الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - الإِمَامُ البُخَارِيُّ:
194 -
256 هـ:
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه الجُعَفِيِّ مولاهم، إمام المُحَدِّثِينَ وشيخ حفاظ زمانه على الإطلاق، ولد ببخارى يوم الجمعة 13 شوال 194 هـ وبدأ بحفظ الحديث وهو لا يبلغ العشر سنين، ثم دأب عليه ورحل في طلبه حتى طاف أشهر الأمصار الإسلامية التي عرفت بالحديث وكما قال هو نفسه:«دَخَلْتُ الشَّامَ وَمِصْرَ وَالجَزِيْرَةَ مَرَّتَيْنِ، وَإِلَى البَصْرَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَأَقَمْتُ بِالحِجَازِ سِتَّةَ أَعْوَامٍ، وَلَا أُحْصِي كَمْ دَخَلْتُ إِلَى الكُوفَةِ وَبَغْدَادَ مَعَ المُحَدِّثِينَ» وكان لا يسمع بشيخ في الحديث إلا رحل إليه واختبره وسأل عنه وأخذ منه، وكان - آية في الحفظ وقوة الذاكرة والبصر بِعِلَلِ الأسانيد ومتونها، وقصته في بغداد حين امتحنه علماؤها مشهورة تدل على مبلغ حفظه وإمامته في هذا الفن، وقد كافأه الله على صبره وَجَلَدِهِ وَتَحَمُّلِهِ المَشَاقَّ في سبيل السُنَّةِ بإقبال الناس عليه وإشادتهم بذكره وفضله، قال محمود بن الناظر بن سهل الشافعي:«دَخَلْتُ البَصْرَةَ وَالشَّامَ، وَالحِجَازَ وَالكُوفَةَ. وَرَأَيْتُ عُلَمَاءَهَا، كُلَّمَا جَرَى ذِكْرُ مُحَمَّدٍ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ فَضَّلُوهُ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ» ، وكان قد سمع مَرَّةً شيخه إسحاق بن رَاهُوَيْهْ يقول لتلاميذه:«لَوْ جَمَعْتُمْ كِتَابًا مُخْتَصَرًا لِصَحِيحِ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟» قال البخاري: «فَوَقَعَ ذَلِكَ فِي قَلْبِي فَأَخَذْتُ فِي جَمْعِ الجَامِعِ الصَّحِيحِ» وقد أمضى في جمعه وتمحيصه وتأليفه سِتَةَ عَشَرَ عَامًا، وما وضع فيه حَدِيثًا إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين، ثم يستخير الله تعالى في وضعه، ولم يخرج فيه إلا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسند المتصل الذي توفر في رجاله العدالة والضبط وَاللُّقْيَا، ولم يكن اكتفى بإمكان معاصرة التلميذ للشيخ، بل لا بد من ثبوت سماعه منه ولقياه له، وبهذا كان أول كتاب في السُنَّةِ على هذه الشروط الدقيقة، تَجَرَّدَ من الأحاديث الضعيفة والحسنة، واقتصر على الأحاديث الصحيحة
فقط، وقد بَوَّبَهُ البخاري على أبواب العلم والفقه، إلا أنه دقيق النظر جِدًّا بعيد الغور في الاستنباط، فجاءت تراجم أبوابه وموافقة الأحاديث للترجمة غامضة في بعض الأحيان، فقد تطلب حَدِيثًا في باب فلا تجده، بل تجده في باب آخر لا يخطر في بالك، وقد ذكر فيه عرضاً المَوْقُوفَ وَالمُعَلَّقَ وفتاوى الصحابة والتَّابِعِينَ وآراء العلماء، كما جرى على تقطيع الحديث إلى أقسام يذكر في كل باب القسم الذي يناسبه، تبلغ أحاديثه على ما ذكر ابن حجر في " مقدمة فتح الباري "(7397) بِالمُكَرَّرِ سوى المعلقات والمتابعات والموقوفات وبغير المُكَرَّرِ من المتون الموصولة (2602)، ولما أتم تأليفه وتمحيصه عرضه على أحمد وابن معين وابن المديني وغيرهم من أئمة الحديث فاستحسنوه وشهدوا له بالصحة إلا في أربعة أحاديث، وقال العقيلي:«القَوْلُ فِيهَا قَوْلُ البُخَارِيِّ» . ولما أخرجه للناس وأخذ يُحَدِّثُ به، طار في الآفاق أمره، فهرع إليه الناس من كل فَجٍّ يَتَلَقَّوْنَهُ عنه حتى بلغ من أخذه نحو من مائة ألف، وانتشرت نُسَخُهُ في الأمصار، وعكف عليه الناس حِفْظاً ودراسةً وشرحاً وتلخيصاً، وكان فرح أهل العلم به عظيماً. قال الذهبي:«وَأَمَّا " جَامِعُ البُخَارِيِّ الصَّحِيحُ "، فَأَجَلُّ كُتُبِ الإِسْلَامِ وَأَفْضَلُهَا بَعْدَ كِتَابِ اللهِ تَعَالَى. فَلَوْ رَحَلَ الشَّخْصُ لِسَمَاعِهِ مِنْ أَلْفِ فَرْسَخٍ لَمَا ضَاعَتْ رِحْلَتُهُ» .
وقد انتقده الحفاظ في عشرة أحاديث ومائة، منها ما وافقه " مسلم " على تخريجه وهو (32) حَدِيثًا، ومنها ما انفرد بتخريجه وهو (78) حَدِيثًا، قال عنها الحافظ ابن حجر في "المقدمة ":«وَلَيْسَتْ عِلَلُهَا كُلُّهَا قَادِحَةٌ، بَلْ أَكْثَرُهَا الجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ، وَالقَدَحُ فِيهِ مُنْدَفِعٌ، وَبَعْضُهَا الجَوَابُ عَنْهُ مُحْتَمَلٌ وَاليَسِيرُ مِنْهُ فِي الجَوَابِ عَنْهُ تَعَسُّفٌ» ومن راجع هذه الأحاديث التي انتقدت وطالع النقد الذي وُجِّهَ إليها، وجد أن هذا النقد لا يمس جوهر الصحيح، وإنما هو نقد شكلي ناشىء عن شدة حَذَرِ العلماء ويقظتهم كاعتراضهم على حديث بأنه مرسل مع أن صورته صورة المرسل، أما في الواقع فهو موصول معروف الوصل عند المُحَدِّثِينَ. ومثل حديث يرويه بعض الرُوَاةِ مُرْسَلاً وهو من رواية أقرانه متصل، ولكن البخاري يذكر الروايتين معاً لدفع مَا تُوهِمُ الرواية الأولى وإشعاراً بأن هذه العلة غير قادحة.
هذه أمثلة من النقد الذي وجه إلى أحاديث "الصحيح "، وقد بسط القول فيها ابن حجر في " مقدمته ".
أما رجال الصحيح، فقد ضَعَّفَ الحُفَّاظُ منهم نحو الثمانين، ولكن أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وجالسهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فهو - بهم وبأحوالهم - أعرف ولهم أخبر، ومما يدلك على أن هذا النقد - سواء كان للرجال أو للأحاديث - لم يؤثر في قيمته العلمية إجماع العلماء على تلقيه بالقبول، واتفاق جمهورهم أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى، وقد اختلفوا فيما بينهم هل يفيد القطع بصحة ما فيه من الحديث؟ فجزم ابن الصلاح بحصول القطع، وخالفه النووي فقال:«إِنَّهُ لَا يُفِيدُ إِلَاّ الظَّنَّ، وَلَوْ بَلَغَ أَعْلَىَ دَرَجَةٍ فِي الْصِحَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ» ، توفي البخاري رحمه الله سَنَةَ 256 هـ (1).
هذا ولم يعن علماء الإسلام بكتاب - بعد القرآن - كما عنوا بـ " صحيح البخاري " حتى بلغ الذين كتبوا حوله ما بين شرح واختصار وترجمة رجال، عدداً كبيراً جِدًّا (*)، وحسبك أن تعلم أن عدد شروحه فحسب بلغت اثنين وثمانين شرحاً كما ذكر ذلك صاحب " كشف الظنون "، ومن أشهر هذه الشروح الأربعة: شرح الإمام بدر الدين الزركشي (- 794 هـ) واسمه " التنقيح "، وشيخ الإسلام ابن حجر (- 852 هـ) في " فتح الباري "، وهو أجل هذه الشروح وأوفاها وأكثرها شهرة وفائدة. والعلامة العيني الحنفي (- 855 هـ) في " عمدة القاري "، والجلال السيوطي (- 911 هـ) في " التوشيح "
(1) مقتبسة من " مقدمة فتح الباري " وغيرها.
-----------------------
[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*)[انظر: " إتحاف القارئ بمعرفة جهود وأعمال العُلماء على صحيح البخاري "، تأليف عصام عرار الحسيني، الطبعة الأولى: 1407 هـ - 1987 م، اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع - دمشق].