الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الرَّابِعُ: السُنَّةُ مَعَ مُنْكِرِي حُجِيَّتِهَا حَدِيثًا:
وفي عصورنا هذه تَصَدَّى بعض الذين لا إلمام لهم بهذا الفن إلى إنكار حُجِيَّةِ السُنَّةِ، وقد نشرت مجلة " المنار " للمرحوم «السيد رشيد رضا» في العددين /7/ 12 مِنَ السَنَةِ التاسعة مقالين للدكتور «توفيق صدقي» يعلن فيهما هذا الرأي تحت عنوان «الإسلام هو القرآن وحده» وتتلخص شُبَهُهُ فيما يلي:
أَوَلاًً - قول الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (1) وقوله: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} (2) يدل على أن الكتاب قد حوى كل شيء آخر كَالسُنَّةِ، وإلا كان الكتاب مفرطاً فيه، ولما كان تبياناً لكل شيء، فيلزم الخلف في خبره تعالى وهو محال.
ثَانِياً - قول الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3) يدل على أن الله تَكَفَّلَ بحفظ القرآن دُونَ السُنَّةِ، ولو كانت دليلاً وَحُجَّةً كالقرآن لَتَكَفَّلَ بحفظها.
ثَالِثاًً - لَوْ كَانَتْ السُنَّةُ حُجَّةً لأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكِتَابَتِهَا، وَلَعَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ مِنْ بَعْدُ عَلَى جَمْعِهَا وَتَدْوِينِهَا، لما في ذلك من صيانتها من العبث والتبديل والخطأ والنسيان، وفي صيانتها من ذلك وصولها للمسلمين مقطوعاً بصحتها فإن ظَنِّيَّ الثبوت لا يصح الاحتجاج به، وقد قال تعالى:{وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (4) وقال: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَاّ الظَّنَّ} (5) ولا
(1)[سورة الأنعام، الآية: 38].
(2)
[سورة النحل، الآية: 89].
(3)
[سورة الحجر، الآية: 9].
(4)
[سورة الإسراء، الآية: 36].
(5)
[سورة الأنعام، الآية: 148].
يحصل القطع بثبوتها إلا بكتابتها كما هو الشأن في القرآن، ولكن الثابت أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابتها وأمر بِمَحْوِ ما كتب منها، وكذلك فعل الصحابة والتابعون، فقد أخرج الحاكم (1) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَحْرَقَ خَمْسَمِائَةِ حَدِيثٍ كَتَبَهَا، وَقَالَ:«خَشِيتُ أَنْ أَمُوتَ فَيَكُونُ فِيهَا أَحَادِيثَ عَنْ رَجُلٍ أَئْتَمَنْتُهُ وَوَثِقْتُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ كَمَا حَدَّثَنِي فَأَكُونَ قَدْ نَقَلْتُ ذَلِكَ» وكذلك فعل «زيد بن ثابت» إذ دخل على معاوية فسأله معاوية عن حديث فأخبره به، فأمر معاوية إنسانا بكتبه، فقال له «زيد»: إن رسول الله أمرنا ألَاّ نكتب شيئأ من حديثه فمحاه، ولقد عزم «عمر» مَرَّةً أن يكتب السنن، ثم عدل عن ذلك وقال:«إِنِّي كُنْتُ أُرِيدُ أَنْ أَكْتُبَ السُّنَنَ، وَإِنِّي ذَكَرْتُ قَوْمًا كَانُوا قَبْلَكُمْ كَتَبُوا كُتُبًا فَأَكَبُّوا عَلَيْهَا وَتَرَكُوا كِتَابَ اللهِ، وَإِنِّي - وَاللهِ - لَا أَشُوبُ كِتَابَ اللهِ بِشَيْءٍ أَبَدًا» ، وكذلك طلب عَلِيٌّ رضي الله عنه مِمَّنْ كتب شيئاً من الحديث أن يمحوه، وقد محا ابن مسعود صحيفة من الحديث كتبت عنه، وكره كتابة الحديث من التَّابِعِينَ «علقمة» و «عبيدة» و «القاسم بن محمد» و «الشعبي» و «النخعي» و «منصور» و «مغيرة» و «الأعمش» والآثار عنهم مشهورة في كتب العلم، ولم يكتفوا بذلك، بل أثر عن بعضهم النَّهْيَ عن التحديث أو التقليل منه، ولم تُدَوَّنْ السُنَّةُ إلا في عصور متأخرة بعد أن طرأ عليها الخطأ والنسيان، ودخل فيها التحريف والتغيير، وذلك مِمَّا يوجب الشك بها وعدم الاعتماد عليها في أخذ الأحكام.
رَابِعًا - قد وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ما يدل على عَدَمِ حُجِيَّةِ السُنَّةِ من ذلك «إِنَّ الْحَدِيثَ سَيَفْشُو عَنِّي، فَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُوَافِقُ الْقُرْآنَ فَهُوَ عَنِّي، وَمَا أَتَاكُمْ عَنِّي يُخَالِفُ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ مِنِّي» فإذا كان ما روي مِنَ السُنَّةِ قد أثبت حُكْمًا شَرْعِيًّا جَدِيدًا كان ذلك غير موافق للقرآن، وإن لم يثبت حُكْمًا جَدِيدًا كانت لمحض التأكيد وَالحُجَّةُ هو القرآن فقط. ومن ذلك: «إِذَا حُدِّثْتُمْ عَنِّي حَدِيثًا تَعْرِفُونَهُ، وَلَا تُنْكِرُونَهُ، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ، فَصَدِّقُوا بِهِ، فَإِنِّي أَقُولُ مَا يُعْرَفُ، وَلَا يُنْكَرُ، وَإِذَا
(1) ذكر ذلك الذهبي في " تذكرة الحفاظ ": 1/ 5 وأورده بسند الحاكم ثم عَقَّبَ على ذلك بفوله: «فَهَذَا لَا يَصِحُّ» .