الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد استخلص من ذلك بعض الباحثين أن الالتزام الخلقي الناتج عن الإيمان تكون له دومًا مصادره أو روافده التي تزكيه وتزيد من عمقه وثباته، سواء في مجال الإقدام على الخير أو في مجال الابتعاد عن الشر، وكلاهما لازمٌ للآخر حسب ما تقضي بذلك طبيعة الإيمان. هذه هي علاقة الأخلاق بالعقيدة.
علاقة الأخلاق بالعبادة
أما علاقة الأخلاق بالعبادة؛ فقد بيّنها الشيخ محمد الغزالي رحمه الله حيث قال في مقدمة كتابه (خلق المسلم): لقد حدَّد رسول الإسلام الغاية الأولى من بعثته والمنهاج المبين في دعوته بقوله: ((إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق))، فكأن الرسالة التي خطَّت مجراها في تاريخ الحياة وبذل صاحبها جهدًا كبيرًا في مدِّ شعاعها وجمع الناس حولها، كأن هذه الرسالة لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم حتى يسعوا إليها على بصيرة. والعبادات التي شُرعت واعتبرت أركانًا في الإيمان به ليست طقوسًا مبهمة من النوع الذي يربط الإنسان بالغيوب المجهولة، ويكلفه بأداء أعمال غامضة وحركات لا معنى لها، كلا كلا، فالفرائض الذي ألزم بها كل منتسب إليه هي تمارين متكررة لتعويد المرء أن يحيا بأخلاق صحيحة وأن يظلَّ مستمسك بهذه الأخلاق مهما تغيَّرت أمامه الظروف، إنها أشبه بالتمارين الرياضية التي يُقبل الإنسان عليها بشغف ملتمسًا من المداومة عليها عافية البدن وسلامة الحياة.
والقرآن الكريم والسنة المطهرة يكشفان بوضوح عن هذه الحقائق؛ فالصلاة الواجبة عندما أمر الله تعالى بها أبان الحكمة من إقامتها فقال: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} (العنكبوت: 45)، فالإبعاد عن
الرذائل والتطهير من سوء القول وسوء العمل هو حقيقة الصلاة، والزكاة المفروضة ليست ضريبة تُؤخذ من الجيوب بل هي غرس لمشاعر الحنان والرأفة وتوطيدٌ لعلاقات التعارف والألفة بين شتَّى الطبقات، وقد نص القرآن الكريم على الغاية من إخراج الزكاة بقول الله سبحانه:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} (التوبة: 103)، فتنظيف النفس من أدران النقص والتسامي بالمجتمع إلى مستوى أنبل هو الحكمة الأولى، ومن أجل ذلك وسَّع النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة كلمة الصدقة التي ينبغي أن يبذلها المسلم فقال صلى الله عليه وسلم:((تبسّمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلالة لك صدقة، وإماطة الأذى والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة)).
وهذه التعاليم في البيئة الصحراوية التي عاشت دهورًا على التخاصم تُشير إلى الأهداف التي رسمها ا، لله وقاد العرب في الجاهلية المظلمة إليها. وكذلك شرع الإسلام الصوم، فلم ينظر إليه على أنه حرمان مؤقت من بعض الأطعمة والأشربة، بل اعتبره خطوة إلى حرمان النفس دائمًا من شهواتها المحظورة ونزواتها المنكورة، وإقرارًا لهذا المعنى قال الرسول صلى الله عليه وسلم:((من لم يدعُ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه))، والقرآن الكريم يذكّر بثمرة الصوم فيقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (البقرة: 183)، وقد يحسب الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة التي كُلف به المستطيع واعتبر من فرائض الإسلام على بعض أتباعه قد يحسب الإنسان هذا السفر رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، ومثلًا لما قد تحتويه الأديان أحيانًا من تعبدات غيبية، وهذا الحسبان خطأ؛ فإن الله -تبارك