الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النصين ذكر الخوارج بحال. على أنه سيأتي معك أن بعضهم حكم على هذا الحديث بالضعف فقط. وسنرى هناك تمام البحث فيه.
لقد حاولت أن أعثر على دليل علمي يؤيد نسبة الوضع إلى الخوارج، ولكني رأيت الأدلة العلمية على العكس، تنفي عنهم هذه التهمة، فقد كان الخوارج كما ذكرنا يُكَفِّرُونَ مرتكب الكبيرة أو مرتكب الذنوب مطلقاً، والكذب كبيرة فكيف إذا كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يقول المبرد:(1)«وَالخَوَارِجُ فِي جَمِيعِ أَصْنَافِهَا تَبَرَّأُ مِنَ الكَاذِبِ وَمِنْ ذَوِي المَعْصِيَةِ الظَّاهِرَةِ» وكانوا في جمهرتهم عُرَبًا أَقْحَاحًا فلم يكن وسطهم بالوسط الذي يقبل الدسائس من الزنادقة وَالشُعُوبِيِّينَ كما وقع ذلك للرافضة، وكانوا في العبادة على حظ عظيم شجعاناً صرحاءَ لا يجاملون ولا يلجؤون إلى التقية كما يفعل الشِّيعَةُ. وقوم هذه صفاتهم يبعد جِدًّا أن يقع منهم الكذب، ولو كانوا يَسْتَحِلَُونَ الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم لاستحلوا الكذب على من دونه من الخلفاء والأمراء والطغاة كَزِيَادٍ وَالحَجَّاجَ، وكل ما بين أيدينا من النصوص التاريخية يدل دلالة قاطعة على أنهم واجهوا الحكام والخلفاء والأمراء بمنتهى الصراحة والصدق فلماذا يكذبون بعد ذلك؟
على أني أعود فأقول: إن المهم عندنا أن نلمس دليلاً محسوساً يدل على أنهم مِمَّنْ وضعوا الحديث، وهذا ما لم أعثر عليه حتى الآن، كيف وقد قال أبو داود:«لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصَحَّ حَدِيثًا مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول ابن تيمية: «لَيْسَ فِي أَهْلِ الأَهْوَاءِ أَصْدَقَ وَلَا أَعْدَلَ مِنَ الخَوَارِجِ» ويقول عنهم أيضاًً: «لَيْسُوا مِمَّنْ يَتَعَمَّدُونَ الكَذِبَ بَلْ هُمْ مَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ حَتَّىَ يُقَالَ: إِنَّ حَدِيثَهُمْ مِنْ أَصَحِّ الحَدِيثِ» (2).
ثَانِياً - الزَّنْدَقَةُ:
ونعني بها هنا كراهية الإسلام ديناً ودولة، فقد اكتسحت دولة الإسلام
(1)" الكامل في الأدب ": 2/ 106.
(2)
" منهاج السُنَّةِ ": 3/ 31.
عروشاً وإمارات وزعامات كانت قائمة على تضليل الشعوب في عقائدها، وإذلالها في كرامتها، وتسخيرها للأهواء والمغانم الخسيسة، وقذفها في أتون الحرب التي كانت تثيرها رغبات الفتح والتوسع في نفوس الملوك والقواد، ورأى الناس في ظلال الإسلام كرامة للفرد، واحتراماً للعقيدة، وتحريراً للعقل، وقضاء على الأوهام والأضاليل والشعوذة والتدجيل، فأقبلوا عليه يدخلون فيه أفواجاً أفواجاً. لقد كانت قوة الإسلام السياسية والعسكرية غالبة قاضية لم تُبق لدى أولئك الزعماء والأمراء والقواد أملاً ما في استعادة سلطانهم الزائل ومجدهم المنهار، فلم يجدوا أمامهم مجالاً للانتقام من الإسلام إلا إفساد عقائده، وتشويه محاسنه، وتفريق صفوف أتباعه وجنوده. وكان التزيد في السُنَّةِ أوسع ميادين الدَسِّ والإفساد لديهم، فجالوا فيه وصالوا، متسترين بالتشيع أحياناً، وبالزهد والتصوف أحياناً، وبالفلسفة والحكمة أحياناً، وفي كل ذلك إنما يتوخون إدخال الخلل في بناء ذلك الصرح الشامخ الذي أقامه محمد صلى الله عليه وسلم، وقضى الله أن يظل أبد الدهر قائماً سليماً، يعارك الحوادث وترتد معاول الهدامين في أساسه إلى نحورهم خزايا نادمين.
ومن أمثلة ما وضعوه ليفسدوا به الدين، ويشوهوا كرامته لدى العقلاء وَالمُثَقَّفِينَ، ولينحدروا بعقيدة العامة إلى درجة من السخف تثير سخرية الملحدين، مثل هذه الأحاديث المكذوبة الآتية:«يَنْزِلُ رَبُّنَا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ عَلَى جَمَلٍ أَوْرَقٍ يُصَافِحُ الرُّكْبَانَ وَيُعَانِقُ المُشَاةَ» ، «خَلَقَ اللهُ المَلَائِكَةَ مِنْ شَعْرِ ذِرَاعَيْهِ وَصَدْرِهِ» ، «رَأَيْتُ رَبِّي لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ حِجَابٌ فَرَأَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّىَ رَأَيْتُ تَاجًا مُخَوَّصًا مِنَ اللُّؤْلُؤِ» ، «إِنَّ اللهَ اشْتَكَتْ عَيْنَاهُ فَعَادَتْهُ المَلَائِكَةُ» ، «إِنَّ اللهَ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ نَفْسَهُ خَلَقَ الخَيْلَ وَأَجْرَاهَا فَعَرِقَتْ فَخَلَقَ نَفْسَهُ مِنْهَا» ، «إِنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الحُرُوفَ سَجَدَُْ البَاءُ وَوَقَفَتْ الأَلِفُ» ، «النَّظَرُ إِلَى الوَجْهِ الجَمِيلِ عِبَادَةٌ» ، «الْبَاذِنْجَانُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ» .
وهكذا دَسَّ هؤلاء الزنادقة آلَافاً من الأحاديث في العقائد والأخلاق والطب والحلال والحرام، وقد أقر زنديق أمام «المهدي» بأنه وضع مائة حديث تجول