الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأشتق من خرف الجنى ومن
…
حصف تهي الأظفار منه حصيفا
دع عنك تعبيس الأسود وكن أخاً
…
لأبي الحصين مراوغاً يهفوفا
من أضحك السلطان صوت ردامه
…
فهو الذي في الناس عدَّ عريفا
تمت بهذا البيت فاتحتي وقد
…
صيرته لبنائها تسقيفا
لا تقرأن من بعده شيئاً ولو
…
كلفت حرفاً واحداً تكليفا
فتكون قد أزلفت ثم تجاوزت
…
بك رجلك اليسرى له تاريفا
إني أرى كالريح في أذنيك عرف
…
نصيحتي راحت سدى وطليفا
الكتابُ الأوَّل
إثارة رياح
مه صه أسكت اصمت أنصت ايبَس أعقَم أسمع ائذن أصخ أصغ أعلم أني شرعت في تأليف كتيّبي هذا المشتمل على أربعة كتب في ليالي راهصة ضاغطة أحوجتني إلى الجؤار قائماً حتى لم أجد لصُنبور أفكاري ما يسدّه عن أن يتبعق على ميزاب القلم في وجوه هذه الصحائف. فلما رأيت القلم مِطواعاً لأناملي والدواة مطواعاً للقلم في نفسي لا بأس إن أقفو القوم الذين بيضوا وجوههم بتسويد الطروس فإن كانوا قد أحسنوا فأنا أعدّ أيضاً من المحسنين. وأن كانوا قد أساءوا فلعل عدد كتبهم يحتاج إلى تكملة فيكون كتابي على كل حال متصفاً بالكمال. لأن ما كمل غيره كان جديراً بأن يكمل نفسه. فمن ثم أتوقف فيما قصدته ولم أتحاشَ أن أودعه من الألفاظ الشائقة الرائقة والمعاني الفائقة الآفقة كل ما خفَّ على السمع، ولذَّ للطبع. مع عملي إنه لا يكاد مؤلف يعجب الناس جميعاً.
وكأني بمتعنت يقول في نفسه أو لغيره لو كان المؤلف أجهد قريحته في تأليف كتاب مفيد لا يستحق أن يثني عليه. لكني أراه قد أضاع وقته عبثاً بذكر ما لا ينبغي ذكره جيناً. وحنيناً بذكر ما لا يجدي نفعاً. والجواب عن الأول: ومحترسٍ من مثله وهو حارسُ. وعاد الحيْش يحاس. وحذ من جِذْع ما أعطاك. وشحمتي في قلعي. وأهتبل هبلك. وعين الرضى عن كل عيب كليلة. وعن الثاني: أربع على ظلعك. وأرق على ظلعك. وأرقاً على ظلعك. وقِ على ظلعك. وكأني بآخر يقول حديث خرافة يا أم عمرو. وجوابه وكم من غائب قولاً سليماً. ثم كأني يحوقة عظيمة من الجلاذي والنهاميين والأنهمة والوففة والوفهة والوهفة والأبيلين والزرازرة والقمامسة وأمامهم الجاثليق الأكبر. وأمام هذا العسطوس الأعظم وهو يضجون ويعجبون ويجأرون وينعرون ويلجبون ويصخبون ويزأطون ويلغطون ويتقترون ويتوغرون ويتوعدون ويتهددون ويتذمرون ويتنكرون ويتنمرون ويتشذرون ويتشزرون ويتغذرون وينحمون وينهمون ويلغمون. فأقول لهم مهلاً مهلا إنكم قضيتم عمركم كله في حرفة التأويل فيما يضركم لو أوَّلتم ما تنكرونه في كتابي من أول وهله. وتمحلتم كما هو دأبكم لأن تجعلوا منه حسناً ما يظهر قبيحاً ومستظرفاً ما يلوح من خلال عبارته فاحشاً. فإن أبا نواس قد أوجب عليكم ذلك مذ مئين من السنين بقوله:
لا تحظر العفو إن كنت أمرءاً ورعاً
…
فإنّ حظركه بالدين إزراء
وبقوله:
كن كيفما شئت أن الله ذو كرم
…
وما عليك إذا أذنبت من باسِ
إلا أثنتين فلا تقربهما أبدأ
…
الشرك بالله والأضرار بالناس
فأما أن قلتم إن عباراته صريحة بحيث لا تقيل التأويل. فأقول لكم إنكم بالأمس كنتم تخطأون وتحضرمون وتهرأون وتلحنون وتلكنون وتغلطون وتوهمون وتعفكون وتلبكون وتلتكون وتلفتون وتعصدون وتخلطون وتخطلون وتهذون وتهذرون وتحصرون وتلخون وتلخلخلون وتعجمون وتجعمون وتقدمونوتلفون وتتبلتعون وتتلهيعون وتلغلغون وتلقلقون وتقلقلون وتترترون وتثرثرون وتحصرون وتفرفرون وتجمجمون وتمجمجون وتغمغمون وتمغمغون وتتغتغون وتثعثعون وتثغثغون وتبعبعون وتبغبغون وتوتغون وتضغضغون وتعيون وتفههون فمتى جاءكم العلم حتى فهمتموها.
وإن قلتم أن بعضها وهو السيئ مفهوم وبعضها غير مفهوم. قلت لعل ما لم تفهموه هو الحسنات التي تذهب السيئات فلا ينبغي لكم على أية حالة كانت تحرقوه. ولعمري لو لم يكن من شافع لقبوله وأجرائه عند الأدباء وعندكم آنستم أيضا مجرى كتب الأدب سوى سرد ألفاظ كثيرة من المترادف لكفى. بل فيه من ذكر الجمال وأهله أدام الله عزهن إعظامه وتقريظ مؤلفه حيا ثم تأبينه بعد مفارقته إياهن برغم أنفه.
على إني أعرف كثيرا من الوفهة الكرام المشهود لهم بالفضل بين الأنام لا يتحرجون من قولهم شيء ممجمج وشيء متدملك وشيء مفرَّم وشيء أزَيب وشيء مهدف وشيء قازح وبكبك. ومن ذكر الكعثب والكعثب والكعثم والجلهوم والعركوك والأكثم والأخثم والخشيم والحزنبل والدعكنة والجدجد والنيزج والبوص والنامة والبلغص والقلذم والأكبس والضراطميّ والحضر والهيدب والمحلوس والبوص والعضرط والعضارطي والخميش والجشماء والبداء والفشوش واللطعاء والمهلوسة والمرصوفة والمستودفة والجالقة والحارقة والخبوق والخفوق والغفوق والربوخ والمخربقة والسلقلق والشقآ والمتلاحمة والخجام والخجوم والأتوم والشريم والهوجل والمتكأ والحلقية والمرفوعة والمصوص والمنفاض والميراص والعضوض والمنخار والشفيرة والزخاخة والبخاخة والجخنة والشفلح والعنبلة والجليع ومن العلوز والقنب والنوف والخنتب والأيل والبيظ والثعرورين والحتار والأشعر والطبق والأسكتين والحسكلتين والعنتل والقحقح والمأنة والجعب والطرث والعكبز والمعجرم والعجارم والوبيل والفنجليس والفلطيس والحطاط والكوتعة والجوفان والمتك والحوقلة والكوشلة والقصعة والدلعة ومن الأقماد والتوتيد والأستعناد والتفشخ والشمذ والفهر والأفهار والوجس والنشنشة والاستخلاط والتشيط والهكاع والفخة والسغم والأكسال والعم والزجل والهقق والنيطل والعتر والطروح والعجيز والفنخر والاختضار والترفغ والأصفآد والعصد والحمق والتفعيل والتبازخ والعروة والأسواع والسباع والألهاط والعصد والرفغ والعفل والقرنة والكين والطؤطؤة ومن ذكر الأرزب والبزباز والفاعوسة والخرنوف والمشرح والغضارطي والمصوص والخاق والزردان والطنبريز والفلهم والقباب واللهوم والحجوم والمزخة والنغنغ والخشنفل والمعرنفط والمقرنفط والفوق والقوق والركوة والقحفليز والعفلق وغير ذلك من أدوات النصب ومن البنودة والجعبي والحذافة والنصب ومن البنودة والجعبي والحذافة والمحذفة والخوارة والخفاقة والعزاقة والمحسة والمحشة والخبنفثة والرماعة والصماري والرئم والطبيخة والحماء والعواء والعزلاء والجعماء والسحماء والقنقصة والفرقعة والصفارة والنبور والنباعة والنباغة والوباعة والجوانة والخوانة والصوانة والبرعث والبعثط وغير ذلك من أدوات الجزم ومن الآداف والبيزار والجميع والجعثوم والاذامي والحوقل والمطول والمطول والزلنقطة والخدرنق والسحادل والضبيز والعلعل والدوقل والقسطبينة والفنطيس والشاقول والقهبليس والعردل والقصطبير والجواجز والقزميلة والمتئر والدوسر والسمهدر وغير ذلك من أدوات الجر ومن ذح وذحا ودح ودحبي ورصع ورطأ وشفتن وشكز وضهز وطعز وطنح وعزط وعزلب وقرفط وقنطر وقسبر وقحطر وقمطر ولطز ولمج ولمذ ومشق ومتر ومهج ومعج ونيرج وزخزخ ودعظ. وكنت أحملق في وجوههم عند ذكرهم ذلك فلم أكن أرى عليها حمرة الخجل ولا صفرة الوجل بل كانت ناضرة مستبشرة مبتهجة مسفرة. فإن أبي المنكر إلا عناداً وتقاضاني جدول أسمائهم قلت له هاك أوله يبتدئ بالألف وآخره بالياء. فاحسبوني إذاً وافهاً من هؤلاء.
ثم أن شرطي على القارئ ألا يسطر من الألفاظ المترادفة في كتابي هذا على كثرتها. فقد يتفق إن يمر به في طريق واحدة سرب خمسين لفظة بمعنى واحد أو بمعان متقاربة. وإلا قلا أجيز له مطالعته ولا أهنؤه به. على إني لا أذهب إلى الألفاظ المترادفة هي بمعنى واحد وإلا لسموها المتساوية وإنما هي مترادفة بمعنى إن بعضها قد يقوم مقام بعض. والدليل على ذلك إن الجمال مثلا والطول والبياض والنعومة والفصاحة تختلف أنواعها وأحوالها بحسب اختلاف المتصف بها فخصت العرب كل نوع منها باسم ولبعد عهدهم عنا تظنيناها بمعنى واحد. وقس على ذلك أنواع الحلي والمأكول والمشروب والملبوس والمفروش والمركوب. لا بل عندي ولا أخشى من أن يقال أولك عند أنه إذا كان اسمان مشتقين من مادة واحدة وكانا يدلان على معنى واحد كالخجوج والخجوجاة مثلا للريح الشديدة المرّ وإن يكون الاسم الزائد في اللفظ زائدا في المعنى أيضا. إن شئت أذعنت أولا فعاند.
هذا وأني قد ألفته وما عندي من الكتب العربية شيء أراجعه واعتمد عليه غير القاموس. فإن كتبي كانت قد فركتني فاعتزلتها، غير إن مؤلفة رحمه الله لم يغادر وصفا في النساء إلا وذكره. فكأنه كان ألهم أن سيأتي بعده يغوص في قاموسه على جمع هذه اللآلئ في مؤلف واحد منتسق لتكون أعلق بالذهن وارسخ في الذكر.
ولولا إني خشيت غيظ الحسان عليَّ َلكنت ذكرت كثيراً من مكايدهن وحيلهنّ ومحالهن لكني إنما قصدت بتأليف التقرب إليهنّ وترضيهن به. وإني آسف كل الأسف على أنهن غير قادرات على فهمه لجهلهنّ القراءة لا لعوص العبارة إذ لا شيء يصعب على فهمهن مما يؤول إلى ذكر الوصل والحب والغرام. فهن يستوعبنه ويتلقفنه من دون تلعثم ولا قصور ولا ترج وحسبي أن يبلغ مسامعهن قول القائل أن فلاناً قد ألف في النساء كتاباً فضلهن به على سائر المخلوقات. فقال إنهن زخرف الكون. ونعيم الدنيا وزهاها. وغبطة الحيوه ومناها. وسرور النفس ومشتهاها وعلق القلب. وقرة العين. وانتعاش الفؤاد. وروح الروح. وجلاء الخاطر. وتعلل الفكر. ولهو البال. وجنة الجنان. وأنس الطبع. وصفاء الدم. ولذة الحواس. ونزهة الألباب. وزينة الزمان.. وبهجة المكان والباءة بل أقول غير متحرج عرف الآلهة إذ لا يكاد الإنسان يبصر جميلة إلا ويسبح الخالق. بذكرهن يلهج اللسان. ولخدمتهن تسعى القدم. وتتحمل الأعباء. وتتجشم المشاق ويهون الصعب ويتجوع الصاب. ويقاسي الضر ولرضائهن يذل العزيز. ويبذل النفيس. ويذال المصون. وإن خلاق الرجل من دونهن حرمان. وفوزه خيبوز وهناؤه تنغيض. وأنسه وحشة. وشبعه جوع. وارتواؤه ظمأ. ورقاده أرق. وعافيته بلاء. وسعادته شقاوة. وطوبى له كالزقوم. والتنسيم كالغسلين. فإذا قدر الله بلوغ هذا الخبر المطرب سماع إحدى سيداتي هؤلاء الجميلات وسرت به وفرحت. ورقصت ومرحت. رجوت منها وأنا باسط يد الضراعة أن تبلغه أيضاً مسامع جارتها. وأملت من هذه أيضاً أن تطالع به صاحبتها حتى لا يمضي أسبوع واحد إلا ويكون خبر الكتاب قد ذاع في المدينة كلها. وكفاني ذلك جزاء على تعبي الذي تكلفته من أجلهن. إلا وليعلمن إني لو استطعت أن أكتب مديحهن بجميع أصابعي وأنطق به بكل من جوارحي لما وفي ذلك بمحاسنهن. فكم لهن علي من الفضل حين بدون في أفخر الحلل ومسن وبأحسن الحلي. ونظرن إليَّ شافنات. حتى أبت إلى حفشي وأنا أتعثر بأفكاري وخواطري. فما كادت يدي تصل إلى قلم إلا وقد تدفقت عليه المعاني وساحت على القرطاس. فأورثنني بين الناس ذكراً وفخراً. ورفعن قدري على قدر ذوي البطالة والفراغ. نعم أن من بينهن من نفست علي بطيفها في الكرى. ولكنها معذورة في كونها لم تكن تعلم إني أتكلف النوم. بعد أن رأت عيني من جمالها ما يبهر العقل ويبلبل البال.
فأما إذا تعنت عليّ أحد بكون عبارتي غير بليغة. أي غير متبلة بتوابل التجنيس والترصيع والاستعارات والكنايات. فأقول له أني لما تقيدت بخدمة جنابه في إنشاء هذا المؤلف لم يكن يخطر ببالي التفتازاني والسكاكي والأمدي والواحدي والزمخشري والبستي وابن المعتز وابن النبيه وابن نباتة. وإنما كانت خواطري كلها مشتغلة بوصف الجمال. ولساني مقيداً بالإطراء على من أنعم الله تعالى عليه بهذه النعمة الجزيلة. وبغبطة من خوّله عز وجل عزة الحسن وبرثاء من حرمه منه. وفي ذلك شاغل عن غيره. على أني أرجو أن في مجرد وصف الجمال من الطلاوة والرونق والزخرفة ما يغني عن تلك المحسّنات استغناء الحسناء عن الحلي ولذلك يقال لها غانية. وبعد فإني قد علمت بالتجربة إن هذه المحسنات البديعية التي يتهور فيها المؤلفون كثيراً ما تشغل القارئ بظاهر اللفظ عن النظر في باطن المعنى.
ولعمري انه ليس في هذا الكتاب شيء يعاب سوى وجدانك الفارياق فيه تارة يحشر في سرب الغواني. وتارة يدمق عليهن وهن آمنات في حجالهن أو في حديقة أو في زاوية على السرير. ولكن لم يكن لي بد من ذلك. إذ الكتاب موضوع على قص أخباره وعلم أحواله. فقد بلغني أن كثيراُ من الناس أنكروا وجود هذا المسمى فقالوا أنه من قبيل الغول والعنقاء. وبعضهم قال أنه قد ظهر مرة في الزمان ثم اختفى عن العيان. وذهب غير واحد إلى إنه مسخ بعد ولادته بأيام. ولم يعلم بأي صورة تلبس وإلى أي شكل استحال. وزعم قوم إنه صار من جنس النسناس. وقال غيرهم إنه صار من نوع الجن. وأثبت بعض إنه استحال امرأة. فإنه لما رأي أن المرأة أسعد حالاً من الرجل في هذه الدنيا المسماة دنيا كانت لا يبيت إلا هو جائر إلى ربه بالدعاء لأن يصيره أنثى. فتقبل الله ذلك منه وهو على كل شيء قدير. فرأيت والحالة هذه من بعض ما يجب عليّ أن أعرّف هؤلاء المختلفين فيه بحقيقة وجوه على ما فطر عليه. ما عدا التغيير الذي عرض له عن جهد المعيشة وسوء الحال ومقاساة الأسفار ومخالطة الأجانب والاحتكاك. وعلى الخصوص من تلفيع الشيب. والمجاورة من حد الشباب إلى سن الكهولة. فإذ قد علم ذلك فأقول كان مولد الفارياق في طالع نحس النحوس والعقرب شائلة بذنبها إلى الجدي أو التيس والسرطان ماشٍ على قرن الثور، وكان والده من ذوي الوجاهة والنباهة والصلاح مرحى مرحى إلا أن دينه ما كان أوسع من دنياهما وصيتهما أكبر من كيسهما برحى برحى وكان لطبل ذكرهما دويّ يسمع من بعيد. ولزوابع شأنهما عجاج ثناء يثور في الجبال والبيد. ولتكرير العفاة واعتشاء الوفود لديهما. تعطلت سبل دخلهما. ونزحت بئر فضلهما فلم يبق فيها إلا نزّازات يلقى فيها المخفق المحروم سدادا من عوز. فكانا يجودان به أيضاً من عوز السداد وهّ وه فلذلك لم يعد في طاقتهما أن يبعثاه إلى الكوفة أو البصرة ليتعلم العربية. وإنما جعلاه عند معلم كتاب القرية التي سكنا فيها ويح ويح وكان المعلم المذكور مثل سائر معلمي الصبيان في تلك البلاد في كونه لم يطالع مدة حياته كلها سوى كتاب الزبور وهو الذي يتعلمه الأولاد هناك لا غير أفّ أف وليس قولي إنهم يتعلمونه مؤذنا بأنه يفهمونه. معاذ الله. فإن هذا الكتاب مع تقادم السنين عليه لم يعد في طاقة بشر أن يفهمه غُط غط وقد زاده إبهاماً وغموضاً فساد ترجمته إلى اللغة العربية وركاكة عبارته حتى كاد أن يكون ضرباً من الأحاجي والمعمى رُط رط وإنما جرت عادة أهل تلك البلاد بأن يدرّبوا فيه أولادهم على القراءة من غير أن يفهموا معناه. بل فهم معانيه عندهم محظور تفّ تف وكما أنهم لا يفقهون معنى وحا وميم وقاف مثلاً. فكذلك لا يفهمون عبارة الكتاب المذكور إذا قرأوها طيخ طيخ.
والظاهر أن سادتنا رؤساء الدين والدنيا لا يريدون لرعيتهم المساكين أن يتفقهوا أو يتفقحوا. بل يحاولون ما أمكن أن يغادروهم متسكعين في مهامه الجهل والغباوة أع أع إذ لو شاؤوا غير ذلك لاجتهدوا في أن ينشئوا لهم هناك مطبعة تطبع فيها الكتب المفيدة سواء كانت عربية أو معرَّبة سر سر فكيف ترضون يا سادتنا الا عزة لعبيدكم الأذلة أن تربى أولادهم في الجهل والعمه عزوى عزوى وإن يكون معلموهم لا يعرفون العربية ولا الحط والحساب والتاريخ والجغرافية ولا شيئاً غير ذلك مما لا بدّ للمعلم من معرفته تعزى تعزى فكم لعمري من ملكات براعة وحذق من الله تعالى بها على كثير من هؤلاء الأولاد. غير أنه لفقد أسباب العلم وعدم ذرائع التأديب والتخريج طفئت جذوتها فيهم على صغر بحيث لم يمكن أن يستقبها بهم نتف التحصيل على كبر أوه أوه هذا وإنكم بحمد الله من المتمولين المثرين. لا يعجزكم أن تنفقوا كذا وكذا كيساً على إنشاء مدارس وطبع كتب مفيدة أيه أيه فإن لبطرك الطائفة المارونية دخلا له وقع عظيم، وقدر جسيم، بحيث يمكنه أن يحبي به قلوب طائفته هذه التارزة التي لا هم لها في المنافسة والمباراة في شيء بين من سبقوهم إلى كل علم وفضل هيس هيس وإنما همهم أن يتعلموا بعض قواعد في نحو اللغتين العربية والسريانية لمجرد العلم بها فقط من دون فائدة آه آه إذ لم يعلم إلي الآن أن واحداً منهم ترجم كتابا أو كراسة مفيدة في هاتين اللغتين ولا أن البطرك أمر بطبع كتاب لغة فيهما تغ تغ ولو إنه أنفق نصف دخله في كل سنة على تحصيل أسباب العلم بدل هذه الولائم والمآدب التي يهيئها لزواره. أو لو كان كل من الأمراء والمشايخ الكرام ينفل شيئا معلوما في كل سنة لأجل هذه المصلحة الخيرية أو لو بعث من قبله إلى البلاد الإفرنجية وكلاء يجمعون من ذوي الخير والإحسان فيها مبلغا يخصصه بما نحن بصدده. لأحمد كل من في الشرق والغرب فعله جنح جنح ولكن إذا تعنى أحد سادتنا هؤلاء لأن يبعث إلى إخوانه الإفرنج حنا أو متى أو لوقا لجمع المال فإنما يبعثه لبناء كنيسة أو صومعة آح آح مع أن الإنسان مذ يولد إلى أن يبلغ اثنتي عشرة سنة لا يمكنه أن يدرك شيئا على حقيقته من جهة الكنيسة والصومعة ويمكنه في خلال ذلك أن يتعلم ما يفيده في مدرسة أو كتاب ثع ثع فهل تعدونني يا سادة بإنشاء مكاتب وطبع كتب حتى لا أطبل عليكم هذا الفصل. فإن بقلبي منكم لحزازات حاكة وبصدري عليكم ملامات صاكة أخ أخ لأن خليصي الفارياق في دولتكم السعيدة لم يمكنه أن يتعلم في قريته غير الزبور وهو كتاب حشوه اللحن والخطأ والركاكة اخ اخ لأن معربه لم يكن يعرف العربية وقس عليه سائر الكتب التي طبعت في بلادكم وفي رومية العظمى هع هع ومعلوم أن الغلط إذا تأصل في عقل الصغير شب معه ونمى فلم يعد ممكنا بعد قلعه.
فهل من سبب لهذا الشين والعيب سوى إهمالكم وسوء تصرفكم في السياسة المدنية والكنائسية أفواه أفواه.
أتحسبون إن الركاكة من شعائر الدين ومعالمه وفرائضه وعزائمه وإن البلاغة تفضي بكم إلى الكفر والإلحاد. والبدعة والفساد مطغ مطغ أم حسبتم أن تلك الأبيات العاطلة قد أفحمت ذلك المسلم العالم عن المجادلة والمناضلة يع يع إما بعروقكم دم يهيجكم إلى حب الكلام الجزل الفخم. وإلى البلاغة والبلة. ونق العبارة على موجب القواعد المقررة. والإفصاح عما يخطر ببالكم دون الحشو المخل. والاعتراض المملّ. والتعقيد المعلّ. والإخلاء المسل. وقولكم في جوز الجملة في جوز الجملة الخ. وجعلكم الفعل الثلاثي رباعيا. وبالعكس. واستعمالهم ما يتعدى منه بالباء متعديا بفي وبالعكس. وأجرائكم المتعدي لازما وبالعكس. والمهموز معتلا وبالعكس وعدم فرقكم بين اسمي الفاعل والمفعول. فتقولون هم محسودون مني أي حاسدون لي وما أشبه ذلك قه قه وليس كتابي هذا درة الثين في أوهام القسيسين حتى أستوعب فيه ذكر أغلاطكم وأوهامكم ايحي ايحي وإنما المفصود من ذلك أن أبين لكم أن أدمغتكم قد سقيت اللحن والركاكة من وقت ذهابكم إلى الكتاب وقراءتكم فيه كتاب الزبور إلى أن تصيروا كهلا ثم شيوخاً دح دح وإنه ما دمتم على هذه الحال فلن يرجى لكم من ابلال ويب ويب.