الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما دَلَّ الحديث لجاز له أن يقف ويتساءل ويشك ويرمي القدامى بالتقصير، ولكنه لم يفعل وهيهات أن يفعل.
الحَدِيثُ الرَّابِعُ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ انتََقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ»
.
روى ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَاّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ انتََقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ» فقيل لابن عمر: إن أبا هريرة يزيد في الرواية «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» فقال ابن عمر: «إِنَّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا» . قال صاحب " ضُحَى الإسلام " بعد ذلك: وهذا نقد من ابن عمر لطيف في الباعث النفسي (1). اهـ، يريد أن ابن عمر يَتَّهِمُ أبا هريرة بزيادة «أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ» في لفظ الحديث لأنه كان صاحب زرع فزادها تبريراً لاتخاذه الكلب لزرعه.
حديث أبي هريرة الذي ذكر فيه اتخاذ الكلب للزرع أخرجه " البخاري " في (باب اقتناء الكلب للحرث من كتاب المزارعة) من غير تعرض لابن عمر وحديثه، وأخرج عن سفيان بن زهير ما يؤيد روايته عن أبي هريرة وكذلك أخرجه "الترمذي " في (كتاب الصيد)"، وتعرض لحديث عبد الله بن عمر وعبد الله بن مغفل وغيرهما، وأخرجه "مسلم " في (كتاب المساقاة والمزارعة) وذكر حديث ابن عمر. ثم ساق أحاديث أخرى تثبت أن بعض الرُوَاة رَوَوْا عن ابن عمر هذه الزيادة التي أثبتها أبو هريرة. وأن بعض الصحابة وافق أبا هريرة على روايته تلك الزيادة، وأنه لم ينفرد بها بل رواها غيره مِمَّنْ سمعها من النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد تعرض الشُرَّاحُ لزيادة أبي هريرة ومن وافقه فيها، وَبَيَنُوا مُرَادَ ابن عمر من مقالته تلك في أبي هريرة. قال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (2) بعد أن بَيَّنَ أن مُرَادَ ابن عمر تثبيت رواية أبي هريرة:«وَقَدْ وَافَقَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَلَى ذِكْرِ الزَّرْعِ سُفْيَانُ بْنُ [أَبِي] زُهَيْرٍ كَمَا تَرَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ وَهُوَ عِنْدَ " مُسْلِمٍ "» .
وقال النووي عند قول ابن عمر، «إِنَّ لأَبِي هُرَيْرَةَ زَرْعًا»: «[قَالَ الْعُلَمَاءُ]: " لَيْسَ هَذَا تَوْهِينًا لِرِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا شَكًّا فِيهَا بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ صَاحِبَ زَرْعٍ وَحَرْثٍ
(1)" ضحى الإسلام ": 2/ 131 - 132.
(2)
" فتح الباري ": 5/ 6.
اعْتَنَى بِذَلِكَ وَحَفِظَهُ وَأَتْقَنَهُ، وَالْعَادَةُ أَنَّ الْمُبْتَلَى بِشَئٍ يُتْقِنَهُ مَا لَا يُتْقِنَهُ غَيْرُهُ وَيَتَعَرَّفُ مِنْ أَحْكَامِهِ مَا لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ " مُسْلِمٌ " هَذِهِ الْزِّيَادَةَ وَهِىَ اتِّخَاذُهُ لِلْزَّرْعِ مِنْ رِوَايَةِ بْنِ الْمُغَفَّلِ وَمِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ أَبِيْ زُهَيْرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَهَا أَيْضا " مُسْلِمٌ " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ ابِنْ عُمَرَ لَمَّا سَمِعَهَا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَحَقَّقَهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهَا عَنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَزَادَهَا فِي حَدِيثِهِ الَّذِي كَانَ يَرْوِيهِ بِدُونِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَذَكَّرَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُ سَمِعَهَا مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَوَاهَا وَنَسِيَهَا فِي وَقْتٍ فَتَرَكَهَا وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَيْسَ مُنْفَرِدًا بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بَلْ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي رِوَايَتِهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوِ انْفَرَدَ بِهَا لَكَانَتْ مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً مُكَرَّمَةً» (1). اهـ.
هذا هو الوضع الصحيح للمسالة، ومنه تعلم أنه ليس فيها تكذيب ابن عمر لأبي هريرة في تلك الزيادة، وبيان الباعث النفسي على اختلافها ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يتصور هذا من ابن عمر وهو الذي اعترف بأن أبا هريرة كان أحفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وسيأتي معنا مزيد بيان لمكان أبي هريرة في نفس ابن عمر ونفوس الصحابة جميعاً. أم كيف يذكر الأئمة قول ابن عمر ويخرجونه في صحاحهم لو كان تكذيباً منه لأبي هريرة؟ أمْ كيف يعمل الفقهاء برواية أبي هريرة ويبنون عليها أحكامهم لو كان مُرَادُ ابن عمر تكذيبها وإنكارها؟
الواقع أنه ليس في الأمر شيء من هذا ولكن أمانة صاحب " فجر الإسلام " أبت عليه إلا أن يرى فيما صنع ابن عمر نَقْداً لطيفاً
…
لأبي هريرة
…
وبياناً للباعث له على هذه الزيادة، وتأبى عليه أمانته العلمية أيضاًً إلا أن يرشدنا إلى موضوع هذا النقد من كتب الحديث فيقول في ذيل الصفحة: انظر " النووي على مسلم " وأنت سمعت كلام النووي فهل شممت فيه رائحة التكذيب من ابن عمر لأبي هريرة؟ بل ألم تره يرد على ما قد يخطر بالبال رَدًّا قوياً واضحاً؟ ولك أن تتساءل بعد هذا: أهو لم يفهم عبارة النووي؟ أم فهمها ولكنه آثر رأي
(1)[" شرح النووي على مسلم "]: 6/ 555.