الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنْ تَسَاهُلٍ، وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ إذْ ثَبَتَ مِنْهُ قَطْعًا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَتَرْكُ الْإِنْكَارِ عَلَى الْقَائِلِينَ بِهِ» (1).
أما خِطَّةُ عَلِيٍّ، فإن صح ما روي عنه من أنه كان يستحلف الراوي (2) فلا كلام لنا فيه. وإلا فهو في ذلك كبقية الصحابة، بل لقد نقل عنه صاحب " المحصول " أنه قَبِلَ رواية المقداد بن الأسود في حكم المَذْيِ (3) أي من غير تحليف، على أنه في النص الذي روي عنه لم يستحلف أبا بكر بل قال
…
«وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٌ» ، فلا تكون قاعدته عامة.
والخلاصة أن الثابت الصحيح من عمل أبي بكر وعمر وَعَلِيٍّ عملهم بخبر الراوي الواحد فقط وأنه في الحالات التي اقتضت طلب رَاوٍ آخر أو استحلافه لا يستلزم ذلك أن يكون مذهباً عَامًّا وخطة مقررة، وبهذا التوجيه والتحقيق يلتقي عمل هؤلاء الصحابة الثلاثة الكبار مع عمل الصحابة الآخرين من حيث اكتفاؤهم بِرَاوٍ وَاحِدٍ. وسيأتي نقل الشافعي لذلك في موضعه عند الكلام على حُجِيَّةِ خبر الآحاد.
رِحْلَةُ الصَّحَابَةِ طَلَبًا لِلْحَدِيثِ إِلَى الأَمْصَارِ:
انقضى عصر الشيخين وَالسُنَّةُ محفوظة في صدور الصحابة غير شائعة الانتشار كثيراً، لا في الأقطار، لأن عمر رضي الله عنه منع أكثر الصحابة من مغادرة المدينة إلا لأفراد اقتضت المصلحة خروجهم، ولا في المدينة نفسها لأن سياسته كما رَأَيْتَ كانت تقوم على توفر العناية بالقرآن وتقليل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، منعاً لِلْتَزَيُّدِ فيه واحتراساً من الخطأ والوهم في روايته، فلما كان عهد عثمان سمح للصحابة أن يتفرقوا في الأمصار، واحتاج الناس إلى الصحابة وخاصة
(1)" المستصفى ": 1/ 154.
(2)
كان في الطبعة الأولى بعد هذه العبارة «وَأَنَا أَسْتَغْرِبُ ذَلِكَ» ثم تبين أن هذا القول المنسوب إلى عَلِيٍّ صحيح أخرجه عنه أبو داود والترمذي وابن ماجه. ولذلك ذكره صاحب " ذخائر المواريث "(*) 3/ 146 في مرويات أبي بكر الواردة في الكتب الستة.
(3)
" المحصول " للرازي (مخطوط). [انظر " المحصول " للرازي. دراسة وتحقيق الدكتور طه جابر فياض العلواني، 4/ 373 و6/ 72. الطبعة الثالثة: 1418 هـ - 1997 م، نشر مؤسسة الرسالة].
----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[هو الشيخ عبد الغني النابلسي، الحنفي، الدمشقي، المُتَوَفَّى سَنَة 1143 هـ، وكتابه " ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث "، طبع على نفقة «جمعية النشر والتأليف الأزهرية بمصر»، الطبعة الأولى: سَنَة 1352 هـ - 1934 م، ونشرته دار الحديث بالقاهرة، 4 أجزاء في مجلدين. جمع فيه أطراف " الكتب السُنَّة " و" الموطأ "، على طريقة ترتيب " تحفة الأشراف " لِلْمِزِّي، وكأنه مختصر منه، لكنه امتاز بالتفنن في التصنيف حيث لاحظ التنوع في تراجم أسماء الصحابة، فقسم الكتاب بحسب ذلك إلى سبعة أبواب]. كما صدر في 3 مجلدات عن دار الكتب العلمية. وكنت قد بدأت في إعداده للمكتبة الشاملة.
صغارهم، بعد أن أخذ الكبار يتناقصون يَوْماً بعد يوم، فاجتهد صغار الصحابة بجمع الحديث من كبارهم فكانوا يأخذونه عنهم، كما كان يرحل بعضهم إلى بعض من أجل طلب الحديث.
وأخرج البيهقي وابن عبد البر عن عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ رَحَلَ إِلَى عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الجُهَنِيِّ يَسْأَلُهُ عَنْ حَدِيثٍ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرَهُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَتَى مَنْزِلَ مَسْلَمَةَ بْنِ مَخْلَدٍ الأَنْصَارِيِّ - وَهُوَ أَمِيرُ مِصْرَ - فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَعَانَقَهُ، ثُمَّ قَالَ:" مَا جَاءَ بِكَ يَا أَبَا أَيُّوبَ؟ " فَقَالَ: " حَدِيثٌ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَتْرِ المُؤْمِنِ "، قَالَ: " نَعَمْ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:«مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِي الدُّنْيَا عَلَى كُرْبَتِهِ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ثُمَّ انْصَرَفَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَرَكِبَهَا رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ فَمَا أَدْرَكَتْهُ جَائِزَةُ مَسْلَمَةَ إِلَاّ بَعَرِيشِ مِصْرَ (2).
(1)«غُرْلاً» بضم الغين وسكون الراء جمع «أغرل» وهو الذي لم يُختن، و «بُهْماً» أي ليس معهم شيء كما جاء تفسيرها في الحديث نفسه. انظر " الأدب المفرد " ص 252.
(2)
" جامع بيان العلم ": 1/ 93.
وبذلك ابتدأت رواية الحديث تأخذ في السعة والانتشار، وبدأت الأنظار تتجه بعناية شديدة أكثر من قبل إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحرص التابعون على لقياهم ونقل ما في صدورهم من علم، قبل أن ينتقلوا إلى الرفيق الأعلى، ولقد كانت زيارة الصحابي لمدينة من المدن الإسلامية كافية لأن تجمع أهل المدينة كلها حوله ويشتد الزحام ساعة وصوله وتشير الأصابع أن هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد اشتهر عدد من الصحابة بأنهم أكثر الصحابة رواية عن الرسول عليه الصلاة والسلام إما لقدم صحبتهم له كعبد الله بن مسعود، أو لملازمتهم خدمته كأنس بن مالك، أو لإحاطتهم بأحواله الداخلية كعائشة، أو لعنايتهم بحديثه كعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، وأبي هريرة رغم صغر الأوَلَيْنِ وتأخر إسلام الثالث. والناس في كل هذا يأخذون عن الصحابة لا يشكون ولا يترددون، والصحابة يأخذ بعضهم عن بعض لَا يُكَذِّبُ بعضهم بعضاً وَلَا يَتَحَرَّجُونَ، ولم يكن قد دُسَّ على حديث الرسول أو وُجِدَ الكَذَّابُونَ حتى وقعت الفتنة، فكانت مبدأ تحول في حياة المُسْلِمِينَ الدينية كما كانت بَدْءَ تَحَوُّلٍ في حياتهم السياسية.