الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المُسْلِمِينَ وبين حاقد عليه يَنَفِّرُ الناس عنه وعن فقهه، ويسيئ الظن به وبأصحابه، فما هو سر ذلك يا ترى؟ ومن هم هؤلاء الطاعنون؟
أَسْبَابُ هَذِهِ الضَجَّةِ:
1 -
إن أبا حنيفة كان أول من توسع في استنباط الفقه من أئمة عصره، وفي تفريع الفروع على الأصول، وافتراض الحوادث التي لم تقع، وقد كان العلماء من قبله يكرهون ذلك، ويرون فيه ضياعاً للوقت ومشغلة للناس فيما لا فائدة فيه، وَقَدْ كَانَ زَيْدٌ بْنُ ثَابِتٍ إِذَا سُئِلَ عَنْ مَسْأَلَةٍ لا يَقُوْلُ:«هَلْ وَقَعَتْ؟» فَإِنْ قَالُوا: لَا، قَالَ:«ذَرُوهَا حَتَّى تَقَعَ» أما أبو حنيفة فكان يرى غير ذلك إذ وظيفة المجتهد تمهيد الفقه للناس والحوادث وإن لم تكن واقعة زمن المجتهد لكنها ستقع، وإليك ما يعبر عن وجهة نظره كما ذكر الخطيب (1).
وقد عُرِفَتْ مدرسة أبي حنيفة بمدرسة (الأَرَأَيْتِيِّينَ) أي: الذين يفترضون الوقائع بقولهم: (أَرَأَيْتَ لَوْ حَصَلَ كَذَا؟ أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا؟) فقد سأل مالكاً رحمه الله بعض تلاميذه يوماً عن حكم مسألة فأجابه، فقال تلميذه:«أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ كَذَا» ؟ فغضب مالك وقال: «هَلْ أَنْتَ مِنَ الأَرَأَيْتِيِّينَ، هَلْ أَنْتَ قَادِمٌ مِنَ العِرَاقِ؟» .
أخرج ابن عبد البر عن مالك قال: «أَدْرَكْتُ أَهْلَ هَذِهِ الْبِلَادِ وَإِنَّهُمْ لَيَكْرَهُونَ هَذَا الإِكْثَارَ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ» ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ:«يُرِيدُ الْمَسَائِلَ» .
(1)" تاريخ بغداد ": 12/ 348.
وَقَالَ مَالِكٌ: «إِنَّمَا كَانَ النَّاسُ يُفْتُونَ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوا، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي فِي النَّاسِ الْيَوْمَ» .
وَأَخْرَجَ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ شِهَابٍ:«أَكَانَ هَذَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟» قَالَ: لَا، قَالَ:«فَدَعْهُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ أَتَى اللَّهُ عز وجل لَهُ بِفَرَجٍ» (1).
وَأَخْرَجَ بِسَنَدِهِ إِلَى الشَّعْبِيِّ، وَكَانَ مِنْ أَئِمَّةِ الحَدِيثِ فِي العِرَاقِ:«وَاللَّهِ لَقَدْ بَغَّضَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ إِلَيَّ الْمَسْجِدَ حَتَّى لَهُوَ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ كُنَاسَةِ دَارِي» قُلْتُ: " مَنْ هُمْ يَا أَبَا عَمْرٍو؟ " قَالَ: «الأَرَأَيْتُونَ» (*)(كَذَا بِالأَصْلِ وَلَعَلَّ صَوَابَهَا الأَرَأَيْتِيُّونَ)، قَالَ:«وَمِنْهُمُ الْحَكَمُ (**) وَحَمَّادٌ وَأَصْحَابُهُمْ» . اهـ. وحماد شيخ أبي حنيفة.
وأخرج عن الشعبي أيضاًً قوله: «مَا [كَلِمَةٌ] أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ: " أَرَأَيْتَ "» (2). وبهذا التوسع الذي سار عليه أبو حنيفة في التفريع والاستنباط حتى بلغت المسائل التي عرفت في فقهه حداً كبيراً جِدًّا أوصلها صاحب " العناية في شرح الهداية " إلى ألف ألف ومائتي ألف وسبعين ألفاً ونيفاً (3)، وهو عدد ضخم، ولو قيل: إنه على سبيل المبالغة فالقدر الثابت على أقل تقدير هو أكثر مِمَّا أثر عن أي إمام آخر. وقد عَبَّرَ بعض الناقمين على أبي حنيفة عن سخطه لكثرة تفريعه بقوله: «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ» (4) (
…
).
2 -
كان أبو حنيفة يَتَشَدَّدُ في قبول الأخبار، ويشترط لذلك شروطاً صعبة، نظراً لانتشار الوضع في الحديث، وكان العراق في عصره مصدر الحركات الفكرية والثورية في العالم الإسلامي، ومن ثم كان مصدراً خصباً للوضع، ومرتعاً سهلاً للوَضَّاعِينَ، مِمَّا دعا أبا حنيفة إلى التثبت والاحتياط، فلم يقبل إلا الأحاديث المشهورة الفاشية في أيدي الثقات، وهو في ذلك يذهب إلى أوسع مِمَّا ذهب
(1)" جامع بيان العلم ": 2/ 143.
(2)
المصدر السابق: 2/ 146.
(3)
" النكت الطريفة " للكوثري: ص 5.
(4)
" جامع بيان العلم ": 2/ 154.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[ورد كذلك (الآرَائِيُّونَ) [انظر " جامع بيان العلم وفضله " لابن عبد البر، تحقيق: أبي الأشبال الزهيري: 2/ 1074 حديث رقم 2089.الطبعة الأولى: 1414 هـ - 1994 م. نشر دار ابن الجوزي. المملكة العربية السعودية].
(**)[هو الحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، - بالمثناة ثم بالموحدة مصغرًا - أبو محمد الكندي الكوفي ثقة ثبت فقيه إلا أنه ربما دلس من الخامسة، مات سَنَةَ 113 أو بعدها، وله نيف وستون /ع. " تقريب التهذيب " لابن حجر، تحقيق الشيخ محمد عوامة: ص 175 ترجمة رقم 1453. طبعة دار الرشيد سوريا - حلب، طبعة ثالثة منقحة: 1411 هـ - 1991 م، و" تهذيب التهذيب ": 1/ 466 بعناية إبراهيم الزيبق وعادل مرشد، مكتب تحقيق التراث في مؤسسة الرسالة، 1416 هـ - 1995 م، نشر مؤسسة الرسالة].
(
…
) [هكذا وردت في " جامع بيان العلم وفضله ": «هُوَ أَعْلَمُ النَّاسِ بِمَا لَمْ يَكُنْ وَأَجْهَلُهُمْ بِمَا قَدْ كَانَ»، 2/ 1073 حديث 2087، والناقم هنا رَقَبَةُ بْنُ مَصْقَلَةَ]، بينما وردت في المطبوع في طبعتي المكتب الإسلامي وطبعة دار الوراق:«هُوَ أَجْهَلُ النَّاسِ بِمَا كَانَ وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا لَمْ يَكُنْ» .
المُحَدِّثُونَ في الاحتياط وَالتَشَدُّدِ، مِمَّا دعاه إلى تضعيف أحاديث هي عندهم صحيحة مقبولة.
3 -
وكان من جهة أخرى يذهب إلى الاحتجاج بالمرسل إذا كان الذي أرسله ثقة، خلافاً لما ذهب إليه جمهور المُحَدِّثِينَ، مِمَّا جعله يستدل بأحاديث هي عندهم ضعيفة لا يُعْمَلُ بِهَا.
4 -
ونتيجة لتضييق أبي حنيفة من دائرة العمل بالحديث في الحدود التي رسمها واطمأن إليها، اضطر إلى القياس وإعمال الرأي، وقد آتاه اللهُ فيه موهبة عجيبة فذة لا مثيل لها، ولا ريب أن استعماله القياس إلى مدى واسع، بَاعَدَ الشُقَّةَ بينه وبين أهل الحديث، كما باعد بينه وبين بعض الفقهاء الذين لايستعملون القياس إلا في نطاق ضيق.
5 -
كان أبو حنيفة دقيق المسلك في الاستنباط دقة عجيبة بعيدة المدى قادراً على تقليب وجوه الرأي في كل مسألة لدرجة تذهل وتدهش.
أخرج ابن أبي العوام بسنده إلى محمد بن الحسن قال: «كَانَ أَبُوْ حَنِيفَةَ قَدْ حُمِلَ إِلَىَ بَغْدَادَ فَاجْتَمَعَ أَصْحَابُهُ وَفِيهِمْ أَبُوْ يُوَسُفَ وَزُفَرَ وَأَسَدٌ بْنِ عَمْرِوٍ وَعَامَّةِ الْفُقَهَاء المُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَحَمَلُوا مَسْأَلَةَ أَيَّدُوهَا بِالحُجَاجَ، وَّتَنَوَّقُوْا فِيْ تَقْدِيمِهَا، وَقَالُوا: نَسْأَلُ أَبَا حَنِيفَةَ أََوَّلَ مَا يَقْدِمُ، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُو حَنِيفَةَ كَانَ أََوَّلَ مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا تِلْكَ الْمَسْالَةِ، فَأَجَابَهُمْ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُمْ، فَصَاحُوا بِهِ مِنْ نَوَاحِي الحَلَقَةُ، يَا أَبَا حَنِيفَةَ بَلْدَتْكَ الْغُرْبَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: «رِفْقًا رِفْقًا مَاذَا تَقُولُونَ؟» قَالُوا: «لَيْسَ هَكَذَا القَوْلُ» . قَالَ: «أبِحُجَّةٍ أَمْ بِغَيْرِ حُجَّةٍ؟» قَالُوا: «بِحُجَّةٍ» قَالَ: «هَاتُوا» ، فَنَاظَرَهُمْ فَغَلَبَهُمْ بِالْحِجَاجِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَى قَوْلِهِ، وَأَذْعَنُوا أَنَّ الخَطَأَ مِنْهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ:«أَعَرَفْتُمْ الآنَ؟» قَالُوا: «نَعَمْ» قَالَ: «فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْصَّوَابُ .. وَأَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ؟» فَقَالُوا: «لَا يَكُونُ ذَاكَ. قَدْ صَحَّ هَذَا الْقَوْلُ» . فَنَاظَرَهُمْ حَتَّى رَدَّهُمُ عَنْ
(1)" النكت الطريفة ": ص 5.
(2)
" جامع بيان العلم ": 2/ 145.
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
[ملاحظة: وضع هذا الهامش بوجه الخطأ في الصفحة 405، وإنما هو هامش صفحة 404].
القَوْلِ. فَقَالُوا: «يَا أَبَا حَنِيفَةَ ظَلَمْتَنَا وَالصَّوَابُ كَانَ مَعَنَا» ، قَالَ:«فَمَا تَقُولُونَ فِيْمَنْ يَزْعُمُ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ خَطَأٌ، وَالأَوَّلُ خَطَأٌ وَالصَّوَابُ قَوْلٌ ثَالِثٌ؟» فَقَالُوا: «هَذَا لَا يَكُونُ» ، قَالَ:«فَاسْتَمِعُوا» ، وَاخْتَرَعَ قَوْلاً ثَالِثًا، وَنَاظَرَهُمُ عَلَيْهِ حَتَّى رَدَّهُمُ إِلَيْهِ فَأَذْعَنُوا، وَقَالُوا:«يَا أَبَا حَنِيْفَةَ عَلِّمْنَا» ، قَالَ:«الصَّوَابُ هُوَ القَوْلُ الأَوَّلُ الذي أَجَبْتُكُمْ بِهِ لِعِلَّةِ كَذَا وَكَذَا. وَهَذِهِ المَسْأَلَةُ لَا تَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الثَلَاثَةِ الأَنْحَاءِ وَلِكُلٍّ مِنْهَا وَجْهٌ فِي الفِقْهِ وَمَذْهَبٌ، وَهَذَا الصَّوَابُ فَخُذُوهُ وَارْفُضُوا مَا سِوَاهُ» . اهـ.
إن من أوتي هذه القدرة العجيبة على تنقيب وجوه الرأي في مسألة واحدة، والقدرة على الدفاع عن كل رأي فيها، هو بلا شك من أدق الناس نظراً وأعمقهم استنباطاً للنصوص، وأقواهم حُجَّةً وبياناً، حتى لا يكون مغالياً فيه مثل الإمام مالك الذي قال عنه:«هَذَا رَجُلٌ لَوْ أَرَادَ أَنْ يُقِيمَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ السَّارِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ لاسْتَطَاعَ» .
فلا بدع إذا كان في استنباطه ما يخالف رأي غيره من العلماء ورأي الجمهور من أهل الحديث الذين كانوا يقفون غالباً عند ظواهر النصوص، ويكرهون تعليلها وَرَدِّ بعضها إلى بعض، خصوصاً وقد كان في غمار المُحَدِّثِينَ عَوَاٌّم يَقُولُ عَنْهُمْ يَحْيَى بْنَ يَمَانٍ:«يَكْتُبُ أَحَدُهُمُ الْحَدِيثَ وَلَا [يَتَفَهَّمُ] وَلَا يَتَدَبَّرُ فَإِذَا سُئِلَ أَحَدُهُمْ عَنْ مَسْأَلَةٍ جَلَسَ كَأَنَّهُ مُكَاتَبٌ» (1) أجل لقد كان منهم أُمِيُّونَ في تفكيرهم وثقافتهم، كثيراً ما أوقعتهم أُمِيَّتُهُمْ في تصحيفات وفتاوى مضحكة، فقد صلى أحدهم الوتر بعد الاستنجاء من غير إحداث وضوء، واستدل على هذا العمل بقوله عليه السلام:«مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ» فهم منه صلاة الوتر، مع أن المراد منه إيتار الجمار عند الاستنقاء، وظل أحدهم لا يحلق رأسه قبل صلاة الجمعة أربعين سَنَةً على ما فهم من حديث نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحِلَقِ قبل الصلاة يوم الجمعة، مع أنه الحِلَق بفتح اللام، والمراد منه النهي عن عَقْدِ الحَلَقَاتِ المُؤَدِّي إِلَى مُضَايَقَةِ النَّاسِ يوم الجمعة في المسجد، وفهم آخر من حديث «نَهَى أَنْ يَسْقِيَ الرَّجُلُ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» المنع من سقي بساتين الجيران، مع أن المراد وَطْءَ الحبالى من السبايا، وسئل أحدهم في مجلس تحديثه عن دجاجة وقعت في بئر فقال للسائل: ألا غطيتها
(1)" جامع بيان العلم ": 2/ 121.
حتى لا يقع فيها شيء، كما سئل بعضهم عن مسألة من الفرائض فكتب في الفتوى: تقسم على فرائض الله سبحانه وتعالى.
لا شك أن مثل هؤلاء - وهم من عَوَامِّ المُحَدِّثِينَ - لا يستسيغون بل لا يفهمون دقة أبي حنيفة في الاستنباط، وغوصه العميق في استخراج الأحكام من النصوص، وَمِنْ ثَمَّ فَهُمْ أسرع الناس إلى إساءة الظن به. وَالصَدِّ عنه، وإشاعة قالة السوء عن تدينه، ورميه بالاستخفاف بالأحاديث.
6 -
لقد كان لأبي حنيفة أقران، وفي عصره علماء، ومن طبيعة التنافس في بني الإنسان أن تضيق صدورهم بمن يمتاز عليهم بفهم، أو يزيد عنهم في شُهْرَةٍ أو يوضع له القبول عند الناس أكثر منهم، تلك طبيعة قَلَّ أن يخلو منها إنسان حتى العلماء إلا من رفع الله نفسه عن الصَغَارِ. وملأ قلبه بالحكمة وأورثه هُدَى النَبِيِّينَ وطمأنينة الصِدِّيقِينَ.
وقد عقد ابن عبد البر في " جامع بيان العلم "، فَصْلاً خَاصًّا لتنافس العلماء وما ينتجه ذلك من أقوال بعضهم. ذكر في أوله قَوْلَ ابْنَ عَبَّاسٍ:«اسْتَمِعُوا عِلْمَ الْعُلَمَاءِ وَلَا تُصَدِّقُوا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمْ أَشَدُّ تَغَايُرًا مِنَ التِّيُوسِ فِي [زُرُوبِهَا]» (1). وتعرض لمُطَرِّفِ مِمَّا رَمَى بِهِ العُلَمَاءُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، من مثل قول مالك في محمد بن إسحاق، وقول يحيى بن معين في الشافعي، وقول حَمَّادٍ في أهل مكة، وقول الزُّهْرِيِّ كذلك في أهل مكة.
ولقد بلغ أبو حنيفة من نباهة الشأن وعلو المرتبة وذيوع الصيت ما جعل بعض أقرانه يتحدثون عنه في المجالس بما لا يصح، وينقلون إلى الخليفة عنه ما لم يقع، حتى لقد قال أبوحنيفة في أحد هؤلاء، وهو عبد الرحمن بن أبي ليلى قاضي الكوفة في عصره:«إِنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَيَسْتَحِلُّ مِنِّي مَا لَا أَسْتَحِلُّهُ مِنْ حَيَوَانٍ» (2).
(1)" جامع بيان العلم ": 2/ 151.
(2)
" مناقب أبي حنيفة " للموفق المكي.