الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فلنهنئه بوصوله سالماً آمناً ولنقدم عرض حال للسدة الأميرية. والحضرة الملكية. حضرة بطريرك الطائفة المارونية كائناً ما كان. ثم نعرج قليلاً على السوقيين والخرجيين ونذكر الفرق بينهم.
عرض كاتب الحروف
قد تفلت الفارياق من ناديكم. وانملص من بين أياديكم. وعنجر في وجوهكم جميعاً وأصبح لا يخاف لكم وعيداً وبقي الآن أن أذكركم ما أشططتم به من الظلم والطغيان والجور والعدوان على أخي المرحوم أسعد. إذ أودعتموه السجن في داركم الوزيرية بقنوبين نحو ست سنين. وبعد أن أذقتموه جميع ضروب الذل والهوان والبؤس والضنك في صومعة صغيرة لزمها فلم يكن يخرج منها إلى موضع يبصر فيه النور أو يستنشق الهواء اللذين يمن بهما الخالق على الأبرار والفجار من عباده قضى نحبه وما كان سجنكم له إلا لمخالفته لكم في أشياء لا تقتضي عذاباً ولا عتاباً. وما كان لكم عليه من سلطان ديني ولا مدني. أما الدين فإن المسيح ورسله لم يأمروا بسجن من كان يخالف كلامهم وإنما كانوا يعتزلونهم فقط. ولو كان دين النصارى نشأ على هذه القساوة الوحشية التي اتصفتم بها الآن أنتم رعاة التائهين وهداة الضالين لما آمن به أحد، إذ لا أحد من الناس يصبو إلا إذا كان يرى الدين الذي خرج إليه خيراً من الذي خرج منه. وكل إنسان في الدنيا يعلم أن السجن والتجويع والإذلال والتوعد والتأويق والتشنيع ليس من الخير في شيء. وناهيك أن المسيح ورسله أقرَّوا ذوي السيادة على سيادتهم وأمرتهم. ولم يكن دأبهم إلا الحضَّ على مكارم الأخلاق والأمر بالبر والدعة والسلم والأناة والحلم. فأنها هي المراد من كل دين عرف بين الناس. وأما المدني فلان أخي أسعد لم يأت منكراً ولا ارتكب خيانة في حق جاره أو أميره أو في حق الدولة. ولو فعل ذلك لوجب محاكمته لدى حاكم شرعي. فإساءة البطرك إليه إنما هي إساءة إلى ذات مولانا السلطان. لأننا جميعاً عبيد له مستأمنون في أمانه وحكمه. وكلنا في الحقوق سواء إذ البطرك ليس له حق في أن يخطف من بيتي درهماً واحداً لو شاءه فإني له أن يخطف الأرواح وهب أن أخي جادل في الدين وناظر وقال أنكم على ضلال فليس لكم أن تميتموه بسبب هذا. وإنما كان يجب عليكم أن تنقضوا أدلته وتدحضوا حجته بالكلام أو الكتابة إذا أنزلتموه منزلة عالم تخشون تبعته. وإلا فكان الأولى لكم أن تنفوه من البلاد كما كان هو يطلب ذلك. بل أصررتم على عتوكم في تنكيله وزعمتم إن فراره من داركم مرة لنجاة نفسه كان زيادة في جناية وجريرته فزتم تجبراً عليه وظلماً. وكأني بكم معاشر السفهاء تقولون أن إهلاك نفس واحدة لسلامة نفوس كثيرة محمدة يندب إليها. ولكن لو كان لكم بصيرة ورشد لعلمتم أن الاضطهاد والإجبار على شيء لا يزيد المضطهد وشيعته إلا كلفاً بما اضطهد عليه. ولاسيما إذا علم نفسه إنه على الحق وإن خصمه القاهر له على ضلال. أو أنه متحل بالعلم والفضائل وقرينه عطل عنها فقد فاتكم على هذا العلم الديني والسياسي. وعرضتم عرضكم للقذف والتسويد. وذكركم للمقت والتنفيذ. ما دامت السماء والأرض أرضاً. وإن أخي رحمه الله وأن يكن قد مات فذكره لن يموت. وكلما ذكره ذاكر من أهل الرشد والبصيرة ذكر معه أيضاً سوء فعلكم وأفحاشكم وغلو وجهلكم وشناعتكم وقد لعمري أخرج عنكم بموته من شيعتكم هذه المتوحمة على سفك الدم أكثر مما لو بقي حياً. وحسبك بالخواجه ميخائيل ميشاقه الأكرم وبغيره من ذوي الفضل والبراعة مثالاً. ألم تأخذكم يا غلاط الأعناق رأفة في شبابه وجماله. ألم تتأثر قلوبكم التارزة لصفرة وجهه حين حجبتموه عن النور والهواء. وحين ذوت غضاضة جسمه وبضاضته. وحين لم يبق ترارته غير الجلد والعظم وبخلتم عليه أيضاً أن تطلقوه بهما. ألم تشفقوا عليه إذ رأيتم أنامله قد ضنيت لعوز ما كان يتمتع به حمر ديركم ولقد طالما والله أخذت القلم فخطت ما يعجب به الملوك. ولقد طالما واللًه صعد المنبر فخطب فيكم ارتجالا والعرق يتصبب من جبينه ذاك الصليت. ولا شد ما ابكي سامعيه تذكيرا وتزهيداً. وطالما ألف وعرب لكم كتبا ركيكة وعلم حمقى رهبانكم وأخرجهم من ظلمات الجهل. ألم يغز وجوهكم الصفيقة ما كان يترقرق في وجهه من ماء الحياة فكان أشد خفراً من مخدرة. وإنه كان عزيزا في أهله مكرما عند الأمراء محبباً إلى الخاصة والعامة. نزيه النفس. كريم الخلق فصيح اللهجة. أنيس المحضة أمثله يحبس ست سنين ويذل وينكل ويموت والله يعلم بأي شيء مات. ما بال الكنائس الفرنسوية والنمساوية والإنكليزية والمسكوبية والرومية الأرثوذكسية والرومية الملكية والقبطية واليعقوبية والنصطوية والدرزية
والمتوالية والأنصارية واليهودية لا تفعل هذه الفظاعة والشناعة التي تفعلها الكنيسة الماورنية. أم هي وحدها على الحق والناس أجمعون على الباطل.
ألستم تزعمون أن ملك فرنسا هو مجير الدين وناصره. والناس من أهل مملكته الكاثوليكيين ما زالوا يطبعون كتبا ينددون فيها بعيوب رؤساء كنيستهم وقبائحهم وسفاهتهم وفحشهم وشراهتهم وإلحادهم. بل أن كثيراً بل أن كثيرا منهم قد ألفوا تواريخ خاصة بما كان عليه الباباوات من الفسق والفجور وسوء التصرف. وبكفرهم بخلود النفس والوحي وبإلهية المسيح. فمنهم من قال أن البابا ارمديوس الثامن ويعرف بدوق صفوي رقي إلى درجة بابا وهو عامي. ومنهم من قال أن مجمع ياسيل إنما كان انعقاده لخلع البابا يوجين وإنهم حكموا عليه بالعصيان والارتشاء والشقاق والبدع ونكث اليمين. ومنهم من قال أن البابا نيقولاس الأول كان قد حرم كنتيار مطران كولون لمخالفته له في المجمع الذي عقد في متز سنة 864. فكتب المطران المذكور رسائل إلى جميع كنائسه يقول فيها. إن المولى نيقولاس الذي اتخذ له لقب بابا ويحسب نفسه أنه بابا وسلطان معاً وأن يكن قد حرمنا فقد علونا على سفاهته. ومنهم من قال إن أمبروسيوس حاكم ميلان حصل على درجة مطران مع أنه كان غير صحيح الاعتقاد بدين النصارى. ومنهم من قال أن البابا يوحنا الثامن أرسل نواباً من طرفه إلى القسطنطينية. فعقدوا ثم مجمعا اجتمع فيه أربعمائة أسقف وكلهم حكموا ببراءة فوتيوس وإنه جدير برتبة مطران. ومنهم من قال أن البابا اسطفانوس السادس أمر بأن تنبش جثة فرموسيوس أسقف بورطو من القبر لأنه كان قد أثار شغبا على سلفة البابا يوحنا الثامن ثم حكم عليه حالة كونه ميتا يقطع رأسه وثلاث من أصابعه وألقيت جثته في طيبر. وأن البابا سرجيوس كان قد استوزر ثاودورة أم ماروزيا التي تزوجت بمركيز طوكساني. وأنه أي البابا ماروزيا هذه ولداً رباه عنده داخل قصره من دون محاشاة أحد من أهل رومية. ثم تزوجت ماروزيا بعد ذلك بهون ملك أولس وعلمت على قتل البابا يوحنا العاشر لانه كان يهوى أختها. فخنقته بين فراشين واستبدت بالأمر. ثم احتالت أن ولت ليو هذه الرتبة ثم قتلته في السجن بعد أشهر. ثم ولت من بعده رجلا خامل الذكر فولي بعض سنين ثم عزلته ونصبت يوحنا الحادي عشر وهو ابنها من سرجيوس الثالث وكان قد أتي عليه أربع وعشرون سنة لا غير. وشرطت عليه أن لا يباشر من الأحكام إلا ما كان مختصا برتبة الباباوية. وإنها سمت زوجها ثم تزوجت بسلفها ملك لومباري وفوضت إليه الحكم. فقام أحد ولدها من زوجها الأول وشغب عليها أهل رومية وحبسها وابنها البابا في أنجلو. وإنه ولي بعده اسطفانوس الثامن. غير إنه لما كان بغيضا عند الرومانيين لكونه من جرمانية شوهوا وجهه فلم يقدر بعدها على الظهور بين الناس. ثم انتخب ابن ولد ماروزيا المسمى اكطافيانوس وله من العمر ثماني عشرة سنة وسمي من بعد ذلك يوحنا الثاني عشر. وكان خليعا ماجنا فحاشا مستهترا منهمكا في اللذات وهوى النفس مولعا بركوب الخيل والفروسية. وإنما لم يخل ذلك بأمور الكنيسة لان اكثر الدول والكنائس كان على هذه الحال. وأن أوثو الإمبراطور لما علم أن هذا البابا قد أضمر العصيان وكان أهل إيطاليا قد استدعوا حضوره لإصلاح ما اختل من أحوالهم توجه من بافيا إلى رومية. وبعد أن استتب له الأمر في المدينة عقد مجمعا حضر فيه البابا بنفسه وكثير من أمراء جرمانية ورومية وأربعون أسقفا وسبعة عشر كردينالاً وذلك في كنيسة مار بطرس. وشكى البابا بحضرتهم أجمعين أنه فسق بعدة نساء وخصوصا أيتنت التي ماتت وهي نفساء. وأنه قلد مطرانية طودى لغلام كان سنه عشر سنين لا غير.
وأنه كان يبيع الرتب والدرجات الكنائسية بيعا وسمل عيني أشبينه في المعمودية سملاً. وجبّ أي خصى أحد الكرادلة أو الكردينالات جباً. ثم قتله. وأنه لم يكن يؤمن بالمسيح وغير ذلك مما أوجب على الإمبراطور خلعه ونصب ليو الثامن في مكانه. إلا أنه لم يكد الإمبراطور يخرج من رومية حتى هاج البابا عليه أهل المدينة. وعقد مجمعا خلع فيه ليو الثامن وأمر بقطع يد الكردينال الذي كتب الشكوى عليه. وقطع أيضا لسان الكاتب الذي كان يقيد الحوادث وأنفه واثنتين من أصابعه. ثم قتل البابا يوحنا الثاني عشر وهو معانق لامرأة. وكان القاتل له على ما قيل زوجها. ثم أن القنصل كريستنيوس ابن البابا يوحنا العاشر من ماروزيا جيش أهل رومية على اوثو الثاني وسجن بندكتوس وكان من حزب الإمبراطور فمات في السجن. فلما بلغ ذلك مسامع أوثو وليّ يوحنا الرابع عشر. فقام عليه بونيفاس السابع الذي كان ولي الرئاسة من قبل القنصل وقتله. وبقي القنصل مستقلاً بتدبير الأمور ومباشرة الأحكام إلى أن قام غريغوريوس ابن أخت الإمبراطور وخلع اوثو الثالث. ثم احتال عليه الإمبراطور وضرب عنقه وأمر بأن تعلق جثته من القدمين. وسملت عينا البابا يوحنا الخامس عشر الذي أنتخبه الرومانيون وقطع أنفه ثم رمي به من ذروة قلعة صانت أنجلو. ثم عرضت الرئاسة الباباوية على البيع فاشتراها كل من بندكتوس الثامن ويوحنا التاسع عشر واحداً بعد واحد. وكانا أخوي مركيز طوسكاني ثم اشتريت لولد سنه عشر سنين وهو بندكتوس التاسع. ثم انتخب باباوان آخران وكان أحدهما يكفّر الآخر ويحرمه. ثم اصطلحا على أن يتقاسما دخل الكنيسة فيما بينهما وأن يعيش كل منهما مع سرّيته. ومنهم من قال أن كنيسة رومية أصدرت مرة منشوراً حكمت فيه على بعض ملوك فرنسا بان يطلق امرأته ويباشر دواعي التوبة سبع سنين. وإنه لما شهر المنشور في المملكة سقطت حرمة الملك من عيون الناس فتجنبته الخاصة والعامة حتى لم يبق عنده غير خادمين. ومنهم من قال أن البابا غريغوريوس السابع عقد مجمعاً في رومية على آنري الرابع سلطان جرمانية وقال فيه. قد خلعت آنري عن ولاية النمسا وإيطاليا وأعفيت جميع النصارى من الطاعة له ونقضت عهدهم له. ولست آذن لأحد في أن يخدمه باعتبار إنه ملك ذو سلطان. وأن آنري لما ضاق بذلك ذرعاً اضطر إلى الذهاب إلى رومية. فلما قدم على البابا وجده خاليا بالكنتس ماتيلدة في كانوزا فوقف السلطان يستأذن في الدخول لدى الباب ولم يكن معه أحد يخفره. فلما دخل المقام الأول اعترضه بعض حشم البابا ونزعوا عنه حلته الملكية وألبسوه ثوباً من الشعر. ووقف أيضاً ينتظر الأذن في صحن القصر حافياً وكان ذلك في قلب الشتاء. ثم ألزم أن يصوم ثلاثة أيام قبل تقبيل قدم البابا. فلما انقضت الأيام الثلاثة دخل به إلى مجلس البابا فوعده بالعفو بشرط أن ينتظر ما يحكم به عليه في مجلس اغوسبرغ. إلى أن قال ثم مات البابا المذكور وخلفه رئيس دير سُمَّي اوربانوس الثاني. وكان مثل سلفه في العتو والتجبر. فمن ثم جعل يحرض ابني آنري على قتال أبيهما. وهذه ثاني مرة هاج البابا فيها الأبناء على آبائهم. فقاما عليه وأودعاه السجن ثم فرَّ منهومات في لياج مسكينا ذليلاً. ومنهم من قال أن آنري السادس ولد فريدريك الثاني سار إلى رومية ليتوجه البابا سيلستانوس. ولما كان الإمبراطور متطأطأ لتقبيل قدمه وعلى رأسه تاج الملك رفع البابا رجله ورفس بها التاج عن رأسه فوقع على الأرض وكان سن البابا وقتئذ ستاً وثمانين سنة. ومنهم من قال أن بعض الباباوات وأظنه اينوصنت الثالث حرم الملك لويس وأباه. غير أن مطارين فرنسا نسخوا حكمه وأمروا بإلغائه. وأن البابا اينوصنت الرابع عقد المجمع الثالث عشر الإمبراطور فريدريك الثاني وذلك في سنة 1345 وحكم عليه فيه بكفره وبأنه كان يتسرى بجواري مسلمات. فناضل عن الإمبراطور خطباؤه وحزبه وردَّوا على البابا أنه افتض بنتاً وارتشى غير مرة. ومنهم من قال أن البابا المذكور أغرى طبيب الإمبراطور المشار إليه بأن يدس له السم في طعامه. وأن البابا لوقيوس الثاني ولي مرة حصار رومية بنفسه ومات من رمية حجر على رأسه. وأن البابا إكليمنضوس الخامس عسر كان يجول في فينا وليون لجمع المال ومعه عشيقته. وإن راهباً من الدومينيقيين سم الإمبراطور آنري عن أمر البابا وذلك في القربان