الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَافَقَهُ فَهُوَ ِمنِّي، قُلْتُهُ أَوْ لَمْ أَقُلْهُ "، هذا هو المبدأ الذي حدث بعد قليل عند انتشارالوضع».
افترى المستشرق هنا على علماء الإسلام في موضعين:
الأول: زعمه بأن الاعتراف بصحة الحديث شكلي فقط، وأنه يوجد بين الأحاديث الجيدة الإسناد كثير من الأحاديث الموضوعة، وهذا افتراء منه عليهم وَهُمْ لم يقولوا بذلك قطعاً، وكيف يعترفون بأن هنالك كثيراً من الأحاديث الموضوعة هي جيدة الإسناد؟ وإنما الذي قاله العلماء حين بحثوا مسالة العمل بخبر الواحد: هل يفيد القطع أو الظن؟ فذهب بعضهم إلى أنه يفيد القطع وذهب الجمهور إلى أنه يفيد الظن لأنه وإن كان صحيحاً بحسب الشروط والقواعد العامة، إلا أنه يحتمل ألَاّ يكون صحيحاً (في الواقع) وهذا منهم مجرد احتمال عقلي دعاهم إليه الاحتياط في دين الله والتثبت في الأحكام، فأين هذا مِمَّا ينقله عنهم هذا المستشرق ....
الثاني: زعمه أن المبدأ الذي حدث بعد قليل هو حديث «سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ عَنِّي
…
الخ» وهذا افتراء محض، إذ أن هذا الحديث نقده الأئمة وحكموا بوضعه، وقد قدمنا شيئاً من ذلك عند الكلام على حُجِيَّةِ الأخبار، وقدمنا ما قاله الشافعي.
[الثالث]: زعمه أن المبدأ الذي حدث بعد قليل هو حديث «سَيَكْثُرُ التَحْدِيثُ
…
» الذي حكموا بوضعه هو القاعدة التي ساروا عليها والمبدأ الذي قالوا به؟
…
12 - نَقْدُ ابْنِ عُمَرَ لأَبِي هُرَيْرَةَ:
واستدل لما ذكره «جولدتسيهر» عن العلماء سابقاً بما روي من نقد ابن عمر لأبي هريرة في حديث [«أَوْ كَلْبَ زَرْعٍ»] وقد أشبعنا هذا الحديث بحثاً عند نقاشنا للأستاذ «أحمد أمين» الذي اهتدى بملاحظة المستشرق، فأثارها هنا على أنها ملاحظه منه، ومرحى مرحى للعلم والعلماء!.
13 - الصُّحُفُ المَكْتُوبَةَ:
وختم المستشرق بحثه بأن العلماء لم يكتفوا بالروايات الشفهية لإثبات قواعدهم الفقهية، بل اخترعوا الصحف المكتوبة التي زعموا أنها تُبَيِّنُ إرادة الرسول وعنى بذلك مسألة، «تعريف الصدقة» وتعرض للروايات التي تنص على وجود
صحف متعددة تحتوي على نظام مفصل للدفع، ثم مثل لسهولة قبول الناس بهذا النوع من الوثائق، بالحلف المكتوب الذي أعلن حين النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب، ويرجع تاريخه إلى عصر تُبَّعْ بْنِ مَعْدِ يَكْرَبْ، فصدقه الناس رغم قدمه فكيف لا يصدقون ما هو أحدث منه .. ؟
هذا ولا شك تهجم آخر على المُسْلِمِينَ وعلمائهم لا سند له من التاريخ، فإن هذه النصوص المكتوبة التي ظهرت في القرن الأول أو الثاني لم يتقبلها العلماء كما زعم «جولدتسيهر» من غير أن يبحثوا عن صحتها، بل نقدوها وَأَجْرَوْهَا على قواعدهم الدقيقة التي ذكرناها من قبل، ولذلك حكموا بالوضع على مثل نسخ ابن هدبة ودينار وأبي الدنيا الأشج وغيرهم.
أما الكتب التي تفصل شؤون الزكاة وأنصبتها في الإبل والبقر والغنم، فقد كان لها من عنايتهم ونقدهم النصيب الأوفى، وقد أجمع العلماء على صحة كتاب أبي بكر إلى أنس وَخَرَّجَهُ البخاري والنسائي وأبو داود والدارقطني والشافعي والحاكم والبيهقي، واختلفوا في غيره من الكتب بين تصحيح وتحسين ومنها ما جاء مُرْسَلاً، ومنها ما جاء منقطعاً، وأيا ما كان فإن بحوثهم - لمن أراد أن يرجع إليها في مظانها - تدل دلالة قاطعة على أنهم لم يتلقوها بالقبول بدون نقد، وعلى أنهم لم يعتمدوا فقط على مجرد النص المكتوب، بل رَوَوْا محتوياته، بالطرق المعتادة، مشافهة راوياً عن رَاوٍ وهكذا، فكان اعتمادهم عليها من ناحيتين، النص المكتوب والرواية الشفوية المتصلة، وأياً ما كان فما علاقة هذا بالوضع في الحديث؟ وهل يتخذ من وجود نص قديم مكتوب منذ عهد الرسول دليلاً على أنهم كانوا يخترعون الكتب حين تعوزهم الروايات! وهل يعجز الذين وضعوا الحديث في مختلف نواحيه أن يضعوا بضعة أحاديث تفصل مقدار الزكاة دُونَ أن يلجؤوا إلى اختراع نص مكتوب؟ ومتى كان الاختلاف في صحة نص في مسألة وردت فيها عدة نصوص، دليلاً على أن كل ما ورد موضوع لا أساس له؟؟
أما قضية النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب، وتصديقهم نصاً مكتوباً
من عصر تُبَّعٍ، فهذا من أغرب الأمور في هذا الموطن، إن الناس يتساهلون في كل شيء وقد يصدقون كل شيء، إلا أن يكون متصلاً برسول الله منسوبًا إليه، فهنا تنفتح العيون، وهنا يقوم البحث والاستقصاء، لأن هذا دين، وما كان لأحد أن يقبل دين الله بالوهم والظن والهوى، ثم إن الذين قبلوا النص المكتوب في النزاع بين عرب الشمال وعرب الجنوب لم يكونوا من علماء الحديث، فما صلة هذا الموضوع؟
الحق أن هذا المستشرق من أقل الناس حياءً في مجال العلم، فهو كما رأيت يخترع الأكذوبة ويتخيَّلها، ويركب لها في نفسه هيكلاً، ثم يلتقط من هنا وهناك ما يوهم أنه يؤيده فيما ادَّعَى ولا يبالي أن يكذب في النصوص أو يغالط في الفهم، أو يستدل بما ليس بدليل وَيُعْرِضُ عما يكون دليلاً قاطعًا، ولكن ضد فكرته، وليس أدل على تَحَيُّزِهِ وَبُعْدِهِ عن الإنصاف، وتعصبه لآرائه من أن يرفض نصوصًا قاطعة أجمع على صحتها أهل العلم، بنصوص ملفقة من كتاب كـ " [حياة] الحيوان " للدميري، أو كتاب " ألف ليلة وليلة " أو " العقد الفريد "، أو " الأغاني " أو غيرها من كتب الأدب التي تجمع ما هَبَّ وَدَبَّ، وما صح وما لم يصح، فهذا شأن قوم يزعمون التجرد للعلم؟ وهل هؤلاء هم الذين اتخذهم أمثال أحمد أمين أئمة يهتدون بهديهم في تكذيب الصحابة وتجريح التابعين والتهجم على علمائنا في مجال النقد والتمحيص؟
سبحانك تهدي من تشاء وتضل من تشاء {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} (1).
(1)[سورة الأنعام، الآية: 125].