الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا وكما أن الجوع اسقط من فم صاحبنا الضرس المستجيع ضرسين. كذلك أسقطت مشاهدة تلك الأمور من رأسه اعتبار السوقيين وبني عمَّهم من كلا الجانبي الدين والرشاد. فظهر له أن أفعالهم أحرى أن تكون أفعال المجانين. فلهذا ضاق صدره في بلادهم وعيل صبره. مع احتياجه إلى الطعام الطيّب الذي كان ألفه في الشام والي لباس يليق به. فإن الخرجي أفاده أن المفددين على السلع الخرجية لا ينبغي لهم التحفل بالملبوس. إذ المقصود من الخرج إنما هو حمله فقط. مع إن السوقيين يحسبون إن الخرجيين يستجلبون إليهم المفددين بالمال والهدايا. فلهذا كان الفارياق دائم الحزن والأسف. فلم يمكنه وقتئذ أن يتعلم لسان الخرجيين وإنما تعلم منهم بعض ألفاظ تخص ترويج السلعة فقط. هذا وقد كان عند الخرجي المذكور خريجيّ لئيم. شكس الأخلاق أصفر الوجه. أزرق العينين أرنبة الأنف كبير الأسنان. رأى الفارياق يوما ينظر من طاقة له إلى سطوح الجيران فنزغه الشيطان أن يسّمر الطاقة، فلما رآها الفارياق مسمرة تفاءل بأنها خاتمة النحس، وهكذا كان، فإنه مرض بعدها بأيام قليلة فأشار الطبيب الخرجي بأن يسفره إلى مصر. فسافر من ثم ومعه كتاب توصية إلى خرجي آخر.
منصّة دونها غصّة
ما زال البحر بحراً. ما برحت الريح ريحاً. ما أنفك طالع الفارياق هابطاً. ما فتئ لسانه فارطاً. فلما بلغ إلى الإسكندرية وجد في محل الخرجي القديم خرجياً فيها. فتخلّف عمن تقدمه وخبثت ريحه بين أقرانه. والحامل له على ذلك إنه رأى هواء البلاد شديد الحرارة عليه فأرتاي أن يتخذ له هرمين يتسلقهما حين يحتر كما كان سلفه أتخذ هرماً من الدنان. فأفرغ عليهما من اللجين ما يسيل به واد. فشاع إسرافه هناك ومله أصحابه ثم سافر الفارياق من الإسكندرية إلى مصر وادي كتاب التوصة للخرجي. فأنزله في دار رفيق له وكانت محاتذية لدار رجل من الشاميين كان يجتمع عنده كل ليلة جماعة من المغنين والعازفين بآلات الطرب. فكان الفارياق يسمع الغنا من حجرته. فهاج به الوجد والغرام. وتذكر أوقاته بالشام. وحين وصبا إلى مجالس الأنس. وخيل له أنه انتقل من عالم الجن إلى عالم الإنس. وأسفرت له الدنيا عن لذات مبتكرة. وشهوات مدَّخرة. وأفراح صافية. وأماني وافيه. فنسي ما كابده في البحر من الدُوار والفواق وفي الجزيرة من الجوع وتسمير الطاق. وما أصابه من بحُح التفديد. وترح التقليد. ورأى لدولة مصر بهجة ورونقاً. وفي عيشها رغداً مغدقاً. فكان الناس كلهم مُعْرسون أو مفاخرون ومنافسون.
ولنسائها كياسة وظرفاً وجمالاً. ولطفاً وليناً ودلالاً. وتيهاً واختيالا. يخطرون في الطرق بالحبر كالمنشئات فيجعلن مجموع الهّم على القلب في شتات. وما أنا بأول واصف لهن إنهن خلاّبات للعقول. غلاّبات للفحول. فقد وصفهن بذلك كل ناظم وناثر. وذكر محالهن كل من حاولهن من الأكابر والأصاغر. وفي المثل السائر. تراب مصر من ذهب. وغيدها نِعم اللُعب. وإنها لمن غلب. واعجب ما يرى من احوالهن. حين يخرجن من حجالهن. ويتفلتن من عكالهن، ما إذا ركبن الحمير الفارهة العالية. واستوينا فوقها على منصة مضخمة بالغالية. فترى عرفهن قد ملأ الخياشم. وحور أعينهن يذكر الناس بحور جنات النعيم. فكل من ينظر حورية منهن يكبّر عند رؤيتها. ويستصغر الدنيا بجمال طلعتها. ومنهم من يهلل لالتفاتتها. ويسّبح عند حركتها. ومنهم من يتمنى أن يكون ممسكا بركابها. أو ماسا لجلبابها. أو حاملاً لنعالها. أو رافعا لأذيالها أو بطانة لحبرتها أو بوابا لحجرتها. أو رسولا بينها وبين عاشقها. أو تبعا لتبعها ومرافقها. أو مشاطا يسوي فرقها. أو خياطا يرقع خرقها. أو صائغا يصوغ لها سوارا. أو حدادا يصنع لها مسمارا. أو بلَاّنياً يدلك بدنها. أو هناً آخر يداني هنها. وهي من فوق تلك المنصَّة تتعزز وتتمنع. وتشفن وتتطلع. فترمي هذا بنظرة فتدميه. وذاك بغمزة فتصيبه وتسبيه. فتعطل على التجار أشغالهم. وتبلبل من ذوي البطالة بالهم. حتى كان الحمار من تحتها يعرف قدر من حمل. ويدري ما غرض من كبّر وهلّل. فهو لا ينهق ولا يسمع له شخير ولا يكرف كسائر الحمير. بل يسمد على الخيل كبرا. ويمشي الخيلاء زهوا. وفخرا. أما قائد الحمار فإنه يرى أن قائد الجيش دونه في المنزلة. وإن الناس لفي افتقار إليه فهو لابدَّ له من عائد وصلة. كيف لا وهو الموصوف بالسياسة والقيادة والفراسة. وهنا قضية نسيت أن أذكرها. فلا بد من أن أقيدها. في هذا الموضع وأحررها. وهي أن القلوب برؤية المتبرقعات أولع منها برؤية المسفرات وذلك أن العين إذا رأت وجههاً جميلاً وأن يكن رائعاً شائقاً غاية ما يمكن فإن المخيلة تستقر عليه وتسكن. فأما عند تبصر الوجه المحجوب مع اعتقاد القلب بأن صاحبه من الجنس المحبوب. ولا سيما إذا قام الدليل عليه بحلاوة العينين، وبالهدب وبزجج الحاجبيين، فإن المخيلة تطير بالأفكار عليه ولا تجد لها من أمد تنتهي إليه. فيقول الخاطر "انتهى السجع لأنه ملأ الصفحة" لعل هذا الوجه.
أثعُبانيّ الاثعبان والاثعباني الوجه الفخم فيحسن وبياض.
أو ذوانسبات يقال في وجهه انسبات أي طول وامتداد.
أو هو مصُفح المصفح من الوجوه السهل الحسن.
أو مثُعمدّ المثعمد من الوجوه الظاهر البشرة الحسن السنحة.
أو مدنَّر يقال دنَّر وجهه تدنيراً تلالا.
أو ملوّز الملَّوز من الوجوه الحسن المليح.
أو مخروط المخروط من الوجوه ما فيه طول.
أو ساجع الساجع الوجه المعتدل الحسن الخلقة.
أو عنميّ الوجه الحسن الأحمر.
أو فدغم الفدغم الوجه الممتلي الحسن.
أو ذو كلثمة الكلثمة اجتماع لحم الوجه بلا جهومة.
أو مَسنون يقال رجل مسنون الوجه مملّسة حسنه سهله.
ولعله جامع لجميع سمات الوسامة فاشتمل على خدين اسيلين اسجحين أو مكتّلين وفي كل خدّ إذا ضحكت غمزة أو هزمه أو شجرة أو عكوة أو غرمة أو فحصة أو فيهما.
علطة العلطة واللعطة سواد تخطه المرأة في وجهها زينة.
أو في كل منهما خال عمّ حسنه وعزَّ فتنه.
أو فيهما أوفي أحدهما خداد "ميسم في الخد" أو ترخ "الشرط اللين".
أو وَحْص أو عُد أو ظبظاب. الوحص بثرة تخرج في وجه الجارية المليحة والظبظاب بثر في وجوه الملاح ومثله العُد.
واشتمل أيضاً على ثغر منصب. ذي شنب ورتل وحبب. ثغر منصب مستوى النبتة والشنب ماء ورقة وبرد وعذوبة في الأسنان أو نقط بياض فيها أو حدّة الأنياب كالغرب تراها كالمنشار والرتل بياض الأسنان وكثرة مائها والحبب تنضد الأسنان وما جرى عليها من الماء كقطع القوارير.
أو على تفليج في ثنايا من الدّر. ذات أُشُر ووَشْر أُشُر الأسنان وأُشَرها التحزيز الذي فيها خلقة أو مستعملاً يقال أشرت المرأة أسنانها وأشرتها والوشر تحديد المرأة أسنانها وترقيقها.
أو أن لها عترة. تتهالك في حبها عترة. العترة أُشَر الأسنان ودقة في غروبه ونقاء وماء يجري عليه- والريقة العذبة وهي أيضاً نسل الرجل ورهطه وعشيرته.
الأدنون ممن مضى وغبر.
أو أن بذقنها نونة تعوذ بسورة ن. أو أن شفتها ريّا أو حوّاء أو نكعة أو أن فيها لعساً أو ذبباً. أو يتصّبب منها العسل تصبّباً.
أو أن فيها ثُرْملة. تشفي من الوله. الثرملة النقرة في ظاهر الشفة العليا والنكعة من الشفاه الشديدة الحمرة.
أو أن في طُرْمتها طِرْماً. الطُرمة النبرة وسط الشفة العليا والطرم الشهد والزبد والعسل.
أو أن لها تُرْفة. أشهى واعزّ من الترفة. الترفة هنة ناتئة وسط الشفة العليا خلقة وهي أيضاً النعمة والطعام الطيب والشيء الطريف تخص به صاحبك.
أو أن لها عُرْعَرة. على مثلها تهون الغرغرة. العرعرة بين المنخرين أو خَوْرِمة.
تطيب بها النفس عن الخُرّمة. الخورمة مقدم الأنف أو ما بين المنخرين والخرّمة واحدة الخرّم وهو نبت كاللوبيا بنفسجي اللون شمه والنظر إليه مفرح جداً ومن امسكه معه احبّه كل ناظر إليه ويتخذ من زهره دهن ينفع لما ذكره.
أو نثرة. عليها تنثر البدرة. النثرة الخيشوم وما والاه أو الفرجة بين الشاربين حيال وتزّة الأنف.
أو أن لمرافعها غَفْراً. يكسر شوكة الاجرا. المراعف الأنف وحواليه والغفر زئبر الثوب.
أو أن لها خُنْعُبة. تشدّ العظام الوربة. الخنعبة النونة أو الهنة المتدلية وسط الشفة العليا أو الشق ما بين الشاربين حيال الوترة ويقال فيه أيضاً الخُنْبعة.
أو عَرْتُبة. تصح بها القلوب الوصبة. العرتبة الأنف أو ما لان منه أو الدائرة تحته وسط الشفة أو طرف وترة الأنف.
أو عَرْتمة. هي للحسن سمة. العرتمة مقدم الأنف أو ما بين وترته والشفة أو الدائرة عند الأنف وسط الشفة العليا ومثلها الهرثمة.
أو أن على ملامظها وملامغها لَغَماً. ينفي سدماً. ويشفي سقماً. الملامظ ما حول الشفة والملاغم ما حول الفم كالملامج واللغم الطيب القليل.
أو لعل لها نبرة هي تمام النضرة. النبرة في وسط النقرة في ظاهر الشفة والنضرة الحسن.
أو تفرة. يطيل الصب عليها زفرة. التفرة مثلثة الاول النقرة في وسط الشفة العليا.
أو حثرمة. تذر القلوب بها مغرمة. الحثرمة الدائرة تحت الأنف وسط الشفة العليا أو الأرنبة أو طرفها.
أو وتيرة تفدى بألف وثيرة. الوتيرة حجاب ما بين المنخرين.
أو أن لها خيشومة يبرئ كمها. ويطري ومها. الخيشوم من الأنف ما فوق نخرته من القصبة وما تحتها من خشارم الرأس والومه شدة الحرّ.
أو قسامة. يمضي بها العاشق أقسامه القسامة الحسن والوجه- أو الأنف وناحيتاه أو وسط الأنف الخ.
أو أن لها ذلفا يصحّ دنفاً الذلف صغر الأنف واستواء الأرنبة أو صغره في دقة أو غلط واستواء في طرفه ليس بحدّ غليظ.
أوخنساً تغيب له الخنّس. الخنس تأخر الانف عن الوجه مع ارتفاع قليل في الأرنبة وهي خنساء والخنّس الكواكب كلها أو السيارة.
أو كان أنفها مُصفحاً. المصفح من الأنوف المعتدل القصبة.
أو أشم. الشمم ارتفاع قصبة الأنف وحسنها واستواء أعلاها وانتصاب الأرنبة.
أو أن به قَنى. قنى الأنف ارتفاع أعلاه واحديداب وسطه وسيوغ طرفه أو نتوء وسط القصبة وضيق المنخرين هو أقنى وهي قنياء.
أو أن به غُرْضَين. يلهيان عن التغريض واللُجَين. غرضا الأنف ما انحدر من القصبة من جانبيه جميعا والتغريض أكل اللحم الغريض والتفكه.
أو أن لها ناظرين. نفديهما بالناظرين. الناظران عرقان على حرفي الأنف. أو ناحرتين. نذيل لهما النحور والمقلتين. الناحرتان عرقان في اللَحى وضلعان من أضلاع الصدر أو هما الواهنتان والترقوتان.
أو حافزا. يشرح قلباً حالزاً، ويتلحز له الشاعر تلحزاً. الحافز حيث ينثني من الشديق وقلب حالز ضيّق والتحلُّز فيك من أكل رمانة حامضة ونحوها شهوة لذلك كالتلزّح.
أو أن خنَّابيتها. تحوم القلوب عليها. الخناتبان طرفا الانف.
أو أن صامغين. هما قرة العين. وريّ الغين الصامغتان والصماغان والصمغان جانبا الفم وهما ملتقى الشفتين مما يلي الشدقين وهما أيضاً السامغان لغة في الصاد والغين العطش. ويا ليت شعري هل يتكوّن فيهما صمغ شهد حتى سميا بهذا وهل هما منطبقان أو منفتحان وهل يتلحَّز لهما الشاعر المسكين كما تلحّز من الحافزين الله اعلم.
ثم يقول أو أن لها حترة. يديم الصبّ إليها حَترة الحترة مجتمع الشدقين والحتر تحديد النظر. فهل من تلزّح معه.
أو أن لها ماضغين. يعوّذان من العين. الماضغان أصول اللحين عند منبت الأضراس أو غُنْية. تهنَّد الخليَّ سَنْبه. الغنبة على ما في القاموس واحدة الغُنَب وهي دارات أوساط أشداق الغلمان الملاح. لكني رأيت ربّة البرقع أولى بها فلا عكاس ولا مكاس على هذا الاختلاس. والتنهيد التصبي والتشويق والسنبة والدهر.
ولعل عارضها. يتيَّم معارضها. العارض صفحة الخد وجانب الوجه. أو أن لها علاطاً يشغف من ناظره نياطا. العلاط صفحة العنق والنياط الفؤاد.
أو بُلدة. تفتن أهل البلدة. البلدة نقاوة ما بين الحاجبين وثغرة النحر وما حولها أو وسطها. أو أن لها محاجز. تباع لها المحاجز. المحجر من العين ما دار بها والمحاجر الثانية ما حول القرية.
أو اسارير. يعنو لها من جلس على السرير. الأسارير محاسن الوجه والخدّان والوجنتان. أو أن طُْليتها تبري الطلياء. الطلية العنق أو أصلها والطلياء قرحة كالقوباء. ولديديها اللدود. اللديدان صفحتا العنق دون الأذنين واللدود وجع يأخذ في الفم والحلق. ولزيزيها اللز، اللزيز مجتمع اللحم فوق الزور واللز الطعم. ومفاهرها أعز إِلى ذي مغبة من الفهيرة. المفاهر لحم الصدر والفهيرة محض يلقي فيه الرضف فإذا غلا ذرَّ عليه الدقيق وسيط.
وأن سالفتيها تغنيان عن السلاف. السالفة ناحية مقدم العنق من لدن معلق القرط إلى قلت الترقوة.
ونحرها عن نحر النهار. نحر النهار والشهر اوله.
وترائبها عن الأتراب. الترائب عظام الصدر أو ما ولي الترقوتين منه والأتراب وأحدها ترب وهو اللِدة. ويصح أن تكون أيضاً بكسر الهمزة مصدر أترب الرجل أي كثر ماله فليسأل القائل عن أيهما أراد.
إلى غير ذلك من الاحتمالات التي لا بدّ منها لحصيف العقل المستحكم الرأي.
وإنما أطلت الكلام هنا لكوني ناقلاً له عمن تبصر الوجه المحجوب. ودهش عن الإصابة فسأل فمه سعابيب.