الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَدَّ عائشة على أبي هريرة أسنده إلى " شرح مسلّم الثبوت "، وبالرجوع إليه يعلم أن الذي ذكره إنما هو صاحب " المسلّم "، أما الشارح فقد نَبَّهَ إلى خطئه في هذا النقل وأنه لا صحة له عن عائشة، وتلك عبارة الشارح: قال في "التيسير ": «لَمْ يَثْبُتْ هَذَا مِنْهُمَا - أَيُّ مِنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ قَيْنٍ الأَشْجَعِيِِّ وَفِيْ صُحْبَتِهِ خِلَافٌ» انتهى. وعبارة " التيسير " التي أشار إليها الشارح، منقولة عن " التقرير " لابن أمير الحاج وفيه يقول: «على أن ما ذكر عن عائشة وابن عباس قال شيخنا الحافظ: لا وجود له في شيء من كتب الحديث، وإنما الذي قال هذا لأبي هريرة رجل يقال له " قين الأشجعي "، فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ
…
إلخ» فقال له قين الأشجعيّ: كيف نصنع بمهراسكم؟ فقال له أبو هريرة: نعوذ بالله من شَرِّكَ، وقين الأشجعيّ ذكره ابن منده في " الصحابة "، فقال: له ذكر في حديث أبي سلمة عن أبي هريرة (يعني هذا) وتَعَقَّبَهُ أبو نعيم بأنه ليس فيه ما يدل على صحبته، قال شيخنا الحافظ:«» (1). اهـ.
إِذًا تبين لك هذا، علمت أن مؤلف " فجر الإسلام " جَانَبَ الحَقَّ في هذا النقل في موضعين:
1 -
نسبة ما نقله إلى شارح " المُسَلَّّم "، مع أن الذي ذكره، صاحب " المُسَلَّّم " نفسه.
2 -
تغافله عن تنبيه الشارح إلى خطأ المصنف وعن تصحيحه للواقعة، فبأي شيء تفسر عمله هذا أكثر من أن يكون حرصاً منه على إثبات تكذيب الصحابة بعضهم لبعض وإثبات تكذيب الصحابة لأبي هريرة خاصة، مهما تحمل في سبيل ذلك من أخطاء ومجانبة للحق؟ فقاتل الله العصبية والهوى.
2 - عَدَمُ كِتَابَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لِلْحَدِيثِ:
أما أنه لم يكن يكتب الحديث، بل كان يُحَدِّث من ذاكرته (2) فهذا شيء
(1)" التقرير ": 2/ 200.
(2)
ص 268.
لم ينفرد به أبو هريرة، وإنما هو صنيع كل من روى الحديت من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما عدا عبد الله بن عمرو بن العاص، فقد كانت له صحيفة يكتب فيها، وذلك معروف للمطلعين على تاريخ الحديث، ويعترف به المؤلف نفسه إذ يقول (1):«وعلى كل حال، مضى العصر الأول ولم يكن تدوين الحديث شائعاً، إنما كانوا يَرْوُونَهُ شفاهاً وحفظاً، ومن كان يُدَوِّنُ فإنما كان يُدَوِّنُ لنفسه» انتهى.
ويشير بذلك إلى من دَوَّنَ الحديث من التَّابِعِينَ في القرن الأول، أما من الصحابة فلم يكن يُدَوِّنُ الحديث لنفسه في صحيفة خاصة إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فَما وجه تخصيص أبي هريرة بهذا؟ وما الفائدة من ذكره وهو معلوم مشهور؟ ليس لذلك سر إلا أن المولف يريد التشكيك بأحاديث أبي هريرة، فما دام الرجل لم يكتب الحديث وما دام يروي من ذاكرته فقط، وما دامت الذاكرة قد تخطئ وتخون، فنحن في شك من صحة أحاديثه، إلى هذا يرمي مؤلف " فجر الإسلام " حتماً ولولاه لما أغفل عَمْداً ثناء الصحابة عليه في حفظه وصدقه ودينه وزهده وإقرار العلماء له بالتقدم على الصحابة جميعاً في حفظ الحديث وروايته، حتى ليبلغ الآخذون عنه ثمانمائة من أهل العلم، كما قال البخاري.
ولو أنه ذكر ذلك لما تأتى له الطعن في أبي هريرة من هذه الناحية، فالرجل الحافظ الصادق المتثبت في حفظه، المعترف له من أهل العلم بالأمانة والإتقان، لا يضره ألَاّ يُحَدِّث من كتاب، بل من العلماء من يُفَضِّلُ الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من حفظه إذا كان مُتَثَبِّتاً صدوقاً على الأخذ عن الذي يُحَدِّثُ من كتاب غيره، حتى لقد ذهب علماء الأصول إلى أنه إذا تعارض حَدِيثًان: أحدهما مسموع والآخر مكتوب، كان المسموع أولى وأرجح، قال الآمدي في " الإحكام " (2):«وَأَمَّا مَا يَعُودُ إِلَىَ الْمَرْوِيَِّ فَتَرْجِيحَاتٌ: الأَوَّلَ، أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ أَحَدِ الخَبَرَيْنِ عَنْ سَمَاعِ مِنَ الْنَّبِيِِّ صلى الله عليه وسلم، وَالرِّوَايَةُ الأُخْرَى عَنْ كِتَابَةٍ، فَرِوَايَةُ السَّمَاعِ أَوْلَى، لِبُعْدِهَا عَنْ تَطَرُّقِ الْتَّصْحِيْفِ وَالْغَلَطِ» .
(1)[" فجر الإسلام "]: ص 272.
(2)
[" الإحكام للآمدي "]: 4/ 334.