك من زمن الجاهلية إلى إنقراض الخلفاء والدولة العربية.
فإن اليونانيين يفتخرون بشاعر واحد وهو أواميروس Homere والرومانيين بفرجيل Virgilius والطاليانيين بطاسو Tasso والنمساويين بشلَر Schiller والفرنسيس براسين وموليير Racine et Moliere والإنكليز بشكسبير وملطون وبيرون Shakespeare Milton et Byron. فأما شعراء العرب المبرزون على جميع هؤلاء من أن يُعدّوا. بل ربما كان في عهد واحد في زمن الخلفاء مائتا شاعر كلهم بارع فائق. وذلك لأن اللهى كما قيل تفتح اللهى. على أنه لا مناسبة بين الشعر العربي وشعرهم. لأنهم لا يلتزمون فيه الرويّ والفاقية وليس عندهم قصيدة واحدة على قافية واحدة ولا محسنات بديعية مع كثرة الضرورات التي يحشون بها كلامهم. فنظمهم في الحقيقة أقل كلفة من نثرنا المسجّع. وما أحد من الشعراء الأفرنج إستحق أن يكون نديماً لملكه. فغاية ما يصلون إليه من السعادة والحظوة عند ملوكهم إنما هو أن يرخَّص لهم في إنشاد شعرهم في بعض الملاهي. فأي هوان يلحق جناب الملك المعظم من اتخاذه نديماً وكليماً. أم يقال أن شعراء الإفرنج كثيرون بحيث لا يمكن لملك أن يختار واحداً منهم على غيره. أروني أين هم هؤلاء الكثيرون على خزنته السعيدة. كم في بلاد الإنكليز الآن من ناثر. وكم في بلاد فرنسا من ناظم. وهنا ينبغي أيضاً أن أضف ملاحظة أخرى فأقول. أنه قلما ينبغ شاعر عربي أو عجمي ويعجب الناس جميعاً. فأن من الشعراء من يحب الكلام الجزل الفخم دون ابتكار المعنى. وبعضهم يعني بالمعاني دون الألفاظ. وبعضهم يتحرى اللفظ الرقيق والعبارات المنسجمة. وبعضهم الغزل وغير ذلك. ولا تكاد تجتمع هذه المزايا في شاعر واحد أو تجتمع عليها أخلاق الناس كلهم. فإن من كان من بني نظري ذبَّ الرياد شحما لحِما مُخضعا متصندلا زير النساء وخلبهن وشيْعهن ونِسأهن وحِدْثهن وطلحهن وطلبهن وخدنهن وعلهن ورنْوهن وحُرْ قوصهن فأقحا إياهن حيث سرن. وكارزا لهن أيان برزن، لاتهمه الحماسة ولا منازلة الأقران. فعنده أن قال أمرؤ القيس:
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له
…
بشق وتحتي شقها لم تحوّل
أحسن من قول عنترة:
فطعنته بالرمح ثم علوته
…
بمهند صافي الحديدة مخِذم
ومن يكن عرْوا أو حصوراً أو عتولاً مُقطَعاً أو متأبداً أو عنكشاً عثيلاً أو صيقماً صمكمكا كيْكآ ليس به حمضة إلى العبهرة العجنجرة والعياذ بالله من ذلك. صرف ذهنه إلى الزهديات والحكميات. انتهى.