الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الأَوَّلُ: مَعْنَى السُنَّةِ وَتَعْرِيفُهَا:
السُنَّةُ في اللغة: الطريقة محمودةً كانت أو مذمومةً، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ» (1) ومن حديث: «لَتَتَّبِعُنَّ سُنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ» (2).
وهي في اصطلاح المُحَدِّثِينَ: ما أُثِرَ عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلْقِيَّة أو خُلُقِيَّة أو سيرة، سواء كان قبل البعثة أو بعدها (3)، وهي بهذا ترادف الحديث عند بعضهم.
وفي اصطلاح الأصوليين: ما نقل عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير.
فمثال القول: ما تَحَدَّثَ به النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في مختلف المناسبات مِمَّا يتعلق بتشريع الأحكام كقوله عليه الصلاة والسلام: «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» (4). وقوله: «البَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (5).
ومثال الفعل: ما نقله الصحابة من أفعال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في شؤون العبادة وغيرها، كأداء الصلوات، ومناسك الحج، وآداب الصيام، وقضائه بالشاهد واليمين.
(1) أخرجه " مسلم " عن جرير بن عبد الله البَجَلي.
(2)
أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن أبي سعيد الخدري.
(3)
" قواعد التحديث ": ص 35 - 38 و" توجيه النظر ": ص 2.
(4)
أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن عمر.
(5)
أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن ابن عمر.
ومثال التقرير: ما أَقَرَّهُ الرسول صلى الله عليه وسلم من أفعال صدرت عن بعض أصحابه بسكوت منه مع دلالة الرضى، أو بإظهار استحسان وتأييد.
فمن الأول، إقراره عليه الصلاة والسلام لاجتهاد الصحابة في أمر صلاة العصر في غزوة بني قريظة حين قال لهم:«لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدَكُمْ العَصْرَ إِلَاّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» (1) فقد فهم بعضهم هذا النهي على حقيقته فَأَخَّرَهَا إلى ما بعد المغرب، وفهمه بعضهم على أن المقصود حث الصحابة على الإسراع فصلاها في وقتها، وبلغ النَّبِيَّ ما فعل الفريقان فَأَقَرَّهُمَا ولم ينكر عليهما.
ومن الثاني: ما روي أن خالد بن الوليد رضي الله عنه أَكَلَ ضَبًّا قُدِّمَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دُونَ أَنْ يَأْكُلَهُ، فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: أَوَ يَحْرُمُ أَكْلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «لَا وَلَكِنَّهُ لَيْسَ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» (2).
وقد تطلق السُنَّةُ عندهم على ما دَلَّ عليه دليل شرعي، سواء كان ذلك في الكتاب العزيز، أو عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أو اجتهد فيه الصحابة، كجمع المصحف وحمل الناس على القراءة بحرف واحد، وتدوين الدواوين، ويقابل ذلك «البدعة» ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:«عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي» (3).
وفي اصطلاح الفقهاء: ما ثبت عَنْ النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم من غير افتراض ولا وجوب، وتقابل الواجب وغيره من الأحكام الخمسة، وقد تطلق عندهم على ما يقابل البدعة، ومنه قولهم:«طَلَاقُ السُنَّةِ كَذَا، وَطَلَاقُ البِدْعَةِ كَذَا» (4).
وَمَرَدُّ هذا الاختلاف في الاصطلاح إلى اختلافهم في الأغراض التي يعني بها كل فئة من أهل العلم.
(1) أخرجه " البخاري " و" مسلم " عن ابن عمر.
(2)
" البخاري " و" مسلم " عن ابن عباس.
(3)
" الموافقات " للشاطبي: 4/ 6، والحديث أخرجه " أبو داود " و" الترمذي "، عن العرباض بن سارية، وقال: حسن صحيح.
(4)
" إرشاد الفحول " للشوكاني: ص 31.