الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ السَّابِعُ: السُنَّةُ مَعَ بَعْضِ الكَاتِبِينَ حَدِيثًا:
قدمنا لك شُبْهَةَ بعض الطوائف الإسلامية عَلَى السُنَّةِ وَشُبْهَةِ أحد المعاصرين عَلَى السُنَّةِ وإنكاره لحجيتها، وهذا لون آخر من ألوان الهجوم عَلَى السُنَّةِ يقوم به فريق من المُسْلِمِينَ الذين تتلمذوا على المُسْتَشْرِقِينَ، وهو هجوم لا يبدو واضحاً سافراً، كما بدت آراء المُسْتَشْرِقِينَ من قبل، بل مُقَنَّعاً بستار العلم والبحث، مُتَجَنِّباً المصارحة، مفضلا المواربة والمخاتمة، حتى لا يثير صاحبه عليه ثائرة الجمهور وسترى أن هذا اللون أخبث أثراً، وأسوأ نتيجة وأقوى سلاحا والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
من أبرز الكُتَّابِ المُعَاصِرِينَ الذين سلكوا هذا السبيل (المرِحوم) أحمد أمين خِرِّيجُ القضاء الشرعي وعميد كلية الآداب سابقاً مؤلف كتاب " فجر الإسلام " و" ضُحَاهُ "، و" ظُهْرُهُ " وقد تحدث في:" فجر الإسلام " عن «الحديث» فَمَزج السُمَّ بالدسم، وخلط الحق بالباطل، وها أنا أذكر هنا خلاصة ما رأيت فيه تحريفاً للحقائق الإسلامية، انحرافاً عن جادة الصواب وتحاملاً على فريق من كبار الصحابة والتَّابِعِينَ.
خُلَاصَةُ فَصْلِ «الحَدِيثِ» فِي " فَجْرُ الإِسْلَامِ
":
أفرد الأستاذ أحمد أمين في كتابه " فجر الإسلام " فصلاً خَاصًّاً بالحديث استغرق نحواً من عشرين صحيفة، حاول فيه أن يؤَرِّخَ السُنَّةَ وتدوينها، فَبَيَّنَ معنى السُنَّة وقيمتها في الشرع، ثم ذكر أن الحديث لم يُدَوِّنُ في عهد الرِسول صلى الله عليه وسلم، بل كان بعض الصحابة يكتبون لأنفسهم فقط، وأن الصحابة كانوا فريقين بعد وفاة الرسول، فمنهم من كان يكره التحديث عنه بكثرة، وكان يطلب من الراوي دليلاً على صحة ما يروي، ومنهم من كان يكثر في الرواية، ونشأ عن
عدم تدوين الحديث في كتاب خاص، واكتفائهم بالاعتماد على الذاكرة، كثرة الوضع والكذب على الرسول، واستظهر أن الكذب عليه بدأ في عهده قبل وفاته، وأشار إلى أن دخول الشعوب في الإسلام كان له أثر كبير في الوضع الذي بلغ من الكثرة أن اختار الإمام البخاري " صحيحه " من ستمائة ألف حديث كانت شائعة في عصره، ثم ذكر أهم الأمور الي حملت على الوضع - وقد تعرضنا لها في بحوثنا السابقة - وذكر منها تغالي الناس في إعراضهم عن العلم إلا ما اتصل بالكتاب وَالسُنَّةُ اتصالاً وثيقاً، وانتهى من ذلك إلى بيان جهود العلماء في مكافحة الوضع، وذكر ما يؤخذ عليهم من أنهم لم يعنوا بنقد المتن عُشْرَ ما عنوا بنقد السند، ثم تكلم عن أكثر الصحابة حَدِيثًا فذكر أبا هريرة، وقال عنه: إنه لم يكن يكتب، بل كان يُحَدِّث من ذاكرته، وأنه كان يُحَدِّث بما لم يسمعه هو مباشرة من النَّبِيّ- عليه الصلاة والسلام وإن بعض الصحابة شَكُّوا في حديثه وبالغوا في نقده، ثم ختم هذا الفصل بالأدوار التاريخية الي مَرَّ بها تدوين السُنَّة حتى عصر البخاري ومسلم وغيرهما من أصحاب " الكتب الستة ".
تلك هي خلاصة فصل الحديث من صحيفة 255 إلى 274 وأريد أن أُنَبِّهَ قبل الانتقال إلى نقده تفصيلياً إلى أن رأي المرحوم الأستاذ أحمد أمين في السُنَّة معروف، فقد نشر أحد الملاحدة المُسْلِمِينَ في مصر (إسماعيل أدهم) رسالة في عام 1353 هـ عن تاريخ السُنَّة، أعلن فيها أن هذه الثروة الغالية من الحديث الموجودة بين أيدينا، والتي تضمنتها كتب الصحاح، ليست ثابتة الأصول والدعائم، بل هي مشكوك فيها ويغلب عليها صفة الوضع، وقد قوبلت هذه الرسالة بنقمة الأوساط الإسلامية. حتى اضطرت الحكومة المصرية بناء على طلب مشيخة الأزهر إلى مصادرة الرسالة من الأيدي، وقد اضطر إلى أن يدافع عن نفسه في كتاب أرسله إلى إحدى المجلات الإسلامية (1) زعم فيه أن ما ذهب إليه من الشك في صحة السُنَّة لم ينفرد به، بل قد وافقه عليه جماعة من كبار الأدباء والعلماء، وذكر منهم الأستاذ أحمد أمين بكتاب أرسله إليه، وانتظرنا أن يُكَذِّبَ الأستاذ هذا الزعم فلم يفعل، بل كتب في
(1)" مجلة الفتح ": عدد 494، ص 12.