الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلما تملص البائع من يديه صعد منبراً وقال. أيها الخصماء. ولا تعجلوا إلى اللوم فإنه من دأب اللؤماء. أن عيونكم قد غشي عليها فهي تبصر الأحمر أسود. وذوقكم قد فسد فعندكم أن اللحم خبز مُفْتاد. وعقلكم قد رك وحرض فأنتم تحسبون الحرير قطناً. والجوهر عهنا. فما ينصفنا إلا قيم السوق فهلموا إليه وإلا فأنتم من أهل الكفر والفسوق. فلما سمعوا مقالته وعلموا أن محاكمته لهم عند شيخ السوق شطط لكونه أضعف منهم بصراً وبصيرة لهرمه. التهبوا غيضاً فجعلوا يركسون الأمتعه ويشوشونها ويبعثرونها ويمزقون كل ما قدروا عليه ويطئون ما أمكن لهم وطؤه ويكسرون كل ما أصابوا من معد وصندوق وكؤوس وأكواب وخرجوا وهم سامدون. ثم تواطئوا على أن يعتقدوا مجلساً تلك الليلة ليدبروا في أمورهم. فلما كان المساء اجتمعوا وقالوا قد اتضح لنا إن هؤلاء الباعة ظالمون غابنون. وإن حواسنا لم تر الشيء إلا على ما هو عليه. فشكراً لله ولصاحبة المنديل التي هدتنا إلى هذا. فتعالوا نستقلّ بأمورنا ونعمل لنا مخازن ومعامل كما عملوا هم. ثم اتخذوا لهم شيعة وأخدانا وأصحاباً وأعواناً. وأسقطوا عنهم من السعر ما أمال إليهم كثيراً من الناس. وقالوا لهم أن عهدنا إليكم أن نبيعكم البضاعة بمرأى أعينكم ولمس أيديكم وذوق ألسنتكم. ومن لم يرض شيئاً اشتراه فإنا نبدله له بما هو خير منه. ثم بحثوا عن الدفتر ونشروه في جميع البلاد واستعملوا لذلك وسائل مختلفة. وقالوا للناس هاؤكم الدفتر النور. والدستور الأكبر. فلا تشتروا منا حاجة إلا على مقتضى تسعيرة. ولا تذهبوا إلى شيخ السوق فإنه هالك في غروره. فرضي الناس بما اشترطه هؤلاء على أنفسهم. وانفصلوا عن الشيخ المذكور وعن حزبه. وغدا كل من الحزبين يكذب حريفه ويسوئ عليه ويخطئه ويسفه ويحمرّه ويفنده ويحرفه ويلعنه ويكفره ويؤثمه ويفسقه.
وسبحان من يداول الأيام بين الأنام.
الكتاب الثاني
دحرجة جلمود
قد ألقيت عني والحمد لله الكتاب الأول وأرحت يافوخي من حمله. وما كدت أصدق أن أصل إلى الثاني فإني لقيت منه الدُّوار. ولا سيما حين خضت البحر مشيعاً للفارياق تفضلاً وتكريماً. إذ لم يكن مفروضاً عليّ أن أرافقه في كل مكان وقد مضى عليّ حين بعد وصوله إلى الإسكندرية والتقامه الحصاة من الأرض ولسان قلمي يتمطق وثغر دواتي مطبق حتى عاد إلى نشاطي فاستأنفت الإنشاء ورأيت أن أبتدئ هذا الكتاب الثاني بشيء ثقيل ليكون عند الناس أكثر اعتباراً وأطول أذكاراً. وكما إني ابتدأت الكتاب الأول بما يدل على إلمامي بشيء من العلويات إن كنت لما تنس ما مر بك، استحسنت الآن أن آخذ في شيء من السلفيات لأجل المطابقة. هذا ولما كان الحجر من الجواهر المنيعة المفيدة راق لي أن أدحرج منه هنا جلموداً من أعلى قمة أفكاري إلى أسفل حضيض المسامع. فإن وقفت تنظر إلى تصوبه من دون أن تتعرض له. وتحاول توقيفه مرَّ بك كما تمر السعادة عليّ. أي من غير أن يصيبك منه شيء. وإلا أي من استسهلت حبسه عن منحدره كر عليك ودفعك تحته. والعياذ بالله مما وراء هذا الدفع. فأنظر إليه ما هو متحرط للسقوط. هاهو متصوب فالحذر الحذر. قف بعيداً وأسمع من دويًه ما يقول.
أن من نظر بعين المعقول إلى هذه الدنيا وإلى ما أختلف فيها ائتلف من الأحوال والأطوار والجوار والأعراض. والأوطار والأغراض. والعادات والمذاهب. والمراتب والمناصب. وجد أن كل شيء يمر عليه منها يفوق كنهه إدراكه ويفوت تأمله. وأن حواسنا وأن تكن قد ألفت أشياء لم تغادر الألفة عليها محلاً للتعجب منها. إلا أن تلكم الأشياء لا تنفك في نفس الأمر عن كونها معجبة محيرة ومن تبصر في أدنى ما يكون منها حق التبصر رأى نفسه كمن قد أهمل أداء فرض تعين عليه. أنظر مثلاً إلى اختلاف ضروب النبات في الأرض فكم فيه من الأزهار البديعة الصنعة العجيبة الكينة من دون أن نعلم لها منفعة خصوصية. وإلى اختلاف أنواع الحيوان من دبابات وهوام وحشرات وغيرها. فإن منها ما هو حسن الشكل ولا فائدة منه ومنها ما هو قبيحه والحاجة إليه ماسة. وأنظر في السماء إلى هذه النجوم درارئها كوكب درّي ويضم متوقد متلألئ.
وخنسها الخنس الكواكب كلها أو السيارة أو النجوم الخمسة إلخ.
وبيانياتها الكواكب البيانيات التي لا تنزل بها الشمس ولا القمر.
وتوائمها توائم النجوم واللؤلؤ ما تشابك منها.
وبروجها معروف وتنينها التنين بياض خفي في السماء يكون جسده في ستة بروج وذنبه في البرج السابع الخ.
ومجرتها باب السماء أو شرجها.
ورجمها النجوم التي يرمى بها.
وأعلاطها أعلاط الكواكب الدراري التي لا أسماء لها: وإناثها الإناث صغار النجوم.
وخسانها النجوم لا تغرب كالجدي والقطب وبنات نعش والفرقدين.
وأنوائها النوء النجم مال للغروب أو سقوط النجم في المغرب مع الفجر وطلوع آخر يقابله من ساعته في المشرق. التي يرجع البصر عنها وهو كليل.
وإلى اختلاف سجن الناس ورؤوسهم. فإنك لا تكاد ترى سحنة بشر تشبه سحنة آخر غيره. ولا تجد بين رؤوسهم أي عقولهم رأساً يشبه غيره. فمن عباد الله هؤلاء من أختار المخالطة والمقارفة. والمحاشرة والمزاحمة والمضاغطة والمصادمة. والمباراة والمعاجمة. والملاهسة والمداحمة. والمجاحسة والمداغمة. والمزاعمة والمداهمة. والمساومة والمزاهمة. على اختلاف فيها. وذلك كالتجار والنساء. ومنهم من قابلهم بضد ذلك فاختار العزلة والانفراد كالنساك والزهاد. ومنهم من جعل دأبه التهافت على اليمين والافتراء. والغلو والإطراء. كالشعراء والمستأجرين لمدح الملوك فيما يطبعونه من هذه الوقائع الإخبارية -ومنهم من قابلهم بضده فآثر الصدق والتحري- والتحقيق والتروي. والقول الفصل والمطابقة بين الماضي والحاضر والآتي. وذلك كأهل الفلسفة والحكمة والرياضة. ومنهم من يعمل النهار كله ويكد بكلتا يديه وكلتا رجليه وربما لم ينطق بكلمة واحدة. وذلك كأصحاب الصنائع الشاقة، ومنهم من لا يحرك يده ولا رجله ولا كتفه ولا رأسه وإنما ينطق في بعض أيام الأسبوع بكلمات ثم يقضي سائر الأيام مستريحا متنعما -مترفها متترفا- وذلك كالخطباء والوعاظ والمرشدين إلى الدين. ومنهم من يفتك ويبطش ويجرح ويقتل كالجند. ومنهم من يعالج ويداوي ويشفي ويحي كالإساءة وأولياء الله تعالى أهل الكرامات والمعجزات. ومنهم من يستأجر للتطليق. ومنهم للتحليل. ومنهم للإيلاد. ومنهم للإلحاد. ومنهم للتفريق. ومنهم للتأليف بين الآحاد. ومنهم من يتكوى في بيته فلا يكاد يخرج منه إلا لضرورة. ومنهم من يصعد الجبال والأدقال. والمنابر والأشجار. ومنهم من يهبط الأودية والبواليع والمراحيض. ومنهم من يسهر الليالي في تأليف كتاب. ومنهم من لا يذوق النوم حتى يحرقه. ومنهم من يسود ومن يساد. ومنهم من يقود أو يقاد. ومع هذا التنافي والتباين فمآل مساعيهم وحركاتها كلها إلى شيء واحد. وهو إدخال الإنسان خنابتيه غداة كل يوم في رائحة كريهة قبل أن يستنشق روائح الأزهار. ويتمتع بمتوع النهار.
وأعجب من جميع ما مر بك من هذه الأحوال حالتا أصحابنا السوقيين والخرجيين. فإن حرفتهم لما كانت لا تتوقف إِلا على استعمال أداتين فقط. أي المخيلة والقسم دون افتقار إلى آلة أخرى. وكان مورد أقوالهم. ومصدر جدالهم. ومبنى انتحالهم. وجلّ رأس مالهم قولهم يحتمل أن يكون هذا الشيء من باب المجاز الإسناد أو اللغوي. أو من مجاز المجاز أو الكناية. أو من حمل النظير على النظير. أو النقيض. أو من باب ذكر اللازم وإرادة الملزوم أو بالعكس. أو من قبيل ذكر البعض. وإرادة الكل أو بالعكس أو من نوع أسلوب الحكيم. أو من باب التهكم. أو من طاقة التلميح. أو من كوّة الالتفات. أو من خرق الحشو. أو من خرت الإدماج. أو من خصائص الاكتفاء. أو من شق الاحتباك. أو من سم عكس التشبيه. أو من خلل سوق المعلوم مساق غيره. أو من فتخات التجريد. أومن فرجة الاستطراد. أو من ثقوب التورية. لم يكن من اللائق بهم أن يخلطوا هذه الأوّات وتلك اللوَّات بشيء.
من العرّادات العرّادة شيء أصغر من المنجنيق.
والدبابات الدبابة آلة تتخذ للحروب فتدفع في أصل الحصن فينقبون وهم في جوفها.
الدراجة الدبابة تعمل لحرب الحصار تدخل تحتها الرجال.
المنجنيق. المنجنيق آلة ترمي بها الحجارة كالمنجنوق معربة والمنجليق المنجنيق والنفَّاطات النفّاطة أداة من نحاس يرمي فيها بالنفط.
والخَطّار المنجنيق والذي يطعن بالرمح.
والسبطانات السبطانة قناة جوفاء يرمي بها الطير.
والضبر جلد يغشى خشباً فيها رجال تقرَّب إلى الحصون للقتال.
والقَفْع جُنَّة من خشب يدخل تحته الرجال يمشون به في الحرب إلى الحصون والجُلاهق الذي يرمي به ونحوه البراقيل والبنادق.
والَحسَك أداة للحرب من حديد أو قصب فيلقى حول العسكر تعمل على مثال الحسك المعروف.
والقُرْدُمانّي قباء محشو يتخذ للحرب وسلاح كانت إلا كاسرة تدخرها في خزائنهم والدروع الغليظة.
والتجفاف آلة للحرب يلبسه الفرس والإنسان.
واليَلب التِرَسة أو الدروع من الجلود.
والسَرْد اسم جامع الدروع.
والدَرَق التروس من جلود بلا خشب ولا عقب ونحوه الحجف.
والحرشف الرجالة وما يزيّن به من سلاح.
والعَتَلات العَتَلة العصا الضخمة من حديد لها رأس مفلطح يهدم بها الحائط.
والمِنْسَفات المِنسفة آلة يقلع بها البناء.
والفَلقَ مقطرة السجّان وهي خشبة فيها خروق على قدر سعة الساق والَخنازر الَخنزرة فأس عظيمة يكسّر بها الحجارة.
والعذراء شيء من حديد يعذّب به الإنسان لا قرار بأمر ونحوه.
والمقاطِر المقطرة خشبة فيها خروق على قدر سعة أرجل المحبوسين.
والمراديس المِرداس آلة يدك بها الحائط والأرض.
والدَهَق خشبتان يغمز بهما الساق.
والصاقور الفأس العظيمة.
والمَلاطِس المِلْطس المِعول الغليظ.
والمَقاريص المقراص السكين المعقرب الرأس.
والملاوظ المِلوظ عصا يضرب بها.
والمقامع المِقمعة خشبة يضرب بها الإنسان على رأسه.
والمقافع المقفعة خشبة يضرب بها الأصابع.
والحَدّأة الفأس ذات الرأسين.
والمِنقار حديدة كالفأس.
والمهامِز المِهْمزة المقرعة أو عصا.
والعرافيص العِرْفاص السوط يعاقب به السلطان.
والمخافق المخفقة الدِرّة أو سوط من خشب.
ولا بالرماح الطاعنات والسيوف الباترات والنبال الصاردات والنصال المدميات والمقادع المولمات والمقارع المضنيات والصلب المهلكات والخوازيق النافذات والأغلال المصلصلات والنيران المتأججات والغارات والغزوات والنكايات والكبسات والاستلابات والافتضاضات والاثكالات والعداوات والمشاحنات وآخر الجميع بالركاكات. فكم لعمري من دم سفكوا. وجند أهلكوا. وعرض هتكوا. وحرمة انتهكوا. وذي أهل ربكوا. وعزب همكوا. ونساء أيّموا وأولاد يتموا. وبيوت خرّبوا. وأموال نهبوا. ومصون أذالوا. وحرز نالوا. ومستور فضحوا. وحرام أباحوا. فهل فعل ذلك من قبلهم شَدَنة.
الأنصاب الأنصاب حجارة كانت حول الكعبة تنصب فيهلّ عليها ويذبح لغير الله تعالى.
والكعَبَات الكعبات أو ذو الكعبات بيت كان لربيعة كانوا يطوفون فيه والربّة كعَبة لَمذحِج.
وبُسّ بيت لغطفان بناها ظالم بن أسعد لما رأى قريشاً يطوفون بالكعبة ويسعون بين الصفا والمروة فذرع البيت وأخذ حجراً من الصفا وحجراً من المروة فرجع إلى قومه فبنى بيتاً على قدر البيت ووضع الحجرين فقال هذان الصفا والمروة واجتزأ به عن الحج فأغار زهير بن جناب الكلبي فقتل ظالماً وهدم بناءه. وعَبَدة مَرحَب صنم كان بحضرموت.
والعَبْعَب صنم.
والغَبْغَب صنم.
ويَغُوث صنم كان لمذحج.
والبُجّة والسجّة صنمان.
وسَعْد صنم كان لبني ملكان.
وود صنم ويضم.
وآزر صنم.
وباَجر صنم عبدته الأزدويكسر.
وجِهار صنم كان لهوازِن.
والدوَّار صنم ويضم.
والدارِ صنم سمّي به عبد الدار أبو بطن.
وسُعَير صنم.
والأُقَيْصِر صنم.
وكَثْرَى صنم لجديس وطسم كسره نهشل بن الرئيس ولحق بالنبي صلى الله عليه وسلم فأسلم.
والضمار صنم عبده العباس بن مرداوس ورهطة.
ونَسْر صنم كان لذي الكلاع بأرض حمير.
والشمس صنم قديم.
وعُمْيانِس صنم لِخَولان كانوا يقسمون له من أنعامهم وحروثهم.
والفِلسْ صنم لطيء.
وجُرَيش صنم كان في الجاهلية.
والخلصة صنم كان في بيت يدعى الكعبة اليمانية لخثعم.
وعوْض صنم لبكر بن وائل.
وإِساف صنم وضعه عمر بن لَحيّ على الصفا.
ونائلة صنم آخر وضعه على المروة وكان يذبح عليهما "في قول".
والُمحرَّق صنم لبكر بن وائل.
والشارقِ صنم في الجاهلية.
والبعل صنم كان لقوم الياس عم.
وسواع صنم عبد في زمن نوح عم فدفنه الطوفان فاستشاره إبليس فعبد وصار لهذيل وحُجّ إليه.
والكُسْعة صنم.
والعَوْف صنم.
وذي الكفَّين صنم كان لدوس.
ومناف صنم
ويعوق صنم لقوم نوح أو كان رجلاً من صالحي زمانه فلما مات جزعوا عليه فأتاهم الشيطان في صورة إنسان فقال أمثله لكم في محرابكم حتى كلما صليتم ففعلوا ذلك به وبسبعة من بعده من صالحيهم ثم تمادى بهم الأمر إلى أن اتخذوا تلك الأمثلة أصناماً يعبدونها.
والأشهل صنم ومنه بنو عبد الأشهل لحيّ من العرب وهُبل صنم كان في الكعبة.
وياليل صنم.
والبَعيم صنم والتمثال من الخشب والدمية من الصبغ.
والأسحم والأسحم ونهُمْ صنم لمزينة وبه سموا عبد نهم.
وعائِم صنم.
والضَيْزن صنم.
والمدان صنم.
والجبهة صنم.
واللات صنم لثقيف سمى بالذي كان يلتّ عنده السويق بالسمن ثم خفف وهو في حديث عروة الرَّبة.
وذي الشرى صنم لدَوْس.
والعزَّى صنم أو سَمُرَة عبدتها غطفان أول من أتخذها ظالم بن أسعد فوق ذات عِرْق إلى البستان بتسعة أميال بنى عليها بيتاً وسماه بساً وكانوا يسمعون فيها الصوت فبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلمخالد بن الوليد فهدم البيت وأحرق السمرة.
ومناة صنم.
واِلالاهة الحية والأصنام والهلال والشمس ويثلث كالاليهة.
والطاغوت اللات والعزّى والكاهن والشيطان وكل راس ضلال والأصنام وكل ما عُبد من دون الله.
والزَوْن الصنم وما يتخذ ويعبد- والموضع تجمع فيه الأصنام وتنصب وتزيَّن.
والجِبْت الصنم والكاهن والساحر والسحر والذي لا خير فيه وكل ما عُبد من دون الله تعالى.
أو عبدة الشمس والقمر وزحل والمشتري والمريخ والزهرة وعطارد وفُرْدود والفرقد والذِيْخ والكَتَد والعوائذ والحَضار والأحور والزُبْرة والأظفار والعُذر والمعَرَّة والأعيار والنثرة والجوزاء والبرجيس والتياسين والمَيْسان والسُنَّيق والشَرَطين والفارطين والأثافي والعيوق والعوهقين والصرفة والطرفة والأبيض والضباع والهقمة والهنعة والردف والمغلف والناقة والنسقين والسماكين وشُهَيل والشولة والعوكلين والمِرْزَمين والسلم والبُطَين والقدر والحية والتحايي والخراتين والخِباء وسُهَي والشاة والعَوَّاء وكُوَيّ.
فكان يجب عليهم أن يجمعوا رأيهم على أمر واحد ويقولوا من حيث أن حرفتنا لا تحتاج بحمد الله إلى قياس وعدد كحرفة الطبيعيين والمهندسين والرياضيين. فإنهم أيّان طلب المناقش منهم دليلاً بادروا حالاً إلى البرهان بالمقادير والمساحة والحساب. فانصبوا أنفسهم وأنفس سائليهم. كان حقاً علينا أن ننهج منهاجاً مريحاً يقرّبنا ومُعاملينا إلى الغرض المقصود. وهو أن نيسر أسباب تعلم هذه الحرفة لكل مضطر إليها منهم. فمن شاء بعد ذلك أن يلبس قباء أوجبة مع سراويلات من تحتها أو تبان فليصنعها هو بأي لون أعجبه وبأي شكل راق له. إذ ليس من الرشد أن يعترض الإنسان إنساناً آخر في كيفية لبسه أو في ذوقه ومنامه. لأن أبن آدم من يوم يستهل بالبكاء إلى أن يبلغ أربع عشرة سنة يعيش مستغنياً عنا مفتقر إلى ما رسمنا به عليه. إذ الغريزة تهديه إلى ما يلائمه ويصلح له. إلا ترى أن الطفل إذا خُلي وطبعه لم يلبس الكتان الرفيع في الشتاء وإن كان مطرّزاً. ولا الفرو في القيط وأن كان مزركشاً. وأنه متى جاع طلب الأكل. ومتى نعس نام. وأن طربته بجميع آلات الطرب والأنغام. ومتى ظمئ شرب. ومتى تعب استراح فهو في غنى عنا من أصل الفطرة. حتى أنه يمكنه بحول الله تعالى أن يعيش مائة وعشرين عاماً وشهراً من دون رؤية وجه أحد منا أو مشاهدة تاجه وحلته الفاخرة وخاتمه النفيس وعصاه المفضضة. فلندع الناس إذاً في دعتهم وسلامتهم وشغلهم. ولا نتطفل عليهم ولا نكلفهم ما لا طاقة لهم به. إذ لو شاء الله أن يخرج الطفل إلينا لأوحى إليه أن يسأل أبويه من وقت ترعرعه عن أسمائنا ومقامنا. وعما نحن عليه من المماحكة والجدال، والقيل والقال، والتشاحن والتشاجر، والتناقر والتنافر، والتلاعن والتهاتر، والتدابر والتهاجر، وأحسن من تركه على هذه الحالة ما إذا عنينا بتأديبه وتربيته وتهذيبه وتعليمه صنعة تنفعه في تحصيل معيشته والديه. كالقراءة والخط والحساب والأدب والطب والتصوير. وما إذا نصحنا له أن يسعى في خير أبويه نفسه وخير أبويه ومهارفه وجنسه وكل من صدق عليه أنه إنسان بقطع النظر عن هيئات اللباس وتفاوت الألوان والبلاد. لأن اللبيب الرشيد لا ينظر إلى الإنسان إلا لكونه متصفاً بالإنسانية مثله. ومن أعتبر الأمور الطارئة عليه كالألوان والطعام والزي فإنه يتباعد عن مركز البشرية كثيراً. وإنما يتم حسن صنيعنا هذا كله ما صنعناه حسبة لوجه الله تعالى. غير طالبي الجزاء والهدايا. ولا النذر والعطايا. لأن كثيراً من الأطباء يداوون المعسرين مجاناً. فترى أحدهم يغادر طعامه وفراشه ويذهب إلى مريض محموم أو به جدري أو طاعون احتساباً عند الله. إذ الناس كلهم عيال على الله. وأحبّهم إلى الله أنفعهم لعياله.
هذا ما كان ينبغي أن يقولوه. وهذا ما أقوله أنا. تأمل في خرجي أقبل يطوف البحار والأمصار. ويجول في الجبال والقفار. ويعرّض نفسه ونفس من ينحاز إليه للسب والقذف والعداوة والمشاحنة وما ذلك ألا ليقول للناس أنه أعرف منهم بأحوالهم. وإذا سُئل عن دواء لعين رمدت أو ساق قرحت أو أُدرة انتفخت أو إصبع دميت. أو إذا قيل له ما ترى في من كثرت عياله، وقلّ ماله، وعّظه زمانه، وجار عليه سلطانه، فمني بالجوع، وحرم الهجوع. وأصبح يمشي والناس ينظرون جهوته، ويتجنبون خلطته. ولا يستعملونه ولا يستخدمونه، لما تقرر في عقولهم من أن الفقير لا يحسن عملاً. وقد أصبحت أولاده يبطون ويتضورون وامرأته تشكو وتسترحم ولا راحم لها لكون شبابها قد ذهب في تربية أولادها. أو قيل له هل عندك من مأوى لضيف عرير، ما له من نصير؟ قال ما جئتكم لهذا وإنما قدمت إليكم لأنظر في أنوالكم التي تنسجون عليها بضاعتكم وفي ألوانها التي لا تشاكل ما عندي في الخرج من اللون الناصع، وما أن يهمني النظر فيما فيه راحتكم وإنما الراحة فيما به تعبكم. ولو تعطلت جميع معاملكم لاقتصاركم على لوني الذي أبرزه لكم راموزاً وعنواناً واستوجبتم بذلك لوم التجار والحراث والحكام لم يكن عليّ في ذلك من شيء.
وهذا سوقي يضع إحدى عينيه على فم جاره والأخرى على عينيه. ثم يغلّ يديه ورجليه. ويقول له اليوم يجب عليك أن تتنحس. لأن شيخ السوق أصبح متخماً يشكو وجعاً في معدته وأمعائه وأضراسه وهو نحس. فينبغي أن نجانسه ونمسك معه. لا يحل لك لليوم أن تنظر. لأن الشيخ المشار إليه أضربه طوال السهر البارحة مع ندمائه ونديماته فغدا وبإحدى عينيه الكريمتين رمد أو عمش. لا يحل لك اليوم أن تعمل بيديك. ولا أن تحرك رجليك. ولا أن تسمع بأذنيك. أو تستنشق بمنخريك لأن السوق اليوم لم تقم والبياعات لم تنفق. ثم هو إذا قيل له أفلا تصلح بين زيد وزوجته فقد خاصمته بالأمس بعد أن جاءت من حانوتك العالي وتماسكا بالشعور وحلفت المرأة لتمنينه بحيزبون أو لتشكونه إلى أحد أصحابك الضواطرة الكبار. أو أن عمرا قد حبس منذ يومين لكونه دان بعض الأمراء ولم يمكن له أن يحاكمه ويستوفي منه حقه. ففلّهُ القاضي وأركبه حماراً في الأسواق ووجهه إلى دبه الحمار. أو أن فلاناً قد مرض ولزم فراشه لأنه ناقش بعض خدّام الأمير فنكل به الأمير ضرباً بالعصي على رجليه وصفعا بالنعال على القذال. فغدا لا حراك به وقد ورمت رجلاه وانتفخ قفاه. لم يكن منه إلا قوله ما دام السوق وشيخه سالمين فالدنيا كلها سالمة. والمصالح مستتبة والسوق مرفوعة وقائمة. والبطون ملئى والأفواه لاقمة. والأضراس خاضمة والمعد هاضمة والأيدي غانمة. والأفراح دائمة. والخيرات متراكمة. والرؤساء حارمة. والعناية عاصمة. والقادمات بالبذور متزاحمة. والوقوف شاملة عامة. وثغور الأماني باسمة. والسلامة خاتمة. إلى السوق. إلى السوق. فهو حرز العلوق. وذخر الحقوق. في الصندوق. في الصندوق. فهو أولى من الصبوح والغبوق. وقد طالما والله امتلأ هذا الصندوق ذهباً وجواهر ثم افرغ على تهاتر وترهات ومباحث فارغة وأمور سخيفة. فقد بلغنا أن بعض ضواطرة السوق انفق في مدة ست سنين قضاها بالبحث والجدال على شكل قبعة كذا وكذا بدرة من المال. وتفصيل ذلك أنه نظر نفسه ذات يوم في المرآة وكان قد تعلم مبادئ الهندسة والهيئة. فرأى رأسه مدورّاً كالبطيخة فراق له أن يتخذ قبعة مدورة على هيئة رأسه. لأن المدور يلائم المدور كما تقرر في الأصول. فرآه بعض مزاميله من سوق آخر وكان اعظم منه قدراً ووجاهة وأوفر علماً. فسخر منه وقال له من وسوس إليك يا ابن قبعة، حتى لبست هذه القبعة. مع إن شكل رأسك مخروط. فقال له قد ضللت بل هو أكثر استدارة من رأسك كما يشهد لي بذلك شيخ السوق. قال كذبت بل هو مخروط وأن كنت كثير العنس إليه وإني أهدي من شيخك وأقوم طريقاً. قال كفرت وعميت عن معرفة نفسك فأنى لك أن تعرف غيرك. قال تبدعت بل أنت عمه كمه وقد حمقت وسفهت في عدم قبولك النصح. فاليوم ترى الناس المدور من المخروط. والسارط من المسروط. ثم لجّ بينهما العناد وتقابضا بالازياق والجيوب والإقلاع. ثم بالجمم ثم بالأعراض.