المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌من أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها: الإيجابية - أصول الدعوة - جامعة المدينة

[جامعة المدينة العالمية]

فهرس الكتاب

- ‌الدرس: 1 بعض الآفات التي تصيب بعض الدعاة

- ‌العجلة

- ‌ضعف اليقين

- ‌التقصير في عمل اليوم والليلة

- ‌الدرس: 2 أصول العقيدة (1)

- ‌علاقة الدعوة بأصول الإسلام

- ‌تعريف العقيدة وأصولها الستة

- ‌الركن الأول: الإيمان بالله

- ‌الركن الثاني: الإيمان بالملائكة

- ‌الركن الثالث: الإيمان بالنبيين والكتب المنزلة على المرسلين

- ‌الدرس: 3 أصول العقيدة (2)

- ‌الركن الرابع: الإيمان بالكتب

- ‌الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر

- ‌الركن السادس: الإيمان بالقدر

- ‌الدرس: 4 العبادة

- ‌الركن الأعظم بعد الشهادتين: الصلاة

- ‌الركن الثاني بعد الصلاة: الزكاة

- ‌الركن الثالث بعد الصلاة: الصيام

- ‌الركن الرابع بعد الصلاة: الحج

- ‌الدرس: 5 الأخلاق

- ‌علاقة الأخلاق بالعقيدة

- ‌علاقة الأخلاق بالعبادة

- ‌تعريف الأخلاق وأهميتها

- ‌مكانة الأخلاق في الإسلام

- ‌خصائص الأخلاق في الإسلام

- ‌الدرس: 6 خصائص الإسلام

- ‌خاصية العالمية

- ‌خاصية الإنسانية

- ‌الدرس: 7 المبادئ العشرة لعلم أصول الدعوة

- ‌معنى أصول الدعوة، وموضوعه، وحكم تعلمه

- ‌موضوع علم أصول الدعوة

- ‌فضائل علم أصول الدعوة

- ‌نشأة علم أصول الدعوة، والمراحل التي مر بها

- ‌روافد علم أصول الدعوة، ونسبته، وثمرته، ومسائله، ومصادره

- ‌الدرس: 8 التصور الإسلامي للمعرفة بأنواعها المختلفة

- ‌الفرق بين العلم والمعرفة

- ‌الحس في الفكر الإسلامي

- ‌العلاقة بين العقل والنقل

- ‌الدرس: 9 دعوة المسلمين

- ‌أصناف المدعوِّين

- ‌الأصول الشرعية في دعوة الكفار والمنافقين

- ‌الأصول الشرعية في دعوة المسلمين

- ‌الدرس: 10 أهم الصفات التي يجب علي الداعية أن يتصف بها

- ‌الإيمان

- ‌الاجتهاد في الطاعات والتقرب بها إلى الله

- ‌التجرد والزهد

- ‌أن يكون في نفسه قدوة حسنة

- ‌أن يكون قوي الحجة مستظهرًا للأدلة

- ‌العلم

- ‌الدرس: 11 المدعوون

- ‌من هو المدعو

- ‌دعوة القرآن المشركين للإيمان

- ‌دعوة القرآن اليهودَ للإيمان

- ‌دعوة القرآن النصارى للإيمان

- ‌دعوة القرآن المنافقين للإيمان

- ‌الدرس: 12 المصادر التي يعتمد عليها الداعية في دعوته المصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌التعريف بالمصدر الأول: القرآن الكريم

- ‌بيان القرآن الكريم للأحكام الشرعية

- ‌أهمية القرآن الكريم في حياة الداعية والمجتمع

- ‌الدرس: 13 المصدر الثاني: السنة

- ‌التعريف بالسنة وأهميتها في التشريع

- ‌أقسام السنة من حيث ورودها إلينا

- ‌الدرس: 14 الثقافة التي يحتاج إليها الداعية

- ‌الثقافة الدينية

- ‌معرفة علوم القرآن

- ‌الثقافة التاريخية

- ‌الثقافة الأدبية والواقعية

- ‌الدرس: 15 ركائز الدعوة في الإسلام

- ‌التصور الإسلامي للكون والحياة

- ‌التصور الإسلامي للإنسان والمجتمع

- ‌الدرس: 16 علاقة الإسلام بالدعوات السابقة

- ‌الإسلام هو الدين القيم الذي فطر الله الناس عليه

- ‌حكمة اختلاف الشرائع من أمة لأمة

- ‌الدرس: 17 الأخلاق ومكانتها في الإسلام - أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (1)

- ‌الأخلاق ومكانتها في الإسلام

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الإخلاص

- ‌من أهم الأخلاق التي تلزم الداعية: الشجاعة

- ‌الدرس: 18 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (2)

- ‌من أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها: الإيجابية

- ‌من الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها التضحية

- ‌الدرس: 19 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (3)

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الصبر

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: الرفق

- ‌الدرس: 20 أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (4)

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: العدل

- ‌من الأخلاق التي يجب أن يتخلق بها الداعية: العفو

- ‌الدرس: 21 من خصائص الإسلام: الربانية والوسطية والوضوح

- ‌(من خصائص الإسلام: الربانية

- ‌من خصائص الإسلام: الوسطية

- ‌من خصائص الإسلام: الوضوح

الفصل: ‌من أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها: الإيجابية

بسم الله الرحمن الرحيم

الدرس الثامن عشر

(أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها (2))

‌من أهم الأخلاق التي يجب على الداعية أن يتخلق بها: الإيجابية

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، وأشهد ألا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله؛ أما بعد:

أعني بالإيجابية أن يكون الداعية له دور فعال في إصلاح المجتمع بحيث يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الخير، ولا يكون سلبيًّا انعزاليًّا لا يأمر بالمعروف، ولا ينهى عن المنكر، ولا يدعو إلى الخير.

إن الإنسان لا يعيش وحده في هذه الحياة، وإنما يعيش داخل أسرته الصغيرة، وهي العائلة هو فرد من أفرادها، ثم يعيش بأسرته داخل الأسرة الكبيرة، وهي مجتمع هو أيضا في هذا المجتمع أحد أفراده ما يصيب المجتمع من خير يصيبه، وما يصيب المجتمع من شر يصيبه، وذلك يوجب عليه أن يسعى جاهدًا لتحقيق الخير للمجتمع؛ لأنه سيعمه، كما يجب عليه أن يسعى جاهدًا لدفع الشر عن المجتمع؛ لأن الشر إذا عم سيشمله، فمن الخير لكل فرد أن يبذل جهده في تحقيق الخير، ودفع الشر قال الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ * وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال: 24، 25).

فأمر الله تبارك وتعالى المؤمنين بالاستجابة لله وللرسول في كل ما أمر به الله والرسول صلى الله عليه وسلم حتى يحيوا في هذه الحياة الدنيا حياة طيبة ملؤها الأمن والأمان، والسلامة، والسعادة، والسلام، ثم حذرهم من عدم الاستجابة لما دعاهم إليه كما حذرهم من القعود عن دعوة الذين لم يستجيبوا لربهم إن هم استجابوا؛ فليحذروا أن يقعدوا عن دعوة الذين لم يستجيبوا فقال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ، وفي هذا

ص: 353

التعقيب تحريض جميعهم على الاستجابة المستلزم تحذيرهم من ضدها بتحذير المستجيبين من إعراض المعرضين؛ ليعلموا أنهم قد يلحقهم أذًى من جراء فعل غيرهم إذا هم لم يقوموا عوج قومهم؛ كي لا يحسبوا أن امتثالهم كافٍ إذا عصى دهماؤهم، فحذرهم فتنة تلحقهم فتعم الظالم وغيره.

فإن المسلمين إن لم يكونوا كلمة واحدة في الاستجابة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم دب بينهم الاختلاف، واضطربت أحوالهم، واختل نظام جماعتهم باختلاف الآراء، وذلك الحال هو المعبر عنه بالفتنة؛ فعلى عقلاء الأقوام، وأصحاب الأحلام منهم إذا رأوا دبيب الفساد في عامتهم أن يبادروا للسعي إلى بيان ما حل بالناس من الضلال في نفوسهم، وأن يكشفوا لهم ماهيته، وشبهته، وعواقبه، وأن يمنعوه منه بما أوتوه من الموعظة، والسلطان، ويزجروا المفسدين عن ذلك الفساد حتى يرتدعوا؛ فإن هم تركوا ذلك، وتوانوا فيه لم يلبس الفساد أن يسري في النفوس، وينتقل بالعدوى من واحد إلى غيره حتى يعم أو يكاد فيعسر اقتلاعه من النفوس، وذلك الاختلال يفسد على الصالحين صلاحهم، وينكد عليهم عيشهم على الرغم من صلاحهم، واستقامتهم فظهر أن الفتنة إذا حلت بقوم لا تصيب الظالم خاصة بل تعمه، والصالح.

فمن أجل ذلك، وجب اتقاؤها على الكل؛ لأن أضرار حلولها ستصيب جميعهم. عن زينب بنت جحش رضي الله عنها:((أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها ذات ليلة فزعًا فقال: سبحان الله! ويل للعرب من شر قد اقترب، قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟! قال: نعم إذا كثر الخبث))، وقال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (المائدة: 105) يعني: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يا من رضيتم بالله ربًّا وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ورسولًا يا

ص: 354

من صدقتم بالله، ورسوله والكتاب الذي نزل على رسوله، والكتاب الذي أنزل من قبل الزموا إصلاح أنفسكم، وتزكيتها بما شرعه الله لكم لا يضركم ضلال غيركم إذ اهتديتم إذ لا تذر وازرة وزر أخرى.

ومن أصول الهداية: الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ فإذًا لا تكونون مهتدين إلا إذا بلغتم دعوة الحق، والخير، وعلمتم الجاهلين ما أعطاكم الله تعالى من العلم، والدين، وأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر فإذا لا تكونون مهتدين إلا إذا قمتم بهذا الواجب فلا تكتموا الحق، والعلم كما كتمه من كان قبلكم فلعنهم الله على لسان أنبيائه، ولسان نبيكم صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (المائدة: 78)، ثم أعلمهم أنهم إلى الله راجعون {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} أي: إليه وحده رجوعكم، ورجوع من ضل عما اهتديتم إليه فينبئكم عند الحساب بما كنتم تعملون في الدنيا، ويجزيكم به.

روى الإمام رحمه الله قال: "قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105)، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه))، وهكذا صحح الخليفة الأول -رضوان الله عليه- ما ترامى إلى وهم بعض الناس في زمانه من هذه الآية الكريمة، ونحن اليوم أحوج إلى هذا التصحيح؛ لأن القيام بتكاليف تغيير المنكر قد صارت أشق فما أيسر ما يلجأ الضعفاء إلى تأويل هذه الآية على النحو الذي يعفيهم من تعب الجهاد ومشاقه، ويريحهم من عنت الجهاد، وبلائه.

ص: 355

لقد اتفق السلف -رضوان الله عليهم أجمعين- أن المؤمن لا يكون مهتديًا بمجرد إصلاحه نفسه إذا لم يهتم بإصلاح غيره، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويفهم منه أن هذا فرض لازم دائم، ولكن البعض قد يقول: إن فريضة الأمر والنهي، تسقط إذا فسد الناس فساد لا يرجى معه تأثير الوعظ، والإرشاد أو فسادًا يخشى إلى إيذاء الواعظ والمرشد، ولكن لا بد كما أمر الله سبحانه وتعالى من واجب القيام بالمعروف، والنهي عن المنكر فإذا قامت الدعاة بواجبهم، وكانوا إيجابيين في مجتمعهم لهم دورهم الفعال في الدعوة إلى الهدى، والصلاح فاستجاب المجتمع لهم فقد تحقق الخير للجميع، ونجوا جميعًا من عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة.

وإذا قام الدعاة بواجبهم فلم يستجب لهم الناس فنزل العذاب أخذ الظالمين، ونجى الله تبارك وتعالى الدعاة الآمرين بالمعروف، والناهين عن المنكر كما قال الله تعالى:{وَاسْْْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (الأعراف: 163 - 166)، ففي هذه الآيات المباركات من سورة الأعراف يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود عن هذه الواقعة المعلومة لهم في تاريخ أسلافهم، ولا يذكر اسم القرية التي كانت حاضرة البحر فهي معروفة للمخاطبين.

فأما الواقعة ذاتها؛ فقد كان أبطالها جماعة من بني إسرائيل يسكنون مدينة ساحلية، وكان بنو إسرائيل قد طلبوا أن يجعل لهم يوم راحة يتخذونه عيدًا للعبادة، ولا يشتغلون فيه بشئون المعاش فجعل لهم السبت، ثم كان الابتلاء

ص: 356

ليربيهم الله تعالى، ويعلمهم كيف تقوى إرادتهم على المغريات، والأطماع، وكيف ينهضون بعهودهم حين تصطدم بهذه المغريات، والأطماع، ولم يصمت فريق من بني إسرائيل للابتلاء الذي كتبه الله عليهم بسبب ما تكرر قبل ذلك من فسوقهم، وانحرافهم فلقد جعلت الحيتان في يوم السبت تتراءى لهم على الساحل قريبة المأخذ سهلة الصيد فتفوتهم، وتفلت من أيديهم بسبب حرمة السبت التي قطعوها على أنفسهم؛ فإذا مضى السبت، وجاءتهم أيام الحل لم يجدوا الحيتان قريبة ظاهرة كما كانوا يجدونها يوم الحرم، فإذا جماعة منهم تهيج مطامعهم أمام هذا الإغراء فتتهاوى عزائمهم، وينسون عهدهم مع ربهم، وميثاقهم فيحتالون الحيل على طريقة اليهود للصيد في يوم السبت.

وقد روي في بيان هذه الحيلة التي احتالوا بها على الصيد في يوم السبت أنهم كانوا يقيمون الحواجز على السمك، ويحوطون عليه في يوم السبت حتى إذا جاء الأحد سارعوا إليه فجمعوه، وقالوا: إنهم لم يصطادوه في السبت فقد كان في الماء، وراء الحواجز غير مصاد، وهكذا راح فريق من سكان القرية يحتالون على السبت الذي حرم عليهم الصيد فيه، وراح فريق منهم آخر يرى ما يفعلونه من الاحتيال على الله فيحذر الفريق العاصي مغبة احتياله، وينكر عليه ما يزاوله من الاحتيال بينما مضى فريق ثالث يقول للآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر: ما فائدة ما تزاولونه مع هؤلاء العصاة، وهم لا يرجعون عن ما هم آخذون فيه، وقد كتب الله عليهم الهلاك، والعذاب:{وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا} (الأعراف: 164).

فلم تعد هناك جدوى من الوعظ لهم، ولم تعد هناك جدوى لتحذيرهم بعد ما كتب الله عليهم الهلاك أو العذاب الشديد بما اقترفوه من انتهاك الحرمات فقال الذين قاموا بواجب الدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قال الإيجابيون

ص: 357

الذين حرصوا على أن يكون لهم دور فعال في إصلاح المجتمع بقيامهم بواجب الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر قالوا:{مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} فهو واجب لله نؤديه، واجب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتخويف من انتهاك الحرمات لنبلغ إلى الله عذرنا، ويعلم أن قد أدينا واجبنا، ثم لعل النصح يؤثر في تلك القلوب العاصية فيثير فيها وجدان التقوى.

وهكذا انقسم سكان الحاضرة إلى ثلاث فرق، أو ثلاث أمم: أمة عاصية محتالة، وأمة تقف في وجه المعصية والاحتيال وقفة إيجابية بالإنكار، والتوجيه، والنصيحة، وأمة تدع المنكر، وأهله، وتقف موقف الإنكار السلبي، ولا تدفعه بعمل إيجابي، وهي طرائق متعددة من التصور، والحركة تجعل الفرق الثلاثة أممًا ثلاثة فلما لم يجد النصح، ولم تنفع العظة، وسدر السادرون في غيهم حقت كلمة الله، وتحققت نظره فإذ الذين كانوا ينهون عن السوء في نجوة من السوء، وإذا الأمة العاصية يحل بها العذاب الشديد العذاب البئيس بما كانوا يفسقون، وأما الأمة الانعزالية الثالثة التي سكتت عن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فقد سكت النص عنها ربما تهوينًا لشأنها، وإن كانت لم تؤخذ بالعذاب إذ أنها قعدت عن الإنكار الإيجابي، ووقفت عند حدود الإنكار السلبي فاستحقت الإهمال، وإن لم تستحق العذاب:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ * فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} (الأعراف: 165، 166).

فعليك أيها الداعية أن تكون إيجابيًّا، وإياك أن تكون انعزاليًّا تؤثر الراحة، والخلود إلى الأرض، وتأوي إلى الفراش، وتترك الناس يتركون دين الله،

ص: 358

ويتركون ما فرض عليهم القيام به، ويقعون فيما حرم عليهم؛ فإنك أيها الداعية راع، وكل راع مسئول عن رعيته كما قال صلى الله عليه وسلم فإذا غبت عن رعيتك تخلت عن واجبها، وتعرضت لعذاب الله سبحانه وتعالى الذي يخشى أن يصيبك معهم كما قال تعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25).

فلا يجوز للداعية أن يبتعد عن الناس، ويعتزلهم، ويترك دعوتهم، ولو كانت له نية حسنة في هذه العزلة، وهذا الابتعاد عن المجتمع إننا نقرأ في كتاب الله عز وجل أن عملًا كهذا سبق من موسى عليه السلام فأوقفه الله به موقف الحساب والمؤاخذة؛ لأن شعبا بأسره ضل بغياب موسى عنهم قال تعالى:{وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى * قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ * فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} ، (طه: 83 - 86).

وإنا لنرى في سيرة سيد الدعاة محمد صلى الله عليه وسلم أنه لم يلجأ إلى هذه العزلة مرة واحدة مذ أمره الله سبحانه وتعالى بالدعوة، والتبليغ فقد ظل مع أصحابه، وأتباعه لا يفارقهم فهو معهم في المسجد، والسوق، والحقل، والبستان، وسائر مجالسهم، وكان يصحبهم في حروبهم، وموسم حجهم، ويزورهم في بيوتهم، ويعود مرضاهم، ويشيع جنازاتهم، ويجاملهم، ويواسيهم، ويشاطرهم ما ينزل بهم من خير وشر، وهو في كل ذلك مصدر رشاد، وهداية، وزاد لقلوبهم، وأرواحهم، ونور يمشون به إلى الله عز وجل نعم لقد كان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، ولكن أين كان يعتكف إنه كان يعتكف في مسجده الشريف في وسط المدينة، والمسجد كما كان دار عبادتهم كان دار ندوتهم، ومجلس شوراهم، وما كان ينقطع دخول الناس فيه ليلًا، ولا نهارًا فهو اعتكاف أشبه بمخالطة، ومخالطة أشبه بعزلة، وهو على أي حال اعتكاف لا يعزله عن الناس، ولا يعزل الناس عنه، ولا يدع الرعية للسامري بدون راعٍ.

ص: 359

لا يصح للداعية أن يطاوع نفسه في العزلة مهما تزينت له المقاصد، والأسباب فصومعة الداعية ميدان دعوته، ومحرابه الذي يستنزل فيه من الله الهدى، والمعونة على فعل الخير إن الله يتجلى على العاملين في ميادينهم بأفضل مما يتجلى على العابدين في محاريبهم، وما أبعد الفرق بين من ينهض إلى الله يوم القيامة، ومعه أمة، ومن ينهض إلى الله عز وجل وليس معه أحد فيا أيها الداعية كن إيجابيًّا، ولا تكن سلبيًّا مهما كلفتك الإيجابية فإنه لا بد من التضحية من أجل هذا الدين سنة الله في الذين خلوا من قبل، ولن تجد لسنة الله تبديلًا.

إنه لا بد لأصحاب العقيدة أن يدافعوا عن عقيدتهم، وأن يلقوا في سبيلها العنت، والألم، والشدة، والضر، وأن يتراوحوا بين النصر والهزيمة حتى إذا ثبتوا على عقيدتهم لم تزعزهم شدة، ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق المحنة، والفتنة استحقوا نصر الله؛ لأنهم يومئذ أمناء على دين الله مأمونون على ما ائتمنوا عليه صالحون لصيانته، والزود عنه، واستحقوا الجنة؛ لأن أرواحهم قد تحررت من الخوف، وتحررت من الذل، وتحررت من الحرص على الحياة أو على الدعة، والرخاء فهي عندئذ أقرب ما تكون إلى عالم الجنة، وأرفع ما تكون عن عالم الطين يقول الله سبحانه:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214).

هكذا خاطب الله الجماعة المسلمة الأولى، وهكذا وجهها إلى تجارب الجماعات المؤمنة قبلها، وإلى سنته سبحانه وتعالى في تربية عباده المختارين الذين يكل إليهم رايته، وينوط بهم أمانته في الأرض، ومنهجه، وشريعته، وهو خطاب مضطرد لكل من يختار لهذا الدول العظيم، وإنها لتجربة عميقة جليلة مرهوبة، إن هذا السؤال

ص: 360

من الرسول، والذين آمنوا معه من الرسول الموصول بالله، والمؤمنين الذين آمنوا بالله إن سؤالهم جميعًا: متى نصر الله؟ إن هذا السؤال ليصور مدى المحنة التي تزلزل مثل هذه القلوب الموصولة، ولن تكون إلا محنة فوق الوصف تلقي على ظلالها على مثل هاتيك القلوب فتبعث منها ذلك السؤال المكروب متى نصر الله؟

وعندما تثبت القلوب على مثل هذه المحنة المزلزلة عندئذ تتم كلمة الله، ويجيء النصر من الله ألا إن نصر الله قريب، ولكنه مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يثبتون حتى النهاية الذين يثبتون على البأساء، والضراء الذين يصمدون للزلزلة الذين لا يحنون رءوسهم للعاصفة الذين يستيقنون ألا نصر إلا نصر الله، وعندما يشاء الله، وحتى حين تبلغ المحنة ذروتها فهم يتطلعون فحسب إلى نصر الله لا إلى أي حل آخر، ولا إلى أي نصر لا يجيء من عند الله، ولا نصر إلا من عند الله بهذا يدخل المؤمنون الجنة مستحقين لها جديرين بها بعد الجهاد، والامتحان، والصبر، والثبات، والتجرد لله وحده، والشعور به وحده، وإغفال كل ما سواه، وكل من سواه.

إن الصراع والصبر عليه يهب النفوس قوة، ويرفعها على ذواتها، ويطهرها في بوتقة الألم فيصفو عنصرها، ويضيء، ويهب العقيدة عمقا، وقوة، وحيوية فتتلألأ حتى في أعين أعدائها، وخصومها، وعندئذ يدخلون في دين الله أفواجًا كما وقع، وكما يقع في كل قضية حق يلقى أصحابها ما يلقون في أول الطريق حتى إذا ثبتوا للمحنة انحاز إليهم من كانوا يحاربونهم، وناصرهم أشد المناوئين، وأكبر المعاندين على أنه حتى إذا لم يقع هذا يقع ما هو أعظم منه في حقيقته يقع أن ترتفع أرواح أصحاب الدعوة على كل قوى الأرض، وشعورها، وفتنتها، وأن تنطلق من إيثار الحرص على الدعة، والراحة، والحرص على الحياة نفسها في النهاية، وهذا الانطلاق كسب للبشرية كلها، وكسب للأرواح التي تصل إليه

ص: 361

عن طريق الاستعلاء كسب يرجح جميع الآلام، وجميع البأساء، والضراء التي يعانيها المؤمنون المؤتمنون على راية الله، وأمانته، ودينه، وشريعته.

وهذا الانطلاق هو المؤهل لحياة الجنة في نهاية المطاف، وهذا هو الطريق كما يصفه الله تعالى للجماعة المسلمة الأولى، وللجماعة المسلمة في كل جيل هذا هو الطريق إيمان، وجهاد، وتضحية، ومحنة، وابتلاء، وصبر، وثبات، وتوجه إلى الله وحده، ثم يجيء النصر في الدنيا، ثم يجيء النعيم في الآخرة في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

ولقد أعلم الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم من أول ساعة كلفه فيها بالدعوة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر من أول ساعة أوحى الله تعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أعلمه أنه سيبذل الكثير من الجهد، وسيبذل الكثير من الوقت، وسيلقى الكثير من الاضطهاد، والتعذيب، وأن عليه صلى الله عليه وسلم أن يعد نفسه لذلك بما أرشده الله تعالى إليه ليمضي قدمًا في طريق دعوته غير عابئ، ولا مكترث بما يبذله من أجلها من تضحيات، ولا بما يصيبه بسببها من مصائب يقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا * إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا * وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا * رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا * وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا} (المزمل: 1 - 10).

هكذا نادى الله سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وقد رجع بعد أول لقاء معه مع جبريل عليه السلام إلى زوجه خديجة رضي الله عنها خائفًا مرتعشًا يقول: ((زملوني زملوني فزملوه فنام فجاءه الوحي: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ})) يا أيها الملفوف بلحافه المتغطي بثيابه يا أيها المزمل قم قم للأمر العظيم الذي ينتظرك، والعبء الثقيل المهيأ لك قم للجهد، والنصب،

ص: 362

والكد، والتعب قم فقد مضى وقت النوم، والراحة قم فتهيأ لهذا الأمر، واستعد له، وإنها لكلمة عظيمة رهيبة تنتزعه صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ، والحضن الدافئ لتدفع به في الخضم بين الزعازع، والأنواء بين الشد، والجذب في ضمائر الناس، وفي واقع الحياة سواء. إن الذي يعيش لنفسه قد يعيش مستريحًا، ولكنه يعيش صغيرًا، ويموت صغيرًا؛ فأما الكبير الذي يحمل هذا العبء الكبير فما له، والنوم، وما له والراحة، وما له والفراش الدافئ، والعيش الهادئ، والمتاع المريح.

ومن ثم كان نصيب القادة من العناء، والبلاء مكافئًا لما أوتوا من مواهب، ولما أدوا من أعمال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أشد بلاء؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الناس على قدر دينهم فمن ثخن دينه اشتد بلاؤه، ومن ضعف دينه ضعف بلاؤه، وإن الرجل ليصيبه البلاء حتى يمشي على الأرض ما عليه خطيئة))، فاختلاف أنصبة الناس من الجهد، والتبعة، والهموم الكبيرة يعود إلى طاقتهم في التحمل، والثبات، وسنة العظمة، والاعتداد هي التي أوحوت لقائد أمريكي أن يقول:"لا تسأل الله أن يخفف حملك، ولكن اسأل الله أن يقوي ظهرك".

إن خفة الحمل، وفراغ اليد، وقلة المبالاة صفات قد يظفر الأطفال منها بقسط كبير لكن مشاغل العيش، وهموم الواجب، ومرارة الكفاح، واستدامة السعد هي أخلاق الجاهدين البنائين في الحياة، والرجل القاعد في داره لا يصيبه غبار الطريق، والجندي الهارب من الميدان لا يشوكه سلاح، ولا يروعه زحف أما الذين أسهموا في معركة الحياة، وخاضوا غمارها فستغبرهم وعثاؤها، وتنالهم جراحاتها، ويدركهم من النصب، والكلال ما يدركهم، ومن هنا كرم الإنسان المنتصبين لأعراض الدنيا، وواسى المتعبين مواساة تطمئن بالهم، وتخفف آلامهم.

ص: 363