المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية - الساق على الساق في ما هو الفارياق

[الشدياق]

فهرس الكتاب

- ‌تنبيه من المؤلف

- ‌فاتحة الكتاب

- ‌الكتابُ الأوَّل

- ‌إثارة رياح

- ‌انتكاسة حاقية وعمامة واقية

- ‌نوادر مختلفة

- ‌شرور وطنبور

- ‌قسيس وكيس وتحليس وتلحيس

- ‌طعام واِلتهام

- ‌حمار نهاق وسفر وإخفاق

- ‌خان وإخوان وخِوان

- ‌محاورات خانية ومناقشات حانية

- ‌إغضاب شوافن وأنشاب براثن

- ‌الطويل والعريض

- ‌أكلة وأكال

- ‌مقامة

- ‌مقامة في الفصل الثالث عشر

- ‌سرّ الاعتراف

- ‌قصة القسيس

- ‌تمام قصة القسيس

- ‌الثلج

- ‌النحس

- ‌الحس والحركة

- ‌نوح الفارياق وشكواه

- ‌عرض كاتب الحروف

- ‌الفرق بين السوقيين والخرجين

- ‌الكتاب الثاني

- ‌دحرجة جلمود

- ‌سلام وكلام

- ‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية

- ‌منصّة دونها غصّة

- ‌وصف مصر

- ‌في لا شيء

- ‌ في وصف مصر

- ‌في أشعار أنه انتهى من وصف مصر

- ‌فيما أشرت إليه

- ‌طبيب

- ‌إنجاز ما وعدنا به

- ‌أبيات سرية

- ‌مقامة مقعدة

- ‌تفسير ما غمض من ألفاظ هذه المقامة ومعانيها

- ‌في ذلك الموضع بعينه

- ‌القسم الأول في تهبئة الجواهر

- ‌القسم الثاني في عمل الحليّ

- ‌القسم الثالث في عمل الطيب واتخاذ المشموم

- ‌القسم الرابع في عمل الآنية والأدوات والمتاع والفرش

- ‌القسم الخامس في عمل الثياب

- ‌رثاء حمار

- ‌ألوان مختلفة من المرض

- ‌دائرة هذا الكون ومركز هذا الكتاب

- ‌معجزات وكرامات

- ‌الكتاب الثالث

- ‌إضرام أتون

- ‌العشق والزواج

- ‌القصيدتان الطيخيّتان

- ‌الثانية

- ‌الأغاني

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌‌‌غيره

- ‌‌‌غيره

- ‌غيره

- ‌العدوى

- ‌التورية

- ‌سفر وتصحيح غلظ أشتهر

- ‌وليمة وأبازير متنوعة

- ‌الحرتة

- ‌الأحلام

- ‌ الحلم الثاني

- ‌التعبير

- ‌الحلم الثالث

- ‌التعبير

- ‌إصلاح البخر

- ‌سفر ومحاورة

- ‌مقامة مقيمة

- ‌جوع دَيْقوع دهقوع

- ‌السفر من الدير

- ‌النشوة

- ‌الحض على التعري

- ‌بلوعة

- ‌عجائب شتى

- ‌سرقة مطرانية

- ‌الكتاب الرابع

- ‌إطلاق بحر

- ‌وداع

- ‌استرحامات شتى

- ‌شروط الرواية

- ‌فضل النساء

- ‌وصف لندن أولندرة عن الفارياق

- ‌محاورة

- ‌الطباق والتنظير

- ‌سفر معجل وهينوم عقمي رهبل

- ‌الهيئة والأشكال

- ‌سفر وتفسير

- ‌ترجمة ونصيحة

- ‌خواطر فلسفية

- ‌مقامة ممشية

- ‌رثاء ولد

- ‌الحِداد

- ‌جود الإنكليز

- ‌وصف باريس

- ‌شكاة وشكوى

- ‌سرقة مطرانية ووقائع مختلفة

- ‌نبذة مما نظمه الفارياق من القصائد والأبيات

- ‌في باريس على ما سبقت الإشارة إليه

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم الأمير عبد القادر

- ‌بن محيي الدين المشهور بالعلم والجهاد

- ‌القصيدة التي أمتدح بها الجناب المكرم النجيب الحسيب صبحي بيك

- ‌في إسلامبول

- ‌القصيدة القمارية

- ‌الغرفيات

- ‌الفراقيات

- ‌وقال

- ‌وقال في المعنى

- ‌وقال

- ‌ذنب للكتاب

- ‌تم الذنب

الفصل: ‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية

فأما ما جرى لي بعد وصولي فإني نزلت عند خرجي من أصحاب صاحبي الأول. فتبوأت حجرة بالقرب من حجرته. فكنت أسمعه كل ليلة يضرب امرأته بآلة فتبدي الأنين والحنين والرنين والخنين. فكان يهيجني فعله إلى البطش به. وكثيراً ما فكرت في أن أقوم من فراشي لكني خشيت أن يصيبني ما أصاب ذاك الأعجمي المتطبب الذي جاور قوماً من القبط. وإنه ذات ليلة صراخ امرأة من جاراته فظن أن لدغتها عقرب وذلك لكثرة وجود العقارب في بيوت مصر. فقام إلى قنينة دواء تأبطها وأقبل يجري. فلما فتح الباب وجد رجلا على امرأة يعالجها بإصبعه كما هي عادة القوم فلما رأى الطبيب ذلك دهش فوقعت القنينة من يده وانكسرت. وكان هذا الخرجي أبيض اللون أزرق العينين مع صغر واستدارة فيهما دقيق أرنبة الأنف مع عوج في قصبته غليظ الشفتين. وإنما تكلفت لوصفه لك ليبقى نموذجاً عندك تقيس عليه جميع من تراه من الخرجيين وغيرهم. وكان قد أتخذ فوق سطح منزله هرماً صغيراً مرصوفاً من قناني الخمر الفارغة. فكان سطحه أعلى سطوح الجيران. قال ثم عنّ له يوماً أن يكلفني إنشاء خطبة في الخرج في مدح الخرج لكي أتلوها في مخطب صغير كان قد استأجره. فلما فرغت منها عرضتها عليه فذهب بها إلى قيعر قيعار. فقال له ما مرادك أن تصنع بهذه الأحجيَّة الخرجية. فقال يتلوها منشئها على الناس فما رأيك فيها. قال هي حسنة إلا أن عيبها هو أن لا يفهمها أحد إلا أنا وهو. ونحن قد قرأناها فلا موجب لإعادتها. فعدل عن ذلك.

قال وأتفق لي وأنا مقيم عنده إني خرجت في عشية من عشايا الصيف البهيجة أمشي وحدي وبيدي نسخة الدفتر. ولما كان رأسي قد حفل بالأفكار فيما أنا عليه من فرقة الأهل والأحباب وذكر الوطن. والتغرب عنه لغير سبب من أسباب المعاش سوى لخصام سوقي وخرجي على قال وقيل. أوغلت في المشي فانتهيت إلى ظاهر المدينة وكان يتبعني رجل قد رأى نسخة الدفتر فأضمر ليمنينني بداهية. فأقبل إليّ يكلمني ثم عطف بي يمنة ويسره وهو يعللني بالكلام حتى انتهينا إلى مكان خال. فتركني هناك وقال لي أن عليّ أقضي هنا مصلحة. فحاولت الرجوع إلى مقري وإذا بسرب عظيم من الكلاب جرت وهي تنبحني ودنت مني. فهوَّلت عليها بالكتاب فهجمت عليَّ هجمة السوقي على الخرجي. ثم تحاصوا جسمي وثيابي والكتاب فبعضهم عضَّ وبعضهم أدمى وبعضهم جرّ. وبعضهم تهدد في المرة الثانية. فما كدت أتملص من بين أيديهم إلا وثوبي وجلدي ممزق. وقد مزّق الدفتر أيضاً أوراقه وجلده. فلما رجعت إلى منزلي ورآني الخرجي على هذه الحالة لم يكترث بشأني أو أنه لم يرني من فرط اشتغاله بالخرج. وإنما علم أني رجعت خلوا من الدفتر فأعتقد أني أعطيته لأحد. ففرح بذلك جداً ورغب في أن يجعلني عنده في مصلحة خرجية. لكن رأى من الواجب أن يشاور صاحبه فمن ثم كتب إليه في شأني. فأبى ذاك وقال لا بد من تسفيري إلى الجزيرة. لأن النية استقرت على هذا من قبل. وما حسن تغيير النيات. فعزم مضيفي على إجراء ذلك وها أنا منتظر السفينة.

‌انقلاع الفارياق من الإسكندرية

من نحس صاحبنا أنه عند سفره إلى تلك الجزيرة لم تكن خاصية البخار قد عُرفت عند الإفرنج. فكان سفر البحر موكولا إلى الريح إن شاءت هبّت وإن شاءت لم تهب. كما قال الصاحب بن عباد

فإنما هي ريح لست تضبطها

إذ لست أنت سليمان بن داود

ص: 79

فمن ثم ركب الفارياق في سفينة ريحية من هذا النوع وكان في مدة السفر يتعلم بعض ألفاظ من لغة أصحاب السفينة مما يختص بالتحية والسلام. من جملة ذلك دعاء يقولونه عند شرب الخمر على المائدة وهو قولهم طابت صحتك. إلا أن لفظ الصحة عندهم يقرب من لفظ جهنم فكان يقول طابت جهنمك. فكانوا يضحكون منه وهو يسبُّهم بقلبه ويقول. قاتل الله هؤلاء العلوج إنهم يقيمون في بلادنا سنين ولا يحسنون النطق بلغتنا. فيلفظون السين إذا سبقها حركة زايا وحروف الحلق وغيرها محالة ونحن لا نضحك منهم. وقد سمعت أن بعض قسّيسيهم الذين لبثوا في بلادنا سنين رام مرة أن يخطب في القوم فلما صعد المنبر أرتج عليه ساعة إلى أن قال: "أيها الكوم كد فات الوكت الآن ولكني أهتب فيكم نهار الأهد الكابل إن شاء الله". ثم سار إلى بعض معارفه من أهل الدراية والعلم والتمس منه أن يكتب له خطبة يحفظها عن ظهر قلبه أو يتلوها تلاوة. وحشد الناس إليه فلما غصت بهم الكنيسة صعد المنبر فقال (بسم الله الرهمن) ثم كأنه انتبه من غفلته وعرف أن ذلك لا يرضي النصارى وأن الكاتب إنما كتب ذلك على طريقته. فاستدرك كلامه وقال: لا لا ما بديّش أكول مسلماً بيكول الإسلام بسم الله الرهمن الرهيم بل كما تكول النسارى بسم الآب والابن والروه الكدس. يا أولادي المباركين الهادرين هنا لسماء هتبتي. وكبول نسيهتي وموهزتي. أن كنتم هدرتم وكلبكم مشكول بلزات الآلم. أهبرني هتي أكسر من هتابكم فلا يتدجر أهد من تُوله ولا يتألّم. وإلا فهزي فرسة سنهت لي اليوم. أزكر فيها النساء والرجال تزكير من لا يكشي اللوم. وأنزرهم يوم الهشر والهساب. يوم لا ينفع مال ولا أسهاب. ولا سُهال ولا جواب. إيلموا رهمكم الله أن الدنيا زايلة.

ومتامهها باتله. وهالاتها هايله. ومهاليها سافله فكونوا منها على هَزَر. ولا يدلكم ما آجب منها وما سرّ. أسرفوا أنها نزركم ولا تالكوا بها وتركم. أفهسوا فيها كلبكم كبل أن تسندوا روسكم إلى المهدّة. ووازبوا إلى السماوات في الديك والشدة. كدموا للكنايس نزوركم ولو كليله وإستهينوا بالكديسين هال الفتيله. لتنكروا من المهن والمسايب. وتتفسوا من الكرنب والنوايب أهترموا كسيسيكم وأساكفتكم ووكروهم وأكتدوا بهم. وأركبوهم ولا هزُ وهم ترشدوا بسايهم وركسهم ودابهم يا أيَّها النسارى أن ديننا هو ألهك. وواده هو الأسدك. وكبره هو الأكدك وسوكه هو الأنفك. لا تكالتوا هؤلاء الكرجيّين. الزين إندسّوا فيكم مزهين. يتزببون في أدلالكم عن الزرات المستكيم. بما يزهرون لكم من الورا والكُلُك الهليم. إلا أنهم هم الزياب الكاتفة المتردية بلباس الهملان. الجايلون في كل كتُر وسُك ينسبون إلينا الزيك والبهتان. وهم أزيك من سلك تريكا. وأكزب من كش سديكا. وكان رفيكا. إلى أن قال أيها الكاركون في الهتايا. تجنبوا ما يفدي بكم إليها فإن آكبتها إليكم بلايا ورزايا. ألا فأسرموا أزبابها سرماً. وكاوموا أركابها أزما. وأستاسلوا جزروها رهزا. وأكلاوا مكوياتها تنالوا ركزاً. الأزباب الأزباب.

ص: 80

فأكتأوا الأزباب حتى تهلسوا في يوم الهساب. من الكساس والأزاب "أي اقطعوا الأسباب حتى تخلصوا في يوم الحساب من القصاص والعذاب" ومع ذلك فلم يصفه أحد من السامعين بل استمر إلى آخر الخطبة على هذا النمط. إلاّ أن المرأة لبيبة كانت قد تزوجت مذ عهد قريب لما سمعت الفقرة الأخيرة غضبت وقالت: ألا لا بارك الله في يوم رأينا فيه وجوه هؤلاء العجم فقد احتكروا خيراتنا وأرزاقنا. وأفسدوا بلادنا وسابقوا ناسا إلى تحصيل رزقهم من أرضنا. وعلّموا من عرفهم منا البخل والحرص والطيش والسفاهة. وما لعمري حصلوا على هذا الغنى الجزيل إلاّ لجشعهم وشحهم. فقد سمعنا أن الرجل منهم إذا جلس على المائدة مع أولاده يأكل اللحم ويرمي بالعظام إليهم ليتمششوها. ولكونهم حراميين غبيين في البيع غشاشين. وقد بلغني أن إخوانهم في بلادهم أنجس منهم وأفسق. وهذا النجس الآن يغري بعولتنا بارتكاب الفاحشة لتخلوا له الساحة فيفعل ما يشاء. فإني أعلم عين اليقين أن هؤلاء المنابريين إنما بأفواههم ما ليس في قلوبهم. وأنهم ليعلمون الناس الزهد في الدنيا والجبّ وهم أحرص الثقلين عليها وأقرب الخلق إلى البغال. فما جزاؤه الآن إلا قطع لسانه حتى يعرف ألم القطع. لعمري أن الإنسان لا يهون عليه أحياناً أن يقلم أظفاره لكونها منه. ولذلك كانت أخواتنا نساء الإفرنج يربين أظفارهن ويفتخرون بها مع إنها لا يلبث أن تنبت. فكيف يجوز قطع ما يعمّر به الكون "طيب الله أنفاسك يا حديثة عهد بالزواج وعتيقة نقد للاعلاج. ليت النساء كلهن مثلك وليتني الثم شفتيك".

ثم لما خرج القسيس من الكنيسة إذا بالناس جميعاً اهرعوا لتقبيل يده وذيله وشكروه على ما أفادهم من المعاني البديعة بقطع النظر عن غيرها. لما تقرر في عقولهم من أن خواص دين النصارى أن تكون كتبه ركيكة فاسدة ما أمكن. لأن قوة الدين تقتضيه لتحصل المطابقة كما أفاده المطران إثناسيوس التتونجي الحلبي البشكاني الشلاّقي الشولقي الإنقافي النشافي المقسقسي اللطاعي النطاعي المصنوي الحُتفلي الأرشمي الثرتمي القديحي التخممي الأمعي في بعض مؤلفاته المسمى بالحكاكه في الركاكه. قال الفارياق وإذ قد ابتلاني الله بعشرة اللئام فلا بد ليمن مجاملتهم ومخالفتهم إلى أن يمنّ عليّ بالنجاة منهم.

قلت وحيث قد مرّ ما قاله الفارياق في سفرته الأولى فلا موجب الآن لإعادة ذكره شكواه هنا من ألم البحر. وإنما نقول إنه في خلال معاناته ومقاساته حلف لا يركبن بعدها في شيء من مراكب البحر. من الجفاء السفينة الخالية ذكره صاحب القاموس في المهموز.

والمرْزاب السفينة العظيمة أو الطويلة.

والزبزب ضرب من السفن.

والبارجة السفينة الكبيرة للقتال.

والخليج سفينة صغيرة دون العَدَوْلّي.

والطراد السفينة الصغيرة السريعة.

والمُعبّدة السفينة المقيرة.

والغامد السفينة المشحونة كالآمد.

والدسراء السفينة تدسر الماء بصدرها ج دُسُر.

والزرزور المركب الضيق.

والزَنَبريّ الضخم من السفن.

والقرقور السفينة الطويلة أو العظيمة.

والكار سفن منحدرة فيها طعام.

والهرهور ضرب من السفن.

والقادس السفينة العظيمة.

والبوصي ضرب من السفن.

والصلغة السفينة الكبيرة.

والنهبوغ السفينة الطويلة السريعة الجري البحرية ويقال لها الدونيج معرب.

وذات الرفيف سفن كان يعبر عليها وهي أن تنضد سفينتان أو ثلاث للملك.

والشقدف مركب م بالحجاز.

والحراقة ج حراقات سفن مرامي نيران.

والزورق السفينة الصغيرة.

والبراكية ضرب من السفن.

والعدولية سفن منسوبة إلى عدولي بالبحرين أو- والجرم زورق يمني.

والخن السفينة الفارغة.

والشونة المركب المعد للجهاد في البحر.

والتلوي ضرب من السفن صغير ذكره في ت ل و.

والجفاية السفينة الخالية ذكره في ج ف ي.

والخلية السفينة العظيمة أو التي تسير من غير أن يسيرها ملاح أو التي يتبعها زورق صغير.

والشذا ضرب من السفن.

والركوة الزورق الصغير.

والقارب السفينة الصغيرة.

والرمث خشب يضم بعضه إلى بعض ويركب في البحر.

والطوف قرب ينفخ فيها ويشد بعضها إلى بعض كهيئة السطح يركب عليها في الماء ويحمل عليها.

ص: 81

والعامة عيدان مشدودة تركب في البحر ويعبر عليها في النهر ويقال لها أيضا العامة.

وإنه بعد وصوله إلى مرسى الجزيرة اعد له فيه مكان حسن لتطهير أنفاسه به مدة أربعين يوما. إذ قد جرت العادة عندهم بأن من قدم إليهم من البلاد المشرقية وقد استنشق هواها فلا بد وأن ينثره في المرسى قبل دخوله البلد. فأقام فيها يأكل ويشرب مع اثنين من أعيان الإنكليز ممن ركبوا في السفينة. وطاب له العيش معهما قد ساحا في بلدان كثيرة من المشرق وأخذا عن أهلها الكرم. ثم بعد انقضاء المدة جاء الخرجي وأخذه إلى منزله بالمدينة وكان المذكور قد فقد زوجته من يوم نوي تسفير الفارياق إليه. فلزم الحداد والتقشف. ولزمته الكآبة والتأسف. وأن لا يأكل غير لحم الخنزير أعلى الله شأنك عن ذكره. وإنما أمر طباخه بأن يتفنن فيه. فيوما كان يطبخ له رأسه. ويوما رجليه. ويوماً كبده. ويوماً طحاله. حتى يأتي على جميع آرابه ثم يستأنف من الرأس. وأنت خبير بأن نصارى الشام يحاكون المسلمين في كل شيء ما خلا الأمور الدينية. فمن ثم كان لحم الخنزير عندهم منكراً. فلما جلس الفارياق على المائدة وجاء الطباخ بأرب من هذا الحيوان الكريه ظن أن الخرجي يمازحه باراءته إياه شيئاً لم يعرفه. فامتنع أن يأكل منه طعماً في أن ينال من غيره. وإذا بالخرجي قضى فرض الغداء وشرع حالاً في الصلاة والشكر للباري تعالى على ما رزقه. فقال الفارياق في نفسه قد خطأ والله صاحبي. فإنه وضع الشكر في غير موضعه إذ الثناء على الخالق سبحانه لأجل فاحشة أو أكل سحت لا يجوز. وفي اليوم الثاني جاء الطباخ بعضو آخر. فالتقمه وشكر عليه أيضاً. فقال الفارياق للطباخ لم يشكر الله صاحبنا على أكل الخنزير. قال ولم لا وقد أوجب على نفسه أن يشكر له على كل حال وعلى كل شيء كما ورد في بعض كتب الدين. حتى أنه كان يقضي هذا الفرض بعد أن يبيت مع زوجته. قال وهل شكر له على موتها. قال نعم فإنه يعتقد أنها الآنفي حضن إبراهيم. قال أما أنا فلو كان لي امرأة لما أردت أن تكون في حضن أحد. ثم أن دولة الخنزير اعتزت وعظمت. ومصارين الفارياق ضويت وذوت. فكان يقضي النهار كله على الخبز والجبن. ثم بلغه أن خبز المدينة يعجن بالأرجل ولكن بأرجل الرجال لا النساء فجعل يقلل منه ما أمكن. حتى اضَّر به الهزال. وصدئت أضراسه من قلة الاستعمال. فوقع منها اثنان من كل جانب واحد. وهذا أول أنصاف فعله الجوع على وجه الأرض. إذ لو كانا وقعا من جانب واحد لثقل أحد الجانبين وخفّ الآخر فلم تحصل الموازنة في حركات الجسم.

أما المدينة فإن القادم إليها من بلاد الشرق يستحسنها ويستعظمها. والقادم إليها من بلاد الإفرنج يحتقرها ويستصغرها. واعظم ما حمل الفارياق فيها على العجب صنفان صنف القسيسين وصنف النساء. أما القسيسون فلكثرتهم فأنك ترى الأسواق والمنازة غاصة بهم. ولهم على رؤوسهم قبعات مثلثة الزوايا لا تشبه قبعات السوقيين في الشام. وسراويلهم أشبه بالتباين فأنها إلى ركبهم فقط. وسيقانهم مغطاة بجواريب سود. والظاهر أنها عظيمة لأن جميع القسيسين في هذه الجزيرة معلفون سمان. وقد جرت العادة عندهم أيضاً بأن القسيسين وأهل الفضل والكمال من غيرهم يحلقون شواربهم ولحاهم. وإنما يجب على القسيسن خاصة أن يلبسوا سراويلات قصيرة مزنقة حتى يمكن للناظر أن يتبين ما وراءها. فأما النساء فلاختلاف زيهن عن سائر نساء البلاد المشرقية والإفرنجية. ولأن كثيراً منهن لهن شوارب ولحى صغيرة ولا يحلقنها ولا ينتفنها. وقد سمعت إن كثيراً من الإفرنج يحبون النساء المتذكرات. فلعل هذا الخبر الغريب بلغ أيضاً مسامعهن. كيف لا وأهواء الرجال لا تخفى عن النساء. والحسن فيهن قليل جداً. وانتقادهن إلى القسيسين غريب. فإن المرأة منهن تؤثر قسيسها على زوجها وأولادها وأهلها جميعاً. ولا يمكن أن تتخذ طعاماً فاخراً من دون أن تهديه باكورته حتى كل منه أكلت هي.

ص: 82

وقد بلغني أن امرأة سوقية متزوجة أي من حزب شيخ السوق رأت رجلاً جميلاً من الخرجيين فاستخسرته فيهم. وقالت لو دخل هذا الرجل كنائسنا لزادت به بهجة ورونقا. فأرسلت إليه عجوزاُ تدعوه إليها فلبّى الفتى دعوتها. لأن عداوة السوقيين والخرجيين إنما هي مقصورة على الضواضرة والنجشيين والمحترفيين لا مبلغ لها عند الرجال والنساء. ففاضت معه في الحديث إلى أن قالت له كنت تتبع طريقنا فإني أمكنك من نفسي ولا امنع عنك شيئاً. فقال لها الشاب أما الذهاب إلى الكنيسة فأهون ما يكون عليّ لكونه قريبة من منزلي. وأما الاعتقاد فكليني إلى نيتي. فإني آنف من هذا الاعتراف الذي يكلفكم به القسيسون من أهل كنيستكم. وليس من طبعي الكذب والتدليس حتى اعترف للقسيس بالصغائر واكتم عنه الكبائر كما يفعله كثير من السوقيين. أو اذكر له ما لم أفعله وأخفي عنه ما فعلته. فتأوّهت المرأة عند ذلك وأطرقت وهي تفكر وتحرك رأسها. ثم قالت لا بأس أنَّا ليكفينا منك الظاهر كما أفادنيه قسيسي. ثم تعانقا وتعاشقا وجعل يتردد عليها وعلى الكنيسة معاً. حتى أن الزواني في هذه الجزيرة متهوسات في الدين. فإنك تجد في بيت كل واحدة منهن عدة تماثيل وصور لمن يعبدونه من القديسين والقديسات. فإذا دخل إلى إحداهن فاسق ليفجر بها قلبت تلك التماثيل فأدارت وجوهها إلى الحائط لكيلا تنظر ما تفعله فتشهد عليها بالفجور في يوم النشور.

قال ومن خصائص أهل هذه الجزيرة إنهم يبغضون الغريب ويحبون ماله وهو غريب. فإن مال الإنسان عبارة عن حياته ودمه وذاته. حتى أن الإنكليز إذا سألوا عن كمية ما يملكه الإنسان من المال قالوا كم قيمة هذا الرجل. فيقال قيمته مثلاً ألف ذهب. فكيف يتأتَّى لأحد أن يبغض آخر ويحب حياته؟ وإنهم يتجاذبون كل غريب قدم إليهم. فيأخذه واحد منهم بيده اليمنى ليريه النساء. ويمسكه الآخر ليريه الكنائس والدولة لمن غلب. ومن خصائصهم أيضاً إنهم يتكلمون بلغة قذرة طفسة منتنة بحيث إن المتكلم يشم منه رائحة البخر أول ما يفوه. والرجال والنساء. في ذلك سواء. وإذا استنكهت امرأة جميلة وهي ساكتة نشيت منها عرفاً ذكياً. فإذا استنطقتها استحالت إلى بخر. ومنها أنه إذا أصيب إحدى النساء بداء في أحد أعضائها ذهبت إلى الصائغ وأمرته بأن يصوغ لها مثال ذلك العضو من فضة أو ذهب لتهديه للكنيسة. ومن كانت معسرة صاغته من الشمع ونحوه. ومن ذلك إن حلق اللحى والشوارب مندوب وحلق ما سواهما محرم. حتى أن القسيسين يلحّون على النساء في السؤال كثيراً حين يعترفن لهم عن قضيتي النتف والحلق ويحرزونهن من ارتكاب ذلك. ومنها أن لأهل الكنائس عادة أن يخرجوا في أيام معلومة بما في كنائسهم من الدمى والتماثيل على ثقلها وضخمها. يحملونها على أكتاف المتحمسين في الدين فيجرون بها في الشوارع وهم ضاجون. وأغرب من ذلك أنهم يوقدون أمامها الشموع حين يود كل إنسان أن يؤدي إلى كهف في بطن الأرض من شدة توهج الشمس. وغير ذلك كثير مما حمل الفارياق على العجب. لأن أهل بلاده مع كونهم سوقيين ولهم حرص زائد على عداوة الخرجيين لا يفعلون ذلك. وحين ثبت أن الخرجيين هم على هدى إلاّ في أكل الخنزير. وإن السوقيين على ضلال ما عدا استحسان نسائهم لغيسانّي الخرجيين. إلا أنه ليس من طريقة في الدنيا إلا وفيها ما يحمد وما يذم. وإن الإنسان تراه في بعض الأمور عاقلا رشيدا وفي غيرها جاهلا غويا. فسبحان المتصف وحده بالكمال. وإنما ينبغي للناقد المنصف أن ينظر إلى الجانب الأنفع ويقابله بغيره. فإن رأى نفعه أكثر من ضره حكم له بالفضل. لا أن يمني نفسه بأن يجد شيئاً من الأشياء كاملاً. قال الشاعر:

ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها

كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه

ص: 83