الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبب مشروع لتحقيق هذا الهدف، فتأتي الأسباب المعنوية أولًا من الإخلاص والتجرّد وسلامة المعتقد وصدق الاتباع وصحة العلم، ثم الأسباب المادية من العناية بالتربية والأمر والنهي والبصيرة بالواقع والتفاعل الصحيح مع قضايا الأمة والحرص على الوحدة والاجتماع والتآلف والشمول والتكامل، وصدق الله العظيم إذ يقول:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر: 51)، وقال سبحانه:{وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون} .
موضوع علم أصول الدعوة
أما موضوع علم أصول الدعوة، فإن موضوع علم الدعوة هو الإسلام من حيث تبليغ رسالته والسعي لتكون كلمة الله هي العليا، قال الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران: 85) والدعوة لها جوانب منها المضمون، والمقصود وهو بيان الإسلام بمراتبه وأركانه وشرائعه وأخلاقه وأنظمته وخصائصه ومقاصده ومحاسنه، ومن حيث ما يجب في بلاغ الدعوة من قواعد حاكمة وضوابط لازمة أولويات مرتبة ومآلات مرعية، ومن حيث ما يعرض للدعوة من مشكلات ومعوقات وما يتعلق بها من أحكام وآداب وما يستجد بساحتها من النوازل واستنباط أحكامها الشرعية، ومن حيث ما يتوسل به لتحقيق أهداف الدعوة من الوسائل والأساليب المشروعة، وكما يُعنى علم أصول الدعوة بما يجب على الداعي من واجباتٍ في نفسه وفي غيره، وما يليق أن يتحلى من الصفات وما يلزمه أن يتخلى عنه من الآفات، وما يتعين التزامه والانضباط به في جميع ما يتعلق بالدعوة من أعمال وممارسات.
ولهذا العلم علم أصول الدعوة أسماء، ومعلوم أن كثرة الأسماء تدل على شرف المسمى غالبًا.
ومن أشهر الأسماء المعاصرة لهذا العلم علم الدعوة، وهذا الاسم هو أعم أسماء هذا العلم وأوسعها وأشملها وأكثرها تناولًا واستعمالًا وباسمه صنف كتب كثيرة من أهمها على سبيل المثال (المدخل إلى علم الدعوة) لفضيلة الدكتور محمد أبو الفتح البيانوني؛ حيث عرَّف هذا العلم بقوله: هو مجموعة القواعد والأصول التي يتوصَّل بها إلى تبليغ الإسلام للناس وتعليمه وتطبيقه. وعلى هذا الاسم علم الدعوة درج كثيرٌ من الكُتَّاب والدعاة المعاصرين.
ومن أسماء هذا العلم اسم أصول الدعوة، وهو الاسم الذي اخترناه واعتمدناه في بحثنا هذا تعريفًا واصطلاحًا لقبيًّا لهذا العلم، فتدخل أدلة الدعوة ومصادرها وأركانها دخولًا أوليًّا، ثم يمتدّ نطاق هذا المصطلح ليشمل أحكامًا وآدابًا تتعلّق بالدعوة في وسائلها ونوازلها المتصلة بقضية البلاغ، وصنيع من كتب في أصول الدعوة من العلماء والدعاة يُوحي بهذا المعنى الواسع، كما في كتاب (أصول الدعوة) لفضيلة الدكتور عبد الكريم زيدان؛ حيث شمل كتابه كثيرًا مما يتصل بأصول الدعوة وموضوعها ووسائلها وآدابها، وما يتصل بالداعي والمدعوين من مسائل وإن خلا الكتاب عن تعريف اصطلاحي دقيق لهذا العلم.
ومن أسماء هذا العلم اسم مناهج الدعوة، وهذا اصطلاح يتناول خُطَّة الدعوة ونظمها، وقد يتوسع في مفهومه فيتناول الأهداف والأصول والقواعد، كما فعل فضيلة الأستاذ محمد سرور زين العابدين في كتابه (منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله)؛ حيث عن قال عن مقصوده من هذا المصطلح: قصدت الأصول والأهداف التي كانت تجمع بين أنبياء الله جميعًا، وهذا الذي يعنيه كثير من الكتاب في عصرنا، وعلى أية حال، فقد قيل: لا مشاحة في الاصطلاحات.
ومن أسماء هذا العلم فقه الدعوة، وهذا الاسم من أشمل هذه الأسماء وباسمه صنفت كتب كثيرة من أهمها (فقه الدعوة إلى الله) لفضيلة الدكتور علي عبد الحليم محمود.
ومن الجدير بالذكر أن أبواب هذا العلم قد أفردت بالتصنيف بل وأُفردت بالدراسة على أنها علوم مستقلة، في كلية الدعوة وأقسامها بجامعات العالم الإسلامي اليوم.
أما حكم تعلم هذا العلم، علم أصول الدعوة فنقول: إن حكم تعلم هذا العلم ينبني على حكم الدعوة نفسها، فإذا عرفنا حكم الدعوة عرفنا حكم تعلم أصولها، ومن أنعم النظر علم أن الدعوة إلى الله حياة الأديان، وأنه ما قام دينٌ ولا انتشر إلا بالدعوة، ولا تداعت أركان ملة بعد قيامها وتلاشت إلا بترك الدعوة والتعليم والتذكير، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إذا كانت الدعوة أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي لا تحصل إلا بالعلم الذي يدعو به وإليه، ولا بد في كمال الدعوة من البلوغ في العلم إلى حدّ يصل إليه السعي.
وقد اتفق العلماء في الجملة على وجوب الدعوة إلى الله وذلك لعموم قول الله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ} (النحل: 125) وقوله سبحانه: {وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ} (الحج: 67)، لكنهم اختلفوا في هذا الواجب: هل هو واجب عيني أو واجب كفائي؟ يعني: هل الدعوة إلى الله فرض عين فيجب على كل مسلم أن يكون داعية، أم هي فرض كفاية؟
ولكل فريق أدلته: فمنهم من ذهب إلى أنها فرض عين ومنهم من ذهب إلى أنها فرض كفاية، وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بين القولين فقال: وكل واحد من الأمة يجب عليه أن يقوم من الدعوة بما يقدر عليه إذا لم يقم به
غيره، فما قام به غيره سقط عنه وما عجز لم يطالب به، كما يمكن الجمع بين القولين بتقسيم الدعوة إلى قسمين: دعوة خاصة ودعوة عامة؛ فالخاصة في بيت الرجل وبين أهله وفي سلطانه وهذه الدعوة الخاصة فرض عين لقوله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)) والدعوة العامة في سائر المسلمين دعوة إلى الخير وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وهي فرض كفاية لقول الله تعالى:{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104).
وأخيرًا فإن تحقق الكفاية في الدعوة اليوم أمر مُتعذِّر وغير متيسر، فدعوة المسلمين مجال رحب فسيح متجدد وأوسع منه وأرحب دعوة غير المسلمين للإسلام، كل ذلك في عالم يموج بالفتن وتستحكم فيه الجهالة ويتّسع فيه الخرق على الراقع؛ ولهذا فإن الدعوة إلى الله عز وجل اليوم أصبحت فرضًا عامًّا وواجبًا على جميع العلماء وعلى جميع الحُكَّام الذين يدينون بالإسلام، فرض عليهم أن يبلغوا دين الله حسب الطاقة والإمكان بالكتابة والخطابة وبكل وسيلة استطاعوا، وفرض عليهم ألا يتقاعسوا عن ذلك الواجب أو يتكلموا على زيد أو عمرو؛ فإن الحاجة بل الضرورة ماسة إلى التعاون والاشتراك والتكاتف في هذا الأمر العظيم.
ومن الخطأ أن يُفهم القرآن الكريم فهمًا خاطئًا ويُحمل على غير مراده، فيتقاعس الناس عن القيام بواجب الدعوة، ويتركون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر محتجين بظاهر بعض الآيات التي أخطئوا في فهمها، ومنها مثلًا قول الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: 105) ففهمَ بعض الناس من ظاهر هذه الآية أن المسلم إذا كان مهتديًا في نفسه فلا يضره ضلال غيره وإلا لم يقم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا خطأٌ جاء من الفهم السقيم للآية؛ ولذلك لما أحسّ أبو بكر الصديق رضي الله عنه بوجود مثل هذا الفهم في نفوس بعض الناس قام في الناس خطيبًا فقال: "أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك الله أن يَعُمَّهم بعقاب من عنده)).
إذا معنى الآية كما فصل ذلك كثير من السلف {يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} يعني: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، ولم يُستجب لكم- فحينئذٍ لا يضركم ضلال من ضل، فإن الله تعالى قال:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} ، أما إذا أما إذا فشا المنكر وزاع وشاع في الناس وسكت القادرون عن إنكاره؛ فإن ضلال الضالين يضر المهتدين الذين قعدوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر، قال الله تبارك وتعالى:{وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (الأنفال: 25)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((مثلُ القائم في حدود والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فكان بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أن خرقنا في نصيبنا خرقًا فلم نؤذِ من فوقنا)) قال صلى الله عليه وسلم: ((فلو تركوهم وما أردوا لهلكوا جميعًا ولو أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا)).
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ترك أهل العلم لتبليغ الدين كترك أهل القتال للجهاد، وترك أهل القتال للقتال الواجب عليهم كترك أهل العلم للتبليغ الواجب عليهم. كما أنه لا يجوز للداعية أن يقعد عن القيام بواجب الدعوة والتبليغ؛ لأن الناس لم يستجيبوا له ولم يقبلوا دعوته ولم يهتدوا بهديه؛ فإن الله سبحانه وتعالى قال للنبي صلى الله عليه وسلم:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} (القصص: 56)، وقال سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ